الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | راشد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أركان الإيمان |
إنه لا تُصان هذه الأمة، ولا تُحفظ كلمتها، ولا تُحمى بيضتها بمثل تحكيم شرع الله، وتطبيقه على العباد جميعا، وبمثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة عدّها بعض العلماء ركنًا أصيلاً من أركان هذا الدين؛ لأنه لا يتم حماية الدين، ولا حماية بيضته، ولا حماية الإسلام والمسلمين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستغفره ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى من سلك سبيلهم، أو سار أو استنار بهدي المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: معاشر المسلمين: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسامنا على النار لا تقوى.
إخوة الدين والعقيدة قضى الله -جل وعلا- في كتابه الكريم أن جنس البشرية في خسار وهلاك إلا من اتصف بأربع صفات تنجيه من الخسارة وتبعده من الهلاك، وهي الإيمان بالله -جل وعلا- والعمل الصالح والدعوة إلى الله والصبر على الأذى الذي يلقاه الداعي إلى الله والمحتسب.
يقول الله -جل وعلا-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر: 1- 3].
يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-: "لو ما أنزل الله -جل وعلا- حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم".
لقد بعث الله -جل وعلا- محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ ليقول للعالمين: ادعوا إلى الله، واعملوا بهذا الخير، واحتسبوا الأجر عند الله -جل وعلا-.
وإن من الأمور العظيمة التي تحفظ هذه الأمة من الخسارة والهلاك والبوار، وأن يعمها الله -جل وعلا- بعقاب من عنده هي شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذه الشريعة العظيمة التي هي صمام أمان لهذه الأمة لبقائها وقوتها، وبقائها متمسكة بكتاب الله وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
إن الأمة التي تكون صالحة ولا تكون مصلحة؛ فإن عقاب الله -جل وعلا- لا يتعداها، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يا رسول الله، واسمعوا يا أحباب محمد، اسمعوا يا حملة شريعته، اسمعوا يا حراس ملته إلى قول نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إلى قول من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى عليه الصلاة والسلام، قالت أمنا -رضي الله عنها وأرضاها-: "يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون" أنهلك وفينا العباد، أنهلك وفينا العلماء، أنهلك وفينا الأخيار، أنهلك وفينا الدعاة، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال -صلى الله عليه وسلم- "نعم إذا كثر الخبث".
أيها المؤمنون: إن شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسيران جنبًا إلى جنب مع هذه الأمة، فلا خير في أمة تتخلى عن هذه الشريعة ولا خير في أمة يُظلم فيها مَن يقوم بهذه الشريعة، يقول الله -جل وعلا-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ما صفة خيرية هذه الأمة؟ يقول الله -جل وعلا- (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران: 105].
وهذه الشريعة العظيمة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درع لهذه الأمة، وحصن حصين لها، وأمان لها بإذن الله -جل وعلا- ورحمةُ من الله -جل وعلا- بها.
من علامة أهل الإيمان أن يفشو فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن علامة أهل النفاق أن يفشو فيهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، يقول الله -جل وعلا- (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) ما صفتهم يا ربنا؟ (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].
أما أعداؤه من المنافقين فيقول المولى الكريم: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67].
قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: "فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين".
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب تمكين الله -جل وعلا- لعباده المؤمنين في الأرض يقول الله سبحانه: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ..) [الحج: 41].
أيها المؤمنون: إذا دُكت حصون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانطفأ سراجه، وفشت المنكرات؛ فإنها تؤدي إلى عقاب الله -جل وعلا- وعذابه، يقول أحد الصالحين: إن الخوف كل الخوف أن تأنس القلوب بالمنكرات؛ لأنها إذا توالت مباشرتها ومشاهدتها أنست بها النفوس، والنفوس إذا أنست بشيء فإنها تتأثر به.
ثم ماذا بعد ذلك؟ ما الذي يصيبنا إذا تركنا هذه الشعيرة؟ هل هذه الشعيرة من الأمور النوافل التي إن فعلناها أُجرنا وإن تركناها لم نعاقب؟
يقول سيدي -صلى الله عليه وسلم-: "ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ويأجوج مثل هذا" وحلّق بين أصبعيه السبابة والإبهام، فقالت أم سلمة-رضي الله عنها-: "يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 79]، ثم قال: "كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم أو لتأطرنه على الحق أطراً أو لتقصرنه على الحق قصراً"، وفي رواية "أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا".
أيها المؤمنون: إن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشعائر العظيمة التي دعا إليها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فحافظوا على هذه الشعيرة، واعملوا بها جميعا، يقول سيدي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وإذا كان التغيير باليد قد أوكل إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا أقل إلى أن ينكر المسلمين بألسنتهم وقلوبهم حتى لا يعمنا الله -جل وعلا- بعذابه.
إنه لا تُصان هذه الأمة، ولا تُحفظ كلمتها، ولا تُحمى بيضتها بمثل تحكيم شرع الله، وتطبيقه على العباد جميعا، وبمثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة؛ امتثالاً لقول الحق -جل وعلا- (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) [الحج: 41].
أيها المؤمنون: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة عدّها بعض العلماء ركنًا أصيلاً من أركان هذا الدين؛ لأنه لا يتم حماية الدين، ولا حماية بيضته، ولا حماية الإسلام والمسلمين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإن من الواجب لذلك أن يقوم الناس، كل الناس، بشكر القائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للدور العظيم الذي يقومون به، وللواجب الكبير الذي يسقطونه عن أعناقنا، وللأمر العظيم والخطير والجليل الذي يؤدنه طاعة لله وطاعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وإن مما تميزت به هذه البلاد عن غيرها من بلاد المسلمين أن هذه الشعيرة يقوم عليها جهاز من أجهزة هذه الدولة، والواجب على جميع الأجهزة الأخرى وعلى المسلمين أن يحفظوا لهذا الجهاز مكانته، وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر منزلتهم، فهم يقومون بخير عظيم ويؤدون رسالة جليلة، نسأل الله بمنّه وكرمه أن يجازيهم خير الجزاء، وأن يبارك في أعمالهم وأعمارهم، وأن يجعلهم سبحانه وتعالى من الهداة المهتدين.
اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا، ويقينا راسخا، ونسألك يا ربنا علما نافعا وعملا صالحا..