البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

قدَر أمة الإسلام وأهل السنة

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح العجلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. قرن الله فضيلة الأمة واصطفاءها بالامتحان والابتلاء .
  2. الأمة الإسلامية أمة مبغوضة في دينها، محسودة في إيمانها ورسالتها وشعائر دينها .
  3. الطعن في سماحة الإسلام وانتقاص شرائعه .
  4. الإسلام بين عداء الأعداء وغدر الباطنية والروافض .
  5. أحقاد رافضية تحركها عمائم صفوية .
  6. وجوب الأخذ على أيدي السفهاء .

اقتباس

كما أن أهل الإسلام تجرعوا معاداة شتى الديانات، فكذلك كان أهل السنة في هذا العصر، وفي كل عصر قد نالهم شرر الحقد والبغضاء من كل الطوائف البدعية، التي انحرفت في فكرها وعقيدتها، فلا تكاد ترى صاحب بدعة إلا وهو مبغض لأهل السنة؟! وما هذا إلا لأن المنهج السني الحق يضلل الطرق البدعية والأفكار المنحرفة التي قامت عليها تلك الطوائف حماية للدين وإبقاءً لصورة الإسلام الناصعة ..

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَعْمَارَ تُطْوَى، وَالْآجَالَ تَفْنَى، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ حَبَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ بِمَزِيدِ شَرَفٍ وَفَضْلٍ، وَأَكْرَمَهُمْ بِخَصَائِصَ لَا تُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، فَجَعَلَهُمْ سُبْحَانَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ خَيْرِ رُسُلِهِ، وَإِنْزَالِ أَفْضَلِ كُتُبِهِ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ، وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ، وَهُمْ أَوَّلُ الْأُمَمِ حِسَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ أُمَّةٍ تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَهُمْ سَوَادُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَكْثَرُ الْأُمَمِ اسْتَحَقَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْمَكَارِمِ الَّتِي وَهَبَهَا اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُصْطَفَاةِ الْمُجْتَبَاةِ.

إِلَّا أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ وَالِاصْطِفَاءَ قَدْ قَرَنَهُ سُبْحَانَهُ بِالِامْتِحَانِ وَالِابْتِلَاءِ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2].

فَأُمَّتُكُمْ هَذِهِ أُمَّةٌ مَكْلُومَةٌ مَرْحُومَةٌ، قَدَرُهَا أَنْ يَتَعَاقَبَ عَلَيْهَا الْأَذَى، وَيَتَمَالَئَ عَلَيْهَا الْعَدَاءُ.

قَدَرُهَا أَنْ تُبْغَضَ وَتُحْسَدَ وَتُحَارَبَ وَتُحْقَدَ (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا) [آل عمران: 186].

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ تَضَافَرَتْ نُصُوصُ الْوَحْيَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَبْغُوضَةٌ فِي دِينِهَا، مَحْسُودَةٌ فِي إِيمَانِهَا وَرِسَالَتِهَا وَشَعَائِرِ دِينِهَا.

فَحَسَدَتْهُمْ يَهُودُ عَلَى اصْطِفَاءِ الرِّسَالَةِ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..) [النساء: 54].

وَحَسَدَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى دِينِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109].

وَحَسَدَتْ يَهُودُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى شَعَائِرِ دِينِهَا الَّتِي شَرَعَهَا لَهَا رَبُّهَا، فَحَسَدُونَا عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ، وَعَلَى قَوْلِ: «آمِينَ» فِي الصَّلَاةِ.

رَوَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنِ الْيَهُودِ: "أَنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا، وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّأْمِينِ".

فَهَذِهِ الْأُمَّةُ إِذًا مَبْغُوضَةٌ وَمَحْسُودَةٌ مِنْ أَعْدَائِهَا مُنْذُ أَنْ بَزَغَ فَجْرُهَا وَنُورُهَا، وَتَارِيخُهَا مَلِيءٌ بِشَوَاهِدَ مِنْ هَذِهِ الضَّغَائِنِ الْمُتَرَاكِمَةِ.

وَلَا يَزَالُ هَذَا الْحِقْدُ تَغْلِي مَرَاجِلُهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى هَذَا مِنْ حَمَلَاتِ التَّشْوِيهِ وَالِاسْتِعْدَاءِ ضِدَّ هَذَا الدِّينِ وَنَبِيِّهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ.

قَنَوَاتٌ وَإِعْلَامٌ، تُغَذِّي كَرَاهِيَةَ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ، وَأَعْلَامٌ وَأَقْزَامٌ جَعَلَتْ مَشْرُوعَهَا السَّعْيَ فِي تَشْوِيهِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَالطَّعْنَ فِي سَمَاحَةِ الْإِسْلَامِ وَانْتِقَاصِ شَرَائِعِهِ، وَمُحَارَبَةِ وَتَحْجِيمِ شَعَائِرِهِ.

فَعَادَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ حَتَّى فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَضْحَى تَطْبِيقُ الشَّرِيعَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرًا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، حَتَّى مِنَ الْأَحْزَابِ وَالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تَرْفَعُ الشِّعَارَاتِ الْإِسْلَامِيَّةَ.

وَأَمَامَ هَذَا الْعَدَاءِ لِشَعَائِرِ الدِّينِ، وَالتَّزْهِيدِ فِي تَطْبِيقِ الشَّرِيعَةِ بَزَغَ مُحَامُونَ، وَلَكِنَّهُمْ مُسْتَسْلِمُونَ، يُدَافِعُونَ وَلَكِنْ مَعَ تَقْدِيمِ تَنَازُلَاتٍ وَتَغْيِيرِ تَصَوُّرَاتٍ، حَتَّى ظَهَرَ مَا يُسَمَّى بِالْإِسْلَامِ الْمُسْتَنِيرِ.

إِسْلَامٌ لَا وَلَاءَ فِيهِ وَلَا بَرَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُغَذِّي الْكَرَاهِيَةَ بَيْنَ الشُّعُوبِ.

إِسْلَامٌ لَا أَمْرَ فِيهِ بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهْيَ عَنْ مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ يُصَادِمُ الْحُرِّيَّةَ الشَّخْصِيَّةَ لِلْفَرْدِ.

إِسْلَامٌ لَا تُطَبَّقُ فِيهِ حُدُودُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهَا انْتِهَاكٌ لِحُقُوقِ الْإِنْسَانِ.

إِسْلَامٌ لَا ذِكْرَ فِيهِ لِمُفْرَدَةِ الْجِهَادِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ دِفَاعًا عَنِ الْأَرْضِ وَالْمُقَدَّسَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُرَبِّي عَلَى الْغُلُوِّ وَالْإِرْهَابِ.

وَلَيْسَ سِرًّا -عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّ هَذَا الطَّرْحَ الْمُبَدِّلَ لِلدِّينِ، وَالْإِلْحَادَ الْجَدِيدَ فِي مَفَاهِيمِ الشَّرِيعَةِ - تُشْرِفُ عَلَيْهِ مَرَاكِزُ عِلْمِيَّةٌ اسْتِشْرَاقِيَّةٌ تَرْسُمُ الْخُطَطَ، وَتَكْتُبُ التَّوْصِيَاتِ، وَتَعْمَلُ لَيْلَ نَهَارَ مِنْ أَجْلِ تَطْبِيعِ هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ، وَتَسْوِيدِ أَهْلِهَا.

وَالْهَدَفُ تَغْيِيرُ الْبِنْيَةِ الدِّينِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْعَدَاءِ الْفِكْرِيِّ عَلَى أُمَّةِ الْإِسْلَامِ.. وَلَكِنْ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32].

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَكَمَا أَنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ تَجَرَّعُوا مُعَادَاةَ شَتَّى الدِّيَانَاتِ، فَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَفِي كُلِّ عَصْرٍ، قَدْ نَالَهُمْ شَرَرُ الْحِقْدِ وَالْبَغْضَاءِ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ الْبِدْعِيَّةِ، الَّتِي انْحَرَفَتْ فِي فِكْرِهَا وَعَقِيدَتِهَا، فَلَا تَكَادُ تَرَى صَاحِبَ بِدْعَةٍ إِلَّا وَهُوَ مُبْغِضٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ!

وَمَا هَذَا إِلَّا لِأَنَّ الْمَنْهَجَ السُّنِّيَّ الْحَقَّ يُضَلِّلُ الطُّرُقَ الْبِدْعِيَّةَ وَالْأَفْكَارَ الْمُنْحَرِفَةَ، الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الطَّوَائِفُ؛ حِمَايَةً لِلدِّينِ، وَإِبْقَاءً لِصُورَةِ الْإِسْلَامِ النَّاصِعَةِ.

هَذِهِ الطَّوَائِفُ الْبِدْعِيَّةُ وَإِنِ اتَّفَقَتْ عَلَى عَدَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَّا أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي دَرَجَةِ بُغْضِهِمْ وَحِقْدِهِمْ، وَلَوْ فَتَّشْنَا كُتُبَ الْمِلَلِ، وَتَأَمَّلْنَا حَوَادِثَ التَّارِيخِ لَمَا وَجَدْنَا طَائِفَةً بِدْعِيَّةً كَرِهَتْ وَكَادَتْ وَعَادَتْ أَهْلَ السُّنَّةِ مِثْلَ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ.

فَحِقْدُهُمْ عَلَيْنَا غَائِرُ، وَعَدَاؤُهُمْ لَنَا مُسْتَحْكَمٌ، فَمَاذَا نَنْتَظِرُ -عِبَادَ اللَّهِ- مِنْ قَوْمٍ غَدَوْا عَلَى رُمُوزِ أَهْلِ السُّنَّةِ، عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمُ الْحِدَادَ تَكْفِيرًا نَفْسِيًّا، وَلَعْنًا وَقَذْفًا.

عَكَفُوا عَلَى سَبِّ الصَّحَابَةِ قُرْبَةً

وَرَمَوْهُمُوا بِالنَّصْبِ وَالْكُفْرَانِ

قَذَفُوا الْبَتُولَ بِكُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ

وَهِيَ الطَّهُورُ بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ

مَنْ مِثْلُ مَنْ نَزَلَ الْقُرَانُ بِطُهْرِهَا

يَا عَارُ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ إِنْسَانِ

أَصْحَابُهُ خَيْرُ الْعَالَمِينَ سِيرَةً

وَأَجَلُّهُمْ لَا سِيِّمَا الشَّيْخَانِ

أَثْنَى عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ فِي مُحْكَمِ التَّ

وْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ

لَا يَشْتُمُ الشَّيْخَيْنِ إِلَّا كَافِرٌ

بَلْ مَارِقٌ مِنْ رِبْقَةِ الْأَدْيَانِ

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ حِقْدِ هَؤُلَاءِ يَبْدَأُ وَلَا يَنْتَهِي، وَلَوْ تَأَمَّلْنَا الْمَصَائِبَ الْعِظَامَ عَلَى أُمَّةِ الْإِسْلَامِ لَرَأَيْنَا وَرَاءَهَا غَدْرَةَ رَافِضِيٍّ، وَخِيَانَةَ بَاطِنِيٍّ (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون: 4]

وَرَحِمَ اللَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ الَّذِي سَبَرَ عَقِيدَتَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ، فَقَالَ عَنْهُمْ: "يَمِيلُونَ مَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ، لَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ إِذَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِعَدُوٍّ كَافِرٍ كَانُوا مَعَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ" اهـ.

عِبَادَ اللَّهِ: وَمَعَ إِطْلَالَةِ كُلِّ عَامٍ نَرَى الْحِقْدَ يَتَجَدَّدُ، وَالْبَغْضَاءَ تُغَذَّى! عَلَى مَنْ؟! لَيْسَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى! بَلْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَرُمُوزِهِمْ وَقَامَاتِهِمْ وَمُصْلِحِيهِمْ.

مَآتِمُ وَلَطْمِيَّاتٌ، وَتَعَازٍ وَصَيْحَاتٌ، ظَاهِرُهَا الْبُكَاءُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَبَاطِنُهَا شَحْنُ الْكَرَاهِيَةِ وَالْأَحْقَادِ ضِدَّ أَتْبَاعِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ، وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، زَعَمُوا!!

إِنْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ وَيُذْكَرَ، وَيُرْفَعَ بِهِ الصَّوْتُ وَلَا يُخَافَتَ: أَنَّ الرَّوَافِضَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَاؤُهُمْ لِطَائِفِيَّتِهِمْ، وَطَاعَتُهُمْ لِمَرَاجِعِهِمْ، فَالشِّيعَةُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ وَتَبَاعَدَتْ أَزْمَانُهُمْ فَهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْ مَنْبَعٍ وَاحِدٍ، وَتُرَاثٍ وَاحِدٍ، اخْتَلَفَتْ قَوَالِبُهُمْ، وَاتَّحَدَتْ قُلُوبُهُمْ.

رَأَيْنَا بِالْأَمْسِ مَا فَعَلَهُ رَافِضَةُ الْعِرَاقِ بِأَهْلِ السُّنَّةِ هُنَاكَ، وَنَرَى الْيَوْمَ مَا تَفْعَلُهُ النُّصَيْرِيَّةُ بِتَأْيِيدٍ وَتَمَالُئٍ مِنَ الشِّيعَةِ بِأَهْلِنَا فِي سُورِيَّا !!

فَإِلَى مَتَى نُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمْ؟! وَنَتَغَنَّى مَعَهُمْ بِالْوَطَنِيَّةِ، وَنَحْنُ نَرَى نَوَاقِيسَ الْخَطَرِ تَدُقُّ فِي دِيَارِنَا، وَخِيَانَاتِ هَؤُلَاءِ تَتَصَاعَدُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ.

لَقَدْ سَاءَنَا -وَاللَّهِ- وَسَاءَ كُلَّ مُحِبٍّ لِدِينِهِ وَبَلَدِهِ اسْتِفْزَازَاتُ هَذِهِ الْأَقَلِّيَّةِ الْحَاقِدَةِ الْأَخِيرَةُ.

نِقَاطٌ أَمْنِيَّةٌ تُرْجَمُ بِأَعْيِرَةٍ نَارِيَّةٍ، مَشْهَدٌ تَكَرَّرَ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ، أَرْوَاحٌ بَرِيئَةٌ تُقْتَلُ، وَدِمَاءٌ بَارِدَةٌ تُثَجُّ، أَمْنٌ لِلْبَلَدِ يُنْتَهَكُ، وَأَعْيُنٌ سَاهِرَةٌ تُسْتَهْدَفُ!!! أَحْقَادٌ رَافِضِيَّةٌ تُحَرِّكُهَا عَمَائِمُ صَفَوِيَّةٌ.

مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَنَعَّمُونَ فِي بَلَدِنَا بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ، لَمْ تُسْتَبَحْ دِمَاؤُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ، وَلَمْ تُنْتَهَكْ حُرُمَاتُهُمْ وَلَا أَعْرَاضُهُمْ، وَلَمْ يُجْبَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ مُعْتَقَدَاتِهِ الْبِدْعِيَّةِ الْكُفْرِيَّةِ.

يُظْهِرُونَ شَعَائِرَهُمْ عَلَانِيَةً، وَيَجْمَعُونَ الْأَخْمَاسَ فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ، نَدَوَاتُهُمُ الدِّينِيَّةُ وَتَجَمُّعَاتُهُمْ تُقَامُ بِدُونِ إِذْنٍ وَبِلَا رَقِيبٍ، وَيَسْتَفِيدُونَ مِنَ الْخِدْمَاتِ وَالْمُسَاعَدَاتِ وَالْوَظَائِفِ الْحُكُومِيَّةِ، حَالُهُمْ كَحَالِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَغْلَبِيَّةِ السُّنِّيَّةِ.

وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَهَذِهِ الْأَقَلِّيَّةُ الَّتِي بُلِينَا بِهَا كَثِيرَةُ الِامْتِعَاضِ، دَائِمَةُ التَّأَفُّفِ عَلَى حَالِهَا، مَعَ أَنَّ وَضْعَهُمْ أَحْسَنُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَوْضَاعِ السُّنَّةِ فِي الْمَنَاطِقِ النَّائِيَةِ.

إِنَّ الْحِلْمَ عَلَى هَذِهِ الْمَجْمُوعَاتِ الْمُتَطَرِّفَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ وَمَنْ يُؤْوِيهِمْ مِنَ الْخَلَايَا النَّائِمَةِ الْمُتَرَقِّبَةِ أَثْبَتَتِ التَّجَارِبُ وَالْأَيَّامُ نَتَائِجَهُ الْعَكْسِيَّةَ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُحْسِنُونَ إِلَّا عَضَّ الْأَيَادِي الَّتِي طَالَمَا أَحْسَنَتْ إِلَيْهِمْ، وَعَامَلَتْهُمْ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَامَحَةِ.

فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا إِزَاءَ هَذَا الْفُجُورِ الصَّفَوِيِّ أَنْ نَتَيَقَّظَ فِكْرِيًّا وَأَمْنِيًّا، الْوَاجِبُ إِسْكَاتُ الْأَصْوَاتِ الَّتِي تُهَيِّجُهُمْ، وَبَتْرُ الْأَيَادِي الَّتِي تُحَرِّكُهُمْ، وَتَقْدِيمُ كُلِّ مُفْسِدٍ لِلْمُحَاكَمَةِ عَلَانِيَةً.

فَإِمَّا أَنْ يَعِيشُوا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ السُّنِّيَّةِ بِاحْتِرَامٍ وَأَدَبٍ، أَوْ يُغَادِرُوا إِلَى أَسْيَادِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ هُنَاكَ؛ لِيَنْعَمُوا بِمَرَارَاتِ الظُّلْمِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ، الَّتِي ذَاقَهَا مَلَايِينُ الْمَظْلُومِينَ مِنْ عَرَبِ الْأَهْوَازِ.

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوَا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ..) [آل عمران: 118].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ..

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَالِقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى، رَشَدَ بِفَضْلِهِ مَنْ رَشَدَ، وَغَوَى بِعَدْلِهِ مَنْ غَوَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَسَتَبْقَى هَذِهِ الْبِلَادُ بِهُوِيَّتِهَا وَعَقِيدَتِهَا هِيَ مَرْكَزُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ، سَتَبْقَى هَذِهِ الْبِلَادُ هِيَ مَفْزَعُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمَامَ الْغُولِ الصَّفَوِيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْبِلَادَ هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِينَ دَكُّوا عُرُوشَ الْأَكَاسِرَةِ، وَنَقَلُوا الْإِسْلَامَ الصَّحِيحَ إِلَى الْعَالَمِينَ.

سَتَظَلُّ هَذِهِ الْبِلَادُ هِيَ مَأْرِزُ الْإِسْلَامِ، وَمَنْبَعُ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ مَوْلِدَ خَيْرِ الْبَشَرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَ سُهُولِهَا وَحَرَارَتِهَا نَشَأَ، وَعَلَى أَرْجَائِهَا وَفِجَاجِهَا تَنَقَّلَ وَدَعَا، وَعَلَى ثَرَاهَا عَاشَ الْأَنْبِيَاءُ وَحَجُّوا، وَبَيْنَ دُرُوبِهَا سَارَ الرُّسُلُ وَعَجُّوا..

هَذِهِ الْبِلَادُ هِيَ مَهْوَى أَفْئِدَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهَا أَغْلَى وَأَقْدَسُ بِقَاعٍ فِي الْأَرْضِ، هِيَ حَرَمُ الْإِسْلَامِ، وَلِلْحَرَمِ حُرُمَاتُهُ الَّتِي لَا تُنْتَهَكُ.

هَذِهِ بَلَدُنَا، قَدَرُهَا الْإِسْلَامُ، وَشَخْصِيَّتُهَا التَّوْحِيدُ، وَوَظِيفَتُهَا نَشْرُ أَنْوَارِ السُّنَّةِ إِلَى أَرْجَاءِ الدُّنْيَا.

هَذِهِ الْبِلَادُ بِعُلَمَائِهَا وَقَادَتِهَا وَصَالِحِيهَا وَمُصْلِحِيهَا، وَكُلِّ غَيُورٍ عَلَيْهَا - بَقِيَتْ وَسَتَبْقَى عَصِيَّةً عَلَى أَعَاصِيرِ الْبِدَعِ، وَرِيَاحِ التَّغْرِيبِ، مَا دَامَ فِيهَا أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِيهَا.

فَيَا أَهْلَ الْإِيمَانِ كُونُوا مِنْ أُولَئِكَ الْبَقِيَّةِ، وَهُبُّوا لِحِمَايَةِ السَّفِينَةِ مِنْ مَطَارِقِ الشُّبُهَاتِ، وَسِهَامِ الشَّهَوَاتِ، فَالْكُلُّ عَلَى ثَغْرِهِ، فَلْيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ عِلْمُهُ وَجُهْدُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا.

يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ اسْتَدْفِعُوا الْأَذَى عَنِ الْبِلَادِ بِالتَّسَلُّحِ بِالْإِيمَانِ، وَالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120].

صَلُّوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ.