الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
ما موقفك مع امرأتك التي ائتمنك الله عليها، هل أنفقت عليها؟ هل عاملتها بالحسنى؟ هل عاشرتها بالمعروف؟ هل تعاملت معها بالمعروف؟ ثم المرأة المسلمة؛ هل أطاعت زوجها بالمعروف، وتعاملت معه بالإحسان؟ ثم موقفك مع أولادك؛ هل وجهتهم التوجيه الصحيح، وربيتهم التربية الصالحة، وأخذت على أيديهم، وأبعدتهم عن أماكن الردى والفجور والضلال؟ ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: جعل الله هذه الحياة الدنيا مزرعةً للآخرة، يتزود فيها العباد الخير والعمل الصالح، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، جعل الله الدنيا دار عمل، والآخرة دار الجزاء، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31].
أيها المسلم: وقد منح اللهُ العبدَ إرادةً واختياراً ليختار بها ما شاء، فإن اختار الخير وسبيل الرشاد جُوزِيَ عليه، وكان من المفْلِحِينَ الصالحينَ، وإن سلك طريق الغيِّ والضَّلال عوقب عليه، وكان من الضالين الهالكين.
أيها المسلم: وإن الله -جل وعلا- وكَّلَ بأعمال العباد (كِرَاماً كَاتِبِينَ) [الانفطار:11]، يسجلون أقوالهم، ويكتبون أعمالهم، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ) [الانفطار:10-11].
أيها المسلم: لم نُخْلَقْ عَبَثَاً أبدا، ولم نُتْرَكْ سُدَىً، (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة:36]، بل هناك موقف لنا بين يد الله، (يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة:13]، صحائف أعمالنا التي عملنا في هذه الدنيا ننساها، وقد أحصاها الله علينا، (يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة:6].
إنَّ هناك كتابا فيه سِجِلُّ كُلِّ أقوالنا وأعمالنا، سنقف عليه بين يدي الله -جل وعلا-، (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء:13-14]، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً) [الكهف:49].
أيها المسلم: في ذلك اليوم تبدأ سرايا العباد، ويقف العباد على أعمالهم، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) [الحاقة:19-20]، وقال: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ) [الحاقة:25-26].
أخي المسلم: إن مرور الأيام والشهور والأعوام تُذَكِّرُكَ بالرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، فاستعِدَّ لذلك، وقِفْ مع نفسك وقَفَاتٍ عديدةً في أعمالك كلها فيما بينك وبين الله، وبينك وبين عباد الله.
أخي المسلم: قف مع نفسك؛ هل كنت مخلصا لله في أقوالك وأعمالك؟ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، مبتغياً به وجهه والدار الآخرة، (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110].
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمِل عملاً أشرك معي أحدا غيري تركته وشركه"، وفي لفظ: "وأنا بريء منه"، هل أخلصت لله أقوالك وأعمالك؟ هل حققت تعلق قلبك بربك محبتا وخوفا ورجاء؟ هل حققت الخضوع إلى الله وأفردته بجميع أنواع العبادة، وعلمت حقاً أن كل أنواع العبادة لا تليق إلا بالله، فهو المعبود بحق، وما سواه فمعبود بباطل؟.
أيها المسلم: موقفك مع فرائض الإسلام؛ هل أدَّيتَ هذه الصلوات الخمس كاملة الأركان والواجبات، وحافظت على الجُمَع والجماعات، وأديتها في أوقاتها المفروضة، وأقمتها في المساجد؟.
هل أنت مُؤَدٍّ لزكاة مالك، مُحْصٍ لجميع دخلك، مدققاً، موصلاً الزكاة لأهلها ومستحقيها؟ وهل حققت صومك وحجك ببيت الله؟.
موقفك مع الأبوين؛ هل كان موقفك مع أبويك البر بهما، والإحسان إليهما، وخدمتهما، وطاعتهما بالمعروف؟.
ما موقفك مع امرأتك التي ائتمنك الله عليها، هل أنفقت عليها؟ هل عاملتها بالحسنى؟ هل عاشرتها بالمعروف؟ هل تعاملت معها بالمعروف؟ ثم المرأة المسلمة؛ هل أطاعت زوجها بالمعروف، وتعاملت معه بالإحسان؟.
ثم موقفك مع أولادك؛ هل وجهتهم التوجيه الصحيح، وربيتهم التربية الصالحة، وأخذت على أيديهم، وأبعدتهم عن أماكن الردى والفجور والضلال؟.
ثم موقفك مع رحِمَك، هل كنت واصلاً لهم، سائلاً عن حاجاتهم، متحسساً لمشاكلهم، عائداً لمريضهم، مواسٍ لمحتاجهم، مضمداً لجروحهم، متعاملاً معهم بالعدل، ملتزماً قول الله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) [النساء:1].
ما موقفك من إخوانك المسلمين عموما، وحقوقهم العامة عليك، من إفشاء السلام، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، والنصيحة للمسلمين؟.
ما موقفك -أخي المسلم- مِن وُلاةِ أمرِك؟ هل كان موقفك محبة ولاة أمرك، والسمع والطاعة لهم بالمعروف، وإعانتهم على الخير، والتعامل معهم، وسؤال الله لهم التسديد والثبات؟
ما موقفك مع وطنك المسلم؟ هل كنت ساعياً في تحقيق الخير له، وفي دفع الشر عنه، وفي استتباب أمنه، وفي الدفاع عنه، وفي منع الحاقدين والحاسدين من أن ينالوا من مجتمعك المسلم ما يريدونه من الكيد والضلال؟.
ما موقفك -أخي المسلم- من التعامل مع إخوانك المسلمين؟ هل حبَّبْتَ لهم ما تُحِب لنفسك؟ هل كنت مُحِبَّاً للخير لهم، ساعياً لإصلاح ذات البين بينهم، بعيداً عن المكائد والضلال؟ هل كنت تظهر المحبة الحق والخير لهم، أم تظهر المكيدة والغيبة والنميمة والسعي في تفريق شمل الأمة؟.
ما موقفك من أموالك؟ هل الأموال أتتك بطريق مشروع وكسب مباح؟ وهل كنت في عقودك ومعاملاتك بعيداً عن الغش والتدليس والخداع؟ هل كان إنفاقك في الأموال موافقاً لشرع الله فيما تنفق لنفسك وتنفق على أولادك وتنفقه في العموم؟.
أخي المسلم: قف مع نفسك هذه الوقفات، فإن كنت قائما بما أوجبه الله عليك فاحمد الله على هذه النعمة، وإن كنت مقصراً في شيء فتدارك بقية عمرك، وإصلاح أوضاعك، وتدارك الأخطاء؛ فالتوبة مقبولة منك ما دمت في عهد حال الصحة والسلامة والعافية، قبل أن تبلغ الروح الحلقوم.
أخي المسلم: إن كنت قصرت في شيء من حقوق الله، إن كنت مرائياً في أقوالك وأعمالك، فأخلص لله القول والعمل، فلا ينفعك يوم القيامة إلا عملٌ أخلصته لله.
إن كنت تعلقت بغير الله من دعاء الأموات والغائبين واستغثت بهم، أو ذبحت لهم من دون الله، أو التجأت إليهم وطلبتهم من دون الله، فتب إلى الله، فإنك إن لقيت الله عابداً لغيره، مشركاً غيره في عبادته، فإن مقرك إلى النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72]، فتب إلى الله من التعلق بضرائح الأموات من الأولياء والصالحين، واعلم أنه لا ينفعك دعاؤهم فإنهم لا يسمعون نداءك، ولا يقدرون على نفعك: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:14].
أخي المسلم: إن كنت فرطت في هذه الصلوات الخمس فأضعتها أو تركتها أو أخَّرتَها عن وقتها أو فرطت في أركانها وواجباتها، فتب إلى الله، وأدِّها الأداء المطلوب؛ فإنك إن حفظتها وحافظت عليها كانت لك نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت:45].
احذر أن تلقى الله وأنت مضيِّعٌ لها، ومفرط فيها، قال الله -جل وعلا- إخبار أهل النار إذا قيل لهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر:42-46].
أخي المسلم، فحافظ عليها، وتب إلى الله من ما مضى، وأحْسِنْ هذه الصلوات، وحافظ عليها بكل ما أمكن، حافظ على أوقاتها، وعلى أركانها وواجباتها، وعلى طهارتها، وأدِّها في المساجد، وحافظ على الجُمَع، وأدِّها مع المسلمين؛ لتنال الخير العظيم.
زكاة مالك؛ دقِّق الحساب، دقق الحساب، وأحصِ الزكاة، وأوصلها إلى المستحقين، فهي أمانة عندك، لا تبرأ ذمتك إلا بإحصائها وإيصالها لمستحقيها. أدِّ فريضة الحج إن كنت قادراً على ذلك في وقته، وإياك والتفريطَ والإهمالَ! صُمْ رمضان، وارجُ بذلك مغفرة الله.
تب إلى الله مما حصل من عقوق بالوالدين، وإهانة الوالدين، وإساءة لعشرة الوالدين؛ فتدارك بقية حياتك وبر بالأبوين، وأحسن صحبتهما؛ لتكون من المؤمنين حقا.
ربِّ الأولاد التربية الصالحة، وخذ على أيدهم، وأعِنْهُم على كل خير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم:6].
تعامل مع الزوجة بكل العدل والإحسان، أحسِنْ معاشرتها ومعاملتها، والخطاب الطيب، وأصلح ما بينك وبينها إن حصل شيء بينكما، وتدارك ذلك.
أيها المسلم: صِلْ الرحم، وتدارك ما حصل من نقص، واحذر من قوله -جل وعلا-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].
أخي المسلم: انظر تعاملك في الأموال هذه الأموال في يدك، هل مصدرها حلال: بيع وشراء وميراث وتعامل طيب، أم مصدرها غش ورشوة وسرقة واغتصاب وجحد للحقوق وغسيل أموال باطلة وأمور محرمة؟ هل تجارتك تجارة مباحة أم تجارة مخدرات ومسكرات وأمور تخالف الشرع؟ فاتقِّ الله، ونَقِّ التجارة، وطهِّر الأموال والمكاسب الخبيثة؛ فإن المكسب الخبيث لا خير فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أيها المسلم: ما موقفك من وطنك المسلم؟ هل كنت محباً لهذا الوطن محبةً إيمانية تسع للخير وإزالة الشر، وباستتباب الأمنِ من الرخاء والاطمئنان، أم أنت عدو لدينك، وعدو لوطنك، تمد يدك مع أعداء الأمة، وأعداء دينها، مع أقوام أعداء لك، أعداء لعقيدتك، أعداء لأمنك أعداء لخيرك أعداء لاستقرارك خارجين عن دينك وعقيدتك؟.
فإياك أن تمد يد العون مع هؤلاء! إن الأمانة الإسلامية تفرض على كل مسلم حماية الوطن المسلم، وحماية المجتمع المسلم، وإن مَن يتعاون مع الجهات الخارجية التي معروف عداؤها للإسلام من قديمٍ وحديثٍ، ومعلوم كيدها للإسلام، وتربصها بالإسلام، ووقوفها مع أعداء الأمة في كل الأحوال، إن التعاون مع هؤلاء خيانة للأمانة.
وأي خيانة أعظم من أن تخون أمتك، وتخون دينك، وتخون أمنك، وتخون استقرارك، وتمد يد العون لأعدائك، وتكون سماعاً لهم، ومعيناً لهم، وصدى لهم فيما يريدون للأمة من شرور وفساد؟.
ألا نأخذ العبرة من واقعنا المرير من واقع الأمة التي مرت بها من هذه الشرور والفتن، إن ما نراه في الأمة من السوء والشر يجب استئصاله؛ لتبقى الأمة على أمنها واستقرارها وطمأنينتها واستقامة حالها، إن تلك الفئات الضالة الخارجة عن المنهج القويم الذين يستحلون سفك الدماء وانتشار الفوضى أمة خارجة عن منهج الأمة، وعن سبيل الرشاد والهدى.
فلْنكن أمة واعية وأمة يقظة، ولنأخذ من واقع الأمة عظة واعتباراً؛ فإن الداعين للفتنة والناشرين لها والساعين في الأرض فساداً أولئك قوم ليسو منا ولا على عقيدتنا ولا على منهجنا المستقيم.
إن هذه الأمة التي تعيش أمنًا واطمئنانًا واستقرارًا وارتباطًا عقديًا وأخلاقيًا وأمنًا ورغدًا في العيش يجب أن نحافظ على هذه النعمة بكل ما أوتينا من إمكان، وأن لا نُصْغِي لأيِّ عدوٍّ خارجي، ولا لأي منظمات سياسية تريد بالأمة شراً.
إننا في نعمة عظيمة، وفي خير عظيم، والتحامٍ بين قيادتنا ومواطنينا مما أغاظ الأعداءَ الَّذين يكيدون كل المكايد، ويبغون لها الغوائل، ويريدون أن يبدلوا تلك النعمة والاستقرار بالفوضى والاضطراب وسفك الدماء.
ونحن نقول لهؤلاء: رويدا! قِفُوا عند أنفسكم، وانظروا في عواقب الأمور ومآلاتها، واعلموا أن كل دعوة بغير هدى فدعوة باطلة، مجتمع آمن ومطمئن يحكَّم فيه شرع الله، ويُنْشَر الخير لكل أحد، فماذا يريد الأعداء منا؟ يريدون أن يحوِّلوا أمننا إلى خوف، واستقرارنا لاضطراب وفوضى، نبرأ إلى الله من تلك الأحوال.
ونقول لهؤلاء: تفكَّروا في واقع أمركم، واعلموا أن العدوَّ لا يُريد خيراً لأنفسكم ولا لكم، وإنما يريد انتزاع الخير من أيديكم؛ ليكون المسيطر على الأمة، والمتحكم في خيراتها ومواردها، يريدون إزالة العقيدة السلفية التي تجمع الأمَّةَ على الخير والتقوى.
فالمسلم يقِظٌ حذِرٌ يأخذ من الواقع عبرة وعظة، ولا يكون مغتراً ولا منخدعا بكل الدعايات المضللة، ووسائل الإعلام الجائرة، والقنوات الفضائية، والمواقع الالكترونية التي تحمل في طياتها كل شر وبلاء، كن حذرا، وكن متأنيًا، وإياك أن تخدعك هذه الدعايات المضللة، والتحليلات السياسة الكاذبة الفاجرة، التي يغيظ أصحابها ما يرون من أمننا واستقرارنا واطمئنانا، فإننا -أيها الأمة- تمضي علينا الأيام والأعوام ونحن في نعمة وأمن، نسأل الله أن يديم هذا الفضل علينا، وألَّا ينزعه منا بذنب من ذنوبنا.
لكن؛ يجب علينا أن نكون جسدا واحدا وأمة ملتحمة، لا نرضى لأمتنا بالشر، ولا نرضى للمفسد الفساد، ولا نقر بفساده، نأخذ على أيدي كل مفسد، وكل مجرم، وكل بذرة سوء؛ حتى لا ينتشر السوء، ولا ينتشر البلاء؛ فإن الأمة إذا حكَّمَتْ شرع الله في كل الأحوال، وأخذت على كل المفسدين والمجرمين، أمنت واطمأنت؛ ولذا قال الله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].
هذا حكم الله في كل مفسد، وفي كل مجرم، وفي كل مهدد لأمن الأمة واستقرارها وسلامتها، حكم الله هكذا حتى تعيش الأمة آمنة مطمئنة؛ لأن بذور السوء متى ما طويت في مهدها ارتاح الناس من شرورها، وارتاح الناس من فسادها.
في عهد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، أرحم الخلق بالخلق، وأشرف الخلق على الخلق، جاءه وفود من بعض العرب، فلما دخلوا المدينة لم يطب لهم جوها؛ فبعث بهم إلى إبل صدقة ليشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحُّوا عمدوا على الإبل وقتلوا أصحابها وأخذوها واستاقوها؛ فأرسل النبي بأثرهم فأوتي بهم، فأمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن تسبل أعينهم بالنار، وتركهم في الحرة يستسقون فلا يُسقَون، حتى هلكوا.
قال أنس: هؤلاء كفروا بالله ورسوله، وقتلوا النفس بغير حق، كل هذه الأحكام الشرعية ردعا لكل مفسد، وإيقافاً لكل مجرم عند حده، حتى لا يستشري الفساد في الناس، ولا ينتشر الظلم والعدوان.
نحن في مجتمع مسلم يجب أن نحافظ على قيامه وعلى استقراره وعلى أمنه وطمأنينته؛ ليعيش المسلمون كذلك في هذا الخير العظيم لنا وللأجيال من بعدنا.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: في هذا الزمن كثرت الفتن، وتلاطمت المحن، واستحكمت الشهوات والشبهات والمشاكل، فلا نجاة من هذه الأمور إلا بالتمسُّكِ بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما المنجيان من كل هذه المصائب.
الأمة تمر بها متغيرات وتحديات كثيرة، فلا خلاص لها إلا بالتحلي بالإيمان، والتحلي الصادق به، وتحكيم شرع الله، وأن يكون ميزان أقوالنا وأعمالنا، وولائنا وبرائنا؛ والتمسك بكتاب الله، وسنة رسوله، والاجتماع على ذلك، والتعارف عليه، والتعاون على البر والتقوى.
كلُّ فردٍ منا مسؤول عن أمته، عن دينها وأمنها واستقرارها، كُلٌّ على حسب مسؤوليته، وعلى قدر مهمته، فالواجب على الجميع أن يكونوا يداً واحدة، وأن يقفوا وراء ولاة أمورهم، ويسألوا الله لهم التوفيق والسداد والثبات.
الأمن من أعظم نعم الله على العباد؛ ولهذا، لما بنى إبراهيم عليه السلام وإسماعيل البيت الحرام دعا إبراهيم في البيت: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ) [البقرة:126]، فبدأ بالأمن قبل كل شيء؛ لأنه بالأمن تعيش الأمة، وتطمئن، وتستقر حياتها.
فنسأل الله أن يوفق قادتنا لكل خير، وأن يجمع قلوبنا على الخير، وأن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة واطمئنان، وسكون وسلامة على الدين والأمن والاطمئنان، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم...