القادر
كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...
العربية
المؤلف | سليمان السلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إذا تأملنا في نصوص السنة النبوية وجدنا جمًّا غفيرًا وعددًا كثيرًا من التوجيهات النبوية التي مؤداها إشاعة المحبة والألفة والمودة والرحمة، والصلة والقرب، وحسن العشرة، فرغَّب عليه الصلاة والسلام في الزيارة والمجالسة في الله، وحث على الهدية والتهادي، وجعل من حق المسلم السلام عليه، وإجابة دعوته وعيادته، واتباع جنازته، وتشميته إذا عطس وحمد الله، والنصح له عند المشاورة، وجعل التبسم في وجه الأخ صدقة، ورغّب في إدخال السرور على المسلم ..
الحمد لله....
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وراقبوا أقوالكم وأصلحوا أعمالكم فالأقوال مراقَبَة والأعمال محصية في كتاب أحصاه الله ونسوه، والله على كل شيء شهيد.
أيها المؤمنون: من نعم الله على الإنسان أن جعله اجتماعيًّا بطبعه؛ يحتاج إلى الآخرين، ويحتاج إليه الآخرون، قال الله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف: 32]، ولو تساوى الناس لتعطلت مصالحهم ومنافعهم فلا غُنية عن الخلطة بالناس والتكيف على العيش معهم على اختلاف منازلهم وأعمارهم وأعمالهم.
وما المرء إلا بإخوانه | كما تقبض الكفّ بالمعصم |
ولا خير في الكف مقطوعة | ولا خير في الساعد الأجذم |
ومن عاش مع الناس وعرف كيف يتعامل مع كل بما يناسبه فذلك خير من المتبرم المتشكي من أحوال الناس المنعزل عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» رواه الترمذي.
وقد عقد الإمام النووي -رحمه الله- بابًا في كتابه المبارك ((رياض الصالحين)) قال فيه: باب فضل الاختلاط بالناس، وحضور جُمَعهم وجماعتهم ومشاهد الخير ومجالس الذكر معهم، وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم، ومواساة محتاجهم، وإرشاد جاهلهم، وغير ذلك من مصالحهم لمن قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقمع نفسه عن الإيذاء وصبر على الأذى، ثم قال: "اعلم أن الاختلاط بالناس على الوجه الذي ذكرته هو المختار الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وكذلك الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين وأخيارهم".
عباد الله: إن من الناس من يعيش لنفسه ومع نفسه لا يجيب دعوة ولا يجتمع مع أقاربه ورحمه، ولا يشارك جيرانه أفراحهم وأتراحهم ولا يحضر لقاءات زملائه، وقد يظن أن ذلك صوابًا أو يكون متشائمًا، أو يخشى من التزامات مالية يشارك بها.
لا يهمه إلا نفسه، وقد تصل به الحال إلا النظرة الفوقية الناقدة لكل شيء، فيلوم ويعاتب ويذم ويقلل من قيمة وأهمية أي اجتماع وزيارة، ويقول بلسان حاله ومقاله: ما له داعٍ!!
ويصدق في مثل أولئك قول القائل:
إذا كنت في كل الأمور معاتبًا | صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه |
فعش وحدًا أو صل أخاك فإنه | مقارف ذنبًا مرة ومجانبه |
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى | ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه |
إخوة الإيمان: خير الهدي وأكمله هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم، فمع علو مكانه وشرف قدره إلا أنه كان مجيبًا لدعوة الناس، قريبًا من الناس جميعًا، جاء في صحيح البخاري إن كانت الأمَة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها.
ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هون عليك! فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد»، وبهذا الخلق النبوي دخل حب رسول الله إلى شغاف القلوب.
لم تكن صلى الله عليه وسلم علاقاته مع كبار الشخصيات فحسب، ولا كان يجيب دعوة ولائم فنادق ذات الخمس نجوم أو الولائم الكبيرة، بل بلغ من حبه للناس وقربه منهم وتواضعه لهم أن قال: «لو دُعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أُهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت» رواه البخاري.
إخوة الإيمان: وإذا تأملنا في نصوص السنة النبوية وجدنا جمًّا غفيرًا وعددًا كثيرًا من التوجيهات النبوية التي مؤداها إشاعة المحبة والألفة والمودة والرحمة، والصلة والقرب، وحسن العشرة.
فرغَّب عليه الصلاة والسلام في الزيارة والمجالسة في الله، وحث على الهدية والتهادي، وجعل من حق المسلم السلام عليه، وإجابة دعوته وعيادته، واتباع جنازته، وتشميته إذا عطس وحمد الله، والنصح له عند المشاورة، وجعل التبسم في وجه الأخ صدقة، ورغّب في إدخال السرور على المسلم.
وحثَّ على الشفاعة ورغَّب في الجود والكرم، وأكد على مبدأ شكر الناس، فمن لا يشكرهم لا يشكر الله، وأوصى صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بقوله: «وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحبه لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنًا» رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
وحث صلى الله عليه وسلم على السعي في تفريج كربات المؤمنين، وحثَّ على دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب، ومن دعي وهو صائم صيام نفل جاز له أن يفطر؛ جبرًا لخاطر من دعاه.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن كل ما يخدش أو يفسد أو يقطع رباط الأخوة والمحبة، فنهى عن التجسس والتحسس والتباغض، والتحاسد والنميمة والغيبة، والتنابز والتعاير، والسب والشتم والقذف، وسوء الظن والبخل والشح والتحقير والجفاء، والتناجش والمكر والخداع وقطيعة الرحم، والكبر والعجب، والكذب والخيانة والنجوى والهجر.
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام....
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: بعض الناس يريد أن يعيش حياة مثالية مع الناس لا عيب فيه ولا فيهم، لا تقصير منه ولا منهم، وهذا مُحال، يقول الفضيل بن عياض: "من طلب أخًا بلا عيب صار بلا أخ"، وقيل: "ليس لملول صديق".
من ذا الذي ما ساء قط | ومن له الحسنى فقط |
ومن يخالط الناس ليعلم أنهم ليسوا نسخة واحدة مكررة، ولا يمكن أن يجد نسخة كاملة بلا عيوب. قال السباعي: "لو أنك لا تصادق إلا إنسانًا لا عيب فيه لما صادقت إلا نفسك".
قال أحدهم عند الخليفة المأمون:
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب | يروق ويصفو إن كدرت عليه |
فقال له المأمون: أعد, فأعاده سبع مرات, فقال المأمون: خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب.
عباد الله: من رام العيش مع الناس فليسأل ربه أن يعينه على ذلك، وقد ذكر ربنا أن من نعمته على نبي الله موسى عليه السلام: أن حبّبه للناس قال ربنا جل وعلا: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه: 39]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أحبه الله وحببه إلى خلقه".
ودعا نبي الله إبراهيم عليه السلام دعا ربه بقوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ) [الشعراء: 84] أي حبًّا في قلوب عبادك، وثناء حسنًا، وذلكم هي الحياة الثانية.
عباد الله: من خالط الناس وعايشهم لا بد أن يكون بينه وبينهم شعرة خال المؤمنين وأميرهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه القائل: "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: كانوا إذا مدوها خليتها, وإذا خلوها مددتها".
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق...