البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

ذنوبٌ يسيرة إثمُها كبير

العربية

المؤلف عبدالمحسن بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. حب الله للطاعة وأهلها وبغضه للمعصية وأهلها .
  2. ذنوب يسيرة وإثمها كبير .

اقتباس

تفضَّل الله على عباده بدينٍ كاملٍ شاملٍ لأمور الدنيا والدين، من تمسَّك به أنارَ الله قلبَه وقرَّبَه إليه، ومن فرَّط فيه جُوزِيَ على عصيانه، والله سبحانه يُحبُّ الطاعةَ وأهلَها ويأمرُ بها، ويُبغِضُ المعصيةَ وأهلها وينهَى عنها؛ بل ويغارُ سبحانه إن ارتُكِبَت مناهيه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يغارُ، وغيرةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حرَّم اللهُ" ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فالتقوى في مُخالفة الهوى، والشقاءُ في مُجانبة الهُدى.

أيها المسلمون: تفضَّل الله على عباده بدينٍ كاملٍ شاملٍ لأمور الدنيا والدين، من تمسَّك به أنارَ الله قلبَه وقرَّبَه إليه، ومن فرَّط فيه جُوزِيَ على عصيانه، والله سبحانه يُحبُّ الطاعةَ وأهلَها ويأمرُ بها، ويُبغِضُ المعصيةَ وأهلها وينهَى عنها؛ بل ويغارُ سبحانه إن ارتُكِبَت مناهيه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يغارُ، وغيرةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حرَّم اللهُ". رواه البخاري.

وضررُ الذنوبِ كضرر السموم في الأبدان؛ منها ما تُخرِجُ المرءَ من مرتبة الإيمان إلى مرتبة الإسلام، ومنها ما تُخرِجُه من الإسلام، وكما أن الله تكرَّم على عباده بأعمالٍ يسيرةٍ ثوابُها عظيم، حذَّرَهم من ذنوبٍ زمنُ فِعلِها يسيرٌ وإثمُها كبير؛ فناسٌ يُكبُّون في النار على وجوههم من حصائد ألسنتهم.

وأقبحُ ما تحرَّك به اللسانُ: دعوةُ غيره معه، ورفعُ الحوائجِ إلى غيره سبحانه من الأموات والأوثان؛ إذ هو يُحبِطُ الأعمالَ، ويُخلِّدُ صاحبَه في النار، ولا يُحصِّلُ الداعي ما أراد، قال سبحانه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف: 5].

والطعنُ في الله أو دينه أو رسوله نقصٌ في العقلِ، وفقدٌ للدين؛ قال سبحانه: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65، 66].

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله-: "الإنسانُ قد يكفُرُ بكلمةٍ يتكلَّم بها، أو عملٍ يعملُ به، وأشدُّها خطرًا إراداتُ القلوبِ؛ فهي كالبحر الذي لا ساحلَ له، ومن هذا البابِ: الاستهزاءُ بالعلمِ وأهله، وعدمُ احترامهم لأجله".

والله وحده هو المُعظَّمُ في القلوب، ومن زاحمَ غيرَ الربِّ في قلبه، أو أظهرَ تعظيمَ غير الله على لسانه بالحلِف به؛ كمن يحلِفُ بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو بالنعمةِ، أو بالولدِ فقد أشركَ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "من حلفَ بغير الله فقد كفرَ أو أشركَ". رواه الترمذي.

ومن بدرَ منه فعلٌ من أفعال الشرك ولو يسيرًا؛ طوافٍ على الأضرحة، أو ذبحٍ لها، أو نذرٍ، لم يرَح رائحةَ الجنة.

ولعظيمِ قُبحِهِ لهضمِهِ لربوبية الله وتنقُّصه لألوهيته لا يغفِرُه الله بحالٍ؛ قال -جلَّ شأنُه-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].

والساحرُ مُفسِدٌ للدين والدنيا، يُنازِعُ الربَّ في ربوبيته فيما يدَّعيه من نفعٍ أو ضرٍّ، فكان حدُّه ضربَه بالسيف، ومن أتى إليه طالبًا إليه السحرَ فقد كفرَ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ليس منا من سحَرَ أو سُحِرَ له". رواه البزار.

وتعليقُ التمائمِ شركٌ بالله، ولا تزيدُ العبدَ إلا وهنًا، ولن يُتِمَّ الله له ما أراد.

وعلمُ الغيبِ أخفاه الله حتى عن ملائكته؛ قال -عزَّ وجل-: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: 65]، ومن صدَّق من يدَّعِي علمَ الغيب من الكُهَّان ممن ينظرُ في الأبراج أو يقرأُ في الكفِّ أو نحو ذلك فقد كفرَ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "من أتى كاهنًا فصدَّقَه بما يقولُ فقد كفَرَ بما أُنزِلَ على مُحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-". رواه أبو داود.

وإن سلِمَ العبدُ من الكُفر قولاً أو عملاً فإن الشيطان يؤُزُّه لما دُونَه من الكبائر، فيدعُوه إلى إطلاق لسانه إلى ما حرَّم الله، وأعظمُها الوقيعةُ في عِرضِ المُسلِم؛ فحذَّر الله من غِيبتِه، وشبَّه غِيبتَه بأكل لحمه وهو ميت، ويوم القيامة تكونُ للمُغتابِ أظفارٌ من نحاسٍ يخمِشُ بها وجهَه وصدرَه جزاءَ ما خمشَ أجسادَ المُسلمين.

وقولُ المُغتابِ لو خُلِطَ بماء البحر لأنتنَه؛ قالت عائشةُ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حسبُك من صفيةَ أنها كذا -تعني: أنها قصيرة-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَت بماء البحر لمَزَجَته". رواه أبو داود.

وقد صانَ السلفُ -رحمهم الله- ألسنتَهم عن هذه المعصيةِ؛ قال البخاري -رحمه الله-: "أرجو أن ألقَى اللهَ ولا يُحاسِبُني أني اغتبتُ أحدًا".

والنمَّامُ قريبُ المُغتابِ، وعقوبتُه تُعجَّلُ عليه في قبره، وفي الآخرة توعَّده الله بحِرمانه من الجنة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يدخلُ الجنةَ قتَّات". أي: نمَّام. متفق عليه.

وكما حرَّم الإسلامُ الحديثَ في غيبة المُسلمِ بما يكرَه، نهى أيضًا عن التطاوُلِ عليه باللسان في حُضوره؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "سِبابُ المُسلم فُسوقٌ". متفق عليه. وقال: "ولعنُه كقتلِه". متفق عليه.

"ومن قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باءَ بها أحدُهما، إن كان كما قال وإلا رجعَت عليه". رواه البخاري ومسلم.

ومن قذفَ عفيفًا في عِرضِه لعنَه الله في الدنيا والآخرة، وله عذابٌ عظيمٌ، ومن اقتطعَ حقَّ امرئٍ مُسلمٍ بيمينه أوجبَ الله له النارَ وحرَّم عليه الجنةَ، فقال رجلٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟! قال: "وإن قضيبًا من أراك". يعني: وإن كان قدرَ المِسواك. رواه مسلم.

ومن أطلقَ لسانَه باللعنِ حُرِم الشفاعة والشهادة لأحدٍ يوم القيامة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن اللعَّانين لا يكونون شُهداء ولا شُفعاء يوم القيامة". رواه مسلم.

ولكونِ الكذبِ من علاماتِ النفاقِ نهى الإسلامُ عنه ولو على سبيلِ الهَزلِ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ويلٌ للذي يُحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ به القومَ فيكذِب، ويلٌ له ويلٌ له". رواه الترمذي.

ومن ادَّعى أنه رأى رُؤيا في منامه وهو كاذِبٌ كُلِّف يوم القيامة بعملٍ يعجِزُ عنه تنكيلاً به؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "من تحلَّم بحلمٍ لم يرَه كُلِّف أن يعقِد بين شعيرتين، ولن يفعَل". رواه البخاري.

ومن سألَ ما عند الناسِ من أموالٍ وعنده ما يُغنيه فإنما يستكثِرُ من النار، ومن استمعَ إلى حديثِ قومٍ وهم له كارِهون صُبَّ في أُذنيه الآنُك يوم القيامة . وهو الرصاص المُذابُ.

وإن صانَ المُسلمُ لسانَه فليصُن جوارِحَه، فهناك أفعالٌ دون الشركِ وقتُ فعلِها قليلٌ ولكن ذنبَها عند الله كبيرٌ، وأعظمُها قتلُ المُسلِم، والله توعَّدَ قاتلَه بعقوباتٍ مُترادِفة؛ قال سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لو أن أهلَ السماء والأرض اشتركوا في دمِ مُؤمنٍ لأكبَّهم الله في النار". رواه الترمذي.

والمُسلمُ أكرمُ عند الله من الدنيا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتلِ رجلٍ مُسلمٍ". رواه الترمذي.

بل نهى أن يقتلَ المرءُ نفسَه؛ لأن الله خلقَه لعبادته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "من قتلَ نفسَه بشيءٍ في الدنيا عُذِّبَ به يوم القيامة". متفق عليه.

ولِيأمنَ المُسلمُ في حياته، فكلُّ وسيلةٍ إلى القتلِ سدَّ في الإسلامُ ذريعتَها؛ "فمن أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكةَ تلعنُه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه". رواه مسلم.

ومن عادَى وليًّا من أولياء الله فقد آذنَه الله بالحربِ.

والزنا سبيلُه سيِّئٌ، ما وقعَ فيه امرؤٌ إلا ساءَ حالُه؛ قال سبحانه: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32]، والله قرَنَه مع الشرك والقتل.

قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أعظمُ الذنوبِ عند اللهِ: الشركُ، ثم القتلُ، ثم الزنا". والجزاءُ من جنسِ العمل؛ فمن عفَّ عفَّت نساؤُه، ولبشاعته كانت عقوبةُ المُحصَن الرجمَ حتى الموت.

وقليلُ الربا يُدنِّسُ المالَ الكثيرَ وينزِعُ بركتَه ويَحُلُّ بصاحبه الفقرُ؛ قال سبحانه: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) [البقرة: 276]، والله لعنَ آكِلَه وأذِن بحربه، ومن حاربَه الله فقد هلكَ.

والسارقُ لعنَه الله لأخذِه حقوقَ الآخرين، وآكلُ مال اليتيم يأكلُ في بطنه نارًا، ومن أخذَ أموالَ الناس يُريدُ إتلافَها أتلفَه الله، ومن اقتطعَ شِبرًا من الأرض ظلمًا خُسِفَ به إلى سبع أراضين.

ومن آوَى مُبتدعًا في الدينِ أو جانِيًا فقد لعنَه الله، ومن دفعَ مالاً ليتوصَّل به إلى ما لا يحِلّ كان راشِيًا، والراشي والمُرتشِي لعنَهما رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-.

و"ثلاثةٌ ربُّ العالمين خصمُهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى به سبحانه ثم غدَرَ، ورجلٌ باعَ حُرًّا فأكلَ ثمنَه، ورجلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفَى منه ولم يُعطِه أجرَه". رواه البخاري.

ومن شرِبَ الخمرَ لم تُقبَل منه صلاةُ أربعين يومًا، ولم يشرَبها في الجنة؛ بل ويُسقِيه الله من طينةِ الخَبالِ يوم القيامة. وهي: عرقُ أهل النار أو عُصارة أهل النار.

واللباسُ من نعم الله، وإذا عصَى الرجلُ ربَّه في ملبسه بالإسبال تعرَّضَ لعذابِ الله؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم الله يوم القيامةِ ولا ينظُرُ إليهم ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: المُسبِلُ، والمَنَّانُ، والمُنفقُ سلعتَه بالحلِفِ الكاذِبِ". رواه مسلم.

والمرأةُ إن تزيَّنَت بغير ما أذِنَ الله فيه؛ بأن وصلَت شعرَها أو وصلَت لغيرها، أو نمصَت أو نُمِصَ لها؛ فقد تعرَّضَت للعنةِ الله.

والله أوجبَ على الزوجةِ طاعةَ زوجها، وإذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فِراشه فأبَت أن تجِيءَ لعنَتها الملائكةُ حتى تُصبِح، والعدلُ أساسُ المودَّة والرأفة، "ومن كانت له امرأتان فمالَ إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائلٌ". رواه أبو داود.

وما خلا رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطانُ ثالِثَهما، ومن قطعَ رحِمَه قطعَه الله.

وأفعالٌ في العبادات من فرَّط فيها توعَّده الله بعقابٍ؛ فـ"المارُّ بين يدي المُصلِّي لو يعلمُ ماذا عليه لكان أن يقِفَ أربعين خيرًا له من أن يمُرَّ بين يديه". متفق عليه.

و"الذي يُسابِقُ الإمامَ يُخشَى أن يُحوِّلَ الله رأسَه رأسَ حمارٍ أو صورتَه صورةَ حمارٍ". متفق عليه.

ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رفع البصر في الصلاة، وقال: "لينتهُنَّ عن ذلك أو لتُخطفَنَّ أبصارُهم". رواه البخاري.

والمُسلمُ مُعظَّمٌ حيًّا وميتًا، وكسرُ عظمه وهو ميتٌ ككسرِه وهو حيٌّ، والجلوسُ على قبره من إهانته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لأن يجلِس أحدُكم على جمرةٍ فتُحرِقَ ثيابَه فتخلُصَ إلى جلدِه، خيرٌ له من أن يجلِسَ على قبرٍ". رواه مسلم.

وإذا عمِلَ العبدُ عملاً صالحًا سعى الشيطانُ في إفساده بالرياء أو السُّمعة أو إرادة الدنيا، ومن وقعَ في ذلك كان عملُه هباءً.

والعبدُ يُعاقَبُ باعتقادِ قلبِه وإن لم يعمل؛ فمن اعتقدَ أن غيرَ الله ينفعُ أو يضُر، أو عطَّل أسماءَه وصفاته فقد كفرَ، وآيةُ النفاقِ: بُغضُ الأنصار، وحبُّهم من الإيمانِ.

ومن قنطَ من رحمةِ الله الواسِعة فقد ضلَّ؛ قال سبحانه: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) [الحجر: 56].

والعُجبُ بالنفس أو المالِ أو اللباسِ مُوجِبٌ للعقوبة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسُه مُرجِّلٌ جُمَّتَه؛ إذ خسَفَ الله به، فهو يتجلجلُ إلى يوم القيامة". متفق عليه.

والحسدُ مُظلمُ للقلبِ، مُفسِدٌ للحسناتِ، والكبرياءُ من خصائصِ صفاتِ الله، مَنْ نازعَه فيها عذَّبَه، ومن تكبَّر على الله أهانَه؛ قال فرعون: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) [النازعات: 24]، فأغرقَه الله بالماءِ.

ومن استكبرَ على خلقه أهلكَه؛ فرِحَ قومُ عادٍ بقوتهم وقالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]، فأهلكَهم الله بريحٍ.

وبعدُ:

أيها المسلمون: فالدينُ أغلى ما يملِكُه المُسلم، وهو أصلُ الضرورات التي جاءَ الإسلامُ بحِفظِها، فيجبُ على المُسلمِ أن يحفظَ لِسانَه وجوارِحَه، وما يعتقدُ بقلبِهِ مما يُضادُّه أو يُنقِصُه، والإسلامُ دينُ الفِطرة، الدخولُ فيه بكلمةٍ مع علمٍ بمعناها وعملٍ بمُقتضاها، وهو أيضًا أرقُّ شيءٍ وألطفُه، من ارتكبَ شيئًا من نواقضِه ولو بكلمةٍ زالَ عنه، والسعيدُ من تمسَّكَ به وأحبَّه ومدحَه، ودعا غيرَه إليه، ومن ثبَّته الله على ذلك سعِد في دنياه وأخراه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [النساء: 123].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: النصيحةُ أصلٌ من أصول الدينِ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "الدينُ النصيحة". رواه مسلم.

والمُسلمُ ناصِحٌ لغيره مُحِبٌّ له الخيرَ، وإذا أُظهِرَت النصيحةُ في مُجتمعٍ سادَه الوِفاقُ والمودَّةُ والصلاح، والخطيئةُ إذا خفِيَت لم تضُرَّ إلا صاحِبَها، وإذا ظهرَت فلم تُغيَّر ضرَّت العامَّةَ.

ومِفتاحُ حياة القلوبِ تدبُّر القرآن العظيمِ وتركُ الذنوبِ.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم يا قويُّ يا عظيمُ يا كبيرُ يا مليكُ يا جبَّارُ يا مُهيمِن: انصُر المُستضعفين من المُسلمين في الشامِ، اللهم كُن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم أيِّد لهم جنودَ السماء بقُدرتك، وهيِّئ لهم جنودَ الأرض بعِزَّتك، اللهم سدِّد رميَهم، واجمع كلمتَهم، وسدِّد رأيَهم يا رب العالمين.

اللهم وأدِر دائرةَ السَّوءِ على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، وندرأُ بك من شُرورهم، اللهم اجعل عتادَهم وجنودَهم عليهم يا ربَّ العالمين، اللهم زلزِلِ الأرضَ من تحتهم، وفرِّق بين كملتَهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].