إلى كل مهموم... إلى كل مكروب... إلى كل خائفٍ من المستقبل... إلى كل باحثٍ عن وظيفة وُأ ْ غلِقت في وجههِ السُّبُل... إلى كل مَن أظلمَت الدنيا في عينيه من الخوف من الآتي... إلى كل مَن تعلَّق بالدنيا ونسي اُلمنْعِم... أهدي هذه الكلمات.....
التفاصيل
عِشْ بِلا هَم إهــداء إهــداء خــاص «هَزَّني الشوق» تجــربـة أطـــوارًا تقليب المواجع ترياق الهموم لـمــاذا؟ لا لبنَ بلا بقرة أي المستقبلين؟ اعتراض عِشْ بِلا هَممحمد بن سرار اليامي إهــداءإلى كل مهموم...إلى كل مكروب...إلى كل خائفٍ من المستقبل...إلى كل باحثٍ عن وظيفة وأُغْلِقت في وجههِ السُّبُل...إلى كل مَن أظلمَت الدنيا في عينيه من الخوف من الآتي...إلى كل مَن تعلَّق بالدنيا ونسي المُنْعِم...أهدي هذه الكلمات.....محبكعشْ بِلا هَمّأطرقِ البابَ تجدنا عندهُ بسخاءٍ وببذلٍ وكَرَمْ... لا تقل قد أُغْلِق البابُ ولا تحملِ اليأسَ فَتُلْقَى في ندمْ... * * * * إهــداء خــاصإلى كل مَن عاش بعيدًا عن الهموم..بعيدًا عن الغموم..إلى كل من أَنِسَ بِحِلَقِ الذِّكر والقرآن...فأصبحَ في دنياهُ من أهل السعادة...أُهْدِي هذه القصيدة* * * * «هَزَّني الشوق»ألهبوا مهجتي وزيدوا شكاتي واتركوني من ريشتي ودواتي وهلموا إلى فؤادٍ مُعَنًّى هزهُ الشوقُ والضنى من شكاتي وهبوني صبرًا مع الصبر إني أتحسى كؤسهُ المترعاتِ ثم فكوا على البيان لساني ليصوغَ النوادر المبدعاتِ ودعوني من ذكر لُبنى وليلى ودعوني من أجمل الفاتناتِ ودعوني أصوغُ بالقلبِ شعري وتُحلي أبياتهُ ذكرياتي حدثوني عن خير جيل تقضى حدثوني عن سيفهم والقناتِ حدثوني عن جِدهم عن هداهم حدثوني على طريق الثباتِ حدثوني عن ثورةِ الحبِّ فيهم وضحايا المدامع الساكباتِ حدثوني عن أهل فضلٍ عظيمٍ حدثوني عنهم فهم قدواتي حدثوني عن بذلهم عن تُقاهم حدثوني عنهم بكلِّ اللغاتِ حدثوني فهم مصابيح دربي وشموسٌ من الهدى ساطعاتِ كم جهود تعجبَ الدهرُ منها ومضاء في صفحة الخالداتِ كم قيام لليل، كم من دعاء كم دموع على خدودهم مهرقاتِ كم سياق على بساط بلالٍ كم جراح في جسمهِ قاتلاتِ كم دموع تُهراق من عين أُمٍ كم شهيد على ثرى المكرماتِ يُحجم الحرفُ عن بيان معانٍ.. .. ومعانٍ في أضلعي كامناتِ ريشتي تشتكي، وحبري، وقلبي ولساني يعدو مع العادياتِ وحروفي تأن من فرط وجدٍ باكيات من وجدها بالياتِ والسرابُ... السرابُ يُفضي إلينا حينما غابَ جانبُ القدواتِ يا ربّ قد أذنبت فاقبل توبتي مَن يغفر الذنب العظيم سواك ألمح الجيلَ تارةً فأولي.. عينُ حُزني تكفكفُ العبراتِ أنثني والسؤال يلطم وجهي أين أهل القرآن والدعواتِ؟! أين أحفاد مصعب وعمير! أينَ أهلُ القيام في الشاتياتِ! أين أهل الإيمان سادوا بعزٍّ في طريق الجنان والصالحاتِ! أين أهل القرآن... هل تاهَ منهم مشعلُ الحق في دُجى الظُلماتِ؟! أين أهل القرآن... في حملِ هَمٍّ؟ أين منهم معالم دارساتِ؟! أين بذلٌ لدعوةٍٍ؟! أين علمٌ؟ أين دمعٌ وأعينٌ باكياتِ؟! أين أهل القرآن في بذلِ خيرٍ وخضوع لخالق الكائناتِ؟! إنه الله جَلَّ شأنًا وحسبي إنه الله سلوتي في صلاتي... فيُجيبُ الزمانُ رفقًا فإني قد وجدتُ المطلوبَ في الحلقاتِ... سطر طرسها ونظمها: محمد اليامي. (22/6/1423هـ).* * * * تجــربـةوجدتُ أنَّ أكثرَ ما يهِمُّ الناسفي زماننا... التخوُّف من المستقبلوإعمالُ الفكر في الجوانب المادَّيةوالتعلُّق بها تعلُّقًا مَقِيتًا...فعلمتُ أنَّ لهذه الأسبابفوةً فاعلةً في زيادة الهموم..، والغموم..بل هي ركيزةٌ أساسية من ركائز الهَم... عند الكثير...فكيف إذن تعيشُ بلا هَم... جَرِّبْ... ولو مرة...* * * * أطـــوارًاالحمدُ للهِ رب العالمين، معز من أطاعهُ واتَّقاه، ومُذِل مَن خالَف أمرهُ وعصاه..والصلاة والسلام على عبد الله ونبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه..وبعد..فإن فؤاد أحدنا ليرفرف...ومشاعرهُ تهتزُّ...وبدنهُ يقشعِرُّ...إذا ذُكِرَ المستقبل...؛ وما يكتنفهُ من هموم، وآمال... وطموحات...؛ وما ينغصهُ من آلام، وأكدار...وأنا في هذه الرسالة أحاولُ أن أبحث عن دواء يهدئ الأعصاب، ويريح البال، من كثرة البلبال...، وحتى أتخلَّصَ من قول الشاعر:يا يليَّ البالِ.. بالبلبالِ قد بلبلتَ بالي... بالنوى زلزلتني... والعقلُ بالزلزالِ زالِ... وهو ما يحدث للنفس حين تعلُّقها بما يسمى «المستقبل الوظيفي» أو «العائلي» أو «المادي».. من رهبة وقلق، وأرق...وأنا في هذه الوريقات أُحاول أن أضعَ حلولاً ومقترحات؛ عَلَّ الله جَلَّ وعَزَّ أن ينفعني وكل قارئ بما نقول ونسمع، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه...أيها المبارك:إن المتأمِّل في أطوار الحياة يجدها على ثلاثة أطوار...:* فطَورٌ مضى.. ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ فلا تأسى عليه، ولكن جدِّد حياتك بتجديد أهدافك ووسائلك المشروعة وطموحاتك وهِمَّتك...* وطَورٌ أنت فيه... «ولكَ الساعةُ التي أنتَ فيها...»... نعم لك... هذا الطور...، وهو جديرٌ باهتمامك واجتهادك وجدك... بل بالصبر والبذل والإبداع والتميز...ما مضى فاتَ والمؤملُ غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها... * وأما المستقبل... فعلمه ﴿عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ﴾...نعم هو من الغيب، ومِنَ الجهلِ إعمالُ العقل في أمور لم تقع بَعْدُ... لو وقعت كيف تكون؟!إن هذا من صرف الطاقات، وتضييع الأوقات.. إي وربي، ولقد بيَّن ذلك عقلاء الناس ونادوا به، ودعوا لقاعدة من قواعد السعادة في الحياة... وهي «يومك... يومك»...أيها المبارك:إذا أردت النجاح، والتميز...، والتقدُّم؛ فعليك بهذه القاعدة العظيمة: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء...، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح...».فقسم ساعات يومك على أعمالك، وجد واجتهد في اغتنام الدقيقة؛ فإن يومك مزرعة لغدك...أعِدَّ نفسك في هذا اليوم... لذلك اليوم..، وارض بالرزق، والوظيفة، والمستوى، وأحسِن ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾...وصدق من قال: «إذا أكلتَ خبزًا حارًا شهيًا هذا اليوم؛ فلا يضرك خبز الأمس الجاف الرديء؛ ولا خبز غدٍٍ الغائبَ المنتَظر». اهـ.فقلها بأعلى صوتك... نعم.. قلها مدويةً... «أنا لن أعيشَ إلا في حدود يومي»...ففيه... أُحقق أمر ربي جل وعز.وفيه.. أعطي كل ذي حق حقه..وفيه أزرعُ لأحصدَ غدًا...أيها المبارك:اترك المستقبل حتى يأتي، فإن أتى تجشَّم له...، واعمل فيه...، وبادر قبل أن تُبَادَر... ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾.لا تسْبِق الأحداث، فتأخذ البيضة من بطن الدجاجة...؛ والثمرة وهي مُرَّة...فإن الثمرة لا تُؤْكل قبل النُّضج، وإن البيضة لا تؤخذ قبل الخروج...، وإن النار لا تدفئ حتى توقد...؛ والبيتُ لا يدخل حتى يفتح...ثم إن فتح كتاب الغيب يولِّد شرودًا للذهن وشحنًا للعقل بما لا طائل من ورائه...، بل يولِّد همومًا وغمومًا متكالبة، ومخاوفَ متراكبة من المستقبل الآتي، ومن تأمينه... وليس هذا في اعتقادي إلا من عمل البطالين...فإذا جلست على أريكتك وتوقَّعتَ البرد، ثم توقعتَ الحَرَّ، ثم توقعت الجوع، ثم تخيَّلت الموت، وأن هذا كله بعد يوم أو يومين أو ثلاثة عشت في أسوأ حال...بل صاحبك القلق والهَمُّ والحزن طيلة عمرك...فلا تبكي لأنك قد تجوع بعد زمن، أو تمرض بعد عام، أو تموتُ بعد فترة..، أو أن العالم سينتهي بعد كذا وكذا... فهذه مصيدةٌ شيطانية لصرف العباد عن المُراد... ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.فاترك المستقبل حتى يقبل؛ فأنت في شغل عنهُ بيومك... فإذا أتى... فاهتبل الفرصة؛ فإنها قد لا تعود... تقليب المواجعإن مطالعة صحائف العمر التي مضت، وتقليبها، فيه تقليبٌ للمواجع، واستحضار للهموم، وجَلبٌ للغموم..، وهدمٌ لليوم الحاضر، والغد المشرق بمعول الآلام...فَهل يستجلبُ الهموم عاقل؟وهل يطرد السعادة لبيب؟والزبدة:* أن إعمالَ الفكر فيما مضى بُلهٌ، وحمق، وجنون، وعته...* وإعمالُ الفكر فيما يأتي ويُستقبل جهلٌ وتهورٌ، وركون...* وإعمالُ الفكر فيما أنت فيه هو الحق، والصدق، ففيه النجاح والفلاح، والتقدُّم... بإذن الله جل وعز... في الدارين...* * * * ترياق الهمومبالتوكُّل على الله جَلَّ وعز وحُسن الاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه تجد راحةً من هَمِّ المستقبل... وانفراجًا في الخاطر، وراحة للنفس...يقول جلَّ وعز: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وفي «الصحيح»: «لو أنَّكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكله؛ لرَزَقَكُم كما يَرْزُق الطير؛ تغدوا خِماصًا، وتروحُ بِطًانًا...».وبعد التوكُّل ([1]) وحُسن الاعتماد على الله، أقول:اليقين بأن الرزق مقسوم، وأن الأجل بيد الملك جل وعز... ولن يصيبكَ إلا نصيبك...لو كان في البحر صخرةٌ ململمةٌ في البحر راسيةٌ ملسٌ نواحيها... رزقًا لعبدٍ براها الله لانفلقت حتى تؤدي إليهِ كُلَّ ما فيها... وقول الله أعلى وأجل: ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾... ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.... ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ...﴾...ذَكَرَ شيخ الأدباء، وأديبُ المشايخ: علي الطنطاوي رحمه الله عجيبةً من العجائب، وغريبةً من الغرائب..؛ أتركك – أيها المبارك – معها، فإلى كلامه رحمه الله.قال: «حدثني الشيخ: صادق المُجدي رحمه الله الذي كان من علماء أفغانستان الكبار، والذي كان عميدًا للسلك الدبلوماسي في مصر أيام الملكية زمنًا طويلاً:أنهُ كلف يومًا بمهمة رسمية في البلاد الروسية... فخاف ألا يجد فيها لحمًا ذبحه مسلم...فأمر فذبحت له دجاجتان كانتا في داره، وطبختهما زوجتهُ، ووضعتا في سفره – والسُّفرة في الأصل زاد المسافر – حملها معهُ لتكون طعامهُ، فلما وصل، وجد في المدينة مسلمين، ودعاهُ شيخٌ مسلم – يعرفه صالحًا – إلى الغداء، فاستحيا أن يحمل الدجاجتين معه، ووجد على الطريق أسرةً مسلمة فقيرة دلوهُ عليها، فدفع الدجاجتين إليها...فما استقرَّ به المقامُ حتى جاءتهُ برقية بأن المهمة قد أُلغيت؛ وأن عليه الرجوع إلى أفغانستان؛ فكأنَّهُ ما سافر هذه السفرة ولا قطع هذه المسافة – ألفي كيل – ولا حمل هذه المشقة إلا لأن الدجاجتين اللتين كانتا ملكهُ، واللتين طبختهما زوجتهُ؛ لم تكونا رزقهُ بل كانتا رزق هذه الأسرة المسلمة في الأرض التي ابتليت بحكم الشيوعيين» فترةً من الزمن...إذًا... فالرزق مقسوم...، والأجَلُ عند ربي في كتاب؛ لا يضلُّ ربي ولا ينسى... فلماذا الهَمُّ والحزن والقلق...؟! لماذا؟!ثم إن تفقُّد الإيمان، والسعي في زيادة معدلاته في القلب مطلبٌ من مطالب الطمأنينة والأمن النفسي؛ إذ إن ضعف الإيمان من المُخَوِّفاتِ من المستقبل ولا ريب([2])..ومن أنجع الأدوية وأحسنها «التفاؤل»... فإنهُ طريق النجاح... هو المفرحُ للنفس الدافع لها على تجشُّم الصِّعاب، قال المعصوم - صلى الله عليه وسلم - فيما صحَّ عنه: «ويعجبني الفأل»... هو «الكلمة الطيبة»، المعينة للنفس على تحمُّل المشاقِّ والمهام...أيها المبارك:إن سحائب الفأل تمطر على قلوب أهل الإيمان سعادةً ورضى، ويقينًا بموعود الله... بل هو مدعاةٌ للعمل الجاد المثمر الدؤوب...فاعمل في حدود يومك... وحقِّق لموعك وتميزك وإبداعك وثابِر بصدق عزيمة، وجُدَّ واجتهد.. وأخلص لربِّ العرش واتبع رسولهُ - صلى الله عليه وسلم -... وحقِّق نجاحاتك اليومية المباركة... نعم...حقِّقها مع ربك.. ثم مع الخلق... ثم مع النفس؛ لتكون فاعلاً في أمَّتك... فإن الحقوق كثيرة... لـمــاذا؟قد يقول قائل: لماذا الخوف مما يُستقبل؟: لماذا القلق على المستقبل؟: لماذا...؟: لماذا...؟فأقـول:هو عالمٌ غيبيُّ مجهول بالنسبة لعقولنا الضعيفة؛ ولذا فإن الأسلم هو عدم التفكير فيه، وترك تمنيه، والبُعدُ عن الخيال؛ فإنهُ خَبال...، والعملُ الدؤوب المثمر على أرض الواقع، وكُلُّ ما هو آتِ آت...؛ والأماني بضائع المفاليس...ثم إن التعلُّق بالجانب المادي في حياة كثير مِنَّا، والجُنوح الرهيب نحو الدرهم والدينار- أمرٌ يجعل الكثيرين يتخوفون من المستقبل، ويجعلونهُ مَحَطَّ أفكارهم ونسوا: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾، ونسوا: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.. ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾...بل يردِّدون على ألسنتهم كالببغاوات:* كيف أجدُ فرصةً للعمل؟* كيف أُحَسِّنُ دخلي الشهري؟* كيف أعيشُ غدًا؟* كيف...... ؟ وكيف ...؟ثم تكون هذه الأسئلة الببغاوية مَدْخَلاً عظيمًا على النفس؛ لتعليقها بالتوقعات، والظنون، والتخيلات، والمغيبات المستقبلية...ثم تبدأ «الهلوسةُ»، والهلعُ والقلق على المستقبل...* كيف أعيش غدًا؟* كيف آكلُ، ومن أين؟* كيف أشربُ، ومن أين؟* كيف أسكن، ومن أين؟* كيف أتزوجُ، ومن أين؟* كيف أنام؟وكيفَ، وكيفَ... في عالمٍ عميقٍ، وكَمٍّ هائلٍ من «الكيفات» القاتلة للطموح، والإبداع واللموع والإنتاج...فلا يكونُ الجواب إلا في جلسة طويلة مع طبيب نفسي، في مستشفى الأمراض العقلية، وبعد تناول علاج مهدئ للأعصاب...أيها المبارك:اعلم أن مستقبلك ليس في هذه الدنيا الفانية... نعم... أنا لا أقول: اجلس ولا تبذل، ولا تتطور، ولا تتقدَّم... لا... وألفُ لا..ولكني أقول: لا تجعل الدنيا أكبر همك... فتعيش في هَمْ.. لا لبنَ بلا بقرةإن الأخذَ بالأسباب المشروعة لا ينافي التوكُّل على الله جلَّ وعز... نعم لا ينافي تفويض الأمر إليه سبحانه...فلابُدَّ للصياد من شبكة يصيد بها... وصَدَقَ مَن قال:كل مَن في الوجود يطلبُ صيدًا غير أن الشِّباك مختلفاتِ وبذلُ السبب منهج إيماني، وهو لا يتنافى مع صدق الاعتماد على الله جلَّ وعز في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة بالله سبحانهُ وتعالى([3])..وتركُ السبب سفهٌ وجنونٌ وعَتَه؛ فكيف يأتي اللبن بلا بقرة؟!وكيف يأتي الضوء بلا شمس؟! وكيف تأتي الحلاوةُ بلا ذوق؟!أيها المبارك:إن اعتمادك على الأسباب والتعلُّق بها في جلب النفع أو دفع الضر فيه كفرٌ بنعمة المنعم جلَّ وعز...؛ وقلَّة أدب معهُ سبحانه، وتعلقٌ بغيره... بل هو الضلالُ والضياع... عياذًا بالله.﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾. وفي الحديث... «ومَن تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه»([4]).إذًا:فمنهج المؤمن... هو التوكُّل على الله جلَّ في عُلاه مع بذل السبب المأذون فيه شرعًا، واعتقاد أن جلب النفع ودفع الضر بيد الله جلَّ وعز... ﴿ألا له الخلق والأمر﴾؛ ﴿قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا﴾... «لا مالك إلا الله»... ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون﴾([5]).* * * * أي المستقبلين؟وبعد ذلك أبها المبارك، أخلصُ نجيًا أنا وأنت وأقول لك:أي المستقبلين تريد؟إن الطالب حين تَخَرُّجه يُشغلُ ذهنهُ وفكرهُ بتأمين مستقبله – زعموا -...ويحرصُ على جمع أكبر قدر من إمكانياته لضمان وظيفةٍ جيِّدة له... تُدرُّ عليه دخلاً جيِّدًا يعينهُ – بعد الله – على بناء مستقبله...، وبناء منزله، وزواجه.. و... و... و...كُل هذا حرصًا على همومنا الدنيوية.. وعندما ينظر أحدنا بعين البصيرة يجد أن هناك مستقبلاً عظيمًا أبديًا سرمديًا ينتظرهُ..أيها المبارك:إن مستقبلك الحقيقي سيكون غدًا بين يدي جبار السماوات والأرض..إن خيرًا فعلت.. فاحمد الله، واثبت وزد واستمر في تميُّزك بامتثال أمر ربك لتنجَحَ وتُفلح..وإن كان غير ذلك... فاجهد، وجُدَّ واجتهد لطلب النجاح الأبدي، والفوز السرمدي... وإلا فلا تلومَنَّ إلا نفسك... اعتراضقد يقول قائل:إذن يا أخي... أعتني بأمر الآخرة..وأترك كل شيء!فأقول له:لا...بل منهجنا في ذلك هو التوجيه الكريم...«اعمل لدنياك كأنك تعيشُ أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»...والجمع بين الحالين هو الفلاح والنجاح، «والمؤمن القوي أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف».ولا أدلَّ على هذا من حال تلاميذ النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم..فهذا عثمان t يُنْفِق من ماله، ويقدمهُ قربة لله جلَّ وعزَّ، فيجهز به جيش العسرة، ويشتري بئر رومة؛ فَيتَوَجَّهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتاج: «ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم»...وهذا عبد الرحمن بن عوف t يبذلُ ماله، وينفق الآلاف المؤلَّفة في سبيل الله ويموت فتقسم تركته بالفؤوس... إي والله... نعم المال الصالح عند العبد الصالح...أيها المبارك:اجعل قلبك عامرًا بالإيمان، واجعل الدنيا في يدك، ولا تجعلها في قلبك...فإن الصحابة رضوان الله عليهم فعلوا ذلك، وأحدنا في هذه الأيام – إلا مَن رحم الله – يضع دنياهُ في قلبه، وإيمانهُ في جوارحه فحسب...فلا تجد البذل، ولا الإنفاق في سبيل الله، بل تجد الحرص والشُّح والطمع...بل وتجد كثيرًا من الناس جعلوا الحلال ما حلَّ في أيديهم والحرام ما حرموا منه – عياذًا بالله -... وهذا سلوك خطير.. جدُّ خطير..وصدق مَن قال:بيننا وبين الصحابة «شبر»..قلت: كيف؟قال: هَمُّ أحدهم في قلبه، وإيمانه، وما يعينهُ على تحقيق أمر ربه، وامتثال أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهَمُّ أحدنا – إلا من رحم الله – أسفلُ من القلب بشبر...أي في بطنه.. ما يُشبعهُ... وما يلتذُّ به، وما يكسوه..، وما يُنَعِّمُهُ.فسبحان مَن ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾.وبـعـدفهل علمتَ أيها المبارك... أيُّ المستقبلين تريد...؟إن خلاصة كلامنا هو:أن تجعل قلبك عامرًا بالإيمان، وجوارحك بالطاعات، ولسانك بالتوحيد والقُرُبات...ودنياك عامرةً بما استخلفك الله في الأرض من تحقيق أمره، وعمارتها بالمعروف...فإنك مستخلَفٌ فيها للعمارة الحسيَّة والمعنويَّة.فالحسيَّة هي تعميرها، والتناسل فيها، واستغلال مواردها...والمعنويَّة هي عمارتها بالإيمان، وبطاعة الرحمن، وبتعبيد الأنام لربِّ الأنام...سامحًا بالقليل من دون عذرٍ ربما أنصف القليلُ وأرضى وليكن المنهج في هذه الحياة:«اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا؛ واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»... انقشها على لوح مكتبك، واحفرها في سويداء قلبك... وإياك أن تفرِّق بينهما بعد أن جُمعا.. وتذكَّر: «ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعت»...وفَّق الله الجميع لصلاح النيَّة والعمل والأخذ بأسباب السعادة في الدارين، وجَعَلَ مستقبل أيامنا خيرًا من ماضيها، وصلى الله وسلَّم وبارَك على نبينا محمد.تمت في رياض نجد عَمَرَها الله بطاعته، وحَرَسَها من كل سوء.بقلم الفقير إلى الغنيمحمد بن سرار بن عليالدغيش الياميE-mail:[email protected]([1]) قال عبد الرحمن بن حسن رحمه الله عن التوكل:«فهو من أعظم منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{، فلا يحصلُ كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله». اهـ. من فتح المجيد ص(407).قال شيخنا المبارك: عبد الله بن صالح القصير: «التوكل من أجمع أنواع العبادة، وأعلى مقامات التوحيد، وأعظمها وأجلِّها». اهـ. من المفيد على كتاب التوحيد ص(162).([2]) طالع لزامًا: جنة الدنيا – لراقم هذه الحروف – تجد بعض عوامل زيادة الإيمان، وبعض عوامل نقص الإيمان... والكلام على الأمن الحقيقي، فتأمل..([3]) قال عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجزٌ محض، وإن كان مشوبًا بنوع من التوكل؛ فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكلَهُ عجزًا، ولا عجزهُ توكلاً، بل يجعل توكلَه من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها. ذكرهُ ابن القيم بمعناه». اهـ.([4]) يقول شيخنا المبارك عبد الله بن صالح القصير في معرض كلامه عن أنواع التوكل على غير الله.والثاني: أن يتوكل على غير الله بشيء من الاعتماد عليه، لكن فيه إيمان بأنه سبب وأن الأمر إلى الله تعالى، كتوكل كثير من الناس على ملوكهم وأمرائهم، وهذا شرك أصغر... اهـ. من المفيد على كتاب التوحيد ص(162).([5]) للفائدة ومحاولة التخلص من هذه الهموم طالع لزامًا:1) الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، لابن سعدي رحمه الله.2) لا تحزن، لأديب زمانه عائض القرني وفَّقهُ الله.3) جدد حياتك، لمحمد الغزالي المصري رحمه الله.4) إذا صَحَّ الإيمان، للسلوم وفقهُ الله.5) دع القلق وابدأ الحياة، لدايل كيرنجي.6) العلم يدعو إلى الإيمان، لكيريسي ميرسون.. وغيرها..