البحث

عبارات مقترحة:

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

المساواة بين الرجل والمرأة

العربية

المؤلف عبد الله بن عبد العزيز التميمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. خلق الله كل شيء على زوجين متكاملين .
  2. التسوية بين الذكر والأنثى في أصل التكليف .
  3. الاختلاف بين الجنسين في بعض الأحكام بناء على اختلاف الطبيعة .
  4. مظاهر كونية في الاختلاف بين الجنسين .
  5. تعلق دعاة المساواة بموروثات غربية شاذة .
  6. ظلم دعاة المساواة للمرأة .
  7. إكرام الإسلام للمرأة .

اقتباس

إن الإنسان ليعجب ويتملكه العجب حين يرى في بني البشر؛ وخصوصًا في المسلمين منهم؛ من يدعو إلى التسوية بين الرجل والمرأة؛ وينادي ويستمسك بضرورة العدل المزعوم بينهما، مع أن بينهما اختلافًا لا ينكره أحد. إن البشر مذ خلقهم الله وفِطَرُهم تسير على أن الرجل ليس كالمرأة؛ وأن لكلٍ منهما خصائصه ووظائفه، فلا تكاد تجد في التاريخ القديم حديثًا حول التسوية بينهما ..

لقد خلق الله البشر فجعلهم زوجين اثنين: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) [النجم: 45]؛ بل خلق من كل شيء زوجين: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات: 49]، وسوّى سبحانه بين الزوجين في أصل الخلق؛ فلا تكاد تجد فرقًا كبيرًا أو اختلافًا عظيمًا في ذلك، ومن حكمة الله وحسن تدبيره وتقديره أن جعل انتظام الخلق في تكامل الزوجين وتوافقهما، حتى في غير الأحياء، تأمل: علوّ يقابله سُفل، وشمال يقابله جنوب؛ ويمين ضدّه يسار؛ وليل ونهار؛ وظلمة وإسفار، بل لمّا أراد الله إغراق أهل الأرض أمر نوحًا -عليه السلام- أن يحمل معه في سفينته من كلٍ زوجين اثنين؛ لتستمر الحياة وتبقى: (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [المؤمنون: 27].

ولما كان البشر محلاًّ التكليف؛ سوّى بين ذكرهم وأنثاهم في أصل التكليف وأصل الثواب إضافة إلى التسوية بينهما في أصل الخلق؛ قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97]، وقال -عزّ اسمه-: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر: 40]، وقال سبحانه: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران: 195].

ولما قدّر الله بحكمته وجود تمايز بين الرجل والمرأة في بعض الصفات والخصال؛ رتّب على ذلك سبحانه اختلافًا بينهما في بعض الأحكام؛ وفضّل بعضهما على بعض، ومنع كل زوج أن يتمنى ما لدى الآخر: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) [النساء: 32].

أيها المسلمون: إن الإنسان ليعجب ويتملكه العجب حين يرى في بني البشر؛ وخصوصًا في المسلمين منهم؛ من يدعو إلى التسوية بين الرجل والمرأة؛ وينادي ويستمسك بضرورة العدل المزعوم بينهما، مع أن بينهما اختلافًا لا ينكره أحد.

إن البشر مذ خلقهم الله وفِطَرُهم تسير على أن الرجل ليس كالمرأة؛ وأن لكلٍ منهما خصائصه ووظائفه، فلا تكاد تجد في التاريخ القديم حديثًا حول التسوية بينهما؛ بل إنك تجد أن بين عصور التاريخ -على اختلاف أديان الأمم وأعراقها ومواقعها- قاسمًا مشتركًا؛ وهو أن أدوار الرجال واحدة، وأدوار النساء واحدة؛ وأن دور كل منهما متمايز عن الآخر، فالسيادات والزعامات في تلك الأمم كانت للرجال؛ وحتى لو وُجدت في الزعامة امرأة فإنك ترى حرسها رجالاً كحال بلقيس ملكة سبأ؛ والنبوّة كانت في الرجال؛ وقيادة الجيوش وإدارة المعارك كانت في الرجال؛ بل حتى الآلهة عند الوثنيين كانت ذات مسمى ذكوري؛ وحتى القساوسة ورجال الدين كانوا رجالاً؛ بل حتى رأس الكنيسة هو (البابا) ولم نسمع فيه بـ(ماما) أبدًا. وحتى في العصور المتأخرة: ترى المهيمن على التجارة والصناعة والاختراع هم الرجال؛ بل حتى في خصوصيات النساء كالمساحيق وأدوات التجميل والطبخ يتفوق الرجال.

إن العلوم كلها تفرِّق بين الذكر والأنثى؛ فاللغة تفرّق بينهما؛ فتجعل لأحدهما واو الجماعة وللآخر نون النسوة، ولا تجد لغة تسوّي بين الذكر والأنثى، وعلم الأحياء يفرّق بين الذكر والأنثى، ويميّز بين الهرمون الذكري والهرمون الأنثوي.

وحتى الأطفال يختلف ذَكَرُهم عن أنثاهم؛ فلا ترى صبيًّا يقتني دمية أو ألعابًا في الطبخ والتجميل، ولا تجد فتاة تقتني سيارة أو بندقية بلاستيكية، بل حتى في شخصيتهما أثناء اللعب: ترى الابن يحاكي أباه؛ والبنتَ تحاكي أمها.

بل انظر إلى البهائم؛ تجدها تُمايز بين ذكرها وأنثاها ولا تسوِّي بينهما؛ حتى في أبسط الأشياء؛ فالأسد يختلف تمامًا عن اللبؤة، والديك لا يتشبه بالدجاجة أبدًا.

وسر إلى ما هو أبعد من ذلك، فإن المنتجات الصناعية القائمة الآن تفرّق بين الرجل والمرأة؛ وانظر -إن شئت- إلى الساعات والعطور والملابس والأحذية.

إن هذا كله وأمثاله دليل قاطع على أن الخليقة كلها مفطورة على التمييز بين الذكر والأنثى، وأن كل واحد منهما يختص بوظائف لا يشاركه فيها الآخر.

ألا ترى أن الله خلق الليل والنهار؛ وجعل النهار محلاًّ للسعي والحركة وطلب الرزق؛ وجعل الليل محلاًّ للراحة والسكون؟! ما ظنك لو اختلطا واستويا في الخصائص فصارا محلاًّ للسعي أو للسكون، كيف ستكون الحياة؟!

وكذلك حال البشر، الزوج هو المهيأ للسعي والحركة وطلب الرزق، والزوجة هي السكن والراحة، فكيف ستكون الحياة لو اختلطت خصائصهما؟!

أيها المسلمون: إن من الجور أن ينظر الإنسان بمنظار أعور؛ فلا يرى إلا ما يريد؛ ويغمض عينيه عما لا يريد.

إن دعاة المساواة لم يطلبوا مساواة المرأة بالرجال في ترك المساحيق وأدوات التجميل؛ ولم يطلبوا مساواتها به في ترك الحديث عن ضعفها وبراءتها؛ فإنك تجدهم وإعلامهم حين يتحدثون عن آثار الحروب وفتكها بالضعفاء والأبرياء: يتحدثون أن بين القتلى نساءً وأطفالاً؛ ولا يكون للرجال الأبرياء في حديثهم نصيب، بل حتى في المنافسات الرياضية أقرّوا بالتفريق بين الرجال والنساء؛ فلا تراهم يقيمون منافسة رياضية بين الرجال والنساء.

لقد تعلّق دعاة المساواة بمستمسكات ورثوها عن الغرب الذي أراد بدعوى المساواة الهجوم على دين الله واتهامه بالظلم وانتقاص المرأة؛ ولذلك تسمعهم ينادون بما ينادي به الغرب؛ ويتهجمون على ما يتهجم عليه الغرب؛ فتراهم يتحدثون عن ميراث المرأة وعمل المرأة وحجاب المرأة... إلى غير ذلك.

ونسي هؤلاء المساكين أو تناسوا بأن الله اختص المرأة بخصائص ومزايا ليست للرجل؛ فقد جعلها الله درة مكنونة في بيتها؛ يخدمها وليّها من زوج أو أب أو أم؛ وينفق عليها؛ وحتى لو كانت الزوجة أثرى أثرياء العالم فإن الإنفاق عليها حق لها على زوجها وإن كان أفقر فقير، وجعل الله للأم ثلاثة حقوق وللأب حقًّا واحدًا، وجعل إعالة الجواري سببًا في دخول الجنة دون إعالة الصبيان.

أيها المسلمون: إن الذين يريدون مساواة المرأة بالرجل قد ظلموها ولم يكرموها؛ لأنهم حمَّلوها أكثر مما حمَّلوا الرجل، فمع ما خُصِّصت له المرأة من الحمل والولادةِ والإرضاع وتربيّة الأطفال، ومع ما تتعرَّض له في حياتها وما تعانِيه من آلام الحيضِ والحمل والولادة، ومع قيامِها على تنشئَةِ أطفالها ورعاية البَيت والأسرة، مع تحمُّلها لهذا كلِّه يريدون أن يحمّلوها زيادةً على ذلك مثلَ ما يحمل الرجل، فكيف تحمِل التِزاماتِها الفطريّة ثم تخرج من البيت كالرجل لتعانيَ مشقّةَ الكسب وتكون معه على قدَم المساواة في القيام بأعمال الصناعة والمِهَن والتجارة والأمن؟! وهل يُنتظر منها أن تساوِيَ الرجل في الإنتاج؟!

مع أن العلم الحديث قد أثبت أن المرأة تختلف عن الرجل في البناء الجسدي والتكوين الجسماني؛ وصدق الله: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) [آل عمران: 36].

بارك الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

لقد نالَتِ المرأة في ظلِّ الإسلام كرامةً لا تُجارَى، وبلغت بشرائِعه شأوًا عظيمًا، أقرَّ لها الإسلام منزلةً عاليةً، فهي أمٌّ لها حَقّ البرّ والإحسان، وهي زَوجة لها حقُّ المعاشرة بالمعروفِ، وهي ابنةٌ لها حَقُّ التربية والنفَقَة، هي إنسانٌ كالرجل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى) [الحجرات: 13].

حَفِظ الإسلام عِرضَ المرأة وشرَّفها، وحذّر من المسَاسِ به بل من تدنِيسِه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور: 4].

وفي حَجّة الوداع -ذلك التجمُّع الإسلامي الكبير- أرسى رسولُ الهدى -صلى الله عليه وسلم- في وصيَّتِه الخالدة حقوقُ المرأة فقال: "اتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله".

أرسى الإسلام حقوقَ المرأة التي لا تخفَى على أساس الدين والفضيلة والخلُق القويم، فعزّ مقامها، وعلت منزلتها، وحُقَّ للمرأة المسلمة أن تشعرَ بالعزة لجلال التشريعِ الربانيّ الذي منحَها حقوقها منذ أربعةَ عشر قرنًا، بلغَت به مرتبةَ عفافٍ وطهر لا تُبارى ولا تُجارى، قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

أيها المسلمون: هذا هو آخر الحديث حول أهم قضايا المرأة التي تثار في عصرنا وداخل بلادنا، وقد تبيّن لكل ذي لبّ أنها مجردّ دعاوى مستوردة من الغرب يريدون من خلالها إفساد المرأة وتخريب المجتمع، فعلينا أن نتفطن لما يحيكه أعداؤنا لنا؛ وأن لا ننخدع بما يكتبه بعض أبناء المسلمين؛ ولو ظهروا في لباس الناصح الأمين؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أناسًا من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا؛ لكنهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.