الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | يزيد بن الخضر ابن قاسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن من الحياء -عباد الله- أن تستحي من الناس، فحياؤكَ من الناسِ يمنعك من أن تقع أعينهم على ما يعيبونه عليك، وحياؤك من الناس يقودُكَ إلى رفعِ الأذى عنهم، قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "فالحياءُ هو من أعظمِ الأخلاقِ وأكْرَمِها، ذلك لأنه مصدرُ الفضائِلِ، فالولدُ يبرُ بوالديهِ بسبب الحياءِ، وصاحِبُ الدارِ يُكْرِمُ ضيفَهُ بسبب الحياءِ، والعبدُ يفي بالموعدِ بسبب الحياءِ أيضًا، لذلك ..
الخطبة الأولى:
إن الله -تعالى- قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
وثمة أمور عظيمة بعِث بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي كانت نبراسا منيرا ودليلا قويا على صدق وعظم ما بعِث به.
ومن هذه الأمور -عباد الله-: مكارم الأخلاق، قال: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق".
فللأخلاق منزلة عظيمة في ديننا، ولقد عني الإسلام بها عناية جليلة وفريدة، وما ذلك -عباد الله- إلا لأن الآداب والأخلاق لها صلة وثيقة وقوية بعقيدة الأمة ومبادئها، فكمال الأمة بكمال أخلاقها، وصلاح الأمة بصلاح آدابها وأخلاقها.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت | فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
وإن من هذه الأخلاق الكريمة الفاضلة والصفات العالية الحميدة: صفة الحياء، هذا الخلق النبي صلى الله عليه وسلم-، والسلوك القويم الذي ما اتصف به مسلمٌ ما إلا وحاز به الخير الكثير، وابتعد به عن الشر المستطير، ونال به الثواب الكبير.
واعلموا -عباد الله- أن هذه الصفة الكريمة عظيمة الشأن، رفيعة القدر، بل ويكفي لعظمها وجلالها أن الله -سبحانه وتعالى- متصف بها، فالحياء صفة من صفات الرحمن، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسّتْرَ".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ حييٌّ كريمْ يَسْتَحي مِنْ عبدِه إذا رفع يديهِ إليهِ أن يرُدَهُما صِفْرًا".
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وأما حياء الرب -تعالى- من عبده فذاك نوع آخر، لا تدركه الأفهام، ولا تكتنفه العقول، فإنه حياء كرم وبرٍّ وجود وجلال، فإنه تبارك وتعالى حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا، ويستحي أن يعذّب ذا شيبة شابت في الإسلام".
نعم الحياء صفة من صفاته -تعالى-، وصفاته تعالى كلها صفات كمال، منزهة عن أي وضعف ونقصان.
ولا يخفى علينا جميعا -أيها المسلمون- ما كان لنبينا من هذه الصفة الجليلة، فقد وصفه أبو سعيد الخضري بقوله: لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه.
والعذراءُ هي البنتُ التي لم يَسبقْ لها زواج، وخِدرُها موضعُها الذي تُصانُ فيه عن الأعْيُنِ.
نعم، هكذا كان رسولنا وقدوتنا.
ويتجلّى -عباد الله- عظم وأهمية صفة الحياء في ديننا بما أخبر به أن الحياء شعبة من شعب الإيمان، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان".
وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضا: "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" أي: كل واحد منهما مرتبط بالآخر، فإذا ذهب الواحد ذهب الآخر.
والحياء -كما عرفه العلماء- هو خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق من الحقوق.
فالحياء خلق فاضل يدعوك إلى التحلي بالفضائل، والبعد عن الرذائل، والحياء يدعوك أن تخجل في نفسك، وتستحي من ربك، ثم تستحي من الناس.
وإن الاستحياء من الله هو أسمى وأعظم مرتبة للحياء، وقد أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فقال: "استحيوا من الله حق الحياء" فقالوا: يا رسول الله، إنا نستحي من الله حق الحياء! قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس ذلك؛ الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطنَ وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، من فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".
فحقيقة الاستحياء من الله أن تحفظ لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك عما حرم الله -سبحانه وتعالى- عليك، وإن الاستحياء من الله يشمل كذلك أن لا تعصيه في خلوتك، وقد قال بعض السلف: "خف الله على قدر قدرته عليك، واستح منه على قدر قربه منك".
وصدق من قال:
وإذا خلوتَ بِريبةٍ في ظُلْمَةٍ | والنَّفْسُ داعيةٌ إلى الطُغْيانِ |
فاستحي من نظرِ الإلهِ وقُلْ لها | إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يَرَاني |
وإن من الحياء -عباد الله- أن تستحي من الناس، فحياؤكَ من الناسِ يمنعك من أن تقع أعينهم على ما يعيبونه عليك، وحياؤك من الناس يقودُكَ إلى رفعِ الأذى عنهم، قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "فالحياءُ هو من أعظمِ الأخلاقِ وأكْرَمِها، ذلك لأنه مصدرُ الفضائِلِ، فالولدُ يبرُ بوالديهِ بسبب الحياءِ، وصاحِبُ الدارِ يُكْرِمُ ضيفَهُ بسبب الحياءِ، والعبدُ يفي بالموعدِ بسبب الحياءِ أيضًا، لذلك عندما سُئِلَ المصطفى -عليه الصلاة والسلام- قالَ: "إنَّ لِكُلِ دين خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحياء" [مروي بإسناد حسن عن أنس].
والحياء -عباد الله- مأثور عن الأنبياء المتقدمين، وأن الناس توارثوه عنهم قرنا بعد قرن؛ ففي صحيح البخاري من حديث أبي مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".
وفي فهم قوله: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" معنيان:
أحدهما: أنه أمر؛ بمعنى التهديد والوعيد، أي: إذا لم يكن لك حياء فاعمل ما شئت فالله يجازيك عليه بما تستحق، وهو من باب قوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت:40].
والمعنى الآخر: أنه بمعنى الخبر، أي: أن الإنسان الذي لم يستح صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر، كما ذكر ذلك ابن رجب -رحمه الله-.
فالمرء حينما يفقد حياءه يتدرج في المعاصي من سيئ إلى أسوأ، من رذيلة إلى أرذل، ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدرك الأسفل.
وكذلك المرء إذا لم يكن له حياء جهر بالمعاصي أمام الناس ولا يبالي، فالمجاهرون بالجرائم والمعاصي والمعلنون لها أمام الناس جهارا نهارا، ولا يبالون بما يفعلون؛ هؤلاء لا يستحيون من الله، ولا يستحيون من الناس، ولهذا استحقوا الوعيد الشديد الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
ونفهم من هذا -عباد الله- أن الجهر بالمعصية أخطر من الإسرار بها، والجهر بالمعصية أعظم إثما وأشدّ جرما عند الله من الإسرار بها، فالذي يشرب الخمر أو يعصي الله بنوع من أنواع الفجور والفسوق على قارعة الطريق أمام أعين الناس أعظم إثما عند الله من الذي يعصيه في كل هذا وهو ساتر لنفسه، بينه وبين نفسه، ساتر لمعصيته عن أعين الناس، بينه وبين ربه؛ لأن الجهر بالمعصية أمام الناس -عباد الله- فيه تحدٍّ لله -عز وجل- في محارمه أمام عباده؛ ولأن الجهر بالمعصية يقود إلى استحلالها، والجهر بالمعصية فيه دعاية ودعوة وإشهار للحرام، ويورث في قلوب الناس الرغبة في ارتكابه، فالناس مفطورون على حبّ التوافق والمشابهة بعضهم ببعض، خاصة عند قصار العقول وضعاف النفوس، فيزين لهم الشيطان ارتكاب الحرام، فيكثر الفساد ويشيع وينتشر في أوساط المسلمين، وكما أن الجهر بالمعصية من موجبات غضب الله وسخطه وعذابه في الدنيا، ولهذه الأسباب كلها كان الجهر بالمعصية أعظم وأشد إثما من الإسرار بها، فمن استحيى من الله ومن الناس وستر معصيته عن أعين الناس وستر نفسه معترفا بذنبه أدركته عافية الله وستره في الدنيا والآخرة.
وأما من فضح نفسه وخلع ثوب حيائه، وأعلن وجاهر بذنبه أمام الناس كان وبال أمره خسرا، وعقابه عند الله شديدا، ولم يكن من المعافين، قال تعالى: (أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء) [فاطر:8].
وقد أحسن من أنشد بقوله:
إذا لم تخش عاقبة الليالي | ولم تستح فاصنع ما تشاء |
فلا والله ما في العيش خير | ولا الدنيا إذا ذهب الحياء |
يعيش المرء ما استحيى بخير | ويبقى العود ما بقي اللحاء |
وقال الآخر:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه | ولا خير في وجه إذا قل ماؤه |
حياءك فاحفظه عليك فإنما | يدلّ على وجه الكريم حياؤه |
إن الحياء -عباد الله- كله خير، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يعاتب أخاه في الحياء، فقال له: "دعه؛ فإن الحياء لا يأت إلا بخير".
والحياء المقصود في هذا الحديث هو الحياء الشرعي الذي يحمل صاحبه على ترك القبيح، ويمنعه من التقصير في حق من الحقوق.
وليس الحياء المذموم، قال الإمامُ النووي في شرحِ هذا الحديث: "وأما كونُ الحياءِ خيرًا كُلُه ولا يأتي إلا بخيرٍ، فَقَدْ يُشْكِلُ على بعضِ الناسِ من حيثُ أن صاحِبَ الحياءِ قد يسْتحي أن يواجه بالحقِ من يُجِلُه، فيتْرُكَ أمْرَه بالمعْروفِ ونهيه عنِ المُنْكرِ، وقدْ يحْمِلُه الحياءُ على الإِخْلالِ بِبعضِ الحُقوقِ وغيرِ ذلك مما هو معْروفٌ في العادة".
فلا ينبغي أن يكون الحياء مانعًا من قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا حائلا عن طلب العلم، وقد قال: "اثنان لا يتعلمان: مستحي ومستكبر".
وهذا من قبيل الحياء المذموم، فلا يمنعك الحياء -أخي المسلم- أن تسأل عما أوجب الله عليك، وأن تستفسر عما أشكل عليك في أمور دينك ودنياك، فإن الله لا يستحي من الحق.
الخطبة الثانية:
عباد الله: لقد خلق الله المرأة وكانت مثالا للحياء، فقد فطرها الله -سبحانه وتعالى- على هذه الصفة الجليلة، وجاء الإسلام فجعلها شعارا للعِرض والحرمة، وعنوانا للحشمة والعفة، ورمزا للحياء والسترة، فشرع لها من الشرائع والأحكام ما يحفظ به حياءها وعفتها، وما يصون به شرفها وقيمها.
ومن هذه الأحكام: ما أوجبه الله عليها من السترة واللباس، هذا الحجاب هذا اللباس الرباني الذي هو عنوان الحياء والعفة عند المرأة المسلمة، فقد أوجبه الله -تعالى- في كتابه، فقال جل وعلا: (يا أَيُّهَا النبي قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلكَ أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب:59].
وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض فلا يحلّ أن يرى منها إلا وجهها وكفيها".
أيها الإخوة الكرام: إن هناك تلازما بين ما شرعه الله من اللباس لستر العورات وبين التقوى، فكلاهما لباس، قال تعالى: (يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَـا بَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:26-27].
فالتقوى يستر عورات القلب ويزينه، واللباس الشرعي يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فمن الشعور بالتقوى والحياء ينبثق شعور يستقبح به المرءُ أن يتعرّى في جسده، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرّى أو أن يدعو غيره إلى العُري، ولهذا كان ستر العورة عند الرجل والمرأة ملازما للتقوى والحياء.
والحجاب الذي يستر المرأة هو عنوان عفتها، فالحجاب يحفظها من أذى الفساق ومرضى القلوب، فلا تتسابق النظرات إليها، لأنها حفظت أوامر الله، فحفظها الله -سبحانه تعالى-.
والحجاب -عباد الله- يتناسب مع غيرة الرجل التي جبله الله عليها، أبًا كان أو زوجا، أو أخا، أو ابنا، فالمؤمن لا يرضى أن توجَّه نظرات خائنة إلى أهله وعياله، وحفظُ كلِّ ذلك بالحجاب.
كما أن الحجاب طهارة للمرأة المحجّبة، وطهارة لقلب الرجل، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْألُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذلكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
فوصف الله -سبحانه- الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات؛ لأن العين إذا لم تر لم يشتهِ القلب.
أما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي.
ومن هنا كان القلب مع عدم الرؤية أطهر، ومع عدم الفتنة أسلم.
فالمرأة المحجبة تجدها من أكثر النساء حياءً، في لباسها، في كلامها، في مشيتها، وقد ذكر الله على سبيل المدح في سورة القصص من موقف ابنتي الرجل الصالح اللتين تربتا على العفة والطهارة والحشمة والحجاب، قال تعالى: (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاء) [القصص:25].
وإنّ ما نراه اليوم -عباد الله- مما أحدثه بعض المسلمات في هذا الزمان من التعري ولبس القصير والضيق والشفاف من اللباس بقصد أو بغير قصد مناف للحياء، وهو أمر فظيع، وهو بعيد كلَّ البعد عما أوجبه الله على المسلمات لما أبدينه من المفاتن والمحاسن، فكان سببا عظيما في إثارة الفتنة عند الشباب، وقد حذر الله -سبحانه وتعالى- من التبرج في كتابه فقال للمسلمات: (وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) [الأحزاب:33].
ولقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة الصحيحة أنه قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
هذه صفات نساء من أمته رآهن النبي -صلى الله عليه وسلم- في النار، ولم يرهن في زمانه، وهذا من معجزاته، فقال في وصفهن: "كاسيات عاريات" أي: عليهن كسوة لا تفيد ولا تستر، إما لقصرها أو خفتها أو ضيقها، "مائلات مميلات" مائلات عن الحق وعن الصراط المستقيم، مميلات لغيرهن، وذلك بسبب ما يفعلنه من الملابس والهيئات الفاتنة التي ضلت بها في نفسها وأضلت غيرها، ثم فقال: "لا يدخلن الجنة" أي: لا يدخلن الجنة مع الداخلين الأولين من المسلمين، يمرون بجهنم أولاً- والعياذ بالله-.
فاتقوا الله -عباد الله- في بناتكم ونسائكم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا ملائكة غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
وقد يرفض بعض النساء الحجاب بدعوى أنه لباس قديم، ونحن في عصر حضارة وتقدم، فجوابها أن أحكام الله في القرآن صالحة لكل مكان وزمان، ولكل حضارة وانحطاط: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9].
وكذلك بعض الآباء والأمهات قد يتساهلون في قضية الحجاب بحجة أن البنت ما زالت صغيرة السن، أو لم تنه الدراسة بعد، قال -صلى الله عليه وسلم- مبينا السن الذي تكلف به البنت بالحجاب: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض فلا يحل أن يرى منها إلا وجهها وكفيها".
ومن النساء والفتيات من يمتنعن من ارتداء الحجاب؛ خوفا من عدم الزواج، فبزعمهن أن الفتاة إذا ارتدت الحجاب فإنها ستكون مخبأة عن أنظار الرجال، ولن تعجب أحدا وهي مستورة، وسيفوتها الزواج، وأما إذا كانت متبرجة ومتزينة فستجلب الكثير من الرجال، وأكيد أنها ستقع على من يتزوجها، وهذه نظرة قاصرة ناتجة عن ضعف في الإيمان، فالمسلمة المؤمنة الصادقة يهمها ابتداء طاعة الله ومرضاته واجتناب غضبه وسخطه لا الزواج، والزواج هو نصيب مكتوب بيد الله، والحقيقة والواقع الذي نراه في شوارعنا يكذّب هذا، فإن المرأة المتبرجة لا تجلب أنظار الرجال فحسب، بل أنظار الذئاب كذلك الذين همهم الوحيد هو العبث والسخرية ببنات الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عباد الله: إنَّ الحياءَ خُلُقٌ عظيمْ يحْفَظُ لِلرَجُلِ هيْبَتَهُ ورُجولَتَهُ، ويَحْفظُ لِلمرأةِ عِزّتَها وأُنوثتَهَا، ويُلْبِسُ الشَّابَ الْجَمالَ والْكرَامةَ.
رزقنا الله وإياكم الحياء، وجعله لنا رادعا عن كل محظور، ومانعا من كل منكر.
اللهم أصلحنا وأصلح شبابنا وبناتنا ونساءنا أجمعين.