الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الأطفال |
إِنَّ تَرْبِيَةَ الْأَطْفَالِ عَلَى الْخِصَالِ الرَّشِيدَةِ، وَتَنْشِئَتَهُمْ عَلَى الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ؛ عَمَلٌ كَبِيرٌ، يُرْتَجَى مِنْهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ؛ فَصَلَاحُ الْأَوْلَادِ فِكْرًا، وَاسْتِقَامَتُهُمْ سُلُوكًا سَعَادَةٌ وَأَيُّ سَعَادَةٍ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ السَّعَادَةُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُسْرَةِ فَحَسْبُ، بَلْ لِلْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ تَرْبِيَةَ الْأَطْفَالِ عَلَى الْخِصَالِ الرَّشِيدَةِ، وَتَنْشِئَتَهُمْ عَلَى الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ؛ عَمَلٌ كَبِيرٌ، يُرْتَجَى مِنْهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ؛ فَصَلَاحُ الْأَوْلَادِ فِكْرًا، وَاسْتِقَامَتُهُمْ سُلُوكًا سَعَادَةٌ وَأَيُّ سَعَادَةٍ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ السَّعَادَةُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُسْرَةِ فَحَسْبُ، بَلْ لِلْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ؛ غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ التَّرْبِيَةَ الَّتِي يُرْجَى مِنْ وَرَائِهَا تِلْكَ الْغَايَةُ السَّامِيَةُ تَقُومُ عَلَى أَسَالِيبَ مُتَنَوِّعَةٍ، مِنْهَا:
التَّرْبِيَةُ بِالْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ مِنَ الْأَبَوْيِن؛ فَهُمَا أَوَّلُ مَنْ يُرَبِّيهِ، وَهُوَ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا صَفْحَةٌ بَيْضَاءُ قَابِلَةٌ لِكُلِّ نَقْشٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطِّفْلَ فِي مَرَاحِلِهِ الْعُمْرِيَّةِ الْأُولَى يَنْظُرُ إِلَى أَفْعَالِ وَالِدَيْهِ وَأَقْوَالِهِمَا نَظَرَ الْقَبُولِ وَالِاقْتِدَاءِ، فَتَنْطَبِعُ صُورَةُ تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي ذِهْنِهِ وَسُلُوكِهِ، فَيَرُوحُ يُحَاكِيهَا وَيَتَمَثَّلُهَا.
فَتَمَثُّلُ الْمُرَبِّي لِلْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ، وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ الْفِعْلِ لِلْقَوْلِ أَهَمُّ مَا يُمَيِّزُ الْمُرَبِّي النَّاجِحِ؛ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِي حَقِّ الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)[الصف:2-3].
وَلِلتَّرْبِيَةِ بِالْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا:
الْإِقْبَالُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَلُزُومُ خِصَالِ الْخَيْرَاتِ، فَمُحَافَظَةُ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الطَّاعَةِ؛ كَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْبِرِّ بِالْأَبَوَيْنِ وَالْأَقَارِبِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ وَالضُّيُوفِ؛ يَغْرِسُ فِي نُفُوسِ الْأَطْفَالِ فِي الْبَيْتِ حُبَّ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَمُمَارَسَتَهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ: كَرَاهِيَةُ الْمَعَاصِي، وَتَجَنُّبُهَا، فَالْأَوْلَادُ عِنْدَمَا يُشَاهِدُونَ وَالِدِيهِمْ يَنْفِرُونَ مِنَ الْخَطَايَا؛ كَالشِّرْكِ بِاللهِ -تَعَالَى-، وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ، وَالظُّلْمِ لِلآخَرِينَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُرَبِّي الْأَوْلَادَ عَلَى الْبُعْدِ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا.
وَمِنْ صُوَرِهَا: امْتِثَالُ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنةِ، وَبُغْضُ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ، فَالْأَبُ أَوِ الْأُمُّ يُرَبِّي وَلَدَهُ عَلَى الْأَمَانَةِ حِينَمَا يَكُونُ أَمَامَهُ أَمِينًا، وَعَلَى الصِّدْقِ عِنْدَمَا يَكُونُ مَعَهُ وَمَعَ غَيْرِهِ صَادِقًا، وَعَلَى الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ لَمَّا يَكُونُ وَفِيًّا، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ. وَيُبَغِّضُ إِلَيْهِ الْأَخْلَاقَ السَّيِّئَةَ كَالْكَذِبِ وَالْكِبْرِ وَالْفُحْشِ الْقَوْلِيِّ عِنْدَمَا لَا يَكْذِبُ وَلَا يَتَكَبَّرُ وَلَا يَفْحُشُ لِسَانُهُ، وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ سَفَاسِفِ الْأَخْلَاقِ.
وَصَدَقَ الشَّاعِرُ يَوْمَ قَالَ:
مَشَى الطَّاوُوسُ يَوْمًا بِاعْوِجَاجٍ | فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ |
فَقَالَ عَلَامَ تَخْتَالُونَ؟ قَالُوا | بَدَأْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ |
فَخَالِفْ سَيْرَكَ الْمِعْوَجَّ وَاعْدِلْ | فَإِنَّا إِنْ عَدَلْتَ مُعَدِّلُوهُ |
أَمَا تَدْرِي- أَبَانَا- كُلُّ فَرْعٍ | يُجَارِي بِالخُطَى مَنْ أَدَّبُوهُ؟ |
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا | عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ |
أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَالِدَانِ قُدْوَةً سَيِّئَةً بِأَفْعَالِهِمَا وَأَقْوَالِهِمَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُورِثُ فِي أَوْلَادِهِمَا مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ السُّوءِ، إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكَ اللهُ -تَعَالَى- أُولَئِكَ الْأَوْلَادَ بِقُدْوَةٍ صَالِحَةٍ خَارِجَ بَيْتِ الْأُسْرَةِ، حِينَمَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ لِلدِّرَاسَةِ أَوْ لِقَاءِ النَّاسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا.
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: وَمِنَ الْأَسَالِيبِ أَيْضًا: الِاسْتِعَانَةُ بِالْإِعْلَامِ النَّافِعِ فِي تَوْجِيهِ الْأَطْفَالِ إِلَى حُبِّ الْفَضَائِلِ وَعَمَلِهَا، وَبُغضِ الرَّذَائِلِ وَاجْتِنَابِهَا؛ فَالْإِعْلَامُ –خَاصَّةً الْمَرْئِيَّ مِنْهُ- لَهُ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي التَّأْثِيرِ عَلَى الْأَفْكَارِ وَالْأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِ، وَذَلِكَ لِمَا يَمْتَلِكُهُ مِنَ الْوَسَائِلِ الَّتِي تَجْذِبُ الْمُتَلَقِّينَ، وَتُسَيْطِرُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَصِيرَ الْمُتَلَقِّي كَالْأَسِيرِ الَّذِي يُوَجِّهُهُ آسِرُهُ إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ؛ فَلِهَذَا يُقْبِلُ الصِّغَارُ فَضْلاً عَنِ الْكِبَارِ إِلَى مُتَابَعَةِ بَرَامِجِ الْإِعْلَامِ بِشَغَفٍ، وَمِنْ هُنَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ الْعِنَايَةُ الْكَبِيرَةُ بِتَوْجِيهِ أَوْلَادِهِمْ إِلَى الْإِعْلَامِ الْمُفِيدِ؛ حَتَّى يَكْتَسِبُوا مِنْهُ السُّلُوكَ الْحَسَنَ، وَالْمَعَارِفَ النَّافِعَةَ، وَعَلَيْهِمَا أَنْ يَصْرِفُوهُمْ عَنِ الْإِعْلَامِ الضَّارِّ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي تَرْبِيَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجِدُ الْأُسْلُوبَ الْأَمْثَلَ فِي تَرْبِيَتِهِ لِأَطْفَالِهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ، فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)، نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا"(رواه الترمذي)..."(كيف نربي أبناءنا تربية صالحة (ص: 8) ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ عَلَى الْوَاِلدَيْنِ اسْتِثْمَارَ الْأَسَالِيبِ الصَّحِيحَةِ، وَتَجَنُّبَ الْأَسَالِيبِ الْخَاطِئَةِ فِي تَقْوِيمِ سُلُوكِ أَطْفَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَأَنْ يَكُونُوا قُدُوَاتٍ صَالِحَةً لَهُمْ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعِينَنَا عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا التَّرْبِيَةَ الصَّحِيحَةَ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا وَإِيَّاهُمْ كُلَّ شَرٍّ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْأَسَالِيبِ التَّرْبَوِيَّةِ النَّاجِحَةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالْخَيْرِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْخَيْرِ لَهُمْ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ.
وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّ دَعْوَةَ الْأَبِ لِوَلَدِهِ مُسْتَجَابَةٌ، فَمَا أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ أَنْ يَسْتَغِلَّ الْوَالِدُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ وَالْكَرَامَةَ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ - بِأَنْ يَدْعُوَ لِذُرِّيَّتِهِ، وَيَرْجُوَ مِنَ اللهِ صَلَاحَهَا وَهِدَايَتَهَا! فَيَقْتَدِيَ فِي ذَلِكَ بِالْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ - عَلَيْهِم جَمِيعًا صَلَاةُ اللهِ وَسَلَامُهُ-؛ فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدْعُو اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُجَنِّبَهُ وَذُرِّيَّتَهُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)[إبراهيم:35]، وَبَعْدَ أَنْ رَزَقَهُ اللهُ -تَعَالَى- الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ يَحْمَدُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَكِّدُ أَنَّ اللهَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَيَقُولُ -كَمَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ-: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء)[إبراهيم:39]، وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدْعُو طَالِبًا الذُّرِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)[آل عمران: 38].
وَهَذَا نَبِيُّنَا –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا هَذَا الْأُسْلُوبَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحْبِبْ مَنُ يُحِبُّهُ"(متفق عليه).
فَيَا عِبَادَ اللهِ: اللهَ اللهَ بِالْحِرْصِ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْأَسَالِيبِ الصَّحِيحَةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ؛ مِنَ الْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالْإِعْلَامِ الْمُحَافِظِ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْهُدَى، فَيَا سَعَادَةَ مَنْ نَجَحَ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِ عَلَى ذَلِكَ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَنَا الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا إِلَى تَرْبِيَتِهِمُ التَّرْبِيَةَ النَّاجِحَةَ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ وَيَرْضَاهَا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].