العربية
المؤلف | عمر القزابري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أعلام الدعاة |
السلام عليك أيها النبي فقد سلمت عليك الأشجار والأحجار وتحدثت إليك الظباء والجمال والحمائم، وسبح الطعام في فمك، وسبحت الحصى في كفك، وتفجر الماء من بين أصابعك، واهتز لك الجبل وحن إليك الجزع وسجد إليك الشجر وظللك الغمام، وانشق لك القمر، ونصرتك الملائكة، ولطفك جبريل، واحتفت بك السماوات وبلغت سدرة المنتهى وصلى خلفك النبيون..
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى والمختص بالملك الأعز الأحمى الذي ليس من دونه منتهى، ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعمًا، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم أنفثهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنمًا، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا، وذكاه روحًا وجسمًا، وأتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..
معاشر الصالحين: كلمة المنبر مع مطلع هذا الشهر الأغر شهر ربيع الأزهر سيكون حديثها المتواضع إشادة وذكرا ومدحا للذي هز العالم، وأيقظ التاريخ وأذهل الزمان، ودان له العظماء للذي بذل المعروف وأطعم الجائع وأكرم الضيف وحمل الكل وأغاث الملهوف.. للذي فاض قلبه رقة ورحمة، فكان أرحم بالناس من آبائهم وأمهاتهم واستحق أن يشيد به أرحم الراحمين بقوله: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وقصر رسالته على الرحمة فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)..
نستأذنه صلى الله عليه وسلم أن نقرع بقلوبنا الأبواب وندنو بها من الأعتاب لنرتوي من زلال الآداب ونتزود من الحكمة وفصل الخطاب، نستأذنه في الدخول إلى علم الكمال والجمال والجلال، نستأذنه في الولوج إلى منزل الكرم وبيت الهدى ومحط الصفاء ومرتع الوفاء ودار السماحة لنحظى بأمتع لحظات الوصال وأسعد ساعات اللقاء، نسلم عليه وقد فاضت العبرات وغضضن الأصوات وفتحنا منافذ القلوب، وأنصتت كل ذرة فينا للحبيب فهلا أذنت يا رسول الله لنفوس محبة وقلوب مشوقة بتلمس جميل آثارك ورشف زلال أخبارك والولوج إلى روائع أسرارك، فالسلام عليكم..
السلام عليكم يا معلم الدنيا السلام والكلام والنظام والوئام، السلام عليك يا جميل الظاهر يا ذكي الباطن يا عظيم الأخلاق يا رائع الآداب يا جميل الصفات يا عذب الشمائل يا أصل الفضائل..
السلام عليك أيها النبي فقد سلمت عليك الأشجار والأحجار وتحدثت إليك الظباء والجمال والحمائم، وسبح الطعام في فمك، وسبحت الحصى في كفك، وتفجر الماء من بين أصابعك، واهتز لك الجبل وحن إليك الجزع وسجد إليك الشجر وظللك الغمام، وانشق لك القمر، ونصرتك الملائكة، ولطفك جبريل، واحتفت بك السماوات وبلغت سدرة المنتهى وصلى خلفك النبيون.
أيها الأحباب: ما أحوجنا إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمتع بأخباره، والتملي بأنواره خصوصًا ونحن نعيش أزمنة الصخب والشغب أزمنة الفتن والمحن، أزمنة إعجاب كل ذي رأي برأيه، أزمنة الدماء المسفوكة والخدع المحبوكة، أزمنة الاحتجاج والارتجاج، أزمنة الفصل بين المظهر والجوهر إلا من رحم ربي وستر..
لذلك فإننا أحبتي نريد أن نقتنص من دنيا الهرج ساعات نحصل من خلالها السكن والطمأنينة في رحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم...
خصوصًا وأننا نلاحظ أن الأمة مع ما عاشته وتعيشه من أحداث وفتن قلَّ فيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحس كل مسلم بالغربة والجفوة في جانب علاقته برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غدا الواحد منا يتحسس بين جنبيه عله يجد بذرة حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فينميها أو جذوة شوق إليه في فيزكيها.
لذلكم فإن حديثنا اليوم إنما هو خواطر حب مرسلة نمتع بها النفوس ونريح بها القلوب؛ لعلها تنتعش ويتحقق لها حبل الوصل الذي قطع أو كاد..
