البحث

عبارات مقترحة:

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

مظاهر تعظيم الله عز وجل

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تعظيم الله أعظم العبادات القلبية التي يجب تحقيقها .
  2. مظاهر ومعالم تعظيم الله تعالى .
  3. آثار التفكر والتأمل في ملكوت الله .
  4. تعظيم شرع الله ودينه .
  5. أمور تنافي تعظيم الرب سبحانه .
  6. وجوب تعظيم حرمات الله وشريعته .

اقتباس

إن تعظيم الله من أعظم العبادات القلبية التي يجب تحقيقها، والقيام بها، وتربية النفوس على ذلك؛ إذ شريعة الله مبنيةٌ على تعظيم الله، فتوحيد الله الذي هو أساس الملة والدين هو من تعظيم الله، فالله أجلَّ وأعظم من أن يُعبَد معه غيره، والشرك منافٍ للتوحيد ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها الناسَ: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، إن تعظيم الله من أعظم العبادات القلبية التي يجب تحقيقها، والقيام بها، وتربية النفوس على ذلك، إذ شريعة الله مبنيةٌ على تعظيم الله، فتوحيد الله الذي هو أساس الملة والدين هو من تعظيم الله، فالله أجلَّ وأعظم من أن يعبد معه غيره، والشرك منافٍ للتوحيد، يقول صلى الله عليه وسلم: "قال الله: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" وقال نوح عليه السلام لقومه لما وقعوا في الشرك بالله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) [نوح: 13] أي ما لكم لا تعظمون الله، ما لكم لا تقدرون الله حق قدره؛ لأن من عبد غيره فليس بمعظم له ولا بمقدر له حق قدره، وأخبر تعالى أن عظيم المخلوقات السماوات والأرض والجبال أنه قال: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [مريم: 88- 92].

أيها المسلم: إن لتعظيم الله مظاهره ومعالم فمن أعظمها، فمن مظاهر تعظيم الله أن تؤمن بأسماء الله وصفاته، تؤمن بصفات الله الذي وصف بها نفسه ووصف بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتسمي الله بما سماء به نفسه أو سمائه به رسوله صلى الله عليه وسلم، إيماناً بلا تعطيل وتنزيها بلا تشبيه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 9] (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 22- 24].

فمن أسمائه المجيد والكبير والعظيم والجبار، وهو جلَّ وعلا موصفٌ بالكبرياء والعظمة والعزة والجلال، فهو اكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل من كل شيء تعالى وتقدس علواً كبيرًا.

ومن مظاهر تعظيم الله أن تؤمن بالأثر المترتب على إيمانك بأسماء الله وصفاته، فأنت تعلم أن الله سميعٌ بصير أثر ذلك العلم أن تعلم أن الله يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك وعلانيتك (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) [آل عمران: 5]، (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس: 61]، فيدعو كذلك إلى تعظيمه وطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه.

ومن مظاهر تعظيمك لربك كمال محبتك له، وتعلق قلبك به، وشوقك إلا لقائه، ومن مظاهر تعظيم ربك خشيته والخوف منه من عقوبته وغضبه وانتقامه (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12]، وتؤمن به حق الإيمان مع الطمع في رحمة الله وفضله (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 98].

ومن تعظيمك لربك أن تكون متعلق القلب به تدعوه وترجوه وتضطر إليه دائمًا في رخاءك وشددتك، وقوتك وضعفك؛ لأنه يقضي الحاجات ويفرج الكربات ويغيث اللهفات (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الأنعام: 17]، وقال جلَّ وعلا: (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2].

ومن أثر تعظيمك لله الإكثار من ذكره والثناء عليه يقول الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172] فلا أحد أحق من الله من ذلك مدح نفسه وأثناء على نفسه، مدح نفسه بخلق السماوات والأرض: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) [الأنعام: 1]، أثنى على نفسه بأنه هو الذي أنزل الكتاب العظيم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) [الكهف: 1]، أثنى على نفسه بأنه جلَّ وعلا أنه لم يتخذ وليِّ من الذل: (وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) [الإسراء: 111]، أثنى على نفسه إذا قضاء بعدله بين خلقه قال جلَّ وعلا: (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر: 75].

ومن مظاهر تعظيمك لربك أن تعمل بما أوجب عليك من عبادات التي شرعها لك من واجب ومستحب إخلاصاً لله جلَّ وعلا، بأن تصلي وتزكي وتصوم وتحج وتبر الوالدين وتصل الرحم وتلزم الأخلاق الفاضلة طاعةً لله وقربى تتقرب بها إلى الله.

قال بعض السلف: وقد سئل عن قوله: (اتقوا الله) ما حقيقة التقوى؟ قال: حقيقة التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو بذلك ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، ومن أثار تعظيمك لربك معرفتك بقدر نعمه عليك، فأنت تعلم عظيم نعم الله عليك فتتفكر في نفسك: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21]، تذكر نعم الله عليك خلقك بأحسن تقويم، صورك فأحسن صورك، أمدك بالسمع والبصر والفؤاد، سخر لك الأبوين، سخر لك ما في السماوات وما نعم منه، نعمه عليك تترا، لا تستطيع أن تحصيها: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل: 53] (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [إبراهيم: 34]، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

ومن مظاهر تعظيمك لربك أن تتفكر في عظيم مخلوقاته، وكبيرها وجلالها لتعلم عظمة من خلقها (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57]، هذه السماوات السبع تفكر في عظيم خلقها وسعتها وكبرها وارتفاعها ودقة صنعتها (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك: 3-4]، (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6].

انظر إلى الأرض التي جعلها الله ذللها الله لنا (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15] جعل الأرض مهادًا، وأرساها بالجبال أن لا تميد بنا، ثم انظر إلى الدواب في السموات والأرض: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى: 29]، فالسماوات على عظمتها يقول صلى الله عليه وسلم: "ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك قائم لله راكع أو ساجد يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه آخر ما عليهم إلى يوم القيامة".

ثم تفكر في الأرض وما فيها من الدواب على اختلافها أجناسها وأنواعها النافع منها والمؤذي منها، لينتفع الناس من النافع ويعلم قدر ضعف أنفسهم أمام قوة تلك المخلوقات ليعلموا بها عظمة من خالقها، هذا الليل والنهار يتعقبان من دقيق (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [القصص: 71- 72]، الشمس والقمر منذ خلقهم الله (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: 38] ثم قال: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40] كلها عظات وعبر ودلالة على عظم خالق هذا الكون؛ ليكون في القلب تعظيم لله وإجلال لله، وإخلاص العبادة لله، وتعلق القلوب لله، في كل أحوالنا، في صحتنا ومرضنا، في قوتنا وضعفنا "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ".

كلما تعرف المؤمن هذه المخلوقات العظيمة عرف قدر خالقها وعظمة خالقها واستدل على كمال عظمته، وكمال كبرياءه وجلاله؛ وأنه مستحق أن يعبد ويخضع له ويذل له ويطاع فلا يعصى، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المعتبرين: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191- 192].

إن من تعظيم الله تعظيم شرعه ودينه، بأن تعظم كتاب الله وتعظم سنة محمد صلى الله عليه وسلم تعظمهما التعظيم اللائق بهما؛ بأن تقبل نصوص القرآن وتقبل نصوص السنة بالسمع والطاعة والاستجابة المطلقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24].

لا بد للمسلم أن يعظم شرع الله فإن تعظيمك لأوامر لله بالامتثال، وتعظيمك لنواهي الله بالاجتناب، دليل على تعظيمك بما أمرك، ودليل على تعظيمك لما نهاك عن ذلك، ولتعظيم شرع الله معالم فأول ذلك: الاستسلام التام لشرع الله وألا يقع في نفسك حرج من ذلك ولا اختيار لك بل السمع والطاعة واجبان عليك قال جلَّ وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36].

ومن مظاهر تعظيم شرع الله ألا يكون في نفسك حرج عند تطبيق أحكام الشريعة بل تقبل وينشرح صدرك بذلك قال الله جلَّ وعلا: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 65] أي: ينقادوا ويرضوا بذلك.

ومن مظاهر تعظيم الله أن لا يتطاول بالبحث عن الحكم، فالحكمة إن وجدت إن علمتها فالحمد لله، وإلا فأنت على يقين بأن شرع الله مبنيٌ على كمال حكمة الرب وكمال علمه وكمال رحمته وعدله، فقد تستدرج أحيانًا وقد تخفى عنك أحيانًا، لكن عليك بالسمع والطاعة والاستجابة التامة، ومن مظاهر تعظيمك لشرع لله أن تمسك لسانك عن الخوض فيما لا تعلمه ولا تتكلم في الشرع إلا بعلم ويقين (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل: 116] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59]، (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33] فقول على الله بلا علم دليل الجهل وضعف الإيمان وقلة البصيرة، فالمسلم المعظم لله لا يتكلم بشرع الله إلا بعلم يعلمه، وأما من الذي لا علم عنده فيمسك عما لا يعنيه فذلك أفضل له من أن يخوض بجهل ويقول باطلاً ويفتي بخلاف الحق فيرتكب الإثم والعدوان، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ: فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن المتأمل في كثير من أحوال المسلمين يجد أن هناك أموراً تنافي تعظيم الرب، أموراً تنافي تعظيم الرب وتقديره،أن هناك أموراً تنافي تعظيم الرب جلَّ وعلا ولا تقدر الله حق قدره، هذه المظاهر السيئة مبنيةٌ غالباً على أمور بدعوى الانفتاح، دعوى الحرية الرأي دعوى الحوار المفتوح في الأمور، هذه الأشياء يراد بها الاستهزاء والاستخفاف والسخرية والتنقص لشرع الله؛ بل الطعن في الذات الإلهية ومقام نبينا صلى الله عليه وسلم، الاعتراض على شرع الله، والقدح في أوامر الله ونواهيه، وكأن أولئك ينصبون أنفسهم بأنهم مشرعون العباد (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) [الشورى: 21].

والمصيبة أن قضايا الأمة المصيرية في معتقدها وأخلاقها وسلوكها يطرحها البعض من خلال القنوات الفضائية أو الانترنت أو نحو ذلك يطرحونها على بساط البحث فيتكلم جاهلٌ ويتكلم سفيهٌ ويتكلم منافقٌ، ويقول من يقول في شرع الله ودينه فيما أحل وفيما حرم، وفيما أمر وفيما نهى، ثم يأتي من يقول إن لكل إنسان حقاً أن يعترض على الله في تشريعه أو يعترض على رسوله بتشريعه أو يناقش الشرع فيقبل ما يوافق عقله ويرفض سواء ذلك، أهذه الألفاظ تصدر من قلب ذاق طعم الإيمان إن المؤمن حقاً سماع مطيع لله فيما أمره ونهوه عنه، كونه يعصي، كونه يرتكب المحرم لكن كونه يعترض على الله بما أحل وحرم ويقول هذه أمور انتهاء دورها ومحرمات مضى زمانها ونحن زمان التقدم والرقي المادي والصناعي، يجب أن نلغي بعض المحرمات ونبيح بعض المحرمات ونرفض التقيد بهذه الشريعة ونعترض عليها بأهوائنا وعقولنا كل ذلك منافٍ للإيمان الصحيح، اسمع الله يقول عن المنافقين هؤلاء المنافقين عن رسول الله وهم منافقو هذا العصر: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [النور: 49- 50] ثم قال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].

لما أنزل الله على نبيه: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) [البقرة: 284] أشفق الصحابة من عموم هذه الآية، وأتوا رسول الله فجلسوا على الركب وقالوا يا رسول الله: كلفنا من الأعمال من نطيق الصلاة والصيام، وقد جاءت آية لا طاقة لنا بها، قال: "وما هي"، قالوا: قول الله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) [البقرة: 284] قال: "أتريدون أن تقولوا سمعنا وعصينا، قولوا سمعنا وأطعنا ثم أنزل الله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285] فلما قرأها القوم وذلت بهم ألسنتهم قال الله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286] الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يتكلموا بها أَوْ يعملوا ".

فلنتق الله -معاشر المسلمين- يا كتاب الإسلام ويا رجال الإعلام ويا رجال الثقافة والفكر لنتق الله في أنفسنا، ولنجعل أنفسنا أنصاراً لشرع الله، دعاةً لدين الله، حماةً لهذه العقيدة ولهذه الأخلاق والفضائل، إياكم أن تزل اللسان بما يندم العبد عليه يوم القيامة "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه"، إياكم والاعتراض على شرع الله، وتنقص هذه الشريعة، آمنوا بها حق الإيمان؛ فإن العبد لا يقوي إيمانه حتى يرضى بالله ربا، ويرضى بالإسلام ديناً، ويرضى بمحمد نبياً رسولا، سنسأل عن ذلك عندما نضع في ألحادنا ويتخلى عنا أهلونا وأموالنا، فيسأل كل من ما ربك؟ ما دينك؟ ما علمك بهذا الرجل؟

فلنتق الله في إسلامنا، ولنتقي الله في شريعة رمزنا صلى الله عليه وسلم، ولنحذر من الألسنة البذيئة، والكلمة الوقحة، ولنتأدب في ألفاظنا، فكم ألفاظ يدلي بها بعض الناس؟ لو محصت الحق حقًّا وحملتها على ظهرها لرأيتها قد تحكم على قائلها بخروجها عن الإسلام؛ ولأنه اعترض على الله ولم يقبل شرع الله، الله جلَّ وعلا حينما ذكر شُبَه المعترضين ذكرها ذمًا لها منتقصًا لها، لما قال القائل: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) [الأعراف: 28] قال الله: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 28] ذكرها ذمًا لها ولأهلها لا مادح لها ، فإن الواجب علينا أن نسمع ونطيع لما قال ربنا ولما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نخضع كل أمورنا لتوافق المنهج القويم الذي رضاه الله لنا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 2].

فنسأل الله الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]، نسأل الله الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى، وأن يطهر قلوبنا من النفاق والضلال، وألسنتنا من الفحش والبذاءة إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلكم ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهدين الذين قضوا بالحق وبه قائمون، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، واجعل هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا وأصلح ولاة أمور المسلمين عامة إنك علة كل شيء قدير، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير سدده في أقواله وأعماله، ومنحه الصحة والعافية، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.