السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ذكر أهل العلم -رحمهم الله- أنَّ الواجب على كلِّ مسلم نحو ما أمره الله به أمور سبعة عظيمة، فاعقلوها، وعُوها -رحمكم الله-، أمور سبعة تجب علينا نحو كل ما أمرنا الله به من توحيدٍ، وصلاة، وصيامٍ، وحج، وصدقة، وبِر، وغير ذلك من الطاعات والأوامر والنواهي الواردة في كتاب الله، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنينَ.. عبادَ الله: اتقوا الله تعالى؛ فإنَّ مَن اتَّقَى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: إن من المتقرر لدى كل مؤمن أن الله العظيم، الخالق الجليل -سبحانه-،لم يخلق خلقه عبثا، ولم يوجدهم سدى، فهو -عز وجل-، مُنَزَّهٌ عن العبث واللهو واللعب، تعالى وتقدس، وتنزه عن ذلك.
بل خَلَقَهُم لغايةٍ عظيمة، وحكمة جليلة، خلقهم -تبارك وتعالى- بالحق وللحق، قال -عز وجل-: (خَلَقَ السَّمَوَاتِ والْأَرْضَ بِالْحَقِّ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النحل:3].
وذكر -جل وعلا- عن أولي الألباب أنهم يقولون في تنزيههم لله: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلَاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191].
وقال جل وعلا: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص:27-28]، أي: إنه تعالى منزَّه عن ذلك -عز وجل-.
وقال تبارك وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) [الأنبياء:16]، ويوم القيامة -عباد الله- يقول الله تبارك وتعالى لأهل النار مقرعا وموبخا: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116].
ولما ذكر -جل وعلا- خلْقه للإنسان من نطفة إلى مضغة إلى أن أصبح إنسانا سويًّا، قال -جل وعلا- في ذلكم السياق: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَى) [القيامة:36]، أي: لا يبعث ويحاسب ويعاقب، أو: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَى) ، أي: لا يؤمر ولا ينهى؟ وكلا المعنيين مراد في هذه الآية؛ فالله -عزَّ وجلَّ- لا يترك الخلق في الدنيا بدون أمر ولا نهي، ولا يتركهم يوم القيامة بدون حساب ولا عذاب.
عباد الله: إنَّ الله -عز وجل- خلق الخلق ليعبدوه، وأوجدهم ليفردوه -تبارك وتعالى- بالعبادة والطاعة والذل والخشوع، خلَق الخلقَ ليأمرهم وينهاهم، ليأمرهم بطاعته وعبادته وينهاهم عن المعاصي والآثام.
عباد الله: وإذا تأمل المسلم هذه الحقيقة العظيمة الجلية يأتي في هذا المقام سؤال من الأهمية بمكان، ألا وهو: ما واجبنا نحو ما أمرنا الله به، نحن خَلْقَ لله؟ خلَقَنا الله -عز وجل- ليأمرنا وينهانا، خلقنا عز وجل لنطيعه ونمتثل أمره، فما هو واجبنا -عباد الله- نحو ما أمرنا الله -جل وعلا- به؟.
ذكر أهل العلم -رحمهم الله- أنَّ الواجب على كلِّ مسلم نحو ما أمره الله به أمور سبعة عظيمة، فاعقلوها، وعُوها -رحمكم الله-، أمور سبعة تجب علينا نحو كل ما أمرنا الله به من توحيدٍ، وصلاة، وصيامٍ، وحج، وصدقة، وبِر، وغير ذلك من الطاعات والأوامر والنواهي الواردة في كتاب الله، وسنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-.
أمَّا الواجب الأول -عباد الله- فهو تعلُّم المأمور، والعلم به ومعرفته؛ ولهذا جاءت الدلائل الكثيرة في الكتاب والسنة حثا على التعلُّم وترغيبًا فيه، وبيانًا لفضله وعظيم عوائده وآثاره، وفي الحديث الصحيح يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل اللهُ به طريقاً إلى الجنة".
الثاني -عباد الله- أن نحب ما أمرنا الله به، أن نعمر قلوبنا بمحبة ما أمرنا الله -جل وعلا- به، لأنه عز وجل لا يأمرنا إلا بما فيه الخير والفلاح، ولا ينهانا إلا عما فيه الشر والبلاء، فنحب المأمور، ونعمر قلوبنا بمحبته، وفي الدعاء المأثور عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربني إلى حبك".
ولْيحْذَر المؤمن أن يكون في قلبه شيء من الكراهية والبغض لأوامر الله، أو أوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:9].
الأمر الثالث -عباد الله- أن نعزم عزما أكيدا على فعل ما أمرنا الله تبارك وتعالى به، والعزيمة حركة في القلب، وتوجُّهٌ إلى الخير، ورغبة وحرص على فعله، وفي الدعاء المأثور: "اللهم إني أسألك العزيمة على الرشد".
فإذا علمت أمرًا رشدًا، أمرًا خيرًا، أمرًا فيه صلاحُك في دينك ودنياك، فاعزم على فعله، وحرك قلبك للقيام به، فهذا هو الأمر الثالث عبادَ الله.
الأمرُ الرابعُ أنْ نفعل ما أمرَنا الله به، وأن نقوم به راغبين طائعين، ممتثلين لله -جل وعلا-، منقادين لأمره، فنحن عبيده، وواجب العبد الطاعة لسيده ومولاه، وفي الدعاء المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام؛ بل كان يدعو به كل يوم بعد صلاة الصبح: "اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا".
الأمر الخامس -عبادَ اللهِ- أن يقع العمل على الإخلاص والصواب، أن يقع العمل خالصا لله، صوابا على السنة، سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالله -جل وعلا- لا يقبل العمل إلا إذا كانت هذه صفته، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً) [الملك:2]، قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، وما أخصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة.
السادس -عباد الله- أن نحذر من مبطلات الأعمال ومفسداتها ومحبطاتها، وهي كثيرة، جاء بيانها في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، كالرياء، والنفاق، وإرادة الدنيا بالعمل، والسمعة، ونحو ذلك من مبطلات الأعمال ومحبطاتها، فهذا واجب على كل مسلم نحو كل ما أمره الله، إذا علمه وأحبَّه وعمل به ووقع منه خالصا صوابا أن يحذر من كلِّ أمر يُحبطه ويُبطله.
الأمر السابع -عباد الله- الثبات، الثبات، أن يحرص المؤمن على الثبات على الأمر، أن يثبت على ذلك، ويجاهد نفسه على الثبات، ويسأل الله -جل وعلا- أن يثبته على دينه: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].
فهذه -عباد الله- سبعة أمور عظيمة تجب علينا نحو كل ما أمرنا الله به: العلم به، ومحبته، والعزيمة على فعله، والعمل، وأن يكون العمل خالصا صوابا، والحذر من مبطلات الأعمال، والثبات عليه إلى الممات.
ثبَّتَنا الله أجمعين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهدانا إليه جميعا صراطا مستقيما. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الجود والفضل والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله تعالى.
عباد الله: إن من الدعوات العظيمة الجامعة لكل ما سبق، المأثورة عن نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- ما رواه الطبراني وغيره بسند جيد عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اكتنز الناسُ الذهب والفضة فاكتنِزْ هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفر مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب".
فهي -عباد الله- دعوة عظيمة جامعة، جمعت للمسلم الخير كله، فعلينا -عباد الله- أن نعتني بها وبغيرها من الدعوات المأثورة عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-، فإن الدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) [الأحزاب:56]، وقال: -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلَّى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...