النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
وهي سورة مكية اهتمت بجانب العقيدة: التوحيد والرسالة والبعث؛ وهي تتفق في منهجها وهدفها مع سورتي (النمل والشعراء)، كما اتفقت معهما في جو النزول، فهي تكمل أو تفصل ما أجمل في السورتين قبلها. وسميت بسورة القصص لأن الله تعالى ذكر فيها قصة موسى مفصلة موضحة، من حين ولادته إلى حين رسالته، وفيها من غرائب الأحداث العجيبة ما تتجلى فيه بوضوح عناية الله بأوليائه، وخذلانه لأعدائه ..
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: سيكون موضوعنا اليوم، بمشيئة الله، سورة القصص، وهي السورة الثامنة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثمان وثمانون آية.
وهي سورة مكية اهتمت بجانب العقيدة: التوحيد والرسالة والبعث؛ وهي تتفق في منهجها وهدفها مع سورتي (النمل والشعراء)، كما اتفقت معهما في جو النزول، فهي تكمل أو تفصل ما أجمل في السورتين قبلها.
وسميت بسورة القصص لأن الله تعالى ذكر فيها قصة موسى مفصلة موضحة، من حين ولادته إلى حين رسالته، وفيها من غرائب الأحداث العجيبة ما تتجلى فيه بوضوح عناية الله بأوليائه، وخذلانه لأعدائه.
وابتدأت السورة بالحديث عن طغيان فرعون وعلوه وفساده في الأرض، حيث استكبر وتجبر في أرض مصر وادَّعي الربوبية والإلوهية، وجعل أهلها فرقاً وأصنافاً في استخدامه وطاعته، يستعبد ويذل فريقاً منهم وهم بنو إسرائيل فيسومهم سوء العذاب، يقتل أبناءهم الذكور ويترك الإناث على قيد الحياة لخدمته وخدمة قومه.
والسبب -كما قال المفسرون-: سبب تقتيله الذكور أن فرعون رأي في منامه أن ناراً عظيمة أقبلت من بيت المقدس وجاءت إلى أرض مصر فأحرقت قوم فرعون دون بني إسرائيل، فسأل عن ذلك المنجمين والكهنةَ فقالوا له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه، ويكون هلاكك بسببه، فأمر أن يقتل كل ذكر من أولاد بني إسرائيل.
ثم إن الله سبحانه أراد أن يرحم بني إسرائيل وينجيهم من بأس فرعون وطغيانه ويجعلهم وارثين لملك فرعون وقومه، ويسكنون مساكنهم، ويمكنهم في الأرض، ويُرى فرعون الطاغية ووزيره هامان وجنودهما ما كانوا يخافونه من ذهاب ملكهم على يد مولودٍ من بني إسرائيل.
فولدت أمُّ موسى موسى، وخافت عليه من قتل فرعون له كغيره من مواليد بني إسرائيل، فألهمها الله أن ترضعه، فإذا خافت عليه من فرعون أن تجعله في صندوق وتلقيه في بحر النيل ولا تخاف ولا تخزن لفراقه؛ فإن الله سبحانه سيرده إليها ويجعله رسولا إلى فرعون لينجي بني إسرائيل على يديه.
فأخذه أعوان فرعون لتكون عاقبة الأمر أن يصبح لهم عدواً ومصدر حزن وبلاء وهلاك، فقد كان فرعون وهامان وجنودهما عاصين مشركين آثمين، فلما رأته امرأة فرعون فرحت وقالت: قرة عين لي ولك!.
قال الطبري: إن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون قال لها: أما لكِ فنَعَم، وأما لي فليس بقرة عين، وطلبت من فرعون عدم قتله لينفعهما في الكبر، أو يكون ولداً تقر به عينهما. قال المفسرون: وكانت لا تلد، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها.
وعندما علمت أم موسى أنه وقع في يد فرعون خافت عليه خوفاً شديداً، وصار قلبها خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى، وكادت أن تكشف أمره وتُظْهِر أنه ابنها من شدة الحزن لولا أن الله ثبتها وألهمها الصبر لتكون من المصدقين بوعد الله برَدِّه عليها.
وقالت لأخت موسى أنِ اتَّبِعي أثره حتى تعلمي خبره، فأبصرته عن بعد وهم لا يشعرون أنها أخته لأنها كانت تمشى على ساحل البحر حتى وصل الصندوق إلى بيت فرعون وهي ترقبه متخفية عنهم، ومنع الله موسى أن يقبل ثدي أي مرضعة من المرضعات اللاتي أحضروهن لإرضاعه من قبل مجيء أمه، فبقي أياماً لم يرضع، فأهمَّهم أمره فخرجوا به يبحثون عن مرضعةٍ خارج القصر.
فرأتهم أخته فقالت: هل أدلكم على مرضعةٍ له تكفله وترعاه ولا تقصِّر في إرضاعه وتربيته؟ فدفعوه إليها، فلما وجد ريح أمه أقبل على ثديها، قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:13]، ولما بلغ كمال الرشد وتمام العقل والاعتدال، قال مجاهد: سن الأربعين، أعطاه الله الفهم والعلم والتفقُّه، مع النبوة، جزاء على إحسانه.
ثم تحدثت السورة عن قصة موسى في قتله للرجل الذي من قوم فرعون عندما استغاثه الذي من قومه، ثم تآمُر قوم فرعون على قتله، ومن ثَم خروجه وهربه من مصر خوفاً من قتلهم له، واتجاهه إلى "مَدْيَن" بعد أن أنجاه الله من قتلهم له، ولما قصد بوجهه مدين، وهي بلدة شعيب -عليه السلام- دعا ربه أن يرشده إلى الطريق السوي الذي يوصله إلى مقصوده.
قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظهر (أي مركب)، وكان بين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له علم بالطريق سوى حسن ظنه بربه، فبعث الله إلية ملَكا فأرشده إلى الطريق، ولما وصل إلى مدين بلدة شعيب وجد على البر التي يستقي منه الرعاة جمعاً كثيفاً من الناس يسقون مواشيهم، ووجدا امرأتين تكفان غنمهما عن الماء.
فسألهما: ما شأنكما تمنعان الغنم عن ورود الماء؟ قالتا مِن عادتنا التأني حتى ينصرف الرعاة مع أغنامهم عن الماء، ولا طاقة لنا على مزاحمة الأقوياء، ولا نريد مخالطة الرجال، وأبونا شيخ مُسِنٌّ لا يستطيع لضعفه أن يباشر سقاية الغنم؛ ولذلك اضطررنا إلى أن نسقي بأنفسنا. فسقى لهما غنمهما رحمة بهما، ثم تنحى جانبا فجلس تحت ظل شجرة فقال: ربِّ أني محتاج إلى فضلك وإحسانك? إلى الطعام الذي أسد به جوعي، طلب من الله ما يأكله، وقد اشتد به الجوع!.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل، وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه اللاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة.
فعادت البنتان مسرعتين، وكان من عادتهما الإبطاء، فحدثتاه بما كان من أمر الرجل، فأمر إحداهما أن تدعوه له، فجاءته إحداهما تمشي مشي الحرائر بحياء وخجل، قد سترت وجهها بثوبها، فقالت له: إن أبي يطلبك يا موسى. فلما وصل إليه ذكر له ما كان من أمره وسبب هربه من مصر، قال له شعيب: لا تخف، فأنت في بلد آمن لا سلطان لفرعون عليه، وقد نجَّاك الله من كيد المجرمين. وقالت إحدى بناته: يا أبَتِ استأجِرْه لرعي أغنامنا وسقياها؛ فإن أفضل من تستأجره مَن كل قوياً أميناً.
قال أبو حيان: وقولها كلام حكيم جامع؛ لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة بالقائم بأمر من الأمور فقد تم المقصود. ورُوِيَ أن شعيباً قال لها: وما أعلمك بقوته وأمانته؟ فقالت: إنه رفع الصخر التي لا يطيق حملها إلا عشرةُ رجال، وإني جئت معه تقدمت أمامه، فقال لي: كوني مِن ورائي ودليني على الطريق، ولما أتيته خفض بصره فلم ينظر إلي.
فرغب شعيب في مصاهرته وتزويجه إحدى بناته، فقال له: إني أريد أن أزوجك إحدى هاتين الصغرى أو الكبرى بشرط أن تكون أجيراً لي ثماني سنين ترعى غنمي، فإن أكملتها عشر سنين فذلك تفضل منك، وليس بواجب عليك، وما أريد أن أوقعك في المشقة باشتراط العشر، ستجدني إن شاء الله حسَن المعاملة، لين الجانب، وفيا بالعهد.
فقبِل موسى ذلك وقال: ما قلته وعاهدتني عليه قائم بيننا جميعا، لا نخرج عنه، وأي المدتين الثماني أو العشر أديتها لك فلا إثم ولا حرج عليّ، والله شاهد على ما تعاهدنا وتوافقنا عليه؛ فأتم موسى المدة التي اتفقا عليها، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قضى أتم الأجلين وأكملهما وأوفاهما وهو عشر سنين.
فلما أتم موسى المدة، ومشى بزوجته مسافراً بها إلى مصر، أبصر من بعيد ناراً تتوهج من جانب الطور، قال لزوجته: امكثي هنا فقد أبصرتُ ناراً عن بعد، وكانت ليلة باردة وقد ضلوا الطريق، فقال: لعلِّي آتيكم بخبر الطريق، أو أرى من يدلني عليه، أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون.
فلما وصل إلى مكان النار لم يجد ناراً وإنما وجدها نوراً، وجاءه النداء من جانب الوادي الأيمن في ذلك المكان المبارك من ناحية الشجرة ونودي: يا موسى، إن الذي يخاطبك ويكلمك هو أنا الله العظيم الكبير!.
وناداه الله بأن يطرح عصاه التي في يده فألقاها فانقلبت إلى حية، فلما رآها تتحرك كأنها ثعبان خفيف سريع الحركة ولي هارباً منها ولم يلتفت إليها، فناداه الله: يا موسى، ارجع إلى حيث كنت ولا تخف فأنت آمن من المخاوف. وعادت عصاه كما كانت بقدرة الله.
ثم أمره الله عَزَّ وجلَّ أن يُدخل يده في جيب قميصه ثم يخرجها تخرج مضيئة منيرة تتلألأ كأنها قطعة قمَر من لمعان البرق من غير أذىً ولا برص، وأن يضم يده إلى صدره من الخوف يذهب عنه الرعب، فذلك برهانان: اليد والعصا، وحجتان نيرتان واضحتان من الله تعالى تدلان على صدقك، وهما آيتان إلى فرعون وملئه، فهم قوم خرجوا عن طاعة الله وخالفوا أمره.
فقال موسى: يا رب، إني قتلت منهم نفساً وأخشى أن آتيهم فيقتلوني به، وطلب من ربه ما يزداد به قوة على دعوة فرعون بإرسال أخيه هارون معه لأنه أوضح بيانا وأطلق لساناً؛ لأن موسى كان في لسانه حبسة من أثر الجمرة التي تناولها في صغره، إني أخاف إن لم يكن لي وزير ولا معين أن يكذبوني.
فأجابه الله تعالى إلى طلبه وقال: سنقويك بأخيك، ونعينك به، ونجعل لكما سلطاناً على فرعون وقومه فلا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب ما أيدتكما به من المعجزات الظاهرة، وإن العاقبة والغلَبة لكما ولمن اتبعكما في الدنيا والآخرة.
فلما جاءهم موسى بالبراهين الساطعة والمعجزات القاطعة والدالة على صدقه وأنه رسول من عند الله قالوا: ما هذا الذي جئتنا به من العصا واليد إلا سحر مكذوب مختلَق افتريتَه من عند نفسك ونسَبْتَه إلى الله، ما سمعنا بمثل هذه الدعوى، دعوى التوحيد، في آبائنا وأجدادنا السابقين.
فقال لهم موسى بتلطف في الخطاب: ما جئتكم به حق وليس بسحر، وربي يعلم أني محق وأنتم مبطلون، ويعلم من تكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، إنه لا يسعد ولا ينجح مَن كان ظالماً كاذباً على الله. فاستمر فرعون في طغيانه وتكذيبه، فأخذه الله هو وجنوده بالغرق مما هو مفصل في سورة القصص وغيرها من سور القرآن الكريم.
عباد الله: هذه نبذة عن قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون مما ورد في سورة القصص، أسأل لله أن ينفعنا بما سمعنا وبهدي كتابه الكريم، وسنة نبيه خاتم المرسلين، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكن ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله منزل الكتاب المبين على خاتم الأنبياء والمرسلين، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين.
عباد الله: استكمالاً للحديث عن بعض ما جاء في سورة القصص نقول: إن السورة تحدثت عن أشياء كثيرة غير ما ذكرنا مما يدل على عظم قدرة الله ووحدانيته، ومنها أنها تحدثت عن كفار مكة ووقوفهم في وجه رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبينت أن مسلك أهل الضلال واحد في الأمم السابقة واللاحقة.
وفي الجزء الأخير من السورة تحدثت عن قصة قارون، وهو من عشيرة موسى، اغتر بماله، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان ابن عم موسى فبغى وتجبر وتكبر على قومه بسبب ما منحه الله من الكنوز والأموال، حيث أعطاه الله من الأموال الوفيرة والكنوز الثقيلة ما يثقل على الجماعة أصحاب القوة حمل مفاتيح خزائنه لكثرتها وثقلها! فضلا عن حمل الخزائن والأموال!.
وقال له قومه: لا تأشر ولا تبطر فإن الله لا يحب البطرين الذين لا يشكرون الله على إنعامه، ويتكبرون بأموالهم على عباد الله، واطلب فيما أعطاك الله من الأموال رضا الله، وذلك بفعل الحسنات والصدقات والإِنفاق في الطاعات، ولا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالأموال وطلبك إياها وأحسِنْ إلى عباد الله كما أحسن الله، إليك ولا تطلب بهذا المال البغي والتطاول على الناس والإفساد في الأرض بالمعاصي؛ فإن الله لا يحب من كان مجرماً باغياً مفسداً في الأرض.
ولما وعظه قومه أجابهم متكبراً: إنما أعطيتُ هذا المال على علم عندي بوجوه المكاسب، ولولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي واستحقاقي له ما أعطاني هذا المال. فرَدَّ عليه الله تعالى: أوَلا يعلم هذا المغرور أن الله قد أهلك من قبله من هو أقوى منه وأكثر مالاً؟ إنه لن يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها لأنه عالم بكل شيء.
ثم تمادى قارون في غطرسته ولم يعتبر بنصيحة قومه فخرج عليهم في أظهر زينة وأكملها، قال المفسرون: خرج ذات يوم في زينة عظيمة بأتباعه الكثيرين، ركبانا، متحلِّين بملابس الذهب والحرير، على خيول موشحة بالذهب، ومعه الجواري والغلمان، في موكب حافل باهر.
فلما رآه ضعفاء الإيمان ممن تخدعهم الدنيا ببريقها وزخرفها وزينتها قالوا: يا ليت لنا مثل هذا الثراء والغنى الذي أعطيه قارون! إنه لذو نصيب وافر في الدنيا! وقال لهم العقلاء من أهل العلم والفهم والاستقامة: ارتدعوا وانزجوا عن مثل هذا الكلام؛ فإن جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين خير مما ترون وتتمنون من حال قارون، ولا يُعطَي هذه المرتبة والمنزلة في الآخرة إلا الصابرون على أمر الله تعالى.
ثم جعل الله لقارون نهاية مشؤومة حيث خسف وبأمواله الأرض فجعلها تغور به وبكنوزه جزاء على عتوه وبطره، وما كان له أحد ينصره ولا مَن يدفع عنه عذاب الله، وما كان من المنتصرين بنفسه، بل كان من الهالكين.
وصار الذين تمنوا منزلته وغِناه بالأمس القريب بعد أن شاهدوا ما نزل به من الخسف يقولون ندماً وأسفاً على ما صدر منهم من التمني: اعجبوا أيها القوم من صنع الله! كيف أن الله يوسع الرزق على من يشاء من عباده بمشيئة وحكمته، لا لكرامته عليه، ويضيِّق الرزق على من يشاء لحكمته وقضائه، ابتلاء، لا لهوانه عليه.
ولولا أن لطف الله بنا، وتفضل علينا، ورحمنا، ولم يعطنا ما تمنيناه، لخسف بنا كما خسف بقارون! إنه لا ينجو ولا يفوز بالسعادة الكافرون، لا في الدنيا ولا في الآخرة. وبهذا تنتهي قصة قارون الأشِر البطِر المتكبِّر بالمال.
ثم تختتم سورة القصص بالإرشاد إلى طريق السعادة وهو طريق الإيمان الذي دعا إليه الرسل الكرام عليهم السلام، أسأل الله أن يكون وفقني أن أوضحت بعض ما جاء في سورة القصص من عبر، وأنا أعلم أني لم أوفها حقها، ففي قراءتها وقراءة تفسيرها العبرة والعظة والعلم، وفقني الله وإياكم إلى ذلك. وأسأله أن يتقبل منا، ويغفر لنا ويرحمنا ويتوب علينا، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلُّوا وسلِّموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.