فالسلام عليك يا رسول الله: ما أشرقت الشمس على أرض إلا وأشرق معها طيفك وسطعت شمسك ونودي باسمك، وصلى عليك واستنشق المحبون أريج هداك وعطر أخلاقك، هيمنت على أخلاق محبيك في نومهم وصحوهم، وأفراحهم وأتراحهم، وحلهم وترحالهم، وطعامهم وشرابهم، ومشاعرهم وشعائرهم، وأذكارهم وأخبارهم، وشعرهم ونثرهم، لا يتقربون إلى الله إلا من طريقك، ولا يتعبدون إلا لهديك ولا يفتخرون إلا بمتابعتك ولا يفتتحون مناجاتهم إلا بالصلاة والسلام عليك..
لا تُذْكَر إلا صلوا وسلموا، ولا تمدح إلا بالقلوب يمموا، إذا تذكروك ذابوا شوقًا، وأفعموا طربًا، واهتزوا نشوة وملئوا حنينًا، تبكي عيونهم وتفيض دموعهم ويشتد ولوعهم لا يهدأ لهم بال، ولا تقر لهم عين ولا يسكن لهم حنين إلا يوم أن يمنوا النفس بلقياك ويأملوها في رؤياك ويبشروها بمرافقتك ولا يذهب ظمأ قلوبهم إلا بتخيل كأس من حوضك الشريف، ولا يتلاشى قلقهم ويزول خوفهم إلا بأملهم أن يشفعك الله فيهم بما أحبوك واتبعوك واشتاقوا إليك وتمنوا لقاءك وترنموا بمدحك..
السلام عليك فقد بذلت المعروف، وأكرمت الضيوف، وأعلنت عن الدنيا العزوف، وصارعت الحتوف، وكملت فيك الوصوف، فسبحان من كمّلك، سبحان من جمّلك، سبحان من أدّبك، سبحان من أعطاك.
صبرت وصابرت، وجاهدت واجتهدت، وبذلت وتعبت، وعانيت وأُوذيت، وحُوربت وطُردت، وضُربت وشُردت، وسهرت وما كان نشيدك إلا «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
مع أنهم ناصبوك العداء وكادوا لك المكائد، ودسوا الدسائس، ورموا الأذى على رأسك، ووضعوا الشوك في طريقك، وقتلوا أصحابك، ومزقوا أتباعك، وعذبوا محبيك، وأخرجوك من دارك، وأذوك في أهلك وسخروا منك، واستهزءوا بك، وأعلنوا حربك، وحاولوا قتلك، وشجوا وجهك، وكسروا رباعيتك، وأسالوا دمائك، ونكثوا عهودك، ونقضوا مواثيقك، ثم تأتي بأبي أنت وأمي بكل رضا وتفعل ما لا يستطيع أحد من الناس مهما أُوتي من الحلم والعفو أن يفعله..
حتى أنك لم تلومهم بكلمة أو تعاتبهم على ماضي أو تؤنبهم على أذى؛ لأنك صاحب مبدأ وحامل رسالة وهادي أمة.. ولم يكن الناس في يوم من الأيام موضع نقمتك حتى ولو عادوك، ابتُليت فصبرت وأُعطيت فشكرت وقدرت فعفوت..
السلام عليك أيها الحبيب.. فما أرقك وما ألطفك وما أبرك فإنك لم تنسى نحن أحبابك وإخوانك الذين أتينا بعدك وما رأيناك، وأمنا بك وما صحبناك..
فقد جبرت قلوبنا وطيّبت خواطرنا بأن أخبرتنا بحبك لنا وشوقك إلينا واهتمامك بنا، فقد خرج صلى الله عليه وسلم يومًا إلى البقيع ومعه أصحابه فقال لهم: «وددت لو رأيت إخواني» فقال الصحابة في تعجب: "أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟!" قال: «أنتم أصحابي، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي آمنوا بي ولم يروني» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فقلد علمت أيها الحبيب صلى الله عليك وسلم أننا سوف نتيه حبًّا، ونذوب شوقًا، ونتلظى حسرةً؛ لأننا ما رأيناك وإن أحدنا يتمنى أن يفقد أهله وماله ليحظى برؤية محياك أو تقبيل جبينك أو الظفر برفقتك..
وإذا كان أيها الأحباب قد تكلمنا في الخطب الماضية عن الطريق إلى لذة العبادة، فإن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الطرق المؤدية إلى تلكم الغاية.
يقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار».
السلام عليك: ما أجمل أخلاقك! وما أوفاك لأتباعك وأحبابك وأصحابك! بل لأمتك جمعاء، ها أنت تهتم بهم وتفكر فيهم، وتجتهد في دعاء خالقك ورجائه ليرضيك فيهم فيلبي ندائك جل وعلا ويقول لك «يا محمد إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك».
وإذا كان لكل نبي دعوة مجابة دعا الله بها، فإنك قد خبأت دعوتك؛ شفاعةً لأمتك فما أرحمك!!
فيا أيها الأتقياء والأغنياء.. أيها العباد والمجاهدون.. أيها الأئمة.. أيها القراء والمؤذنون، أيها الأطباء والمهندسون.. أيها الإداريون والاقتصاديون والسياسيون.. أيها العصاميون.. أيها التجار.. أيها العلماء في شتى صنوف العلم.. أيها المبدعون والكتاب والصحافيون.. أيها الموظفون والمغتربون.. أيها الملوك والوزراء والمسئولون.. أيها الناس في أنحاء الدنيا من جميع النحل ومن كل الملل..
أيها المحبون والمتبعون والمشتاقون.. رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى معرفة سنته، والبحث في بساتين سيرته كي تستخرجوا منها ما يضيء جنابات العالم الذي أظلم من كثرة الظلم والمعاصي والفتن والشهوات والمكر والخداع..
وهل بعد دعوة الله إلى اتباع رسوله دعوة؟ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
جعلني الله وإياكم ممن ذُكِّر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا، آمين..آمين، والحمد لله رب العالمين..
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رحم العالمين بنبيه فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) سماه محمدًا وجعله في الكون محمودًا ووعده المقام الأسنى، وقال: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) صلى الله عليه صلاة متلازمة دائمة إلى يوم الدين وعلى آله وتبعه إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين..
معاشر الصالحين: هنا إلماح على استحياء إلى وميض من أنوار النبوة، وأريج من ورود الرسالة، وكلمات من سجل العظمة، هنا منهل عذب للألباب، ومورد زلال للأصحاب، ومتنـزه للقلوب خلاب، ومتنفس جميل لهواة القمم، وسلوة آثرة لأرباب الهمم..
نتكلم عن شيء من عظمته وأفضليته وخصائصه التي فاق بها السابق واللاحق، فما دليل تلك الفضائل لصفوة الأواخر والأوائل؟!
يقول صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي ولا فخر» رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
يا الله.. ما أعظمها من منزلة، وأجلها من درجة، وأرفعها من رتبة، آدم أبو البشرية الذي تاب الله عليه واجتباه وقرَّبه وهداه، ونوح وإبراهيم خليل الله، وإسماعيل ويعقوب ويوسف وصالح، وشعيب وموسى وعيسى وغيرهم من عظماء الحياة وأساطين البشر كلهم تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم..
يا لها من مرتبة ويا له من فخر لأمته صلى الله عليه وسلم!! وإن عظمة التابع من عظمة المتبوع..
ثم انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا فخر» فهي تنبئ عن تواضعه، وتبين عظمته، فهو لم يقل ما قاله من باب التفاخر أو التعالي، وإنما من باب إخبار أمته بمنزلته، وإتحافها بمرتبته لتعرف الإكرام وتشكر العلام على بديع الإنعام بمحمد عليه الصلاة والسلام.
من دلائل تلكم الفضائل أن الله تعالى أخبره أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولم ينقل أنه أخبر أحدًا من الأنبياء بمثل ذلك.
فكل الأنبياء إذا طلبت منهم الشفاعة في الموقف العظيم ذكر خطيئته التي أصابها وقال: «نفسي نفسي»، وإذا استشفعت الخلائق بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام قال: «أنا لها، أنا لها».
يأتي الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام المهيب والموقف الرهيب فيقولون: "يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: «فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح عليّ ويلهمني من محامده وحُسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى، واشفع تشفع» أخرجه البخاري.
من دلائل تلكم الفضائل: أنه صلى الله عليه وسلم وأمته أول من يدخلوا الجنة وأنه أكثر الأنبياء تبعًا، يقول صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أُمرت لا أفتح لأحد قبلك» أخرجه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة» أخرجه مسلم.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله: «وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألف لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل» أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
من دلائل تلكم الفضائل أن الله تعالى أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).
فالإقسام بحياة المقسم به في حياته تدل على شرف حياته، وعزتها عند المقسم، وأنها حياة جديرة بأن يُقسَم بها لما لها من البركة، ولما لها من المنزلة، ولما فيها من الدلال والجمال والكمال، ولم يقسم تعالى بغيره من البشر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسًا هي أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره".
من دلائل تلكم الفضائل: أن الله تعالى كلمه بأنواع الوحي الأربعة: الرؤية الصادقة، والكلام من غير واسطة، والوحي عن طريق جبريل، والنفث في الروع.
ومن ذلك أن أمته صلى الله عليه وسلم أقل عملاً ممن قبلهم وأكثر أجرًا، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم، وعصمة الله تعالى لأمته بأنها لا تجتمع على ضلالة..
ومن ذلك كذلك حفظ كتابه، فلو اجتمع الأولون والآخرون على أن يزيدوا فيه كلمة أو ينقصوا منه لعجزوا عن ذلك.
ومن ذلك أنه تعالى لم يعالج عصاة أمته بالعقوبة كغيرهم من الأمم السابقة..
ومن ذلك كذلك أن الله تعالى ذكره في القرآن عضوًا عضوًا، فذكر قلبه (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ) ولسانه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) وبصره (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) ووجهه (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) ويده وعنقه (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) وظهره وصدره (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ).
كان صلى الله عليه وسلم يبيت جائعًا ويصبح طاعمًا يطعمه ربه ويسقيه، كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، يقول صلى الله عليه وسلم: «هل ترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري» أخرجه البخاري.
وكان صلى الله عليه وسلم يبلغ صوته وسمعه ما لا يبلغ صوت غيره ولا سمعه، كان صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، قال عليه الصلاة والسلام: «يَا عَائِشَةُ! إِنَّ عَيْنِي تَنَامُ وَلا يَنَامُ قَلْبِي» أخرجه البخاري.
ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم أبداً، ما احتلم صلى الله عليه وسلم قط، وكذلك الأنبياء.
كان عرقه أطيب من المسك، آتي صلى الله عليه وسلم بالبراق ليلة الإسراء مسرجًا وملجمًا، قيل: وكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تركبه عريانًا من غير سرج ولا لجام.
كما أنه صلى الله عليه وسلم هبط عليه إسرافيل ولم يهبط على نبي قبله.
وإن الميت يسأل عنه صلى الله عليه وسلم في قبره.. عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قال نزلت في عذاب القبر، فيقال له من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فذلك قوله عز وجل (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ)» أخرجه مسلم.
كما أنه وُكل بقبره صلى الله عليه وسلم ملَك يبلّغه صلاة المصلين عليه، قال عليه الصلاة والسلام: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام» أخرجه النسائي وصححه الألباني.
كما أنه صلى الله عليه وسلم يُكسى في الموقف يعني يوم القيامة أعظم الحلل من الجنة، ويقوم صلى الله عليه وسلم على يمين العرش مقامًا لا يقومه غيره.
كما أن الله تعالى أشار إلى أحوال الأنبياء ثم ذكر التوبة عليهم، قال تعالى: (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى).
وقال في حق موسى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)، وقال في سليمان (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ).
وأخبر تعالى بغفران ذنب نبينا صلى الله عليه وسلم من غير أن يذكر له ذنبًا فقال: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) إلى غير ذلك من الفضائل والكمالات التي لو استنفذنا الأعمار في محاولة إحصائها وعدها لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً.
فما هو موقف الأمة إيذاء هذه الفضائل والكمالات؟ وماذا فعلت الأمة إيذاء هذا التشريف العظيم التي نالته من خلال شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته؟
ما علاقة الأمة اليوم برسول الله؟ والله الذي لا رب سواه عيب، ثم عيب ثم عيب أن يوجد في الأمة قبر يزار وتعلق عليه التمائم وتذبح له القرابين ورسول الله صلى الله عليه وسلم قضى حياته في ترسيخ التوحيد ونبذ الشرك والبدع.
عار على الأمة أن يوجد فيها السحرة، عار على الأمة أن تهجر كتابها الذي أنزل على رسولها صلى الله عليه وسلم مستبدلة إياه بالمعازف والقينات والسهرات والكلام الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
عار.. عار على الأمة التي نبيها محمد صلى الله عليه وسلم أن يوجد فيها طغاة يسفكون دماء المسلمين هذه الدماء التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يُقضى يوم القيامة في الدماء»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
عار على الأمة أن تعتمد في معاملاتها واقتصادها على الربا الذي هي حرب على الله ورسوله بنص القرآن (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).
عار على الأمة أن تترك الصلاة، وتهجر المساجد من أجل مباريات تافهة لا معنى لها سوى شغل الناس عن معاشهم ومعادهم..
عار على الأمة أن تعرف شخصيات ورقية تافهة لا معنى لها، ولا تعرف من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ).
اللهم أصلح أحوالنا، واجعل بطاعتك اشتغالنا، وإلى الخيرات مآلنا..