البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

حفظ الأسرار

العربية

المؤلف القسم العلمي بدار القاسم
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فضائل الأخلاق
حفظ أسرار الناس خلق عظيم من أخلاق الإسلام وأمانة من الأمانات التي يجب على المسلم أن يحفظها ونظرًا لما يلحظه الجميع من إفشاء السر في الحياة العامة والخاصة، ولخطورة الأمر على دين المرء وعلاقته مع عباد الله، كان هذا الكتيب الي يُبين، معنى السر وحكم إفشاءه، وفوائد حفظ السر ومضار إفشائه، والسر بين الزَّوجين ووجوب صونه، ونماذج من كتمان السر.

التفاصيل

حفظ الأسرار مقدّمة حكم إفشاء السر فوائد حفظ السر ومضار إفشائه السر بين الزَّوجين ووجوب صونه نماذج من كتمان السر  حفظ الأسرار مقدّمةالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.وبعد:فإن من حسن المودة والعشرة بين الإِخوان الصفاء والنقاء وحفظ الأسرار وعدم إفشائها.ونظرًا لما يلحظه الجميع من إفشاء السر في الحياة العامة والخاصة، ولخطورة الأمر على دين المرء وعلاقته مع عباد الله. أحببت أن أنبه نفسي والقراء إلى أهمية الأسرار في حياة المسلم ووجوب المحافظة عليها.جعلنا الله وإياكم هداة مهتدين.مدخلبطوعه واختياره يتحدث في مجلس مع أصحابه ويخبر وكأنه عثر على كنز!: فلان قال لي، وفلان اخبرني... وآخر يرسل لسانه ويفشي ما استودعه الناس من أسرارهم الخاصة، وثالث طلق زوجته وبدأ في المجالس يفشي سرها؛ وهي في مجالس أخرى تفشي سره وقد تزيد؛ أما الرابع فهو يهمس وكأنّه يحمل همًا يزيحه عن كاهله متحدثًا عن أسرار عمله وهي أمور هامة يجب ألا يطلع عليها أحد!كل ما بثه أولئك إنما هو من الأسرار التي اؤتمنوا عليها! فما هو السر يا ترى؟!السر هو ذلك المكنون الذي تضمُّه بينها الجوانح والصدور، والذي لا يستطيع كتمانه والحفاظ عليه إلا أولوا العزم من الناس، الذين كبروا على شهوات أنفسهم وتمردوا على حب الشهرة والذات، وعصموا ألسنتهم عن أن تفتق حجاب السر أو تهتك ستاره، حتى يظل في طي الكتمان إلى ما لا نهاية له من الزمان، لأن في كتمانه نجاح صاحبه وفلاحه.والسر من الأمور التي يجب الحفاظ عليها، ومعاقبة الذين يحومون حولها، ويتعدون على حماها، ولقد جرت سنة الله في خلقه على ذلك حيث يقول سبحانه: }وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ{ [الحجر: 16- 18] فهذه الآية الكريمة تنبه إلى أمرين مهمين:أولاً: ضرورة استعمال الحذر في صيانة الأسرار وبذل الوسع في حفظها عمن يتطلع إلى تلقُّفها سواء كانت أسرارًا شخصية، أو أسرارًا متعلقة بشئون الأمة فإن الله وضع حرسًا شديدًا لحفظ أسرار السماء من الشياطين.ثانيًا: مشروعية وضع العقوبة الرادعة للمعتدين قطعًا لدابر العدوان في الأرض، لأن الله جعل جزاء الشياطين المعتدية على أسرار السماء إعدامها الفوري بالشهب الراصدة لها.وجدير بالذكر أن مادة السر قد وردت في القرآن اثنتين وثلاثين مرة بالصيغ المختلفة، وجاء في كثير من الآيات مقابلة السر بالجهر، ومقابلته بالعلن، كما ذكر السر كذلك في مقابل عدم الإبداء، كما عبر عنه في آيات أخر بالإخفاء ومن هذا يمكن أن يقال: إن السر هو ما لا يظهر ويعلن أو ما لا يراد له الظهور والإِعلان.ومعنى حفظ السر، كتمانه وعدم إظهاره وإعلانه فلو ظهر الشيء المراد إخفاؤه لم يعد سرًا، بلى إذا ظهر أو أٌُظهر لشخص أو لأشخاص معلومين وطلب إليهم ألا يفشوه، وألا يتعدى حدود دائرتهم، فيكون سرًا بالنسبة إليهم يجب عليهم صيانته وحفظه.وفي الحياة أمور كثيرة خافية غير معلومة إلا الله سبحانه وتعالى، وليس كل مَا يُعلم يجوز إظهاره وإفشاؤه، وعند الله أمورُ كثيرة اقتضاها علمه الشامل لم يُطّلع عليها أحدًا من خلقه، إلا ما شاء أن يطلع على بعضه بعض من يريد من عباده المصطفين.*   *   * حكم إفشاء السرإذا كان الحفاظ على السر واجبًا فإن إفشاء السر حرام لأنه يؤدي إلى ضرر، فإن اختيار سريته دليل على أن إفشاءه فيه ضرر، والضرر ممنوع شرعًا – كما أن إفشاءه يكون خيانة حيث يكون السر أمانة، ويكون غدرا بالعهد وعدم وفاء بالوعد، إذ كان هناك وعد أو عهد بصيانته سواء أكان ذلك بالحال أو بالمقال، والله سبحانه حرم الخيانة وحرم الغدر وعدم الوفاء، وتحريم الخيانة والغدر وعدم الوفاء أمور معروفة لأن الإسلام ينبذها والأدلة من القرآن الكريم على تحريم هذه الصفات المذكورة كثيرة ومنها على سبيل المثال:قال تعالى: }وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا{ [النساء: 83]، }وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ{ [الأعراف: 102]. }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [الأنفال: 27]. «لا ضرر ولا ضرار».وعن أنس t قال: ما خطبنا رسول الله إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»([1]).وقال ﷺ‬: «إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة».وقال ﷺ‬: «المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس مجلس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق»([2]).ومن تأمل في الأضرار التي تقع بسبب هتك الأسرار والإِعلان عنها. يعلم حرمة هذا الأمر! فكم من زوجة طلقت وكم من حبيب أصبح عدوًا، وكم من خسائر وقعت بسبب إفشاء الأسرار وعدم المحافظة عليها.حفظُ السر من مقاييس الفضل والكمال:يقول العلماء: إن الأمين على السر أكمل من الأمين على المال لأن العفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار ولأن الإِنسان قد يذيع سر نفسه بمبادرة لسانه وسَقَط كلامه ويشُح باليسير من ماله حفظًا له وضنًا به، ولهذا كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال، وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار.يقول الماوردي: (إن من الأسرار ما لا يُستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم، فليختر لسره أمينًا، إن لم يجد إلى كتمه سبيلاً، وليتحرَّ المرء في اختيار مَنّ يأتمنه عليه، ويستودعه إياه، فليس كلُّ مَنْ كان أمينًا على الأموال؛ كان على الأسرار مؤتمنًا، والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأن الإنسان قد يضيع سر نفسه، بمبادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشح باليسير من ماله، حفظًا لهُ وضنًا به، ولا يرى ما أضاع من سره كبيرًا، في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه، فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال، وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأن أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق).والذي يحفظ السر إنسان قوي الإرادة، صلب العزيمة استطاع أن يجاهد نفسه ويقهر شيطانه، ومن هنا يمكن للإنسان أن يأنس به ويستريح إليه في صداقة أو معاملة أو غير ذلك.وقد تدعو الضرورة بعض الناس إلى الإِفضاء بأسرارهم إلى بعض أصدقائهم من أجل مشورتهم أو تخفيف بعض همومهم، لكن عليه أن يتخير صاحب السِّر، مَن وصف بالأمانة والدِّين والعقل. ويذكر الماوردي بعض الخصال في صفات أمين السر، أن يكون: (ذا عقل صادّ، ودين حاجز، ونصح مبذول، وودٍّ موفور، وكتومًا بالطبع).قال أبو حاتم t: المستشار مؤتمن، وليس بضامن، والمستشير متحصِّن من السقط، متخيرّ للرأي.والواجب على العاقل السالك سبيل ذوي الحجا: أن يعلم أن المشاورة تفشي الأسرار، فلا يستشير إلا اللبيب الناصح الودود الفاضل في دينه، وإرشاد المشير المستشير قضاء حق النعمة في الرأي، والمشورة لا تخلو من البركة إذا كانت مع مثل من وصفنا نعته.وتأمل معي أيها القارئ الكريم تلك النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يقول تعالى: }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا{ [الأحزاب: 72].وقال تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{ [ق: 18] قوله ﷺ‬: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»([3]).والجدير بالذكر أن الذي يحمل على إفشاء السر عدة أمور منها:1- العُجب والفخر والزهو وذلك بإظهار علمه بشيء لا يعلمه غيره، وقديمًا حمل هذا الشعور بعض الناس على إيراد الغرائب والعجائب - وحمل أهل الكتاب - وبخاصة الأحبار - على افتراء أمور غريبة وحكايتها للناس ليظهروا لهم عملهم وقام القصاص بدور كبير في اختراع القصص، بل وفي وضع الأحاديث على الرسول ﷺ‬ لإظهار مكانتهم، واستجداء خير الناس، أو تعظيمهم لهم، فقد يكون الحامل للرجل على إفشاء السر مثل هذا الشعور.2- من طبيعة الإِنسان حبُّه إتيان ما مُنع منه، فإن المحظور يُغري بارتكابه إن لم تكن هناك عصمة من خُلق أو دين كما يقول القائل: (أحب شيء إلى الإنسان ما منعناه منه).3- النكاية أو التشهير، فإن إفشاء السر يؤذي صاحب السر إيذاء شديدا، والسر سلاح خطير قد يستعمل في الشر إن لمن يكن هناك خلق أو دين. ونرى ذلك حين عداوة الأصدقاء أو عند يطلق الرجل زوجته فتفشي الأسرار نكاية وحقدًا.4- الاستفادة من هذه الأسرار التي عرفها فهي معلومات يمكن له أن ينتهزها فرصة ويستعملها في خير يفيده، كمن يودع سر صنعته، أو خططه الاقتصادية مثلاً عند غيره من الناس فيفشيها باستعمالها وتطبيقها، وبذلك يفّوت غرضًا طيبًا كان يقصد إليه صاحب السر من كتمانه وإيداعه عند هذا الشخص. فإفشاء السر يكون إما لطبيعة في النفس، وإما لإرادة الشر للغير، أو حب الخير للنفس.والمسلم مطالب بتربية نفسه على الخير والبعد عن الظُّلم في إفشاء الأسرار وحتى يعوِّد المرء نفسه على حفظ السر عليه:أولاً: مراقبة الله – عز وجل – وهو موقن بأنه سبحانه مطلع على كل خافية فلا يعصيه بإفشاء سر استؤمن عليه.ثانيًا: حب الخير لكل مسلم ومعرفة أن هناك ضررًا قد يقع على صاحب السر إذا اظهره.ثالثًا: استشعار الضرر الذي يقع على المسلم من جراء إفشاء سره فلربما لحقه أذى عظيمٌ من جراء إفشاء سره فقد تكون زوجة تطلق أو موظفًا ينال منه أو قريبًا يهجر أو صديقًا تتقطع المودة.رابعًا: إن إفشاء السر مظلمة لأخيك يجدها يوم القيامة ويحاجُّك بها عند الله -عز وجل-.خامسًا: من صفات الأخوة المحافظة على العهد والوعد وعدم إفشاء ما يسمع من أخيه المسلم.سادسًا: أنك بإفشاء السر تفقد نعمة عظيمة وهي نعمة مشاورة الناس لك واختيارهم إياك وثقتهم فيك! فوائد حفظ السر ومضار إفشائهومما لا شك فيه أن كتمان السر يساعد على النجاح في الأعمال، ويؤمِّن السالك من أخطار الطريق، ويريح الضمير، ويحفظ للإنسان مكاسب طيبة ما دامت بعيدة عن علم الغير، ولا يتيح للمنافس أو العدو فرصة يظهر بها عليه أو ينال بسببها منه.وإفشاء السر موجب للضغينة، موقع في الحرج، مفرق بين الأحبة، مخرب للأسرة، مسبب في اضطراب الأمن، ممكِّن للعدو من النيل من الإِنسان أو الجماعة، فقد يكون عند الإِنسان ثروة لو عرف الغير سرها لأغرت اللصوص أو أكثرت الحساد عليه، وقد يكون مشروع علمي لو اطلع الغير عليه لسبقه إليه أو تخطيط حربي لو عرفه العدو لأفاد منه.ومن أجل ذلك جاء التحذير الشديد من إفشاء السر، وجاء الأمر بحفظه وصيانته، وتأمل قوله تعالى على لسان يعقوب لابنه يوسف حينما قص عليه رؤياه بسجود الكواكب والشمس له: }قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ [يوسف: 5]، ومن السنة تأمل أيضًا، قال -عليه الصلاة والسلام-: «إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس، يهوي بها أبعد مما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل على لسانه، أشد ما يزل على قدميه»([4]).وقال: «إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها».وفي الحديث أنه ﷺ‬ قال: «استعينوا على قضاء حاجاتكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود».قال علي t: (سرك أسيرك، فإن تكلمت به صرت أسيره).وقال عتبة لابنه الوليد: (من كتم سره كان الخيار بيده، ومن أفشاه كان الخيار عليه)([5]).وقال: «من استمع إلى خبر قوم وهم له كارهون، صُبّ في أُذنه الآنُك يوم القيامة»([6]).وروى أحمد بسنده عن سعدي بن المقبري قال: (رأيت ابن عمر يناجي رجلاً، فدخل رجل بينهما فضرب صدره وقال له: قال رسول الله ﷺ‬: «إذا تناجى اثنان فلا يدخل بينهما الثالث إلا بإذنهما»([7]).وحفظ الأسرار وكتمانها أمانة عظيمة، يجب الوفاء بها، وقد حثنا الشرع عليها، وحذَّرنا من فشو الأسرار والتفريط فيها، قال تعالى: }وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا{ [الإسراء: 34]، وقال تعالى: }وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{ [المؤمنون: 8]. ويقول النبي ﷺ‬: «استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان»([8]).وعلى من أُودع سرًا أن يحافظ عليه ولا يفشيه أبدًا، وإلا أصبح خائنًا، وهي صفة مشابهة للمنافق الذي إذا اؤتمن على شيء خانه، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ‬ قال: «أربع من كُنَّ فيه كانَ مُنَافقًا خًالصًا، ومَن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النِّفَاقِ حتى يَدَعَهَا: إذَا اؤتُمنَ خَانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَب، وإذَا عَاهَدَ غَدَر، وإذَا خَاصَمَ فجر»([9]).وجاء في حديث عمران بن حصين t قول النبي ﷺ‬: «... إنَّ بَعْدَكُم يَخُونُون ولا يُؤتمنُونَ»([10]).ويقول الكفوي عن عظم المحافظة على الأسرار والحذر من التساهل في التفريط فيها: (أوكد الودائع كتم الأسرار)([11]).وليُعْلم أن أمناء الأسرار عزيز وجودهم، فهم أقل وجودًا من أمناء الأموال، و(حفظ المال أيسر من كتم الأسرار)([12]).وإذا كان للسر إفشاء فإن مجالات السر كثيرة ومتعددة فقد تكون في القطاع الاقتصادي، والقطاع السياسي، والقطاع الحربي، والقطاع الثقافي وفي جميع القطاعات، وتكون في المصانع والمعامل والمتاجر، ومكاتب الحكومة، والشركات وغيرها وتكون بين أعضاء الأسرة، وفي محيط الأصدقاء والزملاء والعمال وفي جميع المجالات والأوساط وكل المستويات، فكل شيء يُحرص على إخفائه فهو سر، وإذاعته بأي وسيلة جريمة.ومن الطرائف المبكية ما ذكره اللواء ركن محمود شيت خطاب في كتابه (دروس في الكتمان من الرسول القائد) حيث ذكر حادثة جرت له فقال: لقد كنت في سيارة تنهب الأرض نهبًا في أحد البلاد العربية، فسمعت سائقها يتبجَّح بعرض معلوماته عن المطارات العسكرية وعن أوكار الطائرات الجاثمة فيها.وكان في السيارة عدد من الركاب لا أعرفهم، فما سمعت أحدًا منهم استنكر أقوال السائق وأمره بالسكوت. وحين تمادى السائق في غيِّه، حاولت أن أضع حدًّا لحديثه، ولكنه زعم أن المعلومات التي ذكرها يعرفها كل إنسان ومن المذهل حقًا أن الركاب الآخرين أَيَّدْوه في ادعائه، انتهى.وينبغي التنبيه في هذا المقام إلى أن المحافظة على الأسرار مشروطة بأن لا تؤثر في حق الله تعالى أو حق المسلمين، وإلا عُدَّ من الخيانة لحق الله تعالى أو حق المسلمين، فليس حفظ الأسرار هنا من الأمانة. السر بين الزَّوجين ووجوب صونهقال تعالى: }وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ{ [التحريم: 3]. قوله ﷺ‬: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها»، وفي رواية: «ثم ينشر أحدهما سر صاحبه»([13]).ومن وصايا العرب للعروس: ولا تفشي له سرًا، فإنك لو أفشيت سره، أو غرتِ صدره.سر البيوت لا ينبغي أن يفشى، ففي الحديث عن ثابت t أن النبي ﷺ‬ مر على أنس وهو يلعب مع الغلمان فسلم عليهم ثم بعثه في حاجة فلما أبطأ على أمه سألت عن السبب فقال: بعثني رسول الله ﷺ‬، قالت: وما حاجته؟ فقال: إنها سر، فقالت: لا تخبر بسر رسول الله أحدًا، قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك يا ثابت([14]).وسر المجلس أمانة يجب أن يصان: يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ [الأنفال: 27].وفي الحديث النبوي: «المجالس بالأمانة»([15]).وفي الحديث السابق: «إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهو أمانة»([16]).والنبي ﷺ‬ يقول: «لا إيمان لمن لا أمانة به».كما أن مجالات السر ليست على درجة واحدة ولكنها متفاوتة هناك مجالات للسر هامة وخطيرة يجب العناية بها إلى حد كبير، والخطورة تأتي إما من جهة صاحب السر، وإما من خطورة العمل والسر نفسه، وإما من خطورة الظروف والمناسبات، فِسرُّ الرجل العظيم ليس كسِرِّ غيره، وسر العمل الهام ليس كسر عمل بسيط، والسر عند الظروف الحرجة، ليس كالسر في الظروف العادية.*   *   * نماذج من كتمان السر1- لما تأيمَّت حفصة بنت عمر عرضها أبوها على عثمان ليتزوجها فاعتذر فعرضها على أبي بكر فلم يرد عليه بإيجاب أو نفي، فغضب منه أكثر من غضبه على عثمان، فلما خطبها النبي ﷺ‬ وقابل أبو بكر عمر قال له: لعلك وجدت علىَّ حين عرضت حفصة علي فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال: نعم، قال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئًا حينما عرضت علي إلا أنني كنت علمت أن النبي يذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله ﷺ‬([17]).2- لما ولى عمر بن الخطاب قدامة بن مظنون بدل المغيرة أمره ألا يخبر أحدا، فلم يكن له زاد، فتوجهت امرأته إلى دار المغيرة وقالت لهم، أقرضونا زادًا، لراكب فإن أمير المؤمنين ولى زوجي الكوفة، فأخبرت امرأة المغيرة زوجها، فجاء عمر واستأذن عليه وقال له: ولَّيتَ قدامة الكوفة وهو رجل قوي وأمين، فقال: ومن أخبرك؟ قال: نساء المدينة يتحدَّثن به، فقال: اذهب وخذ منه العهد([18]).3- قال العباس لابنه عبد الله: (إني أرى هذا الرجل – يعني عمر بن الخطاب – يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمسًا: لا تفشينَّ له سرا، ولا تغتابن عنده أحدًا ولا تجرين عليه كذبًا، ولا تعصين له أمرًا، ولا يطَّلِعَنَّ منك على خيانة([19]).4- طلب بنو قريظة من النبي ﷺ‬ أن يرسل إليهم (أبا لبابة) لاستشارته فيما عرض عليهم النبي فقاموا إليه يبكون، قال: كيف ترى لنا؟ أننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه – يقول – إنه الذبح، ثم علم من فوره أنه خان الله ورسوله، فمضى ولم يرجع إلى النبي حتى أتى مسجد المدينة فربط نفسه بسارية وحلف ألاَّ يحلَّه إلا رسول الله بيده، لا يدخل أرض بني قريظة أبدًا، ثم تركه النبي حتى تاب الله عليه فحلَّه بيده([20]).5- لما اعتزم النبي فتح مكة أمر عائشة أن تجهزه، فدخل عليها أبوها أبو بكر وهي تُعِدّ الجهاز، فقال: أي بنية أمركن رسول الله بتجهيزه؟ قالت: نعم قال: فأين ترينه يريد، فقالت: والله ما أدري، ثم أعلم النبي الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتجهيز وقال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها»، لكن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى قريش بذلك وأرسل الكتاب مع امرأة وجعل لها جعلاً فأخفته في قرون رأسها، وكان من أمره ما كان وكان من رأي عمر قتله، ولكن النبي عفا عنه لأنه من أهل بدر، ونزل في ذلك قول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ{ [الممتحنة: 1].6- ففي هذه القصة عدم إخبار عائشة أباها بمقصد النبي، ومنها دعاء النبي أن يأخذ العيون من قريش حتى يبغتها، وغضب النبي على عمل حاطب، ورأي عمر في قتله، ووعيد الله للجواسيس والعملاء.وهذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها – تضرب لنا مثالاً في أمانة حفظ السِّر، كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنَّا كُنَّا أزواج النَّبي ﷺ‬ عنده جميعًا لم تغادرْ منا واحدة، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ما تُخطئ مشيتَهَا من مِشيةِ رسول الله ﷺ‬ فلما رآها رحَّب، قال: «مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه – أو عن شماله – ثم سارَّها»، فبكت بُكاء شديدًا، فلما رأى حُزْنَها سارها الثانية، فإذا هي تضحك. فقالت لها: أنا من نسائه خصك رسول الله بالسِّر من بيننا ثم أنت تبكين! فلما قام رسول الله ﷺ‬ سألتُها عمَّا سارَّها؟ قالت ما كنت لأفشي على رسول الله ﷺ‬ سره. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك – بما لي عليك من الحق – لما أخبرتني! قالت: أما الآن فنعم. فأخبرتني قالت: أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل - u - كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني بالثانية، قال: يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة!»([21]).ولا يتوقف الأمر على أمانة حفظ الأسرار عند الرجال والنساء من الصحابة بل حتى الغلمان، فهذا أنس بن مالك t الغلام الصغير الذي يخدم رسول الله ﷺ‬ يقول: (أسر إليَّ النبي ﷺ‬ سرًا فما أخبرت به أحدًا بعده، ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به)([22]).([1]) رواه الإمام أحمد.([2]) أبو داود.([3]) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.([4]) رواه البيهقي.([5]) الإحياء (3/114).([6]) رواه البخاري عن ابن عباس.([7]) غذاء الألباب ص (296).([8]) رواه الطبراني وصححه الألباني.([9]) رواه البخاري.([10]) رواه البخاري.([11]) الكليات ص (187).([12]) أدب الدنيا والدين.([13]) رواه مسلم عن أبي سعيد.([14]) رواه البخاري ومسلم.([15]) رواه أبو داود.([16]) رواه أبو داود والترمذي.([17]) رواه البخاري.([18]) محاضرات الأدباء للأصفهاني (1/75).([19]) الإحياء (2/73).([20]) زاد المعاد (2/73).([21]) رواه البخاري.([22]) رواه البخاري.