ينبغي للمعلم والمربي الاقتداء به - صلي الله عليه وسلم - ودراسة سيرته ليأخذ منها الدروس والعِبَر فوسائل التربية متنوعة وأساليبها متعددة فهي الحياة كلها، وهذا الكتيب يبين بعض وسائل التربية السليمة.
التفاصيل
وسائل التربية السليمة الوسائل والأساليب المعينة على تحقيق التربية السليمة 1- الوعظ المباشر: 2- القصص: 3- الوقائع والأحاديث: 4- التطبيق العملي: 5- الجلسة الأسرية: 6- الثواب والعقاب: 7- المتابعة والملاحظة: 8- شغل وقت الفراغ: 9- القدوة الصالحة: 10- المناقشة والمحاورة: 11- الرسالة: 12- الاستعانة بإمام المسجد أو بأحد طلبة العلم: 13- التخويف بالله عز وجل: ووسائل التخويف بالله كثيرة منها: (أ) ذكر الموت وزيارة القبور: (ب) زيارة المستشفيات ودور النقاهة: [(ج) حثه على كثرة النوافل والتقرُّب إلى الله] (د) كثرة ذكر الجنة والنار (هـ) حثه على قراءة الكتب التي فيها قصص التوابين وذكر أحوال الموت والآخرة 14- الاهتمام بالأبناء أثناء الإجازة: وسائل التربية السليمة الوسائل والأساليب المعينة على تحقيق التربية السليمةالتربية ليست كلمة تُقال ولا موعظة تُلقى ولا محاضرة تنظم أو شريطًا يسمع أو كتابًا يُقرأ وينتهي دور المربي عند هذا الحد ويفهم المربي ما يراد منه ويعقله، فلو كانت كذلك لكانت سهلة ميسرة ولكنها أوسع من ذلك وأشمل، إن ميدان التربية الصحيحة هو الحياة كلها بوقائعها وأحداثها وأفراحها وأحزانها في الحضر والسفر والصحة والمرض وكل لحظة فهي من ميادينها الرحبة الواسعة، يجد فيها المربي اللبيب مادته التربوية لأنه يتعامل مع نفس متغيرة وقلب متقلب ومؤثرات ومعوقات.الشيطان والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلها أعدائي فإن اقتصرت التربية على الأساليب المباشرة من الأوامر والنواهي المصدرة بأفعل ولا تفعل، فهذا من قصورها. والمتأمل في سيرة المصطفى ﷺ وهو أحسن معلم وأفضل مربٍّ ﷺ كما قال عنه معاوية بن الحكم t: «فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه...» [رواه مسلم]، يرى أن تربيته ﷺ لأصحابه y لم تقتصر على الكلام المباشر والموعظة البليغة -وهو أبلغ وأفصح مَن نطق بالضاد- بل شملت جميع الحالات والمواقف في المسجد والسوق والحضر والسفر والسلم والحرب والنصر والهزيمة والحزن والفرح بل الخطأ والصواب والطاعة والمعصية بأساليب متعددة بالتصريح تارة والتلميح أخرى بالموعظة البليغة والقصة الهادفة والسؤال الذي يشحذ الأذهان وينبِّه الغافل والمثل الذي يقرب المقصود بالتطبيق العملي وهو الغالب على تعليمه ﷺ فهو القائل: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [البخاري]، «من توضَّأ نحو وضوئي هذا» [البخاري ومسلم]، «خذوا عني مناسككم» [مسلم].أما مجال الاقتداء فهو القدوة الحسنة ﷺ ]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...[ الآية [ الأحزاب: 21].ولذا أثرت هذه التربية وأخرجت -بإذن الله- جيلاً فريدًا لم يأت قبله ولن يأت بعده مثله رضي الله عنهم وأرضاهم. قال ﷺ: «خير أُمَّتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران: فلا أدري أَذَكَرَ بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا... الحديث [رواه البخاري].فينبغي للمعلم والمربي الاقتداء به ﷺ ودراسة سيرته ليأخذ منها الدروس والعِبَر فوسائل التربية متنوعة وأساليبها متعددة فهي الحياة كلها.وإليك بعض هذه الوسائل والأساليب التي نسأل الله أن ينفع بها، وما توفيقي إلا بالله. 1- الوعظ المباشر:الوعظ له أثره في النفوس إذا أحس، قال تعالى: ]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[ [الذاريات: 55]، وها هو لقمان الحكيم u يعظ ابنه كما ذكر الله عنه: ]وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ [لقمان: 13].وقد كان ﷺ يعظ أصحابه، فعن العرباض بن سارية t قال: وَعَظَنَا رسول الله ﷺ موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» [رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، ولكن للموعظة آداب منها: أن لا تكون طويلة مملَّة ولا قصيرة مخلَّة وأن يراعي فيها مناسبة الوقت والمكان والحالة وأن يقدم الأهم فالمهم ولا تكون متشعبة وإنما تكون في موضوع واحد أو اثنين على الأكثر وهذا حسب ما يقتضيه الحال، لكن كثرة المواضيع في الموعظة تشتت ذهن السامع وإن كانت الموعظة سرًّا بينك وبين ابنك فهذا أفضل خاصة إذا كنت ستذكر بعض عيوبه، فالواجب أن تكون سرًّا؛ لأن العلانية في هذا فضيحة له، وقد يكابر ويعاند ولا يتقبل منك، قال الشافعي رحمه الله:تعهدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس ضرب من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة وأقبل عليه في الموعظة ولا تنشغل بشيء كالهاتف مثلاً، فهذا يشتت عليه ويصعب عليه متابعة ما قلت له.وضع يدك على كتفه أو أمسك بكفه فهذا أحرى أن يكون معك، قال ابن عمر رضي الله عنهما: «أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» [رواه البخاري]، وعن ابن مسعود t قال: «علمني رسول الله ﷺ التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن» [رواه البخاري].ويأتي بالكلمات الطيبة: يا بني، يا حبيبي، إني أحبك إني مشفق عليك، قال ﷺ لمعاذ t: «يا معاذ، والله إني أحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» [رواه أبو داود والنسائي].وليثني عليه ويمدحه بما هو فيه من الخير كما قال ﷺ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» [متفق عليه].ولا تكثر من الموعظة وتكون هي جل تربيتك لأبنائك، بل أقلل منها وتخولهم بالموعظة كما كان ﷺ يتخول أصحابه مخافة السآمة، قال ابن مسعود t: «إن رسول الله ﷺ كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا» [متفق عليه]، فإذا كان المصطفى ﷺ يخاف على أصحابه من السآمة وهو من هو ﷺ؟! وهم من هم؟! فغيرهم من باب أولى. 2- القصص:لقد شغلت القصص حيزًا كبيرًا في كتاب الله عز وجل، وكذلك في سنة رسوله ﷺ، وذلك لما فيها من الدروس والعِبَر والعظات، قال تعالى: ]لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ...[ الآية [يوسف: 111].وقال جلَّ وعلا: ]وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ...[ [هود: 120]، والناس يحبون القصص ويصغون إلى سماعها ويتأثرون بها، فينبغي للمربي أن يستفيد من قصص القرآن والسنة ويُكْثِر من عرض ذلك على أبنائه وكذلك سير الصحابة y والتابعين لهم بإحسان من العلماء والأبطال، وكذلك من قصص الواقع مما فيه فائدة ويعرضها بأسلوب سهل مناسب لعقولهم وتفكيرهم، ويُعَلِّق على القصة ويطلب منهم ذكر الفوائد حتى يحسنوا الإنصات ويتعوَّدوا التفكير والاستنتاج. وليتجنب القصص الخيالية وغير الواقعية أو القصص المكذوبة فهذا من باب الكذب وهو محرَّم، ثم إنه يعوِّد الأبناء على الكذب واختلاق القصص ومن ثَمَّ تكون التربية على شفا جرفٍ هارٍ، وفي الحديث: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل يصدق حتى يُكْتَب عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» [متفق عليه].وكتب القصص كثيرة جدًا ومنها: قصص الأنبياء لابن كثير رحمه الله، تهذيب السيرة لعبد السلام هارون، صور من حياة الصحابة للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، صحيح القصص النبوي لأبي إسحاق الحويني. ذكر فيه خمسين قصة ثابتة عن النبي ﷺ أغلبها في الصحيحين. 3- الوقائع والأحاديث:الدنيا مليئة بالعبر والعظات ولكن القليل هم الذين يفكِّرون ويعتبرون، قال تعالى: ]وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ[ [يوسف: 105]، فعند المصيبة عوِّده الصبر، وعند الفرح والنعمة علِّمه الشكر وذكِّره الموت وما بعده من بعث وجنة أو نار، وذكره الاستعداد له، فما أتى قريبه سيأتيه، واجعل السفر دورة تدريبية وتربوية على التحمل والمسئولية فوض إليه بعض المهام ليقوم بها وعلق على ما تراه في طريقك من مشاهد وأحداث، استغل مدة الطريق في سماع الأشرطة المفيدة والمسابقات اله9ادفة مع شيء من المرح المباح، فالسفر عناء ويحتاج إلى ما يقطعه بالمزاح المباح، إذا رأيت منه خُلقًا حسنًا، وفعلاً طيبًا فشجِّعه على ذلك وعزِّز هذا السلوك في نفسه، وعندما ترى عليه خُلُقًا سيئا أو فعلاً قبيحًا فبادر بعلاجه بالتي هي أحسن، واذكر العواقب الوخيمة لو استمر على ذلك، اثن على أهل الخير والصلاح والشباب الصالحين ليقتد بهم، اربطه بواقع أمته وما تعيشه من آلام ومشاكل كثيرة في هذا العصر وبيِّن له أسباب ذلك وطريق الخلاص.والكلام في هذا يطول؛ لأنه الحياة كلها واللبيب العاقل يعرف ذلك ويحسنه ويعرف من أين تؤتى الكتف. 4- التطبيق العملي:ما أجمل العلم وأسرع فهمه وثباته في النفس إذا كان عن طريق التطبيق العملي، فتوضأ أمامه وصلِّ وهو يراك، وإذا أردت تعليمه آداب الطعام فليكن ذلك أثناء الطعام وعلى المائدة، وما أجمل بالأب أن يأكل مع أبنائه الصغار والكبار فيعلمهم آداب الطعام، فلقد علَّم النبي ﷺ عمر بن أبي سلمة آداب الطعام وهو على المائدة، قال عمر بن أبي سلمة t: كنت غلامًا في حجر النبي ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله ﷺ: «يا غلام، سَمِّ الله، وكُل بيمينك، وكل مما يليك»، قال: فما زالت تلك طعمتي. [متفق عليه].وجلسة الطعام جلسة تربوية غير مباشرة، فالأب يأكل بيمينه ويسم الله والأولاد يقتدون به، فلابد من الأكل مع الأسرة ولو وجبة واحدة في اليوم. وتعليمهم آداب النوم، يكون ذلك داخل غرفة النوم بل على سرير النوم. وتعليم أحكام وآداب الصيام عند قرب رمضان، وهكذا تعليم كل أمر في وقته ومناسبته، فذاك أدعى لفهمه وإدراكه، ويكون ذلك بالتكرار حتى يعقل المتربي ذلك ويتقنه، أما المحاضرة في آداب الطعام أو النوم فقليل من يعقلها خاصة من الصغار. 5- الجلسة الأسرية:وهذه مهمة جدًا قلَّ مَن يطبقها، فالأب منشغل في دنياه ولهوه إن كان من أصحاب اللهو، أما الدعاة وطلبة العلم فقليل مَن يطبِّقها لانشغالهم في الدعوة والتعليم، وهذا خير، ولكن لأهلك عليك حق. فلابد من تخصيص جلسة يومية إن أمكن ذلك وإن تعذَّر فما أقل أن تكون جلستين أو ثلاث جلسات أسبوعية تأخذ طابع البساطة وعدم التكلف، فليست جلسة درس أو محاضرة، وإنما جلسة ودٍّ ومحادثة ولها أثرها التربوي إذا أحسن المربي التعامل معها وأفسح المجال للأبناء في الكلام والتعبير عما في النفس وعما شاهدوا في يومهم من أحداث ووقائع، فبذا يستطيع المربي اللبيب أن يفهم نفسيات أبنائه ومواهبهم وأفكارهم ويصحح الخطأ ويعزز السلوك الحسن، وللأب فيها مداخلاته وقصصه الهادفة وكلماته النيِّرة. وإن استغل بعض وقت الجلسة لا كله في قراءة كتاب سهل ممتع مفيد أو سماع شريط محبب للنفوس مما يفيد، فهذا نور على نور، وإلا فالجلسة في حد ذاتها مفيدة؛ لأنها جلسة تربوية غير مباشرة في أسلوب جلسة مرح ومسامرة. 6- الثواب والعقاب:الثواب لمن أحسن والتشجيع والثناء الحسن والجائزة القيِّمة ونحو ذلك مما يعزِّز السلوك الحسن.والعقاب في أصوله الشرعية لمن ساء خُلُقه أو فعله، يقول ﷺ: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» [رواه أبو داود بإسناد حسن]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه لهم أدب» [صحيح الجامع الصغير]، وإن للضرب آدابه وضوابطه (وقد كتبت في ذلك في كتاب الرحمة بالأطفال من المنظور الشرعي) وليس العقاب مقتصرًا على الضرب بل الهجر والحرمان من الجائزة أو من الرحلة أو من اللعب ونحو ذلك، يعتبر في حق الصغار عقابًا. 7- المتابعة والملاحظة:المتابعة للابن في سلوكه وأصدقائه ومدرسته ونحو ذلك بطريق مباشر أحيانًا ليعلم الابن أن والده مهتم به ومتابع له، وغير مباشر في بعض الأحيان حتى لا يفقد الثقة ويرى أنه مراقَب في كل تصرفاته، وهذه تحتاج إلى فطنة من الأب والأم وحكمة. 8- شغل وقت الفراغ:شغل وقت فراغ الأبناء بما يفيدهم ويشغلهم عما يضرهم وذلك بإيجاد مكتبة تحتوي على كتب مفيدة للأبناء وتراعي مستوياتهم، وكذلك أشرطة مما يفيد ويشجع الأبناء على الاستفادة من هذه المكتبة، وتحبب إليهم القراءة فهي خير ما يقضون فيها أوقاتهم وكذلك توفير بعض الألعاب المسلية والمفيدة والتي لا محظور فيها؛ لأن الأب الناصح لأبنائه قد منع عنهم وسائل الفساد فلابد أن يوجد البدائل المفيدة، وإن أمكن إيجاد ملعب في المنزل فهذا سيشغلهم عن الشارع وأضراره.ومن المقترحات في هذا: لو اجتمع أهل الحي وتعاونوا على شراء استراحة توضع فيها الألعاب المسلية المباحة، ويتناوب الآباء أو الإخوان الكبار في مراقبة أطفالهم في تلك الاستراحة وتزاول بعض الأنشطة المفيدة، فهذا له أثره في تربية الأبناء وحفظهم عن الشوارع وقرناء السوء.إن أمكنك أيها الأب أخذ أبنائك معك في كثير من أعمالك وزياراتك فهذا فيه فوائد لهم منها: إشغالهم عن الشارع، وتجد الفرصة في إسماعهم بعض الأشرطة في السيارة أو الحديث معهم فيما يقوِّم سلوكهم، أو يرون منظرًا في الشارع فتعلق عليه بما يصحح تصوراتهم بل من الممكن تسميع ما حفظوه من القرآن في المدرسة وحلقة التحفيظ وأنت في السيارة ونحو ذلك من الفوائد. 9- القدوة الصالحة:أيها الأب: كن قدوة لأبنائك في دينك وخلقك وفي المسارعة إلى امتثال أمر ربك والبُعد عما نهاك الله عنه، سارع إلى الصلاة حين سماع الأذان وأمُر أبناءك بالمسارعة.وأنت أيها الأم المباركة: كوني قدوة لبناتك في امتثال أمر ربك في الحجاب والحياء والبُعد عن الرجال والقرار في البيت تطبيقًا لقوله تعالى: ]وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى[ [الأحزاب: 33]. فما أحوج الأبناء والبنات اليوم إلى القدوة الصالحة والأسوة الحسنة الذي يقول ويفعل فيكون لقوله وقع وتأثير، أما إذا طالبنا أبناءنا بأمور ولم نفعلها ونهيناهم عن أمور ووقعنا فيها فسيقل أثر تلك الأقوال التي لم تؤيدها الأفعال، وسيكون لسان حالهم «لو كان خيرًا لسبقونا إليه». 10- المناقشة والمحاورة:إذا رأيت على ابنك خطأ في السلوك فلا بد من وعظه، وقد يحتاج الأمر إلى مناقشة ومحاورة ومجادلة يقتنع بها، وهذا أسلوب يختلف عن الموعظة، فالموعظة تتكلم وينصت إليك، أما المناقشة فلابد أن تطرح عليه أسئلة تطالبه بالإجابة عليها، ولكل مقام مقال، والأحوال تختلف وعلى سبيل المثال لو وقع في التدخين فتوجه له عدة أسئلة:س1: هل التدخين مفيد؟ سيقول لك: لا.س2: ما هي مضاره؟ قد يذكر بعض المضار، وليكن عندك إلمام بهذا حتى تبين له المضار أكثر.س3: لماذا تدخن؟س4: هل التدخين محرم؟س5: هل تحب أن تموت وأنت تدخن؟س6: هل تحب أن يراك أحد من جماعتك وأنت تدخن؟وغير ذلك من الأسئلة التي تجعله يجيب عنها من واقع فطرته بعيدًا عن العناد والاستكبار.ثم في النهاية تعظه وتدعو له بالتوفيق وأن الله يحفظه من ذلك، وقد تقدِّم له شريطًا أو كتيبًا في هذا الموضوع ليسمعه بعد ذلك ويزيده قناعة، وإليك هذه المحاورة من رسول الله ﷺ مع شاب مغرم بالزنا جاء إلى النبي ﷺ ليأذن له بالزنا، وبعد محاورة منه ﷺ ذهب هذا الشاب وإن الزنا من أبغض شيء إليه.عن أبي أمامة الباهلي t قال: «إن فتى شابًا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل عليه القوم فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك، قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع النبي ﷺ يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» [رواه الإمام أحمد]. 11- الرسالة:قد تكثر على الابن في الوعظ أو المحاورة والمناقشة فلا يجدي ذلك شيئًا، فالجأ إلى أسلوب آخر وهو الرسالة، فاكتب له رسالة ضمنها عبارات الحب والنصح والإشفاق والرحمة، ثم اكتب ما تريد وعظه به.وقد يتطلب الأمر أن تستفيد من أحد طلبة العلم في صياغتها لك. واختمها بالدعاء ثم اجعلها في ظرف مغلق واذكر له أنه لم يطلع عليها أحد، ثم سلمها له وانصرف ليقرأها على مهل في الوقت الذي يفرغ فيه، فإنه سيقرأها من باب حب الاطلاع وسيتأملها بعيدًا عن الحوار المباشر الذي قد يعاند فيه ويكابر، وهذا أسلوب مجرب ومفيد بإذن الله. 12- الاستعانة بإمام المسجد أو بأحد طلبة العلم:ليقوم بنصح الابن إذا لم تُجْدِ نصائح الأب دون أن يشعر الولد بذلك، وعلى هذا الأسلوب دَرَجَ السلف رحمهم الله في الطلب من أهل الخير والصلاح وعظ أبنائهم، ذكر أبو نعيم في «الحلية» في ترجمة سفيان الثوري رحمه الله: «أن امرأة جاءت إلى سفيان فشكت عقوق ابنها وقالت: يا أبا عبد الله، أجيئك به تعظه؟ فقال: نعم جيئي به، فجاءت به فوعظه سفيان بما شاء الله، فانصرف الفتى فعادت المرأة بعدما شاء الله فقالت: جزاك الله خيرًا يا أبا عبد الله، وذكرت بعض ما تحب من أمر ابنها ثم جاءت بعد حين فقالت: يا أبا عبد الله ابني ما ينام الليل ويصوم النهار ولا يأكل ولا يشرب، فقال: ويحك مم ذاك؟ قالت: يطلب الحديث، فقال: احتسبيه عند الله» [الحلية (7/65، 66)]. 13- التخويف بالله عز وجل:فمن خاف الله عز وجل وعظَّمه فعل الطاعات وترك السيئات، يقول ﷺ: «مَن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» [صحيح الجامع برقم 6222]. ووسائل التخويف بالله كثيرة منها: (أ) ذكر الموت وزيارة القبور:قال ﷺ: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات، يعني الموت» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن]، فينبغي للمربي كثرة ذكر الموت، ليعظ نفسه ويعظ أبناءه يذكر لهم من مات من أقاربهم وأن الموت نهاية كل حي ويأخذ أبناءه معه إلى المساجد التي يصلي فيها على الأموات ويذهب معهم إلى المقبرة، قال ﷺ: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين» [متفق عليه]، وفي رواية للبخاري: «كل قيراط مثل أُحُد». فهذا أجر عظيم تحصل عليه أنت وأبناؤك مع ما يحصل من الموعظة وترقيق القلوب، وتذكر الآخرة، قال ﷺ: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» [صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 3577]. (ب) زيارة المستشفيات ودور النقاهة:وذلك ليتذكر نعمة الله عليه بالعافية فيشكر الله جل وعلا. [(ج) حثه على كثرة النوافل والتقرُّب إلى الله] وتعويده على الوتر وصلاة الضحى قبل أن يذهب إلى المدرسة، والنوم على طهارة وتعويده على صيام النوافل ولو بعض الأيام خاصة صيام الست من شوال ويوم عرفة ويوم عاشوراء، وإن صام ثلاثة أيام من كل شهر فهذا صيام الدهر. قال ﷺ: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» [متفق عليه].وتلاوة القرآن، وما أقل أن يختم كل شهر ويعوِّده الصدقة، وحثه على الذِكْر والورد في الصباح والمساء، وأعمال الخير وطرق الخير كثيرة ولله الحمد. (د) كثرة ذكر الجنة والنار وما في الجنة من نعيم نسأل الله من فضله، وما في النار من عذاب وجحيم نعوذ بالله من ذلك، ويوصى بقراءة كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن القيم رحمه الله. (هـ) حثه على قراءة الكتب التي فيها قصص التوابين وذكر أحوال الموت والآخرة ونحو ذلك مما يرقق القلوب ويوصى بقراءة كتاب (التذكرة في أحوال الموت وأمور الآخرة للقرطبي رحمه الله، وسماع الأشرطة التي يمتاز أصحابها برقة القلوب وحسن الوعظ. 14- الاهتمام بالأبناء أثناء الإجازة:كثير هم الآباء الذين يهتمون بأبنائهم أثناء الدراسة وتزداد الأهمية أثناء الاختبار، ولكن إذا جاءت الإجازة أهملوا ولسان حالهم نجح الولد والحمد لله، فليستمتع بإجازته، وعاش الابن فراغًا كبيرًا لا يجد من يوجهه ولا من يستثمر وقته فيما ينفعه، فقضاه في الشوارع أو الاستراحات أو المقاهي ونحو ذلك وتلقفه قرناء السوء فعلموه ودربوه خلال هذه الإجازة على ما لم يكن يعرف من وسائل الشر والفساد، فلهذا أصبحت الإجازة موسمًا من مواسم انحراف كثير من الشباب كما قال ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ» [البخاري]، ولذا لابد من الاهتمام بالإجازة أكثر من أيام الدراسة لأن الابن أثناء الدراسة مشغول بها وأثناء الإجازة يشعر بالفراغ الكبير، فإذا لم يهتم به ويوجه هذا الفراغ إلى ما ينفعه فهو مغبون تعود عليه الإجازة بالخسارة، وإليك أيها الأب الكريم بعض الأمور التي يمكن أن توجه أبناءك إليها أثناء الإجازة:1- حلق تحفيظ القرآن الكريم، فهي خير ما تقضي فيها الأوقات وتفنى فيها الأعمار، وأعظم وسيلة بعد توفيق الله يتربى فيها الأبناء، وإذا لم يوجد حلقات فوجه الابن لحفظ شيء من القرآن يوميًا وشجعه على ذلك وسمَّع له يوميًا وأعطه الجوائز على ذلك وما أنفقت مخلوف بإذن الله.2- المراكز الصيفية، وهي تلك المراكز التي تفتح في بلادنا أثناء الإجازة وتشرف عليها وزارة المعارف ويقوم عليها أهل التربية من الرجال الصالحين الذين يحملون هَمَّ الدعوة وتربية الشباب نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدًا. فشكر الله لهم وجزاهم عنا وعن أبنائنا خير الجزاء.3- توفير مجموعة من الكتب والأشرطة المفيدة، وتكليف الابن بالقراءة والسماع، وتسأله بعد ذلك، وتعطيه جوائز على ما فهم وما استفاد منه.4- توجيه مَن استطاع منهم العمل وتيسر له أن يعمل في شركة أو دائرة حكومية أو محل تجاري يكتسب منه ويحفظ وقته عن الفراغ القاتل للشباب، قال عبد الله بن مسعود t: «إني لأكره أن أرى الرجل فارغًا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة» [الحلية لأبي نعيم (1/130)].5- توجيه الابن لتعلم شيء من الصناعات المفيدة والحرف المهمة، كتعليم الحاسب الآلي أو السباكة أو الكهرباء أو النجارة ونحو ذلك من المهن التي يستفيد منها وتقطع عليه وقت فراغه، وقد قيل: «صناعة في اليد أمان من الفقر».6- أخذ الأب ابنه معه إذا كان عنده محل تجاري أو عمل يمكن للابن مساعدته فيه.7- السفر إلى مكة والمدينة شرفهما الله أو إلى غيرهما من المصائف في بلادنا مع المحافظة على الآداب الإسلامية وأداء الواجبات الشرعية.8- بالنسبة للبنت، فإنها توجَّه إلى الدور النسائية لحفظ القرآن الكريم إن أمكن ذلك، ويوفر لها مجموعة من الكتب والأشرطة التي تهتم بالمرأة وتبين ما يكاد لها من أعداء الإسلام والكتب التي تفقهها في دين الله وما يتعلق بأمور النساء، وقصص الصحابيات رضي الله عنهن وسيرة النبي ﷺ، وننبه إلى كتاب «صور من سير الصحابيات» تأليف عبد الرحمن السحيباني، وتوجه للأعمال المنزلية من طبخ وتعليم خياطة ونحو ذلك مما يفيدها وتقضي به وقتها.هذه بعض الوسائل لقضاء الإجازة والاستفادة منها، وكل له ظروفه وإمكانياته، ولكن المهم في ذلك أن نعلم جميعًا خطر الإجازة وخطر الفراغ على الشباب والفتيات، فإذا عرفنا ذلك واهتممنا له وفكرنا كيف نقى أبناءنا هذا الخطر سهل الله لنا الكثير من الوسائل، وكما قيل: «الحاجة أم الاختراع».والله جل وعلا ييسر الأمور ]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[ [الطلاق: 2، 3]، ]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[ [الطلاق: 4]. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.