البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

المرأة المسلمة نماذج ووسائل

العربية

المؤلف سليمان بن حمد العودة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. خديجة رضي الله عنها أنموذجا .
  2. المهاجرات إلى الحبشة .
  3. تفعيل المرأة في المجتمع بين الصواب والخطأ .
  4. من وسائل إسهام المرأة في الدعوة والإصلاح . .
اهداف الخطبة
  1. ذكر نماذج من النساء القدوات
  2. بيان بعض الوسائل التي تسهم بها المرأة في المجتمع .

اقتباس

حين احتاج الإسلام إلى الدعوة علناً، والهجرة عن الأهل والوطن فراراً بالدين وإسهاماً في تبليغه لأقوام آخرين، كان المرأة المسلمة وجودٌ وأثرٌ لا ينكر، وفي هجرة الحبشة أسماء خيرات من النساء

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا..

أما بعد:

فيتساءل بعضُ الناس عن دور المرأة المسلمة عموماً، وفي أزمنة الأزمات والفتن خصوصاً.. ولا أبلغ في إجابة هؤلاء من قراءة السيرة النبوية؛ إذ هي محل الأسوة والقدوة من جانب، وفيها –من جانب آخر- قدمت المرأة المسلمة عطاءً طيباً ومميزاً، وخلّدت ذكرى عطرةً في سبيل خدمة دين الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على هداه، ومجانبة الشرور، والترفع عن دنايا الأمور. مما لا يمكن الإحاطة به، ولعل في الإشارة ما يُغني عن الإطالة، وفي النوع ما يكفي عن الكم، وهكذا.

أيها المسلمون والمسلمات: وتبقى خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تاجاً على رؤوس النساء، إذ هي أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين –كما قال ابن الأثير رحمه الله.

وهي سيدة نساء العالمين في زمانها، وأول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، وثبت جأشه، كما نقل الذهبي رحمه الله.

لله أنتِ يا أمَّ المؤمنين وإيمانُكِ وثباتُك، بل وتثبيتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم يظل منقبةً للنساء، وهو مسطورٌ في أصح الكتب بعد كتاب الله، ففي صحيح البخاري وفي أول كتاب منه "بدء الوحي" جاء حديث خديجة حين جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ويقول: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: "لقد خشيت على نفسي" وأخبرها بنزول الوحي عليه لأول مرة، فكان ردُّ خديجة رضي الله عنها: " كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسبُ المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"  ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان على صلةٍ بأهل الكتاب ومعرفةٍ بالنبوات.. فزاد من طمأنينة النبي صلى الله عليه وسلم.. الحديث.

أجل، لقد احتفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكارم خديجة وقدرها حق قدرها، وعبر عن ذلك بقوله: "والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد... " الحديث إسناده حسن.

ولم يكن الإيمان والثبات وحسن العشرة والسابقة في الدين هي المناقب والوحيدة للمرأة الأولى في الإسلام، بل كان بذلُ المال في سبيل نشر الخير ونصرة الدين والإيناس والمواساة وتخفيف آلام المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك في عداد مناقب هذه السيدة الجليلة.

أيتها المرأة المسلمة: ولا تظني أن الالتزام بالدين في ظروفه الصعبة، والانضمام إلى قافلة المؤمنين وهم يؤذون ويشردون، خاصٌ بخديجة رضي الله عنها –رغم تفوقها وتقدمها في ذلك، فقد انضم إلى خديجة مجموعة من النساء سبقن في إسلامهن، وصبر على ما أصابهن في أيام الإسلام الأولى، ويكفي أن يُعلمَ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم بعد أربعين رجلاً، وعشر من النسوة، كما ذكر ابن سعد في "الطبقات". وهذا مؤشرٌ إلى دخول عدد من النساء في الإسلام في مراحله السرية والأولى، واستجابة المرأة لنداء الخير مبكراً.

أيها المسلمون والمسلمات، وحين احتاج الإسلام إلى الدعوة علناً، والهجرة عن الأهل والوطن فراراً بالدين وإسهاماً في تبليغه لأقوام آخرين، كان المرأة المسلمة وجودٌ وأثرٌ لا ينكر، وفي هجرة الحبشة أسماء خيرات من النساء من أمثال رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسماء بنت عميس، وليلى بنت حثمة رضي الله عنهن، بل منهن من خرجت مراغمةً لأهلها إذ كانو حينها من صناديد الكفر، من أمثال أم حبيبة بنت أبي سفيان، وفاطمة بنت صفوان بن أمية، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو.

أفلا تفخر المرأة المسلمة المعاصرة بهذه النماذج السابقة من النساء، وتتخذ منهن نموذجاً يُحتذى؟

أختاه في الإسلام! ولا تقف نماذج التمسك بالإسلام وإثبات الذات عند المرأة في أرض مكة وحيث يوجد بينهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجههن ويسليهن؛ بل ثبت في كتب التراجم ما يشير إلى حرص المرأة المسلمة على دينها وثباتها على عقيدتها خارج أرض مكة، وفي ظروف صعبة وزجها لم يُسلمْ معها، بل كان يؤذيها.

وفي ترجمة "حواء بنت يزيد بن سنان الأنصارية" أنها أسلمت وكانت تكتم زوجها "قيس بن الخطيم، الشاعر" إسلامها، وحين علم بذلك كان يصدها عن الإسلام ويعبث بها حين تقوم لصلاتها –وهي صابرةٌ ثابتة حتى بلغ خبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوصاه بها خيراً.. رضي الله عنها.

أيها المسلمون والمسلمات! وما تأخرت المرأة المسلمة في عصر النبوة، عن الدعوة والبيعة، والهجرة والجهاد وتعلم العلم النافع وتعليمه، وتربية النشء على الخير والفضيلة، وساهمت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل كانت تُستشار وتُشير، وبرز منهن العابدة والصابرة المحتسبة. لكن ذلك كله وفق تعاليم الدين، ولم يخرج بهن عن الحشمة والحياء.

فأين تعطيلُ المرأة من المشاركة في الحياة، كما يزعم المرجفون؟

وكتبُ الطبقات والتراجم مليئةٌ بمشاركتها الإيجابية في الحياة!

ألا وإن من الانتكاس في المفاهيم أن يظن رجال أو نساءٌ أن تفعيل المرأة في المجتمع إنما يكون في الغناء والتمثيل ونزع الحجاب، والخلطة بالرجال، والسفر دون محرم، ومزاحمة الرجل في كل موقع، وتحطيم حواجز الحياء، والسعي الحثيث لإخراج المرأة من بيتها بأي شكل من الأشكال، ولأدنى هدف، ومتابعة الموضة، واتخاذ النساء الساقطات مثلاً، والتقليد الأبله، إلى غير ذلك...، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون. ولئن روج لهذه الأفكار الرديئة أعداٌ من الخارج وفتن بها مفتونون من الداخل، فخرجت المرأة المسلمة عن طورها في البلاد الإسلامية، وأنسيت الهدف من وجودها – فما ينبغي للمرأة المسلمة في جزيرة الإسلام وبلاد الحرمين أن تخدع بهذه الصيحات المغرضة –بل ينبغي أن تقدم النموذج الأمثل للإسلام في ظروفه الراهنة، كما قدمته أخواتها المسلمات في عصر النبوة وما بعده من عصور الإسلام الزاهية.. وليس التحدي في تقليد أصحاب الهمم الدنيئة ونزع الحجاب والارتكاس في حمأة الرذيلة، ومجاراة النساء الساقطات.

ولكن التحدي في الثبات على المبدأ الحق إذا زلت أقدام آخرين، واستشعار العزة الإيمانية إذا راجت أفكارُ العلمنة والتغريب. التحدي الحق في الالتزام بالهوية الإسلامية الصافية، في زمن باتت الأمم تدرك من عوامل البقاء أمام غزو الآخرين صدق الانتماء، ونزاهة الولاء، والتحصين بالفكر السليم، والتسلح بسلاح العقيدة الحقة في زمن العقائد وصراع الأفكار، وإثبات الهوية وتحقيق الذات. وما أسهل السيطرة على أي أمة إذا سُلبت مقوماتُ ثباتها وكانت تبعاً لغيرها في أفكارها وسلوكياتها، فلا بد من اليقظة والتذكير، أما الغفلة عن التذكير فتورث الانفتاح والفرح الوهمي ثم يعقبه الإبلاس والإفلاس، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:44].

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين خلق فسوى وقدر فهدى، وإليه المنتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ترك الأمة على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

إخوة الإسلام: ولا غرابة أن يوجه الإسلام عنايته بالمرأة تكريماً وتحذيراً، فهن شقائق الرجال، وهي –كما يقال- نصف المجتمع، وإذا قامت بدورها المطلوب في الرعاية، فهي تتشكل مع المجتمع كله، وربما بالغ بعضهم فقال: إذا وجهت رجلاً فإنما توجه فرداً، وإذا وجهت امرأة فإنما توجه أسرة.

وبكل حال، فلا ينبغي للمرأة المسلمة أن تكون في مهب الرياح... يأخذ بناصيتها كل ناعق وناعقة، بل عليها أن تستشعر العزة بإيمانها، وأن تعض بالنواجذ على إسلامها وقيمها، وينبغي أن لا تُنيب الخيّرين في الدفاع عن أصالتها وإبطال كيد الكائدين لها، وفضح المحاولات العابثة لطمس هويتها، وجعلها رقماً هامشياً، تابعاً للمرأة الغربية في مسيرتها! حتى ولو كانت النهاية جحر الضب الخرب، ولا ينبغي لها كذلك أن تتيح الفرصة للأشرار للتقول عليها.

أيتها المرأة المسلمة! وهناك وسائل كثيرة لإسهام المرأة في الدعوة والإصلاح، وأعرض نماذج للتذكير لا الحصر، منها: أن تتواصل المرأة المسلمة مع القضايا المحيطة بها، من خلال القراءة النافعة، والوعي بالواقع، وبالطرق المشروعة، وثمة مجلات إسلامية نافعة، ومطويات مفيدة، وأشرطة حافلة بالمفيد. وهذه وتلك لا ينبغي الزهد فيها، بل المشاركة فيها قراءة وكتابةً ودعماً وتشجيعاً. وفي محيط البيت تُسألُ المرأة عن المساهمة الإيجابية في البرامج المفيدة للأسرة، ولا مجال للسلبية، أو الشعور بالنقص، أو التواضع المرفوض، بل ويسأل الوليُّ: ماذا أعدّ في بيته من برامج؟

وأوسع من ذلك محيط الأسرة الأكبر غير اللقاءات العائلية ومناسبات الأعياد والأفراح... فأين أثرُ المرأة المسلمة في هذه اللقاءات، والكلمة الطيبة صدقة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "بلغوا عني ولو آية".

وأضعف الإيمان أن تكون المرأة في ذاتها قدوة حسنة لبنات جنسها؛ في هيئتها، ولباسها، وعلو همتها، ولا أن تكون سوقاً حرة يروج فيها ما يُصدر من البيئات الموبوءة، وتتلقف كل جديد مطروح ولو كان فيه حتفها.

أيتها النساء، أيّها الأولياء: وفي الحديث عن وسائل الإصلاح تُسأل الطالبة –مادون الجامعة- ما أثرها في نشر الخير في مدرستها، والأمر أهم بالنسبة للطالبات الجامعة، وربما ظنت بعض الخيرات منهن أن دورهن ينتهي عند حد الالتفاف مع مثيلاتهن، وقضاء الوقت في النقد دون تقديم الحلول، وربما صَعُبَ على بعضهن الخلطة مع غيرهن، وأنَّى لهؤلاء أن يُساهمن في تقويم ما انحرف من سلوك أو تلوث من فكر؟!
والمؤمن يألف ويؤلف، ويؤثر وينفع.

وتسأل المعلمة والمسؤولة عن دورها في تربية الطالبات وتوجههن للخير، ومعالجة ما ترى من سلوكيات شاذة بالأسلوب الأمثل والطريقة التربوية البناءة.

أيتها المرأة الموهوبة في الكتابة! أين أنتِ من جهاد الكلمة عبر قنوات التأثير واسعة الانتشار؟!
أيتها المرأة القادرة على التأليف! أنتِ أقدرُ الناسِ على الكتابة في قضايا المرأة وفق رؤية أصيلة، تعتمد البرهان وتختار العبارة المناسبة، وتتحرى الأسلوب الأمثل في التأثير.

معشر النساء: أين أنتن من حلق تحفيظ القرآن النسائية تعلماً أو تعليماً، ومن الدورات النسائية الصيفية مشاركة وتوجيهاً، ورصد الظواهر النسائية السلبية وعلاجها كتابةً أو محاضرةً ونحوها؟

أيتها الشقائق! وفي سبيل الحماية م الأخطار لا بد م شعور المرأة المسلمة أنها مستهدفة من قبل الأعداء بالإفساد، فذلك يدعوها للاحتراز والاحتياط وعدم الانخداع.

ولا يكفي أن ينتهي دورها عند حدود رد الهجمات الغازية، بل لا بد لها –مع ذلك- من تقديم البرامج المفيدة وطرح المفاهيم الإسلامية بكل عزةٍ وافتخار.

أيتها المرأة المسلمة! وفي سبيل المقارنة بين ما يُريده لك دعاة الإسلام وما يرده لك أدعياءُ التحرر.. اقرئي التاريخ بعناية، وتأملي نتائج الدعوتين والفرق بين المنهجين، والفصل في وقله تعالى: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة: من الآية100]، وفي قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) [الرعد: من الآية17].

أيتها المرأة المسلمة! لا مجال للكسل والتواني، ولا يسوغ لك التفرج في وقت تتصارع فيه الأفكار، ويجلب عليك الأعداء بخيلهم ورجلهم.

فكري واعملي... واجتهدي توفقي... ولا تحقري من المعروف شيئاً، ولا يخيفنك الذين لا يوقنون، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

وكيد الشيطان ضعيف، ولا يحيق المكرُ السيء إلا بأهله.