البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الزكاة

العربية

المؤلف سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الزكاة
عناصر الخطبة
  1. وجوب شكر نعمة المال بأداء الزكاة .
  2. التحذير من البخل .
  3. وجوب الزكاة في الذهب والفضة وبيان ذلك .
  4. وجوب الزكاة في النقود الورقية وعروض التجارة والديون .
  5. شروط وجوب الزكاة .
  6. مخارج الزكاة وأهلها .
  7. تنبيهات حول مصارف الزكاة .

اقتباس

إنه لا يُحْمَى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا، إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها ضوعفت عليها بتسعة وستين جزءًا، إذا أُحمي عليها لا يُكوى بها طرفٌ من الجسم متطرف، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية؛ الجباه من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف، وإذا كُوِيَ بها الجسمُ أُعيدتْ فأُحميتْ في نار جهنم ويكوى بها الجسم مرة ثانية، وهكذا كلما بَرَدَتْ أعيدت حتى يُقضى بين العباد، أعاذنا الله منها ..

أما بعد: فعلينا أن نتقي الله ونؤدي ما أوجب الله علينا في أموالنا التي رزقنا الله سبحانه، فقد أخرجنا الله من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولا نملك لأنفسنا ضرًا ولا نفعًا، ولا نملك دينارًا ولا درهمًا، ثم يسَّر لنا الرزق وأعطانا ما ليس في حسابنا، كما رزق جميع الدواب على هذه الأرض، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6]، وقال -عز وجل-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات: 22، 23].

فعلينا أنْ نشكرَ الله على نعمه، ونؤدي ما أوجب الله علينا لإبراء ذممنا وتطهير أموالنا، ونحْذرَ الشُّحَّ والبخلَ بما أوجب الله علينا، فإنَّ فيهما هلاكَنا ونَزْعَ بركة أموالنا، ونعلم أن أعظم ما أوجب الله علينا في الأموال الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34، 35]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في تفسير الآية الأولى: "من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له شجاعًا أَقْرَعَ -وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمّها- له زبيبتان يطوَّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتَيه -يعني شدقيه- يقول: أنا مالك أنا كنزك". رواه البخاري. وقال -صلى الله عليه وسلم- في تفسير الآية الثانية: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكْوَى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلما بردت أُعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد". رواه مسلم. وحَقُّ المال هو الزكاةُ.

فيا أيها المسلمون: إنه لا يُحْمَى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا، إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها ضوعفت عليها بتسعة وستين جزءًا، إذا أُحمي عليها لا يُكوى بها طرفٌ من الجسم متطرف، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية؛ الجباه من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف، وإذا كُوِيَ بها الجسمُ أُعيدتْ فأُحميتْ في نار جهنم ويكوى بها الجسم مرة ثانية، وهكذا كلما بَرَدَتْ أعيدت حتى يُقضى بين العباد، أعاذنا الله منها.

أيها المسلمون: إن ذلك العذاب ليس في يوم أو شهر أو سنة، ولكن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فما قيمة الأموال التي نبخل بزكاتها؟! وما فائدتها إذا كانت نقمة علينا وثمرتها لغيرنا؟! إنه لا يطيق أحدٌ الصبرَ على وهج النار في الدنيا فكيف يستطيع الصبر على نار جهنم؟! نعوذ بالله من النار ونسأله سبحانه أن يجيرنا من عذابها.

فعلى المسلم أن يتقي الله ويؤدي الزكاة طيبة بها نفسه، معتقدًا فرضيتها، ويؤديها لمستحقيها.

إنّ الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي حال كانت، سواء أكانت جنيهات أم ريالات أم قطعًا من الذهب والفضة أم حُلِيًّا من الذهب أو الفضة، للبيع أم للتأجير أم للاقتناء، أما الحلي الملبوس من قبل النساء فالخلاف في زكاته معلوم، فالذهب والفضة جاءت نصوص القرآن والسنة بوجوب الزكاة فيهما عمومًا دون تفصيل، وقد جاءت نصوص من السنة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي الذي تلبسه النساء على الذين يجمعون الأموال لشراء ذهب النساء ليكنزوها إلى وقت الحاجة وليتهربوا بذلك من الزكاة بحجة أنه للنساء وللبسهن وليس للادخار، مع أنه احتيال في طريقة الادخار والاكتناز، يدّخرونه لليوم الأسود على حدّ زعمهم وطريقة بخلهم وشحّهم وتهربهم من إخراج الزكاة ودفعها لمستحقيها، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتعطين زكاة هذا؟!"، قالت: لا، قال: "أَيَسُرُّكِ أنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بهما يوم القيامة سِوَارَيْن من نار؟!"، فخلعتهما فألقتهما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: هما لله ورسوله، وثبت عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب فقالت: يا رسول الله: أَكَنْزٌ هو؟! فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما بلغ أن يُزكَّى فزُكِّي فليس بكنز".

وزكاة الحلي الذي تلبسه المرأة أو تدّخره مع الخلاف المعلوم في وجوبه يجب أن تؤدّيه المرأة بنفسها، وإذا أراد الزكاةَ عنها زوجُها أو ولدُها أو أبوها أو غيرُهم من أقاربها فلا بأس، ولكن لا تجب عليهم كما يعتقده بعض المسلمين، بل الواجب على المالك نفسه وهو المرأة.

ولا تجب الزكاة في الذهب والفضة حتى يبلغا النصاب، فنصاب الذهب عشرون مثقالاً، ومقداره من الجنيهات السعودية أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه، وبالجرام اثنان وتسعون جرامًا، والأحوط خمسة وثمانون جرامًا، وقيل: خمسة وسبعون جرامًا، أما نصاب الفضة فمائة وأربعون مثقالاً، ومقداره بالدراهم السعودية ستة وخمسون ريالاً من الفضة، وما دون ذلك لا زكاة فيه. والواجب فيهما ربع العُشر على من ملك نصابًا منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول، والربح تابع للأصل فلا يحتاج إلى حول جديد.

وتجب الزكاة أيضًا في الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، سواء سُمِّيت درهمًا أم دينارًا أم دولارًا أم غير ذلك من الأسماء إذا بلغت قيمتها نصاب الذهب أو الفضة وحال عليها الحول.

كما تجب الزكاة في الديون التي للمسلم على الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية وبلغت نصابًا بنفسها أو بضمّها إلى ما عنده من جنسها، سواء أكانت حَالَّةً أم مُؤَجَّلةً، فيزكِّيها كلَّ سنة إن كانت على غني، فإن شاء أدّى زكاتها قبل قبضها من ماله، وإن شاء انتظر حتى يقبضها فيزكيها عن المدة التي مضت مهما كان عدد السنوات، أما إن كانت الديون على فقير فلا زكاة على من هي له حتى يقبضها فيزكيها سنة واحدة عما مضى لأنها قبل قبضها في حكم المعدوم.

وتجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابًا بنفسها أو بضمّها إلى ما عنده من الدراهم أو العروض، وهي كل مال أعده مالكه للبيع تكسبًا وانتظارًا للربح من عقار وأثاث وسيارات ومكائن وأطعمة وأقمشة وغيرها، فتجب عليه الزكاة فيها، وهي ربع عُشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول يجب عليه أن يُثمِّن ما عنده من العروض ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت القيمة مثل الثمن أم أقل أم أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلاً وكانت عند الحول تساوي ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإن كانت لا تساوي إلا خمسمائة ريال لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة فقط.

ولا زكاة في المال الواجب زكاته حتى يحول عليه الحول مثل النقدين وعروض التجارة والسائمة، فإذا كان عند المسلم دراهم بلغت النصاب وحال عليها الحول في رمضان مثلاً فيجب عليه أن يزكيها في رمضان، ويجوز أن يقدم الزكاة قبل أن يحول الحول على المال الواجب زكاته، أما ما يقع فيه بعض الناس من تأخير الزكاة عن وقت وجوبها وهو تمام الحول فهذا لا يجوز، أي: تأخير الأداء عن وقت الوجوب، فبعضهم يكون تمام الحول عنده في المحرم أو صفر أو غير ذلك من الشهور المتقدمة عن رمضان فيؤخر الزكاة إلى رمضان، فهذا الفعل لا يجوز ويجب التنبه له، أما تقديم الزكاة فلا بأس به وهو الأفضل، خاصة إن قدمها في شهر رمضان عن وقت وجوبها الذي يحل بعد شهرين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك طلبًا لزيادة الأجر في رمضان حيث مضاعفة الأجر كما ورد بذلك الخبر عن رسول الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإذا كان المسلم يملك المال شيئًا فشيئًا كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق ملاحظة ذلك فيزكي الجميع في الشهر الأول من السنة، الشهر الأول بالنسبة له وادِّخَاره وحساباته وما يملك هو، فقد يكون أول شهر هو رجب، وقد يكون ربيع الأول أو رمضان كل بحسبه، فما تم حوله فقد زُكِّي في وقته، وما لمْ يتمَّ حولُه فقد أُدِّيَتْ زكاتُه، ولا يضرُّ تعجيلُ الزكاة بل هو أربح وأسلم من الاضطراب.

وإذا كان للمسلم عقار يسكنه أو سيارة يركبها أو آلات ومكائن لفلاحته وصناعته فلا زكاة عليه في ذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة".

وإذا كان له عقار يُؤَجِّرُه أو سيارة يكدُّها في الأجرة أو معدات يؤجرها فلا زكاة عليه فيها، وإنما الزكاة فيما يحصل فيها من الأجرة إذا حال عليها الحول وهي في حوزته، والخلاف إنما هو في أجرة العقارات والمعدات وغيرها مما لم يتم عليها الحول وهي في حوزته وعند استلامه لها، أما ما حال عليه الحول فلا خلاف عليه، والأحوط للمسلم أن يخرج الزكاة خروجًا من أي خلاف محتاطًا لنفسه وسوف يخلف الله عليه وينمّي له المال، "ما نقص مال من صدقة بل تزيده"، كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وعلى كل مسلم أن يعلم أن الزكاة لا تبرأ منها الذمة حتى تُوضع في الموضع الذي عيّنه الله -عز وجل- في كتابه الكريم في الأصناف الثمانية، فلا يجوز للمسلم أن يحابي ويجامل فيها أحدًا ممن لا يستحقها، فهي كفريضة الصلاة أو الصوم أو الحج، كما يُحافظ على الشروط والواجبات والأركان فيها يكون ذلك في الزكاة أيضًا لأنها أحد أركان الإسلام، فلا بُدَّ فيها من الإخلاص لله رب العالمين، فلا يكون فيها رياء ولا سمعة ولا منّة ولا أذى وترفّعٍ على الفقراء والمساكين، بل هي حَقٌّ لهم في ذلك المال، يجب على المسلم أن يدفعها لهم دون منٍّ ولا أذى خالصة لله من كل شائبة تشوبها لئلا يحبط عمل المسلم بذلك، بل عليه أن يؤديها معتقدًا فرضيتها ووجوبها عليه، وأنها حق لأولئك الأصناف في ذلك المال ليس له في ذلك فضل ولا منة.

ولا بد لدافع الزكاة أن يكون متبعًا لهدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في دفعه الزكاة لمستحقيها، فالإخلاص والصواب شرطان أساسيان في قبول العمل، وبعدها يسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منه ذلك العمل وأداءه لتلك الزكاة المفروضة عليه في ماله؛ لأن كثيرًا من المسلمين لم يقدروا لتلك الشعيرة الإسلامية العظيمة قدرها، فتراهم يجاملون ويحابون أشخاصًا يدفعون لهم الزكاة وليسوا من أهلها، أو يدفعونها لأشخاص رجاء مصلحة من ورائهم بِجَلْبِ نَفْعٍ أو دفع مضرة فيما يظهر معه أن ذلك بيد الله -عز وجل- وغير ذلك مما هم يعلمونه.

ولا تحل الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، وإذا أعطاها المسلم شخصًا غلب على ظنه أنه مستحق وتبيّن أنه غير مستحق أجزأت عنه، والإثم يكون على ذلك الذي لا يستحقها. ويجوز أن يدفعها المسلم إلى أقاربه الذين لا تجب نفقتهم عليه إن كانوا مستحقين لها، ولا يجوز للشخص أنْ يَقِيَ بها مَالَهُ أو يدفع بها عنه مذمَّةَ الآخرين، ولا يجوز أن يصرفها في شراء مصاحف أو أثاث للمساجد أو في عمارتها أو لإصلاح طرق أو غيرها من المشاريع الخيرية العامة أو الخاصة، أو للمساهمة في أعمال تطلبها جهات رسمية أو غير رسمية يظهر للناس منها بأنها تبرع ولكنها مدفوعة من صاحب المال بِنِيَّةِ الزكاة. ولا يجوز دفعها للدعايات والإعلانات التجارية وغيرها وجوائز المسابقات في رمضان أو غيره في الإذاعة أو التلفاز أو الصحافة أو غيرها، فلا يجوز التحايل والإقدام على هذه الطرق الملتوية التي ظاهرها الإحسان والإنفاق والإقدام على فعل الخير بالبذل والعطاء من مال الشخص ولكنها في الحقيقة والنية المُبَيَّتَةِ هي فريضة الزكاة التي أوجبها الله عليه، فلا تبرأ ذمة من يفعل ذلك، وسوف يحاسب على فعله كما يحاسب على فريضة الصلاة أداءً أو ضياعًا أو إهمالاً أو تكاسلاً يوم القيامة، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89].

