البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

حدث وحديث

العربية

المؤلف أحمد بن عبد العزيز الشاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. فن معالجة الأخطاء .
  2. حرمة دماء المسلمين .
  3. شتان بين الجهاد والتخريب .
  4. فشو الإرجاء يعقبه غلو وتكفير .
  5. أهمية معالجة أسباب الخطأ .
  6. وسائل معالجة قضايا الغلو .

اقتباس

الأمة الواعية تسعى لمعالجة الفكر المنحرف، وتوضيح أسبابه، وبيان علاجه على هدًى من الكتاب والسنة، دون الارتباط بحدث معين أو التفاعل مع حركة طارئة، وألا تكون علاجاتها ردود أفعال مسكنة تخدّر ولا تؤثر، وتهيّج ولا تعالج ..

الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبتلي بالسراء والضراء، ويعز من يشاء ويزل من يشاء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الشكور الصبور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء وسلم تسليمًا.

أما بعد: إخوة الإيمان أوصيكم ونفسي بوصية الله للعالمين (اتَّقُوا اللَّهَ) [آل عمران: 102] فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب..

ما بين آونة تمر وأختها تحدث فتنة، وتنشأ زوبعة، وتقع حادثة تستفز الأمة من خلالها وتشغل بها عن مهماتها، اختطاف لبريء، واتصال من مجهول لا يعلم صدقه من كذبه، أحدث عند الأمة انفعالاً فطلبت عنه حديثًا ومقالاً، فكانت هذه الوقفات بغضّ النظر عن الاتصال أو المتصل..

فأولاً: إننا بحمد الله أمة واثقة بقوتها وبصلابة تلاحمهما، ووحدتها، وبسلامة مواقفها ومبادئها، لا يمكن أن يستخفّها الضعفاء، أو يستفزها السفهاء، فتنفخ في باطلهم، وتساهم من حيث لا تشعر في تلميعهم وتضخيم أفكارهم، ومنحهم زخمًا يدفعهم لاستمراء جهلهم والثبات على ضلالهم.

والأمة الواعية تسعى لمعالجة هذا الفكر المنحرف، وتوضيح أسبابه وبيان علاجه على هدًى من الكتاب والسنة دون الارتباط بحدث معين أو التفاعل مع حركة طارئة، وألا تكون علاجاتها ردود أفعال مسكنة تخدّر ولا تؤثر وتهيج ولا تعالج.

وثانيا: إن هذه التجاوزات الخطيرة والأفعال المنكرة لا يُكتفى فيها بالتنديد والاستنكار، وإنما هي فكر يجب أن يُعَالج، إن عقيدتنا بأحكامها وتشريعاتها ومقاصدها ترفض هذه الأمور المنكرة وتقرر في مبادئها أن (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].

وكتاب ربنا يقرر أن (مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

وسنة نبينا تعلن «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً», وغلّظ من حرمة المسلم، فجعل سبابه فسوقًا وقتاله كفرًا، بل جعل من مجرد إشارة المسلم إلى أخيه المسلم بالسلاح موجبًا للعنة الملائكة له، فقال: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه».

عقيدتنا تحرّم ترويع الآمنين واستهداف المعادين، بل وهي عقيدة العدل حتى مع المخالفين (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: 8]، فكيف بمن يقول: "لا إله إلا الله" شعار ديننا (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164] (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم: 39] فبأي مذهب يعاقب الأبرياء بما لم يفعلوه ؟!

عقيدتنا تمنح الرسل والسفراء حصانة وحماية؛ فلا يجوز قتلهم ولا إيذاؤهم، بل يجب حمايتهم حتى يبلغوا مأمنهم، فأي مسلم يوقن بهذه العقيدة وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان ثم يقدم على اختطاف الأبرياء والتهديد بقتلهم مع التلويح بالتفجير والتدمير وكل ذلك باسم الغيرة على الدين والصالحين !! فما أسوء اتباع الهوى والجهل بالدين!!

وثالثا: إن الجهاد الشرعي فريضة قائمة وشعيرة دائمة لا يجوز تعطيلها كما لا يجوز تخذيل أهلها أو إيذاؤهم أو لمزهم والسخرية بهم، قال ابن حزم: "ولا إثم بعد الكفر أغلظ من إثم من نهى عن جهاد الكفار، وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم".

كما لا يجوز ربط الجهاد بما يسمى بالإرهاب؛ فإن الجهاد واجب على الأمة بشروطه وحالاته، ولا تعطله حملات الأعداء واتهامهم لأهله بالتطرف والإرهاب..

وحينما نقرر ذلك فيجب الفصل بين الجهاد المشروع وبين أدعيائه بمن يستظلون باسمه ويشوهون صورته، ويجعلون منه منطلقًا لترويع إخوانهم وتنفير غيرهم من الدين وحملته.

ورابعًا: إن قضية الموقوفين من الصالحين والمصلحين تظل همًّا يؤرقنا، وقضية تشغل بالنا وطلبًا ملحًّا يظل يلازمنا لكننا لا نرضى بالمزايدة في هذه القضية، أو أن تكون عذرًا لترويع الأبرياء وقتل الآمنين وإيذاء المؤمنين في أموالهم وأهلهم وأنفسهم.

إن قضية إخواننا الموقوفين نعالجها بالحكمة، وبرفع الدعاوى والدعوات والتواصل مع الصبر والمصابرة لا أن ننكر المنكر بمنكر، ونعالج الخطأ بخطأ، ونبحث عن الهارب بإمساك أخيه..

إننا نقول لهؤلاء: إن كان فيكم نصرة للدين وحملته وحماته، فمن حولكم حوثيون يعيثون في الأرض الفساد، ويخربون البلاد ويؤذون العباد، وقد علمتم ما فعلوا في دماج فهل تتحرك غيرتكم لكسر شوكتهم بدلاً من استهداف مسلم بريء ؟!!

فيا ليت شبابنا يعقلون، وبالغيرة الحقة يتسلحون، وبالعلم والعبادة والورع يتضرعون، ويا ليت شبابنا يعلمون كم منحوا العدو بأفعالهم من فرص لوئد الدعوة والهجوم على الاحتساب والجهاد، وزرع بذور التغريب والانحلال؛ شعروا بذلك أم لا يشعرون..

وخامسًا: إن فئة من شبابنا يتهددهم مسلك الشهوات، وآخرون يحيط بهم مسلك الشبهات، ولا يقع في الأمة توسع في الشهوات إلا نمت في أحضان هذه الشهوات شبهات..

ولا يوجد في الأمة إرجاء إلا أعقبه على الفور غلو وتكفير وخروج، واستباحة للدماء المعصومة، وإحداث فتن في الأمة تفرقها ولا تجمعها، وتزيد منكراتها ولا تزيلها؛ فإذا عظمت فتنة التكفير وتلاطمت بالناس أمواج الفتن، ومستهم غلواء المحن، وتعبوا من الفُرقة والاختلاف سلكوا مسلك الإرجاء للتخلص مما هم فيه، ولن يتخلصوا من بدعة ببدعة أخرى ولن ينجوا من انحراف بانحراف آخر..

وموجات الإرجاء والغلو التي تصيب الأمة هي فترات؛ غربلةً لأهل الإيمان حتى لا يبقى على الحق إلا أهل الحق، ويركب أهل الأهواء أهواءهم، فهم بين منغمس في الشهوات وتائه في الشبهات، وهذه التصفية للصفوف والتنقية للأمة بفتن الغلو والإرجاء، قد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد بقوله: «يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة يبقى منهم حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا.. وشبك بين أصابعه»، قالوا: يا رسول الله! فما المخرج من ذلك؟ قال: «تأخذون ما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم وتدعون أمر عامتكم».

وهكذا تاه كثير من الشباب في عواصف الأفكار والأهواء، واقتسمتهم أمواج الغلو والإرجاء، وأحاطت بهم فتن الشهوات والشبهات و(كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53].

يظنون أنهم على الحق، ويدّعون انحراف غيرهم، حتى أضحى المتمسك بدينه كالقابض على الجمر ولا عاصم إلا الله تعالى، ولا نجاة إلا بالتمسك بحبله ولزوم الراسخين في العلم الذين قضوا أعمارهم المديدة في العلم والتعليم والزهد والعبادة، فإن بركة علمهم مرجوة وإن دعوتهم مجابة وهم حقيقون بتوفيق الله تعالى وتسديده، فمن لزمهم أفلح ونجا (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101].

نعوذ بالله أن نكون من الأخسرين أعمالاً (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد: فسادس الوقفات يا عباد الله: كما أن التطرف العلماني يبدأ بخطوات يسيرة فهو يقدم دعواته أولاً بغلاف من الحق يُرَاد به الباطل، ويتدرج إلى أن يصل إلى الدعوة إلى الكفر والفسوق والعصيان (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].

فهو يبدأ بفكر وينتهي بكفر فكذلك فكر الغلو والتطرف يبدأ بعواطف جياشة وغيرة ملتهبة، وينتهي بأفعال منكرة وتصرفات مرفوضة، يبدأ بالتفكير وينتهي بالتفجير والتكفير..

كان أصحاب هذا الفكر يستهدفون غير المسلمين؛ استنادًا إلى مفاهيم خاطئة وتصورات ناقصة لحديث «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، ولربما وجدوا من يتعاطف معهم؛ جهلاً بأحكام الشريعة وانجرافًا وراء العاطفة.

وتدرج هذا الفكر حتى وصل إلى استهداف المسلمين المصلين الموحدين تقصدًا وتعمدًا، وهكذا يصل الحال بأصحاب هذا الفكر حينما يُبنَى التدين على مجرد عواطف وغيرة غير منضبطة بلا علم بأحكام الدين ولا استشارة ورجوع إلى العلماء الصادقين الناصحين وبلا إحاطة بمقاصد الشريعة ومعرفة لقواعدها والعواطف: قواصف ما لم تُلجم بلجام الإيمان والورع والعلم المؤصل.

وأخيرًا: إنه ومع رفضنا لفكر هؤلاء وأفعالهم وقاعدتهم، ومع إيماننا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، ومع إيماننا أن اتخاذهم قضية الموقفين منطلقًا ومتكئًا فإننا في الوقت ذاته ننادي بإغلاق كل منفذ يلج منه المتربصون للنيل من بلادنا ووحدتها واجتماع كلمتها.

إن قضية الموقوفين ظلت همًّا يُؤرق الكثيرين، وباتت صدعًا في جدار تلاحمنا أحوج ما نكون إلى الاجتماع والتآلف.. بل وصارت شماعة يتكأ عليها المغرضون والحاقدون لينالوا من هيبة الدولة وشرعيتها.

إنها قضية تعلق بها من يدعي الإصلاح واتكأ عليها من يصطادون في الماء العكر، بل واتخذها أعداء الأمة ودينها من الرافضة شعارًا لمظاهراتهم وفوضاهم ومطالبهم الدنيئة..

إننا ونحن نرى بشائر الأمل بدأت تلوح فإننا نترقب ممن والاهم الله أمرنا موقفًا حكيمًا رحيمًا، يغلقون به الباب أمام المتربصين، ويشفون به صدور قوم مؤمنين، الموفين بعدهم إذا عاهدوا والصادقين بحبهم ووفائهم لبلادهم وولاتهم، ويحققون به للبلاد وحدتها واجتماع كلمتها وتلاحم رعاتها مع رعيتها، ويلجمون به أفواه أعدائها والمتربصين بها.. وإنا لمنتظرون ومتفائلون.

وختامًا.. فأجمل بشباب الأمة أن يكون حكيمًا متعقلاً مدركًا للمصالح والمفاسد عالمًا بالطريق الأمثل للإصلاح، آتيًا البيوت من أبوابها، وليكن لنا في غيرنا عبرة بدلاً من أن نكون لغيرنا عبرة، والحكيم من بدأ من حيث انتهى الآخرون لا من حيث بدءوا..

وإن علاج هذا المنكر أن يتذكر الجميع مراقبة الله عز وجل، وأن يستشعروا وقوفهم بين يدي الله وسؤالهم عن مثاقيل الذر (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].

وأن يتذكر الجميع عظم وحرمة الدماء المسلمة، وأن يستشعروا كرامة المسلم عند الله وأن دمه لا يحل إلا بما شرع الله..

وعلاج هذا المنكر: أن نوصد الأبواب، وأن نغلق الطريق أمام شبهات أصحاب هذا الفكر؛ وذلك بالعمل على إزالة المنكرات، وإعزاز الحق وأهله وقمع الباطل ودعاته.

وإن علاج هذا الفكر يكون بنشر التدين الصحيح وتعميق مفهوم الوسطية الحقة، والتي تعني أخذ أحكام الشريعة بلا غلو ولا جفاء، ولا تعني التمييع وتضييع الدين تحت مسمى التسامح والوسطية.

وإن علاج هذا المنكر يكون بربط الناس بالعلماء، ولا يرتبط الناس بالعلماء إلا إذا نزلوا إليهم واستمعوا لهم، وتواضعوا معهم، وسعوا في حاجاتهم ومصالحهم، وأظهروا تعظيمهم لشعائر الله وحدوده، وكانوا قدوة بالقول والعمل، وكانوا ممن يقول كلمة الحق لا يخشى فيها لومة لائم..

وإن علاج هذا المنكر يكون باتحاد الكلمة والائتلاف مع الرعاة والدعاة والتناصح والتواصي بالحق، فالدين النصيحة وهي لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم..

وإن المخرج من هذه الأزمة يكون بالاعتراف بما لدى شبابنا من طاقات وحماس وانفعال وغيرة وتقدير هذه المشاعر ومحاولة ضبطها بضوابط الشريعة.

إن هذه المشاعر تحتاج إلى تقدير ومراعاة وتهدئة، ولا تعالج بالتسفيه والاستهزاء، وحينما تصدق النوايا ويتزمل الناس بلباس الخوف من الله ومراقبته، وحينما تحيى بيننا حقوق الإنسان المسلم، ويتحمل كل فرد مسئوليته تجاه إخوانه، وحينما نشعر بكرامة المسلم وحرمته عند الله وحرمة دمه وماله وعرضه، وحينما نتضلع من العلم الشرعي، ونتسلح بالصبر والحكمة، وحينما نجعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته لنا أسوة وقدوة في التعامل مع الأحداث والأزمات حينها تنجلي بإذن الله الغمة وتنكشف الفتنة ويرحم الله الأمة، إن الله بعباده لطيف خبير.

اللهم صل وسلم وبارك على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده..