البحث
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | عدنان مصطفى خطاطبة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - فقه النوازل |
لقد بلغت شفقة نبينا صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة مبلغا عظيما لدرجة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال -كما في صحيح مسلم-: "لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِىٍّ دَعْوَتَهُ"، وأنت، يا حبيبي يا رسول الله، يا مَن علَّمْتَنا الشفقة على هذه الأمة، ما شأنك؟! قال: "وَإِنِّى اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فأي شفقة أكبر من هذه الشفقة؟!.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتدي ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد: في الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- في إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم:36]، وقول الله في عيسى -عليه السلام-: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118]، فرفع يديه، وقال: "اللهم أمَّتِي أمّتِي"، وبكى. فقال الله -عز وجل-: "يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فَسَلْه: ما يبكيك؟"، فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال-وهو أعلم- فقال الله: "يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".
"أمّتِي أمّتِي يا رب"؛ هذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشفوق على هذه الأمة، شفوق عليها من عذاب الله، شفوق عليها ويريد لها أن تنجو من عذاب الله الأليم، ومن الإصْر والأغلال، شفوق عليها، ويعلمنا الشفقة على هذه الأمة، لا القسوة والنقمة.
لقد بلغت شفقة نبينا -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأمة مبلغا عظيما لدرجة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال -كما في صحيح مسلم-: "لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِىٍّ دَعْوَتَهُ"، وأنت، يا حبيبي يا رسول الله، يا مَن علَّمْتَنا الشفقة على هذه الأمة، ما شأنك؟! قال: "وَإِنِّى اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فأي شفقة أكبر من هذه الشفقة؟!.
"أمّتِي أمّتِي يا رب": هذا ما ناجى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربه -عز وجل-، "أمّتِي أمّتِي"، لم يقل نفسي نفسي! ولم يقل أقاربي وعشيرتي، وأهل بلدي، وعلى باقي الأمة السلام بعد ذلك! لا، لم يقل ذلك بل قال: "أمّتِي أمّتِي". لماذا؟ لماذا قال ذلك لا غيره؟ ليذكِّر المسلمين، وليرسخ في نفوس المؤمنين: أن الرابطة التي تجمعكم هي رابطة العقيدة، لا الروابط الأرضية الضيقة.
إن الرابطة التي صنعتكم وسترفعكم هي رابطة الإيمان لا الروابط العصبية، فهو -صلى الله عليه وسلم- أوّلُ من نبذها يوم أظهر شريعته البيّنة فقال: "دعوها فإنها منتنة"، ويوم قال: "المسلم أخو المسلم"، ويوم قال -صلى الله عليه وسلم- عن بعض أقاربه كما في صحيح مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: "أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِى- يَعْنِى فُلاَنًا- لَيْسُوا لِى بِأَوْلِيَاءَ؛ إِنَّمَا وَلِيِّىَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ".
"أمّتِي أمّتِي يا رب"؛ هو رسول الله يريد أن يربي المسلم المتبع له على أن يكون هَمّهُ على هذه الأمة، يريد أن يربي المؤمن على الهمّ الصادق على المسلمين وأحوالهم، أن يحزن لما يصيبهم في أي بلد، أن يقف إلى جانب قضاياهم في كل مكان، أن ينصر هذه الأمة؛ ولذلك -يا أيها المؤمن- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك يريدك أن تقف مع أمتك في كل بلد مسلم، تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم، تعيش معهم همومهم ومعاناتهم.
ويعلمك رسولك -صلى الله عليه وسلم- بأن وقوفك مع أمتك هو عبادة وقربة لله -سبحانه-، هو عقيدة وإيمان، تؤْجَر على ذلك، وأنك بذلك يحبك الله ويحبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنك في ذلك على هداه وعلى سيرته وعلى همه الصادق على هذه الأمة؛ فأنت تعيش لأمتك كما عاش لها رسولك -صلى الله عليه وسلم-، لا أنك تعيش فقط لذاتك الضيقة، ولحدودك المصطنعة، ولمصالحك الشخصية لا غير؛ لأنك سمعت نداءه -صلى الله عليه وسلم- ومناجاته، وهو يقول: "أمّتِي أمّتِي يا رب".
وهذا هو شأن أتباعه الخلّص الأوفياء، قادة، وعلماء، وطلبة علم، ودعاة وعامة، أولئك الذين يحملون هَمّ هذه الأمة في كل زمان ومكان، أولئك الذين يشفقون على هذه الأمة، أولئك الذين يسندونها ويدافعون عنها ويتألمون لجراحها، أولئك الذين يحزنون لمصائبها، أولئك الذين تدمع أعينهم رحمة بها، هؤلاء هم تاج هذه الأمة وهم قادتها الحقيقيون؛ ولذلك كان الإمام "محمد رشيد رضا" يبيت مهموما بعض لياليه لا يأتيه النوم, فتقول له والدته: يا بني، أقُتل اليوم مسلم في الهند؟ أم جرح مسلم في فلسطين؟.
"أمّتِي أمّتِي يا رب": في مشهد مَهيب وصادق يبكي -صلى الله عليه وسلم- لأجل أمته، دموعه تنهمر من عينيه، وتبلل وجهه الشريف، كلّ هذا همّ وقلق وشفقة على أمته؛ ولكنّ أناسا من أمّته اليوم- هم أسيادها وقادتها وحكامها ومسؤولوها لا يبكون لأجل هذه الأمة، ولكنهم، ولكنهم يُبْكُونها، نعم، يُبكون رجالها، ونساءها، وأطفالها، وكهولها؛ لا يَبْكون لأجلها، ولكنهم يطعنونها في كبدها، ويفجرون دماءها، ويؤذونها، ويخونونها، ويصبّون على أبنائها الحسرات، وعلى علمائها ودعاتها الويلات، غطرسة وانتقاما وظلما وعدوانا.
ولذلك أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- في لغة صحيحة صريحة مُبِينة، أعلن براءته ممن يؤذي أبناء أمته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ومن خرج على أمّتِي يضرب برّها و فاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها، فليس منّي ولست منه".
واليوم، وكما يشهد بذلك واقعنا الأليم، فأسيادُ الأمة وجَلادوها هم مَنْ يُبكي هذه الأمة ويعذبها حينما يرونها تَهُمُّ بالسير على طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحبه، على طريق العبودية والحرية، على طريق الإنسانية واسترداد الحقوق ورفع المظالم، فيقفون في وجهها ويصدونها ويمنعونها من متابعة طريق الحرية والخلاص مهما كلفهم الثمن، ولو أن تداس أجساد المسلمين وتدنس أعراض المسلمات، فلا رحمة ولا شفقه بهذه الأمة، ولا دموع ولا حسرة، ولا همّ ولا تعب من أجلها، إنما همّهم المصالح والكراسي والمناصب والدراهم، ثم بعد ذلك يقول أسياد الأمة في هذا الزمان: فلتذهب الأمة إلى الجحيم طالما سلمت لنا مصالحنا وكراسينا!.
أين هؤلاء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يبكي لأجل هذه الأمة، ولأجل سعادتها، وخوفا على مستقبلها، ورغبة في نجاتها، كان يبكي -صلى الله عليه وسلم- رحمة بها وشفقة عليها.
"أمّتِي أمّتِي يا رب"، ويبكي -صلى الله عليه وسلم- لأجل هذه الأمة. ولم لا؟ وهو الذي صنعها ورباها، وحَفي حتى بَنَاهَا؛ ولذلك كان قلبه عليها كلها، كان قلبه على الأجيال التي في زمانه كما كان قلبه على الأجيال القادمة، نعم على الأجيال القادمة بعد رحيله، كان قلبه عليها من أن تُظلم وتطحن وتسبى حقوقها من أبناء جلدتها لا من غيرهم؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث أخاف على أمّتِي: وذكر منها: وحَيفُ السلطان"، أي: جوره وظلمه وعسفه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر"، هؤلاء الظلَمة الجلادون النّهَابُون، هم الذين وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم ليسوا غرباء ولا من عالم آخر بل منّا وفينا، فقال فيهم -كما في الحديث الصحيح-: "هُمْ قوم مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ"، وفي معجم الطبراني: "وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري، ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، سفَّاكون للدماء، لا يرعوون عن قبيح".
أتعلمون -يا أيها الأخوة- مِن ماذا أيضا كان يخاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأمة؟ كان أكثر ما يخاف عليها من أصحاب الألسنة المزيفة، والإعلام الكاذب، والأقلام المأجورة، والفتاوى المبيوعة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أخوف ما أخاف على أمّتِي كل منافق عليم اللسان"، قال المناوي: أي: منطلق اللسان، لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة، مغر للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام.
"أمّتِي أمّتِي يا رب"، ويبكي لأجلها؛ ولم لا؟ وهو الذي صنعها ورباها؛ ولذلك دعا على كل صاحب منصب صغير أو كبير يظلم من خلاله أبناء المسلمين، أو يشقّ على الناس المسلمين، أو يكلفهم ما لا يطيقون، أو يبتز أموالهم وحقوقهم بطرق ملتوية، فقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث رهيب -استمعوا له؛ لأن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- سيدعو فيه، نعم سيدعو فيه لأجلكم يا مسلمين، ويا مستضعفين- قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم من ولي من أمر أمّتِي شيئا فَشَقّ عليهم فأشقق عليه"، قال النووي: هذا -أي الدعاء- من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس.
وقال ابن عثيمين: وهذا دعاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- على من تولى أمور المسلمين الخاصة والعامة فيقع على الإنسان أن يتولى أمر بيته، وعلى مدير المدرسة يتولى أمر مدرسته، وعلى المدرس يتولى أمر الفصل، وعلى الإمام يتولى أمر المسجد.
و"شيئا" نكِرة في سياق الشرط تفيد العموم، أي شيء؛ والحديث مطلق، فاشقق عليه بأي شيء يكون.
وقال -صلى الله عليه وسلم- مخبرا عن الله -تعالى-: "من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته يوم القيامة"؛ ولذلك لما حُدّث معاوية -رضي الله عنه- بهذا الحديث اتخذ رجلا لحوائج الناس يستقبل الناس وينظر في حوائجهم ثم يرفعها إلى معاوية -رضي الله عنه- بعد أن كان أميرا للمؤمنين.
وفي الحديث الصحيح، عن عائذ بن عمرو -رضي الله عنه-، أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال له: أي بني، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ شرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَة"؛ فإياكَ أن تكون منهم! قال النووي: "هو العنيف في رعيته، لا يرفق بها في سوقها ومرعاها بل يحطمها في ذلك وفي سقيها وغيره، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها"، وقال ابن عثيمين: "الحطمة: الذي يحطم الناس ويشق عليهم ويؤذيهم".
كل هذا يقوله -صلى الله عليه وسلم- لماذا؟ رحمة بهذه الأمة، وحرصا على المستضعفين والمظلومين من الأيدي الأثيمة والظالمة والفاجرة والقاتلة والناهبة والقابضة والعميلة والخائنة والمنافقة.
"أمّتِي أمّتِي يا رب"؛ ولكن سيبقى في هذه الأمة مَن يحمل همها الصادق، ومَن يدافع عن مظالمها، ومَن يرفق بها، ومَن يحسن إليها، وقد دعا لهؤلاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ومن ولي من أمر أمّتِي شيئا فرفق بهم فارفق به".
ولذلك؛ لما سألت عائشةُ عبدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُمَاسَةَ -من أهل مصر- عن معاملة واليهم لهم، قال لها: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا! إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ، وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ. فَقَالَتْ له: أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِى بَيْتِى هَذَا: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ"، قال الطيبي: "وهو من أبلغ ما أظهره من الرأفة والشفقة والمرحمة على الأمة".
وقد تمثلت هذه الشفقة واقعا في سيرة الأتقياء الأنقياء ممن سلّمهم الله زمام أمر هذه الأمة فخافوا الله فيها ورحموها، فها هو عمر بن عبد العزيز لما بويع أميرا للمؤمنين وقف على المنبر، لماذا؟ لينضح في وجوه الناس الكذب؟ لا! ليلقي خطابا منمق الظاهر عفن الواقع؟ حاشاه حاشاه! فهو من مدرسة الأوفياء لأمة محمد، وقف عمر بن عبد العزيز لما بويع أميرا للمؤمنين على المنبر فبكى يوم الجمعة، وقد بايعته الأمة، وحوله الأمراء والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم، قالوا: ما نريد إلا أنت، فتولاها، وهو كاره، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد، قالوا لزوجته: مالِ عمر؟ قالت: والله ما ينام الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه! توليت أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين، الطفل والأرملة.
"أمّتِي أمّتِي يا رب"؛ هؤلاء هم أصحاب هذا النداء الرحيم الصادق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: "أمّتِي أمّتِي يا رب"؛ في الحديث الصحيح، عن عائشة -رضي الله عنها-، أنها قالت: لما رأيت من النبي -صلى الله عليه وسلم- طيب نفس قلت: يا رسول الله، ادع الله لي؛ فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرَّتْ وما أعْلَنَتْ"، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك. قال لها رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: "أيسرُّكِ دعائي؟" فقالت: ومالي لا يسرني دعاؤك؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "واللهِ! إنها لَدُعَائِي لأمَّتِي في كُلِّ صلاة".
فكن -يا عبد الله، يا أيها المسلم، يا أيها المنتمي إلى هذه الأمة- وفيًّا لها، ورحيما بها، وواقفا معها في مِحَنِها، ولا تنساها -على الأقل- من دعائك، فادع الله لهذه الأمة في سرك وعلنك، بدعاء يَخْرُجُ مِن قَلبٍ شَفُوقٍ على هذه الأمة، رحيم بها، عطوف عليها، مهموم على أحوالها.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً يا رب العالَمين.