العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
لا إلهَ إلا اللهُ، وصيةٌ نبويةٌ أكيدةٌ، لحياةٍ شقيةٍ أو سعيدةٍ، فما ظننتَه باللهِ -تعالى- فهو عندَ ظنِك به، قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ". ها هو إبراهيمُ الخليلُ -عليه السلام- أمامَ...
الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوى، والذي قدّرَ فهدى، والذي أخرجَ المرعى، جعلَه غثاءً أحوى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، الداعي إلى اللهِ على بصيرةٍ هو ومن اتبعَه، بلغَ الرسالةَ، وأدى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَ جهادِه حتى أتاهُ اليقينُ، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن سارَ على طريقِهم واقتفى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أما بعدُ:
عَنْ حَيَّانِ أَبي النَّضْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رضي الله عنه - عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ، قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ: وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ، أَيْ حَسَنٌ، قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَالَ اللهُ - عز وجل -: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، فَلْيَظُنَّ بي مَا شَاءَ".
لا إلهَ إلا اللهُ، وصيةٌ نبويةٌ أكيدةٌ، لحياةٍ شقيةٍ أو سعيدةٍ، فما ظننتَه باللهِ -تعالى- فهو عندَ ظنِك به، قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ اللَّهَ –عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ".
ها هو إبراهيمُ الخليلُ -عليه السلام- أمامَ نارٍ لم يُوقدْ مثلُها قَطُّ، لها شررٌ عظيمٌ، ولهبٌ مرتفعٌ، قد جُمعَ لها الحطبُ شهراً، حتى أن الطيرَ ليمرُ بجَنَباتِها فيحترقُ من شدةِ وَهجِها، يُلقى فيها مربوطاً من بعيدٍ، فيقولُ وهو في الهواءِ، منادياً لِمَنْ في السماءِ: "حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟، يأتي الأمرُ السريعُ، من ربٍ سميعٍ: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)[الأنبياء: 69- 70].
وبعدَ سنينَ عديدةٍ، يأتي إِبْرَاهِيمُ بهاجرَ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ولا ماءٍ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى مُنْطَلِقًا إلى الشام، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ؟ وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِها بربِها -تعالى-؟
أخرجَ اللهُ -تعالى- من تحتِ قدميَ ابنِها ماءَ زمزمَ المباركَ، وبُنيَ عندَهم البيتُ الحرامُ، وجعلَ: (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم: 37].
ورزقَهم من الطيباتِ، وأصبحَ الناسُ يأتونَهم: (رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحـج: 27-28].
وشرعَ اللهُ -تعالى- السعيَ بين الصفا والمروةِ تخليداً لموقفِ تلك المرأةِ الصابرةِ وذكرى للمؤمنينَ.
ثم يأتي بعد فترةٍ من الزمانِ إلى ولدِه الوحيدِ الذي رُزِقَه على كِبَر، وقد: (بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) فأصبحَ يذهبُ معه ويأتي وتعلقت به نفسُه: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ورؤيا الأنبياءِ حقٌ: (فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) [الصافات: 102].
وكفى بهذا الموقفِ وصفاً قولُه تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ) [الصافات: 106].
فما كانَ من ذلك الابنُ الحليمُ إلا أن قالَ لأبيه راضياً منقاداً لأمرِ اللهِ -تعالى-: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصافات: 102].
وتأملوا في قولِه: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) أي إنه أمرٌ من اللهِ -تعالى- وليسَ لنا إلا السمعَ والطاعةَ، فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 107].
وها هي الأضحيةُ كلُ سنةٍ تُذكِّرُنا بهذا الموقفِ الخالدِ، لقوةِ تسليمِ الولدِ والوالدِ، فعجباً لهذه العائلةِ حُسنُ ظنِها بربِها -تعالى-.
واسمعوا خبرَ زكريا -عليه السلام-، وما أدراكَ ما خبرُ زكريا: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) [مريم: 4].
بلغَ من العُمُرِ عتياً: (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً).
فتجمعت الأسبابُ التي يكونُ فيها الإنجابُ من المستحيلاتِ في عُرفِ الأطباءِ، ومع ذلك قالَ: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا) [مريم: 5]. وليس ولداً فقط، بل: (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [مريم: 6].
فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟!
(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم: 7] فرزقَه الله - تعالى- غلاماً وسماه باسمٍ لم يكن معهوداً من قبلُ، وجعلَه ربُه رضياً بقولِه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم: 12-15].
وهذا موسى يخرجُ ببني إسرائيلَ فراراً بدينِهم، حتى يصلَ إلى البحرِ وليس عندَهم ما يركبونَ عليه، وإذا بفرعونَ قد أرسلَ في المدائنِ وحشرَ جنودَه وخرجَ يتبعُ موسى ومن معه: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61].
فالبحرُ من أمامِنا والجندُ من وراءِنا فلا مفرَ اليومَ، فماذا قالَ الواثقُ بنصرِ اللهِ -تعالى– لأوليائِه: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟
(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63].
(وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) [الشعراء: 65-66].
بل أورثَهم اللهُ -تعالى- أموالَ فرعونَ ومن منعَه؛ كما قالَ تعالى: (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء: 57-59].
فسبحانَ اللهِ - تعالى - الذي عندَ حُسنِ ظنِ عبدِه به.
يحكي لنا اللهُ -تعالى- في كتابِه قصةَ طالوتَ وجيشِه، حيثُ أجرى لهم اختباراً: (إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)
فماذا كانت النتيجةُ؟
(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) فرجعَ الذينَ شَرِبوا وتجاوزَ طالوتُ وبقيةُ الجنودِ النهرَ: (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ)[البقرة: 249].
وهذا القولُ كانَ من البعضِ، ولكن: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 249].
ثم سعوا بأعظمِ الأسبابِ الشرعيةِ وهو الدعاءُ: (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 250].
فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِهم بربِهم تعالى؟
(فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) [البقرة: 251].
فقُتلَ قائدُ الكفارِ، وانتصرَ جيشُ الأبرارِ.
وأما إذا كان الحديثُ عن نبيِنا - صلى الله عليه وسلم -، فحياتُه كلُها مليئةٌ بحسنِ ظنِه بربِه - تعالى -، ويكفينا في ذلك موقفُ الهجرةِ: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) [التوبة: 40].
يقولُ أبو بكرٍ الصديقُ - رضي الله عنه -: "نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ" فماذا قالَ الذي عاشَ للهِ، وباللهِ، ومع اللهِ؟
"يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟".
لا إلهَ إلا اللهُ: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).
فما هي النتيجةُ؟
(فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، وصلى اللهُ وباركَ على نبيِنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
يقولُ ابنُ القيمِ - رحمه الله -: "وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سبحانه لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ".
وأنت يا عبدَ اللهِ، ما هو ظنُك بربِك -تعالى-؟
ما هو ظنُك بربِك أيها الفقيرُ؟ وأنت تقرأُ قولَه تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود:6]؟
ما هو ظنُك باللهِ يا من يبحثُ عن وظيفةٍ؟ واللهُ -تعالى- يقولُ: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22].
ما هو ظنُك بربِك أيها المريضُ، ويامن أصابَته الهمومُ والغمومُ؟، وأنت تتلو قولَه تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].
ما هو ظنُك بربِك وأنت رافعٌ يديكَ إلى السماءِ؟، واللهٌ -تعالى- يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
ما هو ظنُك بالرحمنِ يا مَن عصيتَه؟ وأسرفتَ على نفسِك بالمعاصي؟ واللهُ -تعالى- يناديك: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
ألم تسمعْ لذلك النداءِ العظيمِ، من ربٍ رحيمٍ: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة".
ما هو ظنُكم بربِكم أيها المظلومونَ؟ ودعوتُكم ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ، وتصعدُ إلى السماءِ كأنها شرارةٌ، وتُحملُ علَى الغَمامِ، وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، ويقولُ اللهُ -تبارك وتعالى-: "وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ".
فحسِّنْ ظنَك بربِك أيها المؤمنُ حتى آخرِ لحظةٍ من حياتِك كما قالَ عليه الصلاة والسلام: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ - عز وجل –".
اللهمَّ إنَّا نسألُك صدَق التَّوكلِ عليك، وحسنَ الظنِّ بك، اللهم إنا نسألُك من الخيرِ كلِه عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلم، ونعوذُ بك من الشرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمنا منه وما لم نعلم، ونسألُك الجنةَ، وما يقربُ اٍليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النارِ، وما يقربُ اٍليها من قولٍ وعملٍ.
اللهم إنا نعوذُ بك من عملٍ يُخزينا، ونعوذُ بك من صاحبٍ يؤذينا، ونعوذُ بك مِن أملٍ يُلهينا، ونعوذُ بك من فقرٍ يُنسينا، ونعوذُ بك من غِنىٍ يُطغينا.
اللهم فارجَ الهَم، كاشِفَ الغمِ، ومجيبَ دعـوةِ المضطرين، رحمنَ الدنيا والآخرةِ ورحيمَهُما.
نسألُك اللهم أن ترحمَ إخوانَنا في الشامِ، اللهم ارحمهم رحمةً تُغنيهم بها عن رحمةِ مَن سِواك.