فالواجب على المسلم أن يدفع زكاة ماله إلى مستحقيها لكونهم من أهلها الذين وضّح وحدّد أصنافَهم ربُّ العزة والجلال في كتابه الكريم، ولو أن الزكاة تؤدَّى في مجتمع المسلمين حقيقة وتدفع لمستحقيها لأصبح الفقراء أغنياء بإذن الله، ولكن التفريط حاصل ومشاهد الآن في المجتمعات الإسلامية، وزكاة أموال المسلمين بالمليارات وليست بالملايين ولا زال الفقراء والمحتاجون في زيادة وحاجتهم لم تُسدّ، فيا تُرى ما السبب؟! إن السبب وراء ذلك هو عدم دفع الزكاة لمستحقيها أولاً، فتذهب هنا وهناك، فذلك يحابي فيها ويجامل، وفلان لا يؤديها أو يتحايل على أدائها ولم يعلم حكم الله فيها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تلك الجهود المبعثرة التي نشاهدها في أعمال الخير في البلد الواحد من انتشار عشرات الجمعيات والهيئات المتعددة والأشخاص الذين يتجمع حولهم أصحاب الحاجة والفقر، فلو توحّدت هذه الطاقاتُ المُبَدَّدَةُ والجهود المبعثرة التي قُصد من ورائها الخير وأوصلت إلى الفقراء والمساكين النقود ليتصرفوا فيها ويقضوا حاجاتهم بأنفسهم لكان ذلك أَسْلَمَ وأَفْضَلَ من حرمان كثير من الناس من تلك الخيرات أو حجزهم على أنواع معينة من المأكولات والمطعومات التي قد دخل السُّوسُ بعضَها أو انتهت صلاحيتها أو أُرْغِمَ صاحبُ الحاجة بفرض ذلك عليه وليس على ما يرغب في المأكل والمشرب والملبس، ولا أدلَّ على ذلك مما يُفعل في مشروعات إفطار الصائمين وإن كان لا يدخل في الزكاة ولا يجوز أن يَدفع أحدٌ الزكاةَ إلى هذه المشاريع؛ لأن المستفيدين هم أصحاب المطاعم والمحلات التجارية بأنواعها، والضحية هو ذلك المسمى بالصائم المستفيد من تلك الوجبات المسماة باسمه وحقيقتها المفروضة على الصائمين أكلاً وشربًا قد لا يرغبونها، حيث يُفرضُ عليهم اللبن والعصير والسمبوسك والأرز وغيرها مما قد تكون باردة أو غير جيدة في تحضيرها، مع ما يصاحبها من جهود وأوقات لو استثمرت في غير ذلك لكان أولى، ولو دُفع لكل صائم مائة وخمسون ريالاً كُلْفة تلك الوجبات واشترى بها الصائم لنفسه ما يريد من أكل وشرب لكان أولى من هذه الجهود المبعثرة والطاقات المهدرة والأموال التي فُرضت على الصائمين واستفاد منها غيرهم.

فهذه إشارة أردت منها توحيد الجهود والسير المحمود في الطريق الصحيح وتنبيه كل مسلم ليعرف عظم الأمانة الملقاة على عاتقه، سواء أكان قائمًا على مشروع خيري أم صاحب مال يؤدي زكاة ماله، فعليه أن يعرف أين يضعه، وهل وضعه في المكان الصحيح، وهل أداه كما أمر الله -عز وجل- ورسوله أم لا؛ لأنه سوف يحاسب على هذه الأموال الحلال منها والحرام، وأداء الزكاة من عدمها، وهذه الصناديق التي توضع عند أبواب المساجد هي لِتُلْقِيَ التبرعات من مالك الخاص وليس من الواجب في مالك الذي لا بد أن تؤديه للأصناف الثمانية أو أي واحد منهم، ولو فُرض أنك تريد وضع الزكاة فيها فلا بد من الكتابة على المظروف الذي تضع فيه النقود بأنها من الزكاة وعَدَد تلك النقود؛ لئلا توضع في مشاريع أو أعمال أخرى ليس لها صلة بمصارف الزكاة، وليس كل مشروع خيري تدفع له الزكاة، فليتنبه كل مسلم إلى ذلك حتى تبرأ ذمته من مسؤولية هذه الفريضة العظيمة التي دخلتها هذه الأيام وهذا الزمان عدة عوامل أفقدتها مكانتها العظيمة في الإسلام، وأصبح التهاون بها بين المسلمين الآخذ والمعطي سمة وعلامة بارزة تدل على عدم الاهتمام وقلة المبالاة والخوف من عاقبة ذلك في الدنيا قبل الآخرة.

ولا يفهم أحد من كلامي هذا غير ما أردته ولا يحمله على غير المحمل الحسن إن كنا نريد الخير لا غير، فما أردت إلا الخير من حيث توحيد الجهود في جهة واحدة في كل بلدة ومدينة والاهتمام بأمر الزكاة والعناية بذلك والتفريق بينها وبين عموم الصدقات والهبات، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60]، وفي ختم هذه الآية بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله -جل جلاله- لعباده على أنه -سبحانه وتعالى- هو العليم بأحوال عباده ومن يستحق منهم للصدقة ومن لا يستحق، وهو الحكيم في شرعه وقدره، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وإن خفي على بعض الناس أسرار حكمته ليطمئن العباد لشرعه ويسلّموا لحكمه.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله...