البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

ذكر الله تعالى

العربية

المؤلف عبد الله بن سليمان العتيق
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فضائل الأذكار - الأذكار
الأذكار شيئًا أساسيًا في حياة الصالحين، فهم يتنقلون بها في أول النهار وآخره، وفي وظائف اليوم والليلة. وهذا الكتيب يبين أنواع الذكر، وبيان فضائلها وأهميتها في حياة المسلم.

التفاصيل

ذكر الله تعالى الذكر منجاة: ذكر الله أمان من الضرر: ذكر الله عند الطعام: الذكر يكفر السيئات: ذكر الله دواء: مفتاح كل هم وغم:  ذكر الله تعالىإعداد: عبد الله بن سليمان العتيق بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الذي لا يحمد سواه، والصلاة والسلام على من أوتي محامد الكمال لربه، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه. أما بعد: فمن المعروف عند جميع العقلاء أن من أحب شيئًا أكثر ذكره، وردد اسمه على لسانه، وحيث كان, أحب شيء إلى المسلم هو «الله» تعالى، والله يحب من عباده أن يذكروه بكرة وأصيلاً، شرع سبحانه لعباده أنواعًا من الذكر، يذكرونه بها، ويتقربون إليه بترديدها. ولقد كانت الأذكار تكون شيئًا أساسيًا في حياة الصالحين، فهم يتنقلون بها في أول النهار وآخره، وفي وظائف اليوم والليلة. كل ذلك لأنهم عاينوا من أنفسهم حقيقة ما قاله الله: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. وهم بذلك سائرون على نهج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في إدامة الذكر والإكثار منه. وصاروا بهذا عامرين أوقاتهم بتسبيح وتحميد وتهليل وتكبير؛ لأنهم تلذذوا بذلك. ولقد ورد في فضائل الذكر والأمر به آيات وأحاديث كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]. وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10]، وقوله: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 41، 42]. وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» [رواه البخاري]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «سبق المفردون» قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:«الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات »,(رواه مسلم),وقال - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ,فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم » ,(متفق عليه) ,(رواه مسلم ه كثيرًا والذكرات ولقد وعي السلف الصالح تلك الفضائل فأكثروا من ذكر الله عز وجل وشغلوا أنفسهم بالثناء عليه، وأكثروا كذلك من بيان فضائل الذكر وأهميته في حياة المسلم، فكان مما قالوا في ذلك: قال الحسن البصري – رحمه الله -: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم ... وإلا فاعلموا أن الباب مغلق ([1]). وبالذكر يصرع العبد الشيطان، كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.  قال بعض السلف: «إذا تمكن الذكر من القلب، فإن دنا منها الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منها الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟ فيقال: قد مسه الإنسي». قال ذو النون: ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته ([2]). يقول ابن القيم: الذكر نوعان: الأول: ذكر أسماء الرب – تبارك وتعالى – وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى. وهذا أيضًا نوعان: أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث؛ نحو: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». ثانيهما: الخبر عن الرب – تعالى – بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: الله – عز وجل – يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من آبائهم. والثاني: ذكر أمره ونهيه وأحكامه. وهو أيضًا نوعان: أحدهما: ذكره بذلك إخبارًا عنه بأنه أمر بكذا، ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط كذا، ورضي كذا. والثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فذكره أمره ونهيه شيء، وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر. فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر، فذكره أفضل الذكر، وأجله وأعظمه. قال ابن القيم فهذا الذكر – من الفقه الأكبر وما دونه – أفضل الذكر، إذا صحت فيه النية ([3]).  الذكر منجاة: عن معاذ قال: «ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله». قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع؛ لأن الله – تعالى – يقول في كتابه: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾» ([4]). قال هلال بن خباب: «خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة، فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا حتى بلغ، فلما جلس لم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا، وكان كثير الذكر لله». ذكر الله أمان من الضرر: قال أبان: سمعت عثمان بن عفان يقول: «من قال في أول يومه وليلته: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم؛ لم يضره ذلك اليوم شيء – أو تلك الليلة. فلما أصاب أبان الفالج قال: إني والله نسيت هذا الدعاء هذه الليلة ليمضي فيَّ أمر الله» ([5]). عن أبي جعفر الباقر قال: «الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تصيب الذاكر» ([6]).  ذكر الله عند الطعام: عن خالد بن معدان قال: «كان إبراهيم خليل الله إذا أتي بقطف من العنب أكل حبة حبة، وذكر الله عند كل حبة» ([7]). وهذا الموضع من الذكر من المواضع المهجورة عند الناس اليوم، فلا تكاد ترى منا – اليوم – من يذكر الله عند طعامه وشرابه. والإنسان له مع الذكر عند الطعام حالان: الأولى: عند انتباهه للذكر في أول الطعام، والسنة فيه «التسمية» لحديث عمرو بن أبي سلمة – رضي الله عنهما – قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سم الله، وكل بيمينك» [متفق عليه]. الثاني: عند نسيان الذكر فله أن يقول: «بسم الله أوله وآخره». وذلك لحديث عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «... إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله – تعالى – في أوله، فإن نسي اسم الله – تعالى – أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره». [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].  الذكر يكفر السيئات: عن عثمان التيمي قال: «رأيت جريرًا وما تضم شفتاه من التسبيح، قلت: هذا حالك وتقذف المحصنات! فقال: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114]، وعد من الله حق»([8]). إلا أن تخطئ الأصابع: عن ابن حلبس: «قيل لأبي الدرداء – وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع»([9]). من كلام أبي الدرداء نأخذ كثرة ذكره لله – تعالى -، ونأخذ أن العد للذكر كان معروفًا عندهم، وهذه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يستغفر سبعين أو مائة مرة. اثنتا عشرة ألف تسبيحة: عن عكرمة: «أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يقول: أٍسبح بقدر ديتي» ([10]). عن الأوزاعي قال: «كان حسان بن عطية إذا صلى العصر، يذكر الله – تعالى – في المسجد حتى تغيب الشمس».  ذكر الله دواء: روى مسعر عن ابن عون قال: ذكر الناس داء، وذكر الله دواء. قال الذهب: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟ قال الله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، وقال: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله، ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له. أ. ﻫ. قال ابن السماك: رأيت مسعر بن كدام في النوم فقلت: أي العمل وجدت أنفع؟ قال: ذكر الله ([11]). مخادعة ابن أبي هند لنفسه حتى تذكر الله: قال محمد بن أبي عدي: «أقبل علينا داود بن أبي هند فقال: يا فتيان، أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به، كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت إلى ذلك المكان، جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى آتي المنزل» ([12]). بكى حتى نرحمه: قال مالك: «كنا ندخل على أيوب السختياني، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى نرحمه» ([13]). يوم معمور بالذكر: عن عمار بن أبان قال: «حبس موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك،  فسألته أخته أن تتولى حبسه وكانت تدين ففعل، فكانت على خدمته، فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلى العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلى المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب إلى العتمة فكانت تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل! وكان عبدًا صالحًا» ([14]). من أحب الله ذكره: قال إبراهيم بن علي المريدي: سمعت أبا حمزة يقول: «من المحال أن تحبه ثم لا تذكره، وأن تذكره ثم لا يوجدك طعم ذكره ويشغلك بغيره» ([15]).  مفتاح كل هم وغم: عن جعفر بن محمد قال: «لما قال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني. قال: أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان، إذا أنعم الله عليكم بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها؛ فإن الله قال في كتابه: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، وإذا استبطأت الرزق، فأكثر من الاستغفار؛ فإن الله قال في كتابه: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10: 12]. يا سفيان، إذا حزّ بك أمر من السلطان أو غيره فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة. فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث وأي ثلاث! قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله، ولينفعنه الله بها» ([16]). ذكر الله في حالة عجيبة: «قص إنسان شارب معروف الكرخي، فلم يفتر من الذكر، فقال: كيف أقص؟! فقال: أنت تعمل وأنا أعمل» ([17]). ربما قطع من شفته: قال زكريا بن ذلويه: «كان أحمد بن حرب إذا جلس بين يدي الحجام ليحفي شاربه يسبح، فيقول له الحجام: اسكت ساعة، فيقول: اعمل أنت عملك. وربما قطع من شفته وهو لا يعلم» ([18]). مفاضلة: قال أبو الوليد القشيري: «سمت أبا عبد الرحمن السلمي يسأل أبا علي الدقاق، فقال: الذكر أتم أم الفكر؟ فقال: ما الذي يفتح للشيخ فيه؟ قال أبو عبد الرحمن: عندي الذكر أتم؛ لأن الحق يوصف بالذكر ولا يوصف بالفكر. فاستحسنه أبو علي» ([19]). والله ما أحب الحياة إلا.. قال ابن رزقويه: «والله ما أحب الحياة إلا للذكر وللتحديث»([20]). قل للزمان حتى يسكن: قال أبو القاسم عبد الله بن علي أخو نظام الملك: «كان أبو الحسن الداودي لا تسكن شفته من ذكر الله، فحكي أن مزينا أراد قص شاربه فقال: سكن شفتيك. قال: قل للزمان حتى يسكن!»([21]). من معاني الاستغفار: قال ذو النون: «الاستغفار جامع لمعان: أولها: الندم على ما مضى. الثاني: العزم على الترك. الثالث: أداء ما صنعت من فرض الله. الرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها. الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام. السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية» ([22]). الذكر يحتاج إلى نزاهة من الذنوب: سئل ابن الجوزي: أيمما أفضل: أسبح أو أستغفر؟ قال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور» ([23]). لو ذكرت الله حتى آتي حاجتي: عن داود بن أبي هند قال: أصابني الطاعون فأغمي علي، فكأن آتيين أتياني فغمز أحدهما علوة لساني، وغمز الآخر أخمص قدمي فقال: أي شيء تجد؟ قال: أجد تسبيحًا وتكبيرًا وشيئًا من خطو إلى المسجد وشيئًا من قراءة القرآن، قال: ولم أكن أخذت القرآن حينئذ، قال: فكنت أذهب في الحاجة فأقول: لو ذكرت الله حتى آتي جاحتي، قال: فعوفيت فأقبلت على القرآن فتعلمته» ([24]). مثل المجنون: قال ابن الباقلاني: كنت أنا وأبو إسحاق الإسفراييني، وأبو بكر بن فورك معًا في درس أبي الحسن الباهلي، كان يدرس لنا في كل جمعة مرة، وكان يرخي الستر بيننا وبينه، وكان من شدة اشتغاله بالله مثل مجنون أو واله. وفي الأثر الإلهي: «إن عبدي – كل عبدي – الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه». قال ابن القيم: «سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قد س الله روحه – يستشهد به» ([25]). كان ذلك في الكتاب مسطورًا: قال أبو ذر الحافظ: «سجنه بنو عبيد – الفاطميون – وصلبوه على السنة، سمعت الدارقطني يذكره ويبكى، ويقول: كان يقول وهو يسلخ: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾[الإسراء: 58]. كان يسمع من جسده قراءة القرآن: قال معمر بن أحمد بن زياد الصوفي: أخبرني الثقة أن أبا بكر سلخ من مفرق رأسه، حتى بلغ الوجه وكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر، فرحمه السلاخ، فوكزه بالسكين موضع قلبه، فقضى عليه؛ وأخبرني الثقة أنه كان إمامًا في الحديث والفقه، صائم الدهر، كبير الصولة عند العامة والخاصة، ولما سلخ كان يسمع من جسده قراءة القرآن» ([26]). قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ [الحج: 35]. قال ابنه القاسم: كان أبي مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة([27]). هذا منهج الصالحين الذين يرغبون في نيل الدرجات العالية عند الله، جميع الأوقات معمورة بعمل صالح، ومع هذا كله يخافون النار ويخشون عدم دخولهم الحق. فحال الحافظ ابن عساكر – رحمه الله – غريبة في هذا الزمان، وصاحبها أشد غربة، والسبب كون الأمر صار بخلاف ما هم عليه – رحمهم الله -. يتلو كل ليلة سُبعًا... «كان ابن قدامة المقدسي قدوة، صالحًا، قانتًا لله، ربانيًا، خاشعًا، مخلصًا، عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر، والمروءة والفتوة، والصفات الحميدة، قلَّ أن ترى العيون مثله، يتلو كل ليلة سُبعًا مرتلاً في الصلاة، وفي سبعًا بين الصلاتين» ([28]).خاليًا بربه: قال الحافظ عمر بن علي البزار – عن شيخ الإسلام -: «أما تعبده – رضي الله عنه – فإنه قلَّ أن سمع بمثله؛ لأنه كان قد قطع جل وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى، ما يراد له لا من أهل، ولا مال. وكان في ليله، منفردًا عن الناس كلهم، خاليًا بربه عز وجل، ضارعًا مواظبًا على تلاوة القرآن العظيم، وكان قد عرفت عادته: لا يكلمه أخد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يسمع نفسه، وربما يسمع ذكره من إلى جانبه.. هكذا دأبه حتى ترتفع الشمس» ([29]). هذه غدوتي: وقال ابن القيم: «حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي .. أو كلامًا قريبًا من هذا. من الأذكار التي جاءت بها الشريعة أذكار «طرفي النهار»، وهي الأوراد والأدعية الواردة في وقتي  «أول النهار» و«آخر النهار». يقول الإمام النووي – رحمه الله -: «اعلم أن هذا الباب واسع جدًا، ليس في الكتاب – أي: كتاب «الأذكار» له – باب أوسع منه، ...» [انظر: كتاب الأذكار ص «116». ولذا نرى إهمالاً لها من كثير من الصالحين وغيرهم، بل لم يكد يلق – منا – لنفسه وقتًا لقراءتها، مع كونها ليست آخذة وقتًا طويلاً وإنما هو دقائق معدودة. ولو تفكرنا في حال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – هذه لعجبنا أشد العجب، وغيره من العلماء كثير، ولكن الكسل عن المطالعة في أحوالهم هو داؤنا. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها؛ لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر. أو كلامًا هذا معناه ([30]). مثل الماء للسمك: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: «الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟» ([31]). لجالدونا بالسيوف: كان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف. أطيب ما في الدنيا: وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها، وما ذاقوا أطيب ما فيها!قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى، ومعرفته وذكره. أو نحو هذا. وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات، أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب. هذه حال الذاكرين، طيب النفس، وانشراح صدر، وطمأنينة في القلب وذلك كله مجموع في معاني قوله – تعالى -: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. فأي طمأنينة إلا ما كانت ذكر الله – تعالى – وأي راحة إلا به، وما الانشراح إلا بالرطوبة في التسبيح والتهليل. يا من يذكرني بعهد أحبتي طاب الحديث بذكرهم ويطيب أعد الحديث عليَّ من جنباته إن الحديث عن الحبيب حبيب ملأ الضلوع وفاض عن أجنابها قلب إذا ذكر الحبيب يذوب مازال يخفق ضاربًا بجناحه ياليت شعري هل تطير قلوب([32]) ومن أذكار سلفنا الصالح تلاوة القرآن: يختم القرآن كل يوم: قال الكردري في كتابه «مناقب الإمام أبي حنيفة»: إنه كان يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان كل يوم مرتين، مرة في النهار، ومرة في الليل» ([33]). يجمع القرآن في ركعتين: وقال ابن المبارك: كان أبو حنيفة يجمع القرآن في ركعتين. وقال أيضًا: أربعة من الأئمة ختموا القرآن في ركعتين: عثمان ابن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، وأبو حنفية. وعن أسد بن عمرو: كان أبو حنيفة عامة الليل يقرأ القرآن في ركعة. وعن مسعر بن كدام قال: دخلت المسجد ليلة فرأيت رجلاً يصلي، فاستحليت قراءته، فقرأ سُبُعًا، فقلت: يركع، ثم قرأ الثلث، ثم النصف، فلم يزل يقرأ حتى ختمه كله في ركعة، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة. قال الذهبي في العبر: «قال أبو داود الطيالسي: كان واصل البصري يختم القرآن في كل ليلة» ([34]). يصوم الدهر: قال الكفوي في «أعلام الأخيار»: قال يحيى بن أكثم: صحبته في الحضر والسفر، وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة. لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن: قال الحافظ ابن حجر: «قال محمد بن مسعر: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن» ([35]). قال الإمام النووي: روينا عن الإمام أبي محمد عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي أنه قال لبنته حين بكت عند حضور موته: لا تبكي، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة ([36]). كل يوم وليلة ختمتان: قال أسد ابن الفرات: كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين، قال: فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة؛ رغبة في إحياء العلم ([37]). قال يحيى بن معين: أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن كله ليلة ([38]). قال حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر، فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعوذ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعًا ([39]). يصلي ثلاثمائة ركعة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وكان قرب الثمانين([40]). يقول عبد الله بن أحمد: «وكان يقرأ في كل يوم سبعًا، يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو» ([41]). وقال هلال بن العلاء: «خرج الشافعي ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل إلى مكة، فلما أن صاروا بمكة، نزلوا في موضع، فأما الشافعي فإنه استلقى، ويحيى بن معين أيضًا استلقى، وأحمد بن حنبل قائم يصلي، فلما أصبحوا قال الشافعي: لقد عملت للمسلمين مائتي مسألة. وقيل ليحيى بن معين: أي شيء عملت؟ قال: نفيت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائتي كذاب. وقيل لأحمد بن حنبل: فأنت: قال: صليت ركعات ختمت فيها القرآن ([42]). وعن جعفر بن أبي هاشم قال: «سمعت أحمد بن حنبل يقول: ختمت القرآن في يوم، فعددت موضع الصبر، فإذا هو نيف وتسعون» ([43]). كل يوم وليلة ثلاث ختمات: قال أبو نعيم: «سمعت أبا الحسين محمد بن علي صاحب الجنيد بن محمد يقول: صحبت أبا العباس بن عطاء عدة سنين متأدبًا بآدابه، وكان له في كل يوم ختمة، وفي كل شهر رمضان – في كل يوم وليلة – ثلاث ختمات» ([44]). يصلي كل يوم خمسمائة ركعة: بشر بن الحارث الحافي: «قال علي بن المديني: ما رأيت أخوف لله منه، كان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة. قال ابن المديني: حفر – بشر – قبره، وختم فيه القرآن، وكان ورده ثلث القرآن» ([45]). عبد الرحمن بن مهدي: قال علي بن المديني: كان ورد عبد الرحمن كل ليلة نصف القرآن ([46]). قال الذهبي في السير: «عبد الرحمن له جلالة عجيبة، وكان يغشى عليه إذا سمع القرآن». نقله صاحب «شريعة المقارئ» ([47]). قال أبو الحسين بن الدراج: ذكر الجنيد أهل المعرفة بالله، وما يراعونه من الأوراد، والعبادات بعد ما ألطفهم الله به من الكرامات، فقال الجنيد: العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رءوس الملوك([48]). قال أبو بكر العطوي: كنت عند الجنيد حين مات فختم القرآن، ثم ابتدأ من البقرة فقرأ سبعين آية، ثم مات، رحمه الله. وقال الجنيد – رحمه الله -: إن الله – عز وجل – يخلص إلى القلوب من بره حسبما خلصت القلوب به إليه من ذكره، فانظر ماذا خالط قلبك. هذه نبذ يسيرة من أخبار القوم في باب الذكر وتلاوة القرآن، والمروي عنهم في ذلك كثير جدًا، فإذا انضاف إلى ذلك اشتغالهم بالعلم والتعليم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من شعائر الدين؛ علم أن القوم حازوا مقام السبق في كل فضيلة، وما علينا – إذا أردنا النجاح والفلاح – إلا أن نتشبه بهم وبإمامهم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نكون أهلاً لحمل راية الإسلام، ونكون نماذج مشرقة للتعرف بهذا الدين العظيم. ([1]) صلاح الأمة (3/5 – 6). ([2]) صلاح الأمة (3/ 6). ([3]) صلاح الأمة (3/ 76 – 77). ([4]) السير (4/ 327). ([5]) السير (4/ 352). ([6]) السير (4/ 408). ([7]) السير (4/ 539). ([8]) السير (4/ 591). ([9]) السير (2/ 348). ([10]) السير (2/ 610). ([11]) السير (7/ 168). ([12]) السير (6/ 377). ([13]) السير (6/ 377). ([14]) السير (6/ 17). ([15]) السير (3/ 166). ([16]) السير (16261). ([17]) السير (11/ 33). ([18]) السير (11/ 33). ([19]) السير (17/ 250). ([20]) السير ( 17/ 259). ([21]) السير (18/ 225). ([22]) السير (11/ 535). ([23]) السير (21/ 371). ([24]) صلاح الأمة: (3/ 63 – 64). ([25]) السير (16/ 148). ([26]) السير (16/ 148). ([27]) السير (20/ 562). ([28]) السير (22/ 7). ([29]) الأعلام العلية (36). ([30]) الوابل الصيب. ([31]) الوابل الصيب (84). ([32]) صلاح الأمة (3/ 68 – 69). ([33]) صلاح الأمة (3/53). ([34]) العبر للذهبي (1/ 218). ([35]) تهذيب التهذيب لابن حجر (10/ 115). ([36]) شرح صحيح مسلم (1/ 78 – 79). ([37]) السير (9/ 179). ([38]) السير (9/ 9 – 79). ([39]) السير (10/ 35). ([40]) الحلية (9/ 181). ([41]) مناقب الإمام أحمد ص (357). ([42]) صلاح الأمة (3/ 57). ([43]) مناقب الإمام أحمد ص (385). ([44]) الحلية (10/ 302). ([45]) سير أعلام النبلاء (8/ 360). ([46]) السير (9/ 203). ([47]) السير (9/ 152). ([48]) الحلية (10/ 257).