المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
لا يشرع في يوم عاشوراء غير الصيام لا زيادة صلاة ولا زيادة نفقة على العيال ولا غير ذلك. ونحن أمرنا بالإتباع ونهينا عن الابتداع.
الحمد لله القاهر فوق عباده عزاً وسلطاناً، القادر على كل شيء؛ فما اتخذ في خلق السموات والأرض أعواناً، الناصر لمن نصر دينه، فحاشاه أن يرهقه خذلانا، المعاقب لمن أعرض عن دينه ولو تزخرفت له الدنيا وكان كثير من الناس له أعوانا، خضعت لعزته رقاب الجبابرة والأكاسرة ذلاً وإذعانا، ودلت على وحدانيته شواهد الاعتبار عيانا، قسم الخليقة كما شاء وكيف يشاء شمائل وأيمانا، فمغتنم إيْمانا، ومنتحل كفرانا، قِسْمةُ كُتبت فكتمت، غير أن للسعادة والشقاوة عنوانا، فطوبى للذين (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال: 2].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها عند الله يوم القيامة أماناً وغفرانا، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله أكمل الناس دينا وأحسنهم خلقاً وأرجحهم ميزاناً.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم دينه فكانوا مع نبيه أنصارا وأعوانا.
أما بعد،
اتقوا الله تعالى وأطيعوه وعظموا أمره ولا تعصوه، واعلموا رحمكم الله أنّ يوم عاشوراء له فضل عند الله ومكانة، وشهره أول السنة الهجرية في حساب أهل الإسلام.
وقد حّث النبي صلى الله عليه وسلم على صوم يوم عاشوراء بإضافة يوم قبله أو يوم بعده معه خلافاً لليهود.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ " فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه"، وقال: "خالفوا اليهود،صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" وفي رواية: "ويوماً بعده معه"
وفي رواية: قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع مع العاشر"
وسئل عن صيامه فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"
ولا يشرع فيه غير الصيام لا زيادة صلاة ولا زيادة نفقة على العيال ولا غير ذلك. ونحن أمرنا بالإتباع ونهينا عن الابتداع فقد انقسم الناس فيه ثلاثة أقسام:
بعد ما جاءت الرافضة، وصادف فيه قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، فجعلوه مأتما ووقت حزن وشؤم، يلطمون في الخدود، ويشققون فيه الجيوب.
وقابلهم حزب آخر وهم النواصب الذين ينصبون العداوة لأهل البيت فجعلوه يوم فرح وعيد وسرور.
أما أهل الاستقامة "أهل السنة والجماعة" فمشوا على ما شره لهم نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام، فقاموا بصيامه فقط ولم يجعلوه يوم عيد ولا يوم حزن وشؤم كما يفعل أهل الضلال.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود بصوم يوم معه، فصار صيامه فيه مخالفة لليهود والرافضة والنواصب.
ونتحدث لكم عن موسى بن عمران عليه السلام: إنه كان في دعوته لفرعون وجنوده في كرب ومضايقات، فقد كان فرعون معانداً ومتكبراً على خالقه، وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعـات: 24]. وقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]. ولا خاف الانتقام، وقال لموسى (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء: 29].
وتكبر وطغى وأعرض عن طاعة المولى، فكرر عليه موسى الدعوة والإنذار، والتحذير من بطش العزيز الجبار.
قال لهم موسى: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) [طـه: 61]، ولكنه أصر على العناد والطغيان، فأرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات.
ولكن من سبقت عليه الشقاوة فلا يؤثر فيه الكلام ولا حيلة فيه (وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]، وجاء بالسحرة من كل مكان، فلما رأى الحق ظهر وبان ودحضت حجته، وانعكست القضية، وأسلمت السحرة، وآمنوا برب العالمين الكبير المتعال، فوجه قوته إلى الانتقام من المؤمنين من السحرة الذين آمنوا بالله ولم يوافقوه، فعذبهم، ولكن بقوا على إيمانهم بالله، ولم يتحولوا عنه لتعذيب فرعون لهم لما رأوا الآيات الباهرات، ولو قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم في جذوع النخل، ففازوا عند ربهم بالجنات.
وأما فرعون اللعين فقد استبدل معركة الكلام بمعركة القوة والبطش بموسى وقومه، فاضطر موسى وقومه إلى البحر، فجمع قومه وقواته وتبع موسى لما خرج من بلاده قاصداً لمعبوده وهو الله الأحد الصمد، واثقاً بموعوده، يعني بالنصر والسلامة، فلحقهم فرعون وجنوده فلما صاروا منهم بمرأى العين (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61]، قال موسى: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]، وما قدر فسيكون.
فلما اشتد البأس، وليس من رحمة الله يأس، وقرب منهم فرعون ذو البأس، ووصل موسى وقومه إلى البحر المتلاطم، فكان وراءهم العدو وأمامهم البحر، فحينئذ قرب الفرج من عند الله، فأوحى الله إلى موسى: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ) [الشعراء: 63]، فضربه بأمر الله، فانفلق فصار فيه اثنا عشر طريقاً يبساً بعدد الفرق، فدخلوه لا يخشون إلا الله آمنين من الغرق، وليس عندهم فيه طين أو زلق، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) [طـه: 77].
فلما رأى فرعون الآيات، وعاين الأمر الهائل والمعجزات، أراد أن يصرف الحصان، فجاء جبريل على فرس ليتبعها حصانه، فدخل في طريق البحر، فتبعه جنوده أجمعون، فلما خرج موسى من البحر وقومه المؤمنون أراد أن يضرب البحر ليرجع كما يكون، فقال له رب العزة: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) [الدخان:24].
فأمره رب الفلق فانطبق، فكانت أجسادهم للغرق، وأرواحهم للنار والحرق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقول الله وهو العليم الحكيم: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]. قيل له: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:91].
فهذه سنة الله فيمن عصى وفسق، وخالف أمر رب الفلق. هدانا الله وإياكم صراطه المستقيم، وبارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.