الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الأديان والفرق |
من ذلك موقف الفريقين عند نزول القرآن وعند تلاوته فالمؤمنون يزيدهم نزول القرآن وتلاوته، إيماناً وهم يستبشرون، والمنافقون يزيدهم ذلك رجساً إلى رجسهم، ويتحينون الفرص للانصراف عن سماعه.
الحمد لله يمنُّ على من يشاء بهدايته للإيمان، ويخذل أهل الكفر والطغيان وأشهد أن لا إله إلا الله (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بالنصر والبرهان، صلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله واسألوه الثبات على الإيمان، لاشك أن الإيمان نور يقذفه الله في قلب العبد (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر: 22] (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ) [الأنعام: 125] (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الحجرات: 17]، والإيمان اعتقاد وعمل كما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الأعمال"- ولهذا عرفه أهل السنة والجماعة بأنه قول باللسان واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وهو بهذا الاعتبار ضمانة الثبات في مواقف الامتحان، ومركب النجاة في طوفان الفتن وأمواج المحن، وقد علق الله على الإيمان خيرات كثيرة عاجلة وآجلة فرتب عليه توفر الأمن والهداية في الدنيا والآخرة: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82]
كما رتب الله عليه حصول الحياة الطيبة وتوفر الأجر الحسن: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97] وقد تكفل الله بالدفاع عن أهل الإيمان خاصة: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38]، والإيمان الذي هذه مميزاته ذو أركان ستة وذو شعب تزيد على سبعين شعبة – قال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" وقال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"
إن الإيمان بأركانه الستة وحدة متكاملة يشمل كل ما يجب الإيمان به، ولا يكفي الإيمان ببعض هذه الأركان دون بعض: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء:150-152].
ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يترك عباده بدون اختيار يميز الصادق في إيمانه من الكاذب المنافق: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:2-3]. وهنا يظهر الفرق بين مواقف أهل الإيمان وأهل النفاق والكفران، وسنعرض هنا جملة من تلك المواقف كما بينها القرآن الكريم.
فمن ذلك موقف الفريقين عندما يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه، قال الله تعالى عن موقف المنافقين: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [النور: 47-50]. ثم بين سبحانه موقف المؤمنين عندما يدعون إلى حكم الله ورسوله فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].
هذا موقف الفريقين عندما يدعيان إلى التحاكم إلى شريعة الله وهو موقف لا يزال يتكرر كلما جدّت قضية إلى التحاكم إلى شريعة الله وهو موقف لا يزال يتكرر كلما جدّت قضية أو عرضت نازلة، المؤمنون يريدون حكم ورسوله فيما سواء كان لهم أو عليهم، والمنافقون إنما يريدون حكم الله ورسوله فيها إذا كان لهم، أما إذا كان عليهم فإنهم يهربون إلى حكم الطاغوت ليخلصهم من حكم الله.
ومن ذلك موقف الفريقين عند نزول القرآن وعند تلاوته فالمؤمنون يزيدهم نزول القرآن وتلاوته، إيماناً وهم يستبشرون، والمنافقون يزيدهم ذلك رجساً إلى رجسهم، ويتحينون الفرص للانصراف عن سماعه، قال الله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 124-127].
ومن ذلك موقف الفريقين عند الجهاد في سبيل الله فالمؤمنون يرغبون إلى ربهم عز وجل أن ينزل على رسوله سورة يأمرهم فيها بقتال الكفار حرصاً منهم على الجهاد في سبيل الله ونيل ما أعده الله للمجاهدين من جزيل الثواب فلما نزل الأمر بالجهاد، بادروا مغتبطين، فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وأما المنافقون فهم عندما نزل الأمر بالقتال أصابهم الذعر والخوف وصاروا ينتحلون الأعذار تلو الأعذار للتخلف عنه قال الله تعالى عن موقف الفريقين:(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد: 20-21] وقال تعالى: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 44-45] .
ومن ذلك: موقف الفريقين عند مضايقة الكفار للمسلمين –فالمؤمنون يزيدون ثباتاً على دينهم ويقوي يقينهم بوعد الله ورسوله لهم بالنصر، وأما المنافقون فإنهم يبلغ منهم الخوف كل مبلغ ويسوء ظنهم بالله ورسوله، قال الله تعالى عن موقف الفريقين عندما أحاط أحزاب الكفار بالمسلمين من داخل المدينة وخارجها، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر من هول الموقف، فقال عن موقف المؤمنين عند ذلك: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 22-23]. وقال عن موقف المنافقين: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) [الأحزاب: 12-13].
إنه الاختبار القاسي الذي يتجلى عن نجاح المؤمنين وإخفاق المنافقين وتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
هذا ونسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالإيمان –وأن يعيذنا من النفاق- والحمد لله رب العالمين...