التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - أركان الإيمان |
لقد تكاثرت معجزات النبي عليه الصلاة والسلام، حتى قال بعض العلماء: إنه عليه الصلاة والسلام أكثر الأنبياء والرسل معجزات، وقد أجرى الله على يديه معجزات عديدة، لعل أعظمها القرآن الكريم..
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لقد مَنَّ الله علينا أن بعث لنا أفضل الرسل، وحبانا أن جعلنا من أفضل الأمم، ولقد جعل الله لكل نبي من المعجزات ما يؤيده، ويبين صدقه، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة: «ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة».
ومن تتبع القرآن وجده مليئًا بذكر المعجزات التي أيّد الله بها أنبياءه ورسله على أقوامهم، والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي يجريه الله على أيدي أنبيائه ورسله، وهي لا تكون إلا للأنبياء والرسل، فإن حصلت لغيرهم من الصالحين أهل الصدق والصلاح فهي كرامة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء، فإن حصل الأمر الخارق للعادة للسحرة والمشعوذين وغير الصالحين من الناس؛ فهذا سحر وشعوذة من عمل الشياطين، وغالبًا أنها تكون فيما يظهر للناس.
معاشر المسلمين: لقد أجرى الله على يدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم معجزات عديدة، لعلنا نأتي على بعضها، فإن ذلك مما يزيد في الإيمان، فمن أعظم معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم، القرآن الكريم الذي تحدى الله به جميع الخلق أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فضلاً أن يأتوا بمثله، ولو اجتمع بعضهم لبعض وكانوا متعاونين، وذلك أنه كلام الله المعجز في لفظه وما دل عليه، وهي معجزة خالدة إلى أن يأذن الله برفعه في آخر الزمان.
ومن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق فرقتين حين طلب منه المشركون ذلك، فدعا الله فأراهم الله القمر فلقتين، فقالوا: سحرنا محمد كما قال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1]، وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما.
ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام أن الله زوى - أي جمع- له الأرض كلها فضم بعضها لبعض حتى رآها وشاهد مغاربها ومشارقها، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وإن ملك أمته سيبلغ ما زُوي له منها». كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها».
ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام: حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر، وصار يخطب على المنبر بعد ما كان يخطب عليه ولم يسكن حتى أتى إليه فضمه واعتنقه فسكت. كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا بكى لما فقد من الذكر» - يعني الجذع.
ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام: نبع الماء من بين أصابعه، وكان ذلك لما احتاج أصحابه للماء كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الوضوء فلم يجدوه فأُتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في ذلك الإناء، فأمر الناس أن يتوضئوا منه، قال الراوي:" فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا عن آخرهم».
ومنها تسبيح الحصى بكفه. رواه ابن عسكر من حديث أبي داود وغيره.
ومنها تسبيح الطعام حين وُضع عنده، أي بين يديه، فنطق كما في البخاري عن ابن مسعود.
ومنها تسليم الجحر والشجر عليه بالنطق، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لأعلم حجرًا بمكة كان يسلّم عليَّ حين بعثت».
ومنها تكليم الذراع له صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه مسموم، وذلك لما قدمت له تلك المرأة اليهودية شاة مشوية ليأكلها كما أخرجه البخاري في صحيحه.
ومنها أن البعير شكا إليه الجهد ـ أي المشقة ـ أن صاحبه يجيعه ويتعبه،كما أخرج أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن جعفر قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمسح سراته وذفريه فسكن فقال: «من رب هذا الجمل»؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله. فقال: «ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه».
اللهم صلي على نبينا محمد ما تعاقب الليل والنهار صلاة دائمة إلى يوم الدين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: فيا أيها المؤمنون: فإن النظر في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافٍ في معرفة صدقه، ولكن الله أراد أن يقيم الحجة على الناس جميعًا، كما أخرج أحمد وغيره من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فجئت في الناس لأنظر فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء سمعته يتكلم أن قال: «يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».
ولنعد لذكر شيء من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث إنه توعد أبي بن خلف بالقتل كما جاء في السير أن أبي بن خلف كان يلقى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل الهجرة فيقول: إن عندي قعودًا أعلفه كل يوم أقتلك عليه، فيقول له عليه الصلاة والسلام: بل أنا أقتلك إن شاء الله، فطعنه يوم أحد في عنقه فخدشه غير كثير، فقال: قتلني محمد. فقالوا: ليس بك بأس قال: إنه قال: أنا أقتلك فلو بصق عليَّ لقتلني، فمات منها.
ومنها كما في صحيح البخاري أنه أخبر عن طوائف من أمته أنهم سيركبون وسط البحر أي يغزون في البحر كالملوك على الأَسِرَّة، ومنهم أم حرام بنت ملحان، فكان كما أخبر. وكان ذلك في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
ومنها أنه قال في الحسن بن علي: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» فكان كما قال. فإنه لما توفى أبوه بايعه أربعون ألفًا على الموت فلما التقى جيشه بجيش معاوية رضي الله عنهم تنازل عن الخلافة لمعاوية حقنًا لدماء المسلمين. أخرجه البخاري في صحيحه.
ومنها أنه لما اجتمعت صناديد قريش في دار الندوة، وأجمعوا على قتله، وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسيوف ضربة رجل واحد، جعل في فراشه عليًّا بن أبي طالب، وخرج عليهم وهم يتحدثون وهو يقرأ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [يس: 9]، ووضع التراب على رأس كل واحد منهم، وانصرف.
ومنها أنه أمر عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ أن يزوّد أربعمائة راكب أتوا إليه من تمر كان عنده، فزودهم منه، والتمر كان مقداره كالفصيل الرابض، فزودهم جميعًا وكأنه ما مسَّه أحد. رواه أحمد وغيره.
عباد الله: لقد تكاثرت معجزاته عليه الصلاة والسلام حتى قال بعض العلماء: إنه عليه الصلاة والسلام أكثر الأنبياء والرسل معجزات، ولعلنا نقف على هذه، ونكمل بإذن الله في الخطبة القادمة بعضًا من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
اللهم اجعلنا من حزب نبيك المفلحين... اللهم وفقنا لهداك... اللهم أعز الإسلام... اللهم أنج المستضعفين..... اللهم أنت الغني ونحن الفقراء.... ربنا آتنا في الدنيا.... ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً..