العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد آل طالب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
الباطلَ لا مُستقبلَ له، وقد قصَّ الله على عبادِه توارِيخَ أُممٍ هلَكَت ومضَت، وبادَت وانقضَت؛ لأنها تشبَّثَت بالباطل وأصرَّت عليه. وسُنَّةُ الله –تعالى- أن يبتلِيَ عبادَه للحكمة التي مضَت في الآيات، ولتنقِيَة الصُّفُوفِ أيضًا، كما قال -سبحانه-: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران: 179].
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعلَ العِزَّة لأوليائِه وإن مسَّتْهم قروح، والعلوَّ لعباده وإن تناوَبَت عليهم النوائِبُ واجترحَتْهم جُروح، ووعدَهم بيُسرَيْن بعد العُسر وأن يطوِيَ ليلَهم صبحٌ صبُوح، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيدِه مغالِيقُ الأمور وبيدِه الفُتوح، يُداوِلُ الأيام بين عباده فمقادِيرُه تغدُو عليهم وترُوح، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه أندى الخلائِق راحةً وأزكاهُم رُوحًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه الذين امتَاحُوا من نبيِّهم خيرَ مُتُوح، ونشَروا الحقَّ بعد ذلك بلاغًا وفُتوحًا.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
إن الأمورَ بيدِ الله، ومصائِر الخلق إليه، وعند الله تجتمِعُ الخُصوم، فأعِدُّوا للقَاء عُدَّتَه: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 25].
وسوف يُحشرُ الناسُ عُراةً كما خُلِقوا، لا تكسُوهم إلا ألبِسةُ التقوى إن كانوا أهلَ تقوى: (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ)، كلُّ نفسٍ لوحدِها مُفردةً مُجرَّدةً عن الألقاب والإضافات، والزَّخارِف والشَّارات.
أيها المسلمون: في كتاب الله سُلوانٌ لكل مُؤمنٍ، وهدايةٌ لكل مُوقِنٍ، ولن يُضيِّع اللهُ عبادَه المُؤمنين، وفي أعقابِ البلاء قال الله تعالى لأوليائِه: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 139- 141].
فإن الباطلَ لا مُستقبلَ له، وقد قصَّ الله على عبادِه توارِيخَ أُممٍ هلَكَت ومضَت، وبادَت وانقضَت؛ لأنها تشبَّثَت بالباطل وأصرَّت عليه.
وسُنَّةُ الله تعالى أن يبتلِيَ عبادَه للحكمة التي مضَت في الآيات، ولتنقِيَة الصُّفُوفِ أيضًا، كما قال -سبحانه-: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران: 179].
عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عُبيدة بن الجرَّاح إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، فذكرَ اللهُ جُموعًا من الرُّومِ وما يتخوَّفُ منهم. فكتبَ إليه عُمرُ: أما بعد: فإنه مهما نزلَ بعبدٍ مُؤمنٍ من منزلةِ شدَّةٍ يجعلُ الله بعدها فرَجًا، وإنه لن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن، وإن الله يقول في كتابِه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].
فأملُنا بالله كبيرٌ أن تُشرِقَ شمسُ الخلاص، وأن يطرُدَ النورُ الظلام، وعند الصُّبح تبتسِمُ الأماني.
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي عزَّ وملَك، ودانَت له الأكوانُ وما دارَ في الفلَك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ما خابَ عبدٌ أمَّلَه، ولا هانَ وجهٌ أسلمَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أما بعد:
فإن يقينَنا بالله تعالى عظيم، وإيمانَنا بإنجاز وعده كبير، والله تعالى هو الملجأُ وإن انقطَعَت السُّبُل، وإليه المُلتجأُ وإن ضاقَت الحِيَل، ولا غالبَ إلا الله.
وإن حقًّا على كل مسلمٍ في هذه الساعات أن يبتهِلَ إلى الله بأصدقِ الدعوات لإخوانِه المُسلمين المظلُومِين، والذين تكالَبَت عليهم النُّوَب، ولا ناصِرَ لهم إلا الله.
الحمد لله رب العالمين، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم.
اللهم يا مَن لا يُهزمُ جُندُك، ولا يُخلَفُ وعدُك، ولا يُردُّ أمرُك، سبحانك وبحمدِك، عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤُك، وتقدَّسَت أسماؤُك، نسألُك اللهم باسمِك الأعظم أن تلطُفَ بإخواننا في سُوريا، اللهم الطُف بإخواننا في سوريا، اللهم ارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفَرَج، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، يا راحِمَ المُستضعَفين، ويا ناصِرَ المظلومِين.
اللهم يا مُنزِلَ الملائكة يوم بدر، ومُشتِّت الأحزاب يوم الخندق، اللهم انصُر المُجاهِدين في سبيلِك في بلاد الشام عامَّةً، وفي القُصير خاصَّةً، اللهم فُكَّ حِصارَهم، واحقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ أعراضَهم، وسُدَّ خلَّتَهم، وأطعِم جائِعَهم، واربِط على قلوبِهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم.
اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، اللهم اكبِت عدوَّهم، اللهم اكبِت عدوَّهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومَن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم.
اللهم مُنزِلَ الكتاب، مُجرِيَ السَّحاب، هازِم الأحزاب! اهزِمهم وزلزِلهم، وانصُر إخوانَنا عليهم.
اللهم انصُر دينكَ وكتابَك وسُنَّة نبيك وعبادكَ المُؤمنين.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في مصر وفي كل مكان، اللهم اجمَعهم على الحق والهُدى، وأصلِح أحوالَهم، واكفِهم شِرارَهم.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدة والمُفسِدين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين.