الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إننا -ولله الحمد- على بصيرة من أمرنا، وعلى ثقة بديننا، ولن تستخفنا دعوات المضللين، وأهواء المغرضين، من أدعياء حقوق الإنسان، ودعاة حرية المرأة، أو تحرير المرأة؛ ما دمنا بكتاب ربنا مستمسكين، ولسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- منفذين، فيهما الخير والفلاح، والسعادة والعصمة، من كل سوء ومنكر: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الزخرف: 43]. (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الروم: 60]. إن هؤلاء السفهاء الذين ينادون ويكتبون هذه المقالات الـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-: في أيام عمركم وحياتكم، فنعم العبد عبدا عمر دنياه بتقوى ربه، واستعد للقاء مولاه بتقواه -سبحانه وتعالى-.
نعم الزاد التقوى لمن تزود بها في هذه الدنيا: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
تقوى الله -عز وجل-: لزوم طاعته، والاستقامة على شريعته، والبعد عن معاصيه، وعن كل ما حرم الله -عز وجل-.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-: يكن لكم في ذلك فلاحكم، وعزكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة -جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، وأوليائه المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون-.
أيها الإخوة المسلمون: اعلموا أننا في وقت قد تكالب فيه الأعداء على المسلمين، فوجه أهل الباطل سهامهم لمحاربة الدين والشريعة، بأساليب مختلفة، وألوان متعددة.
وواجب المسلمين جميعا: أن يتصدوا لهذه الهجمة الشرسة على الدين، والأخلاق والفضيلة، كل بحسب استطاعته، ببذل ما في وسعه.
وإن مما يؤسف له: أن كثيرا من الناس يسمع كثيرا من الخطب والمواعظ والتوجيهات، لكنها لا تغير من حاله، ولا يستشعر مسئوليته، ولا يبدأ مرحلة التغيير في نفسه وأسرته وأولاده، والمحيط القريب منه،.
وما ذاك -أيها الإخوة-: إلا بسبب الغفلة العميقة التي يعيش فيها كثير من الناس اليوم -فإنا لله وإنا إليه راجعون-.
أيها الإخوة المؤمنون: إن من البدع المحدثة، والمنكرات العظيمة، والفتن الخطيرة: ما نسمعه من أعدائنا الذين ينادون دائما في مؤتمراتهم ومقرراتهم، ينادون بتسوية المرأة بالرجل في جميع المجالات، وجميع الأعمال، ويتبنى تلك الدعوة المشؤومة، تلك الدعوة النكدة، يتبناها العلمانيون من بني جلدتنا الذين لم يراعوا دينا ولا فطرة، ولم يستفيدوا من تجارب الأمم الأخرى.
وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
هذا كلام الصادق المصدوق الذي لا يَنطِقُ: (عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].
فاتقوا الله -أيها الإخوة المسلمون-: اتقوا الله في نسائكم، ونفذوا وصية الله ووصية رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيهن، احفظوهن بالستر والصيانة، فقد جعلكم الله -عز وجل- قوامين عليهن؛ لأن المرأة ناقصة عن الرجل، نقص خلقي، وضعيفة ضعف طبعي، شئنا أم أبينا، فهي بحاجة إلى قوامة عليها؛ لأن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار، يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته، القوي بطبيعته، ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر.
فالرجل ملزم شرعا بالإنفاق على نسائه، والقيام بما يلزمهن في الحياة، لتبقى المرأة مصونة في بيتها، متفرغة لتربية أولادها، وتنظيم شؤون بيتها، بعيدة عن مخالطة الرجال الأجانب.
إن لكل من الرجل والمرأة عمله اللائق بخلقته، فالرجل الأصل فيه العمل خارج البيت، والمرأة الأصل في عملها أن تعمل داخل البيت، وبهذا يتم التعاون بينهما على شؤون الحياة، وكما أن الله بارك بين الرجل والمرآة في الخلقة، فجعل لكلا منهما خلقة تناسب مسئوليته في الحياة، فقد ورد النهي الأكيد عن تشبه أحدهما بالآخر.
فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".
ومعلوم: أن من لعنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو ملعون في كتاب الله -عز وجل-؛ لأن الله يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7].
فلا يجوز للرجل: أن يتشبه بالمرأة فيما هو من خصائصها، ولا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل، فيما هو من خصائصه، فالرجل الذي يحاول مشابهة المرأة في نعومتها وليونتها في خصائصها، والمرأة التي تحاول مشابهة الرجل في غلظته وشدته، وتولي أعماله الخاصة، كل منهما بذلك يحاول تغيير خلق الله، ونظام الكون، وكل منهما ملعون على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعلون في كتاب الله: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)[النساء: 52].
أيها الإخوة المسلمون: إن من بيننا اليوم قوما من بني جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، تشربت قلوبهم حب الغرب الكافر، وقيمه وسلوكه، ينادون بتسوية المرأة بالرجل تسوية مطلقة، في جميع المجالات والأعمال، في تولي الأعمال الوظيفية، لتجلس المرأة إلى جانب الرجل في مكتب واحد، في المكتب والمستشفى والمتجر والسوق، وتشارك الرجال جنبا إلى جنب في إقامة الندوات والمؤتمرات، في صور مزرية من الاختلاط والخلوة المحرمة.
هذه الدعوة التي تنطلق من أفواه مشؤومة مسمومة، وتكتبها أياد مشلولة، تحاول إهدار كرامة المرأة، ونبذ أوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في المحافظة على النساء وصيانتهن.
إن تلك الأصوات المشبوهة، والدعاية المسمومة التي تنطلق من أفواه العلمانيين وأذنابهم، من تلاميذ الغرب، ممن يلبسون الحق بالباطل، تريد أن تكون المرأة المسلمة مثل المرأة الكافرة، تخرج إلى العمل مع الرجل الأجنبي، جنبا إلى جنب في الجامعة والمستشفى والسوق والمتجر، ونحو ذلك من مجالات العمل، تخرج وهي حاسرة الرأس والوجه، قد كشفت عن ساقيها وذراعيها، وربما غير ذلك من بدنها.
إن أولئك العلمانيين يقولون دائما: "إن نصف المجتمع معطل عن العمل، ونحن نريد أن يعمل كل أفراد المجتمع".
هكذا يقولون، وكأنهم يتصورون: أن المرأة في المجتمع المسلم معدودة من سقط المتاع، وعميت بصائرهم عما تؤديه المرأة في بيتها، مما يتناسب مع خلقتها، ويتماشى مع طبيعتها؛ لأن الله بحكمته جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني، تؤدي عملا لا يؤديه غيرها؛ كالحمل، والوضع، والإرضاع، وتربية الأطفال، وخدمة البيت، والقيام بشؤونه.
وهذه الخدمات التي تقوم بها داخل البيت في ستر وصيانة وعفاف، ومحافظة على الشرف والفضيلة، والقيم الإنسانية، هذه الخدمات لا تقل عن خدمات الرجل في الاكتساب.
ولو خرجت المرأة من بيتها لتشارك الرجال في أعمالهم الخاصة بهم، في اختلاط وخلوة؛ كما يطالب به أولئك؛ لتعطلت أعمالها في البيت، فخسر المجتمع الإنساني جانبا عظيما من مقوماته، فضلا عما في خروج المرأة إلى ميدان الرجال من الفساد؛ لأنها بخروجها إلى مجالات العمل المختلطة في الأسواق والمتاجر، والمستشفيات والجامعات، وغير ذلك، تصبح عرضة للأعين الخائنة، والأيادي المفسدة، فتكون مائدة مكشوفة أمام الخونة، من أصحاب القلوب المريضة.
وفي تجربة تأنيث المحلات النسائية خير شاهد، وخير دليل على ما تتعرض إليه، وتتعرض له النساء العاملات في تلك المحلات، من تحرش من قبل الرجال، سواء الموظفين معهن، أو الرجال الذين يأتون لتلك المحلات.
وهل يرضى من فيه أدنى شيء من الرجولة فضلا عن الغيرة! فضلا عن الإيمان! أن تبقى بنته أو زوجته أو أخته مرتعا لأنظار الفسقة، وملمسا لأيادي الخونة؟!
إنه لا يرضى بذلك إلا معدوم الغيرة، ورجل فيه نوع من أنواع الدياثة.
أما يكفي عبرة ما وقعت فيه المجتمعات التي تخلت عن تعاليم الإسلام، من ترد في مهاوي الرذيلة، حينما تركت نساءها الصيانة، فصرن يخرجن متبرجات، عاريات الأجسام، وقد نزع الله من رجالها صفة الرجولة والغيرة على نسائهم، فصارت مجتمعات بهيمية.
إننا -ولله الحمد- على بصيرة من أمرنا، وعلى ثقة بديننا، ولن تستخفنا دعوات المضللين، وأهواء المغرضين، من أدعياء حقوق الإنسان، ودعاة حرية المرأة، أو تحرير المرأة؛ ما دمنا بكتاب ربنا مستمسكين، ولسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- منفذين، فيهما الخير والفلاح، والسعادة والعصمة، من كل سوء ومنكر: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الزخرف: 43].
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الروم: 60].
إن هؤلاء السفهاء الذين ينادون ويكتبون هذه المقالات المشؤومة، ويسارعون في خطى خبيثة، في تفعيل هذه الدعوة الآثمة، دعوة مساواة المرأة بالرجل، ويفرحون بكل إنجاز يتحقق على أرض الواقع، بمخالطة الرجال بالنساء.
إن هؤلاء الذين ينادون بتخلي المرأة عن مكانتها الإسلامية: إنهم بذلك ينادون بتحطيم مجتمعهم، وقد سبقهم إلى هذه الدعوة الخبيثة أقوام صار مآلهم إلى الخسار والبوار، وسيلقى هؤلاء نفس المصير: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء: 227].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، واعتصم بحبله وكتابه، ولاذ بحماه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اتبعه هداه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن الله -سبحانه وتعالى-: هو وحده خالق هذا الكون، وهو وحده مدبر شؤون العالم، هو سبحانه العالم بخفايا أموره، وبكل ما كان، وما يكون، وما سيكون، قد وضع في كتابه الكريم سياجات منيعة لحماية المسلمين، وصيانة محارمهم.
أمر سبحانه وتعالى بغض البصر عما لا يحل، فقال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)[النور: 30-31].
ونهى سبحانه وتعالى المرأة أن تضرب برجلها؛ لتسمع الرجال صوت خلخالها، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)[النور: 31].
ونهى سبحانه وتعالى عن لين الكلام مع الرجال الأجانب؛ لئلا يطمع أهل الخبث فيهن، فقال سبحانه وتعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)[الأحزاب: 32].
ونهى المرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم".
ونهى صلى الله عليه وسلم نهيا صريحا عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
ونهى سبحانه وتعالى النساء عن التبرج بالزينة، فقال تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
وفضل صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد، حتى في المسجد الحرام ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال صلى الله عليه وسلم: "وبيوتهن خير لهن".
ونهى عن مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية التي ليست محرما له؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "لئن يطعن أحدكم بمخيط في رأسه خير من أن تمس يده يد امرأة لا تحل له".
كل ذلك، وغيره من التوجيهات الربانية، والتوجيهات النبوية، محافظة على المرأة نفسها، وصيانة لها، وتطهيرا للمجتمع الإسلامي من الأخلاق الفاسدة، وحماية للمجتمع من انتشار الفواحش والموبقات.
إننا لسنا نخجل -بحمد الله عز وجل-: من الاعتزاز بهذه القيم، وهذه الأحكام الشرعية؛ لأنها أحكام ربنا، أحكام نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذه هي أحكام ديننا لا ينتابنا شك في أنها تحقق العدل والصلاح، والخير والفلاح للمجتمع، متى ما طبقها المجتمع.
وحينما تتمسك الأمة بهذه التعاليم الإلهية؛ تسعد -والله- في بناء مجتمع قوي، مجتمع متماسك، وحينما تخل بهذه التعاليم، فإنها تتردى وتسقط في مهاوي الرذيلة، وتفقد كرامتها وعزتها الذي أعزها الله به.
إن دعاة العلمانية الذين ينادون، ويكرسون جهودهم ومؤتمراتهم، ويستغلون نفوذهم ينادون باختلاط النساء بالرجال، وخروج المرأة من البيت، ويباركون كل خطوة تتحقق لهم في هذا الشأن.
إنهم –والله- بذلك يهدون هذا السد المنيع الذي بناه الإسلام، وينسفون هذه السياجات التي شرعها الإسلام، بصون المرأة، وحفظ المجتمع من الفتنة والهلاك.
إنهم بذلك يحادون الله ورسوله، ويريدون للمجتمع السقوط في مستنقعات الرذيلة؛ لأن يستوردون تشريعهم من كفرة الغرب؛ لا من وحي الله: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) [الكهف: 50].
وإن أي امرأة تنتهك الحجاب استجابة لدعوات العلمانيين والمضللين، تكون قد استبدلت طاعة الله بمعصيته، ورضاه بسخطه، وثوابه بعقابه، فأسأت إلى نفسها، وإلى مجتمعها، وأطاعت المخلوق في معصية الخالق.
وإن أي أب أو زوج أو أخ يترك المجال لموليته، زوجة كانت أو أما، أو بنتا، أو أختا، يترك لها المجال في أن تتساهل في حجابها وحشمتها، ولباسها الشرعي، أو تختلط بالرجال في الكليات، أو المستشفيات، أو الأسواق، أو في أي مكان، أو تسافر بغير محرم؛ ليعد رجلا ناقص الإيمان، ناقص الغيرة، معدوم الرجولة الشرعية، بل قد اتصف بشيء من صفات أهل الدياثة -والعياذ بالله-.
أيها الإخوة المسلمون: إن الغيورين من المسلمين، من علماء الإسلام ودعاته، والداعين إلى الإصلاح في مجتمعاتهم، ينادون ويصرحون ويجهرون بأعلى أصواتهم، ويعقدون المؤتمرات والندوات، ويطالبون بتحقيق حقوق المرأة الشرعية، حقوقها الشرعية التي قررها الإسلام لها، وأول تلك الحقوق، وأعظم تلك الحقوق: الاعتراف بأن أعظم عمل تقوم به المرأة، وتستحق عليه أجرا؛ عملها داخل بيتها لخدمة زوجها، وأولادها، وتربيتهم على العفاف والفضيلة، وأخلاق الإسلام وتعاليمه.
إن المرأة، وهي تقوم بهذا العمل لا ينبغي بحال من الأحوال أن توصف بأنها عاطلة عن العمل، والتي تجلس في مكتب بجانب الرجال تبيع وتشتري، تقدم بزعمها خدمة للمجتمع، والله إن الخدمة التي تقدمها المرأة في بيتها، أو بيت أبيها، أو بيت إخوانها، لهي خدمة عظيمة، ينبغي أن تعطى من الأجرة عليها من بيت مال المسلمين، ما يقابل هذا العمل.
إننا -وللأسف الشديد- نسمع عن بعض مجتمعات الغرب التي بدأت تنادي وتدعو وتحث على بقاء المرأة في بيتها، وأن تعطى مكافئة على ذلك.
فلماذا نحن المسلمين لا نكون السباقين إلى هذا الأمر العظيم، وهو الاعتراف بأن أجل مهنة وأعظم مهنة تقوم بها المرأة تستحق عليها أجرا في الدنيا قبل أجر الآخرة، هو ما تقوم به المرأة في بيت زوجها، وفي بيت أبيها وأهلها؟!
وثاني تلك الحقوق التي ينادي بها أهل الخير والصلاح من علماء الإسلام ودعاة الإسلام، والعقلاء من الصالحين، ينادون بأن المرأة متى ما اضطرت إلى العمل خارج بيتها، ينبغي أن تكون بيئة العمل التي تعمل فيها بيئة منضبطة انضباطا حقيقيا بالضوابط الشرعية، والأحكام الشرعية، التي يقررها أهل العلم، وأهل الفتوى، في هذه البلاد.
يقررون ما الضوابط الشرعية التي ينبغي أن تكون للمرأة في البيئة التي تعمل فيها، وأول تلك الضوابط: أن يكون ذلك العمل يتناسب مع المرأة، يتناسب مع خصائصها، يتناسب مع طبيعتها.
محال أن تساوى المرأة بالرجل بأوقات الدوام، وأن تقضي الساعات الطويلة في المتجر، أو السوق، أو المستشفى، أو نحو ذلك، وتعامل كما يعامل الرجل في الدوام نفسه.
ماذا يبقى للمرأة من جهد لتقوم به في بيتها رعاية لأولادها ورعاية لزوجها وخدمة لزوجها، وتمتع منها، هي بشيء من الراحة التي يجب أن تستحقها؟!.
إذاً يجب أن توفر للمرأة فرص عمل آمنة، لا اختلاط للرجال معها فيها، ولا دخول للرجال على النساء فيها، وأن تكون تلك الفرص التي تعمل فيها المرأة، تتناسب مع طبيعتها وخصائصها.
نسأل الله-عز وجل- أن يوفق القائمين في هذه البلاد من ولاة أمرها في صلاح العباد والبلاد، وأن يوفقهم بما أوجب الله -سبحانه وتعالى- من حماية نساء المجتمع، من كل ما يهدد دينهن، ويعرض أخلاقهن للخطر؛ إن ربي على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة؛ صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...