الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | الخضر سالم بن حليس اليافعي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
هناك فجوة واسعة بين الإسلام وواقع المسلمين، تلك الفجوة التي شهد الواقع أن الإسلام في وادٍ والمسلمين في وادٍ آخر، تلك الفجوة التي أسهم كل واحد منا في توسيعها وتعميقها، فإذا بمقررات الإسلام ومناهج الإسلام وشرائع الإسلام في ميدان، والمسلمين في ميدان آخر، فلم يعد ارتباطهم بالإسلام هو ذاك الارتباط الحقيقي في عباداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم ..
أيها الإخوة: ما هو الإسلام؟
إن هذا الاسم الجديد الذي تسامع الناس به منذ 14 قرنًا عنوان لحقيقة قديمة بدأت مع الخليقة وسايرت حياة البشر.
نبحث اليوم موضوع الفجوة الواسعة بين الإسلام وواقع المسلمين الفجوة التي شهد الواقع أن الإسلام في واد والمسلمين في واد آخر.
الفجوة التي أسهم كل واحد منا في توسيعها وتعميقها، فإذا بمقررات الإسلام ومناهج الإسلام وشرائع الإسلام في ميدان والمسلمين في ميدان آخر، فلم يعد ارتباطهم بالإسلام هو ذاك الارتباط الحقيقي في عباداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم.
هذا الإسلام الذي انتزعنا من حياة الذلة والمهانة إلى حياة العزة والكرامة الذي شرفنا الله بالانتساب إليه ومنَّ علينا به.
إننا نتذكر يوم أظل علينا هذا الإسلام فكنا به وبدونه لم نكن شيئًا ولم يخطئ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم وصفنا بأنا قوم أعزنا الله بهذا الإسلام ورفعنا به، فإن ابتغينا العزة بغيره من المناهج والقوانين فقد عدنا إلى ما كنا عليه من الذلة والمهانة.
وما نلحظه اليوم أن علاقتنا بالإسلام لم تعد تلك العلاقة الوثيقة ولم يعد يربطنا من الإسلام إلا اسمه.
والواقع يحكي صورًا من المسلمين غير مشرفة ولا تليق بانتمائنا لهذا الإسلام، الأمر الذي جعل أحد الداخلين فيه يقول: الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين. لما؟ لأن واقع المسلمين لم يعد مشرفًا.
إن جهودًا كثيرة تبذل الآن لترضية المسلمين بإسلام آخر غير الذي تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وعرفوه عن كتاب ربهم.
إنه إسلام اسمي يستبقي شبحه إلى حين، ولعله يستبقي بضرورات لا تلبث أن تزول.
وأغلب الأقطار الإسلامية تتمسك بنسب متفاوتة من الإسلام الحق المعروف في كتاب الله وسنة رسوله، وقد تقل هذه النسب كمًّا وكيفًا ولكنا لم نراها إلى الآن مكتملة الصورة على نحو صحيح علميًّا وعمليًّا في أي بلد إسلامي.
بل إن المسلمين الهنود لما أسسوا دولتهم باسم باكستان قامت الدولة المنشودة على أساس هذا الإسلام (الشبح )، فلم يُعرف للإسلام وجود في عالم القانون والاقتصاد بل حتى في عالم العقيدة والعبادة فلا عجب إذا دهى تلك البلاد ما دهاها ولا عجب إذا أصابها محن قصمت ظهرها.
ولن تقوم للإسلام قائمة طالما لا تزال هناك جهود تبذل في أنحاء العالم الإسلامي لخلق أجيال تقبل هذا الإسلام المشوه، وترتضي ما قام في بلده من تحليل الحرام، وقطع ما أمر الله به أن يُوصل، ودفع الأمور كلها بعيدًا عن هدايات الله.
إن الاستعمار عندما احتل البلاد الإسلامية حرص على تعطيل الأحكام الشرعية وطمس شارات الإسلام في كل أفق، ولم يترك هذا الاستعمار بلدًا عربيًّا أو إسلاميًّا إلا بعد أن وضع مقاليد هذا البلد في أيادي تعمل له وتضرب بسيفه وتفكر بعقله.
بل لعل الذين يعملون لصالحه بداخل كل بلد أشد ضراوة وجرأة في الإجهاز على ما بقي من مراسم الإسلام.
وكانت النتيجة بعد تلك الغارة الحسود أن أقبل الكثير من الناس على العيش في ظل إسلام مفتعل ما فيه من عبث الناس أضعاف ما فيه من وحي الله.
وها أنت ترى جمهورًا كبيرًا من أتباع محمد يألف الربا والزنا وإهمال الصلاة والصيام.
إننا نحن المسلمين الذين فرطنا في ديننا وانتهينا في هذا القرن إلى أوضاع يجب أن نكشف سوءها ونُفشي خبرها.
ولا نشك في أن المسلمين أماتوا أجزاء عظيمة من دينهم وأنهم أجهزوا على أنفسهم بأيديهم.
إن هناك تحديات عظيمة تواجه الإسلام في الداخل والخارج ولكن أكثرها من الداخل.
نعم إن الآفات العظيمة التي تنخر في الإسلام من داخله أخطر مما لحق به من الخارج.
انظر إلى المسلمين اليوم ماذا يقدمون للعالم: شورى هي حبر على ورق، تراحم هو حديث منابر، شعائر توقف فيها نبض الحياة. أي شيء نقدمه نحن للناس في أرجاء العالم نقدم قرآنًا نحن أجهل الناس به، وسُنة نحن عنها غافلون.
إننا منتمون للإسلام ونحن منكرون له في وقت واحد، منتمون له بالميراث خارجون عليه ماديًّا وأدبيًّا.
فما أكثر الذي يتمسحون بالإسلام وهو عنه صادون، أو يتمسكون بشكليات منه وهم عن روحه معرضون، أو يؤمنون ببعض كتابه وبالبعض هم كافرون أو يحتفلون بأعياده وهو لأعدائه موالون.
أنا لا أعتبر التتار هم مسقطو الخلافة الإسلامية في بغداد، إن الخلافة أسقطتها من قبل قصور مليئة بالإثم متخمة بالملذات.
ولا أعد الصليبيين هم مسقطو دولتنا في الأندلس.. إن المترفين من أبناء الإسلام هم الذين أنزلوا راية الإسلام في تلك البلاد.
إن ملوك الطوائف في الأندلس لم يكونوا أبناء طارق بن زياد ولا غيره من الأبطال الذين باعوا أنفسهم لله.
إننا نحن قبل غيرها العقبة الأولى أمام دين عظيم، إن التحدي الأول يجيء من داخل أرضنا ثم تجيء من بعده تحديات الأعداء الآخرين.
حدث ثوبان رضي الله عنه عن النبي أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال يا محمد: إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة وألا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها».
والحديث ظاهر في أن مصائبنا من أنفسنا قبل غيرنا، فإذا وقع ذلك في دار الإسلام فينبغي أن ننظر إلى ما وراء هذه الدار لنرى مسافة الاختلاف بيننا وبين غيرنا.
وعن المستورد القرشي رضي الله تعالى عنه قال عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال له عمرو: أبصر ما تقول؟ قال: أقول ما سمعت عن رسول الله. قال عمرو: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعًا؛ إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين وضعيف ويتيم، وخامسة أمنعهم من ظلم الملوك.
وقد أسال نفسي: إذا كان المرء يبيت في دمشق أو بغداد أو استانبول عواصم الخلافات الثلاث الكبرى غير آمن على ماله ونفسه، ويبيت في لندن أو باريس أو واشنطن مستريح الطرف والقلب، فمن يعطيه ربُّك قيادة الإنسانية ويقر الأمور في يده.
إنني لن أفهم أبدًا لماذا يدخل الغزاة البيض إلى أرض الإسلام معمرين؟
لماذا ينجحون في إخصاب الأرض الجدبة حيث يفشل مسلم؟ لماذا يتضاعف إنتاج الأرض في أيديهم ويقل في أيدينا؟
لماذا يستخرجون الكنوز من بطن الأرض ولا نحسن استغلال ما استخفى وما استعلن من ثرواتها؟
إذا كان بعض الناس يقدم للمحاكمة على جرائم ارتكبها؛ فإن هناك أمة يجب أن تُحاكم على تفريطها الشائن في تكاليف ربها التي قال لها (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة: 29].
ويقول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف: 185].
فهل نظرنا؟ وما هي طرق النظر التي سلكناها، ولماذا أجدت عند غيرنا فعرف الكثير من قوانين الكون وأسراره ولم تجدِ عندنا شيئًا.
ويقول الله تعالى في وصف المفلحين من أهل الإيمان: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 8] فما صنعنا لنبني هذه الأخلاق، ونؤسس مجتمعًا يغالي بالعهود، ويصون الأمانات، ويضبط أقواله وأعماله كلها وراء سياج من هذه الفضائل.
إننا ظننا الأخلاق تنبت وحدها كما تنبت في الحقول بعض الحشائش الطفيلية فلم نبذل المعاناة لإنشاء أجيال ذات وفاء وإدراك لمسؤولياتها الخاصة والعامة.
ويقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، فماذا فعل العرب لتذويب الفوارق بينهم وبين الترك والعجم والهنود، وغيرهم من الأجناس التي دخلت في الإسلام؟!
هل اجتهدوا في تعليمهم اللغة العربية كما اجتهد الإنكليز في نشر لغتهم بين الأجناس التي خضعت لهم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أيها الإخوة: إن المسؤولية في ردم هذه الهوة بين الإسلام وحال المسلمين هي مسؤولية كل فرد منا.كل فرد يشعر بالألم على الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم. أما من ألقى باللوم على غيره من الناس فأنى يرتجى منه للإسلام نفع أو صلاح.
انظر يا رعاك الله إلى شاب شجاع يحمل كل صفات الفتوة اسمه عمر بن الخطاب، شاب أخلص جهده وعمله وفكره للدفاع عن الجاهلية وقضاياها، وكان المتحدث باسمها المنافح عنها حتى خُيل للكثير الذي رأوا استماتته في الدفاع عن الجاهلية أنه لو أسلم حمار ابن الخطاب لما أسلم عمر بن الخطاب.
فإذا به يُسلم ولكنه أسلم رضي الله عنه بمفهوم آخر غير المفهوم الذي نعرفه نحن. أسلم بمفهوم الإيجابية والتمثيل الحقيقي لهذا الإسلام فأعز الله به الإسلام ورفعه به وجاءت خلافتُه كمرحلة من أهم مراحل تاريخ الإسلام ازدهارًا ونهضة ورفعة.
أما نحن فمنا من يحمل همّ الإسلام ومنا من يحمل الإسلام همه.
وبكلِ حالٍ فإن الحاجةَ إلى تغيير هذا الوضع، وزحزحةَ أحوالنا عن هذا التردي والفصام النكد بين الإسلام وواقع المسلمين، مطلبٌ حقٌ مُلحٌ لا يحتملُ الانتظارَ ولا التأخير.
إننا ما لم نبادر جميعًا فلن نجد حلاً ولن نسلم من ذلة وسنعيش مسلمين اسما لا نعدو أن نكون تهمة لهذا الإسلام.
فالإسلام لم يعد في حياتنا هو الذي يحكم ويبني ويقرر ويأمر وينهى، بل إذا ما اصطدم بمصالحنا وحاجياتنا تركناه وراء ظهورنا (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 48- 51].
إن إنسانَ الهزيمةِ لا يقوى إلا على وضعِ المزيدِ من الهزائمِ مهما تمنى ومهما ادعى.
إن إنسانَ الهزيمةِ الذي يتحدثُ عن التغييرِ في كلِ شيء إلا في ذاتِه لا يغيرُ شيئًا على الإطلاق، وإن الأمةَ التي تفتشُ عن الخلاصِ في كلِ مكان إلا في ذاتِها تهوي من هزيمةِ إلى هزيمة.
هكذا لم يعد الإسلام في قلوبنا ولا حيًّا بيننا ثم نزعم أننا أمة الإسلام وأننا أهل الإسلام وأننا أبناء الإسلام.
فأين الإسلام وما هو الإسلام؟
اللهم اغفر لنا ..