البحث

عبارات مقترحة:

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

دروس من قصة طالوت في انتصاره على الطاغية جالوت (1)

العربية

المؤلف عائض ناهض الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بالقرآن والاستهداء بنوره .
  2. أهمية تدبر قصص القرآن .
  3. حاجة الأمة للعودة لدروس القرآن .
  4. مشاهد قصة طالوت وانتصاره على جالوت .
  5. دروس وعبر من قصة طالوت وجالوت .

اقتباس

إن قصة انتصار طالوت وجنوده على الطاغية جالوت وجنوده قصة فيها الاعتبار والاستبصار للأمة الإسلامية؛ لأن الله قص هذه القصة لعلمه أن الأمة الإسلامية سيصيبها من أعدائها وتقصيرها في دينها ما أصاب بني إسرائيل، فحذر الله هذه الأمة من أسباب المصائب قبل وقوعها، وبيّن لها أن الوقاية خير وأهم من العلاج، وأعطاها الدواء قبل الداء..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.

إن قصة انتصار طالوت وجنوده على الطاغية جالوت وجنوده قصة فيها الاعتبار والاستبصار للأمة الإسلامية؛ لأن الله قص هذه القصة لعلمه أن الأمة الإسلامية سيصيبها من أعدائها وتقصيرها في دينها ما أصاب بني إسرائيل، فحذر الله هذه الأمة من أسباب المصائب قبل وقوعها، وبيّن لها أن الوقاية خير وأهم من العلاج، وأعطاها الدواء قبل الداء.

ولكن الأمة الإسلامية لم يزل الكثير من أفرادها يطلب ويتلقى وينتظر الدواء ممن أصابها بالداء والنفع، ممن فعل بها الضرر والنصر، ممن قاتلها وسحقها ودمرها، وبعضها يتخبط في تجربة النظريات الأرضية بحثًا عن مخرج، وآخر في حلبة العراك لينتصر للآراء البشرية ظنًّا منه أنه سيظفر برأي رشيد منقذ، وثالث يعيش في الاستغراق في الجزئيات على حساب ضياع الكليات، ورابع غرق في الغفلة واتباع الشهوات، وخامس... إلخ.

وقد جرب بنو إسرائيل حياة التيه فلم يجدوا الفلاح والعز والنصر والكرامة إلا في التمسك بالدين وإقامة عَلَم الجهاد، وكان حال بني إسرائيل وما أصابهم من طواغيت زمانهم بسبب ذنوبهم في زمن وقوع هذه القصة مثل حال الأمة الإسلامية اليوم.

أفما آن لهذه الأمة التي أكرمها الله بنور الوحي وهُدَى الكتاب والسنة أن تعود إلى ربها، وتحذر من التيه وتتعلم من علم العليم، وتتجمل بلباس التقوى والطاعة لخالقها، وتستمد خبرتها وبصيرتها من كلام الخبير البصير، وحكمتها من الحكيم، وتتقوى بقوة القوي، وتعتز بعزة العزيز فتعمل بكتابه وتتبعه إمامًا معصومًا على هدي رسوله وفق منهج أصحابه، فهذه القصة قصة تعليمية تربوية عسكرية سياسية إصلاحية من قصص الكتاب العزيز لتدل المسلمين على طريق الفلاح، وترشدهم لسبيل النجاة، وتضعهم على بداية خطوات النصر، وتبين لهم أسباب التمكين، فإلى أول مشاهد هذه القصة، واستخلاص بعض ما فيها من الدروس.

المشد الأول: من مشاهد قصة طالوت وانتصاره على جالوت. قال الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إسرائيل مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة: 246].

قد قص الله علينا هذه القصة وكأنها واقع مشاهد أمامنا بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إسرائيل) والملأ هم الوجهاء والأشراف، وكانوا بعد موت موسى بزمن طويل، فطلبوا من نبيهم تعيين مَلِك يقودهم لجهاد عدوهم؛ ليقينهم أن تحرير بلادهم وإقامة دينهم واسترداد حقوقهم واستعادة كرامتهم لا يكون إلا بالجهاد، ولكن هذا النبي أراد أن يختبر قوة عزائمهم ومدى استجابتهم (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا)، عسى أن يفرض عليكم القتال فتتخلفوا عنه! لأنه قد علم من ضعفهم وهوانهم بسبب تمكن عدوهم منهم، وقوة تسلطه عليهم ما جعله يختبرهم بهذا السؤال، فسمع نبيهم حسن إجابتهم ورأى حماسهم (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) ولكن هذا الحماس لم يستمر بل ضعف وذهب عند الكثير حين فرض الجهاد وحضرت ساعة الجد والنفير (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فتخلفوا واختفوا ولم يستجب ويصمد إلا القليل، وأما الكثير الظالم فتولى (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فهذا وعيد أكيد وتهديد شديد لمن تولى عن فريضة الجهاد.

ونستفيد من هذه المشهد الدروس التالية:
1– أن الذي يقرر أمر الجهاد هم الملأ أهل الحل والعقد من كبراء الناس في العلم والخبرة والدراية بالأمور، المتصفين بالأمانة والصدق والإخلاص، وليس هذا الأمر الكبير للعامة.

فحين تولى أهل العلم والخبرة والاختصاص إدارة المعركة بتجرد من الحظوظ الدنيوية والمؤثرات النفسية كانت العاقبة النصر والتمكين، وحين يُترك هذا الأمر لغير أهله فلا تنتظر إلا الفشل والهلاك والزوال بعد التيه في ظلمات المهانة والتخبط في مفترق الطرق واللهث وراء سراب الخداع.

2– ومن فوائد قوله (إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا) أن النبي أو من يقوم بوظيفته من أهل العلم هم من يشرف على تنفيذ الأمور ولا يباشر القيام بها، بل الذي يباشر هو الملك الذي طلبوا تعيينه، فإذا استنار الملك بنور النبوة وجعل العلم قائدًا له وفق للهُدَى والحق والعدل.

3- نصف النصر معرفة الطريق إلى النصر (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). ومعرفة هذا الطريق لا تكفي لوحدها، بل لا بد من بعد اختيار هذا الطريق المضي فيه، ولا يكون ذلك إلا بالتجرد من حظوظ الدنيا كما في قوله (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وليس في أي سبيل غيره، والوصول إلى هذه المرتبة العالية في الدين يكون بإصلاح العقيدة الدائم والمثمر بالعمل الصالح المستمر.

4- يقين الملأ من بني إسرائيل في أن حقهم لا يسترد إلا بالجهاد وأن تحررهم من الطغاة المعتدين لا يكون بغير القتال في سبيل الله (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

5- أن من حسن التعليم وتأصيل التربية اختبار المتعلم والتأكد من عمق رسوخ التربية في أعماق نفسه ومدى تأهله وتمكنه من القيام بمهام دينه وتحمل ما يصيبه من مشاق (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا).

6- إن الكثير تموت عندهم حماسة الرخاء والسعة عند ساعة الجد والشدة، فكانوا يقولون في وقت السعة: (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) فلما فُرِضَ عليهم ما طالبوا به من القتال ماذا فعلوا؟!

(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ) فلم يستجب إلا القليل، أما الكثير فلم تستمر حماستهم بل ذهبت وضعفت قوتهم.

7- إن التقاعس عن نصر الحق أو التولي عن القيام به ظلمٌ للنفس وظلمٌ للحق والرسول الذي جاء به وبذل في وصوله إلينا التضحيات الكبيرة الجليلة، وظلمٌ للناس في التهاون لإيصال الحق إليهم وحمايتهم في حال التمسك به (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وهذا هو الامتحان الأول لهم وهو فرض القتال عليهم ولم يتجاوز هذا الاختبار إلا القليل.

8 – أن أي جهاد في سبيل الله يشترط لنجاحه واستمراره ونفعه أن يُعين له قائد (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ليجمع الكلمة ويوحد الصف (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف: 4] ويمنع التنازع والفشل (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

9 - في هذا المشهد وغيره من مشاهد القصة ما يدل على فساد الدعوات الموجهة لمجلس الأمن أو غيره من المنظمات المرتبطة بعدونا ومطالبتهم بنصرنا ورد حقوقنا وكأننا لا نرى انتهاكهم لكرامتنا في رابعة النهار.

وبنو إسرائيل – في هذه القصة الذين فتح الله عليهم ونصرهم – تولوا هم جميع أمورهم وقاموا بشئونهم وحدهم من دون أي تدخل من عدوهم ووضعوا أيديهم في أيدي بعض ولم يمدوها طلبا للعون والمساعدة إلا لله.

10 – الدفاع عن بلاد المسلمين وحمايتها من الكفر وأهله من الجهاد في سبيل الله (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا).

المشهد الثاني: تعيين طالوت ملكا قائدا لهم. قال الحق سبحانه: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 247].

في هذا المشهد أخبرهم نبيهم أن الله جعل الملك والقائد في الجهاد طالوت، وقد اعترضوا على هذا التعيين؛ لأن طالوت في نظرهم لا يستحق هذه المنزلة؛ لأنه ليس من عائلة الملك ولا النبوة وليس من الاغنياء بل هو فقير من الفقراء يعمل سقاء وعائلته بعيدة عن عائلتي النبوة والملك (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، فهم يرون أنهم أعلى وأولى منه، ولا يخفى ما في قولهم من كبر واستعلاء على الناس واحتقار لمن دونهم ومن لم يكن من عائلتهم، ولكن الله رد عليهم هذا الاعتراض المبني على موازينهم الأرضية البشرية بأنه تعيين طالوت وفق ميزان رباني دقيق لا يحابي أحدًا (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ).

وفي هذا المشهد الاختبار الثاني وهو فتنة الناس وإشغالهم بما يضرهم من جدال في الحق بعد وضوحه واشتغال عن المعركة الكبرى بمعارك هامشية تضر ولا تنفع وتهدم ولا تبني، وتقديم للمصلحة الخاصة كما في قوله: (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) على المصالح العامة.

وهذه بعض دروس هذا المشهد:
1 – تواضع النبي وتجرده حين قال لهم (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) فنسب الفعل إلى الله وكذا المربي لا ينسب لنفسه الخير والفضل بل ينسبه إلى الله المتفضل به.

2– خطورة الحظوظ الفردية والمصالح الشخصية على تحقيق المصالح الكبرى أو عرقلة الوصول إليها وإعاقة تنفيذها كما (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، وأخطر ما في هذا المشهد هو موقف أهل المصالح الشخصية في عرقلة مشروع الجهاد الذي يوصل إلى النصر والتمكين.

3– إن من أسباب الاختلاف والفشل والهزيمة تقديم القائد بناء على نسبه أو ماله أو وجاهته مع إهمال كفاءته وعلمه وقدرته (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ)، فالواجب تقديم الأكمل في جميع الصفات ولا يقدم عليه الأقل منه؛ لأن تقديم الأكمل يحقق المصلحة العامة والأقل علما أو أمانة أو قدرة أو عدلا...الخ. لا يحقق مصلحة بقدر ما يحقق من مفاسد.

4 – أن نصر الله للمسلمين وتمكينه لهم في الأرض ونهوضهم وتقدمهم يتوقف على تقديم الأصلح منهم ووضع الرجل المناسب علمًا وأمانة وخبرة وبصيرة وصدقا في المكان المناسب (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ). فلا تتحقق المصالح وتزول المفاسد وتدفع المضار إلا بتقديم من قدمه الله.

5– (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ) يدل على أن الملك لله، وقد أمر الله بتقديم الأصلح فيجب تقديم من قدمه الله وتأخير من أخره حتى يقوم بملكه من يُصلح في أرضه ولا يفسد.

6 – أن المال ليس بركن من أركان السؤدد، بل الغالب أن صاحب المال يكون جبانا رعديدا وفاقدا للرأي السديد وهذا يدل على فساد اعتراضهم (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ).

7 – أن الله اصطفاه عليهم واختاره لقيادتهم؛ لأن الله أعلم بما ينفعهم والأصلح لهم منهم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ).

8– أهمية قوة البدن وقوة العلم في القائد حتى يقوم بعمله بحكمة وقدرة وكفاءة (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وخطر ضعف قوة الجسم وقلة العلم وما ينتج عنها من ضرر وفساد للبلاد والعباد.

9 – أهمية اقناع المعارض بذكر الأدلة المقنعة وبيان البراهين الساطعة القاطعة لشبهته حتى يقتنع بقبول الحق أو يضل على بينة، ويتضح ذلك في قوله:
أ - (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ).
ب - (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ).
ج - وزاده بسطة في (َالْجِسْمِ).
د - (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ).
هـ - (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

الخطبة الثانية:

المشهد الثالث: مشاهدة التابوت برهان حسي على صحة ملك طالوت: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 248].

ويظهر في هذا المشهد أنهم لم يقتنعوا بالأدلة السابقة على أن ملك طالوت حق، فذكر لهم نبيهم أن علامة ملكه (أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) وهو شيء كالصندوق يحملونه معهم في غزوتهم وتطمئن وتسكن به نفوسهم، وقد أخذه أعداؤهم منهم فجيء به و(فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) من العلم والحكمة، وبعد هذه العلامة الحسية الظاهرة لا يسعهم إلا التسليم والإيمان وقبول الحق لمن يريده (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

وفي هذا المشهد من الدروس:
1 – أهمية طمأنينة النفس للحق وقبوله حتى تعمل به وتحمله وتتحمل تبعاته بصدق.

2 – أهمية ذكر السلف الذين مضوا في هذا الطريق، وإبراز القدوات العاملين الصادقين.

3 – أهمية الربط التربوي بين الواقع والماضي من ذكر سيرة الرسل.

4 – أن الكثير من الناس لا يقبل الحق ولا يسلم له ولو جئته بكل آية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وإنما المؤمن هو الذي يسلم وينقاد ويعمل.

5 – أهمية ربط الحقائق العلمية المعنوية بالأشياء الحسية الواقعية التي تقرب فهم وتصور هذه الحقائق العلمية المعنوية وتقوي اليقين بها والتسليم لها والصبر على حملها والتضحية في سبيل نشرها ونصرها.

6 – على المربي التركيز على المعاني الجليلة المؤثرة في نفوس المتلقين! فتأمل معاني هذه الكلمات ودلالاتها ومدى تأثيرها عند المخاطبين بها في هذا المشهد الذي ظهر فيه الاضطراب! (سكينة، آل موسى، آل هارون، الملائكة..الخ).

7 - دور الملائكة في معركة أهل الإيمان مع أولياء الشيطان (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلا?ئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال: 12].

8 - في هذا المشهد يظهر ضعف إيمان بني إسرائيل الذي أحوجهم إلى معجزة التابوت لتقوية إيمانهم، وعندما نقارن ذلك مع سرعة استجابة الصحابة لله ورسوله وتصديقهم للرسول بدون تردد وقوة ثباتهم وصبرهم (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) وكذلك هذه حال الصادقين من المجاهدين (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 22 - 23]. وهذا من أدلة فضل هذه الأمة على بني إسرائيل.

إلى هنا ونلقاكم في الجمعة القادمة بإذن الله لإكمال قصة طالوت.