البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
أخي المسلم، إيَّاك أن تنظر إلى خطاياك نظر المستعظم فقط دون أن تفكر أن الله جلَّ وعلا قادر على أن يمحوها، وقادر على أن يزيلها، وقادر أن يعفو عنك، فكلما فكرة في ذنوبك، وتذكرت خطاياك وسيئاتك فقصد رباً كريما وجود كريما جوادا، أرفع يدي الضراعة أن يتوب إليك، ويمنَّ عليك، ويختم عليك بخاتمة خيره، كم في من شبابنا من زلات وغفوات وتقصير وإساءات، والآن وقد بلغ الإنسان...
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن الله خلق العبد، وعلم جلَّ وعلا بسابق علمه ما سيعمله هذا الإنسان، وبيَّن له طريق الخير والشر، هداه النجدين: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 10]، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 7- 10]، بدأ أولا أراداً واختيارا ليختار ما يشاء فإمَّا طريق الهدى وإمَّا طريق الضلال: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل: 5- 10].
ولما كان من طبيعة العبد، من طبيعة الإنسان وقوعه في الخطأ والنسيان، وتقصيره في جانب حق الله، وارتكابُه للآثام والمعاصي أحيانًا، فإن الله جلَّ وعلا من كمال رحمته وفضله وإحسانه جعل له أسباباً وكفارات ماحيات ومغفرة لما سلف من ذنوبه.
فمن تلكم الأسباب أيُّها المسلم: توحيد الله وإخلاص الدين له، والبعد عن الشرك قليله وكثيرة، فالإيمان والتوحيد من أعظم مكفرات الذنوب، فلزم إيمانك وإخلاصك لله، وابتعد عن الشرك قليله وكثيرة (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]، يقول الله جلَّ وعلا: «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»، وفي الحديث القدسي: «يا ابنَ آدم لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا، لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة».
ومن أسباب تكفير الذنوب والخطايا: كثرة الاستغفار والتوبة إلى الله بالسر والعلن، فالاستغفار طلب المغفرة من الله، فإنَّ الاستغفار يمحو الذنوب والأوزار: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل: 20] وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء: 110]، والله يقول أيضاً: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ) [آل عمران: 135].
ومن أسباب مغفرة الذنوب: تقوى الله في السر والعلن، فمن اتقى الله في سره وعلانيته، وظاهره وباطنه، وراقب الله في كل الأحوال فإنه حليٌ به أن تغفر خطاياه وسيئاته يقول الله جلَّ وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
ومن أسباب مغفرة الذنوب: دعاء الله مع اليقين بالإجابة لأنَّ الله أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فإذا وقعت في خطيئة فادعوا الله ليلا ونهارا ولاسيما الأوقات التي ترجى فيها إجابة الدعاء كأدبار الليل، والصلوات المكتوبة، وعند الأذان، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وإذا صعد الإمام المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وبين الأذان والإقامة، فادعوا ربك طامعاً راجيا من فضله وكرمه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62] الآية.
ومن أسباب مغفرة الذنوب إتباع محمد صلى الله عليه وسلم ومحبته والإقتداء به قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
ومن أسباب مغفرة الذنوب الإنفاق في سبيل الخير وكظم الغيث والعفو عن النَّاس قال جلَّ وعلا: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 133- 134].
ومن أسباب مغفرة الذنوب: الصبر على الطاعة وعن المعاصي وعلى الأقدار المؤلمة مع الأعمال الصالحة: (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود: 11].
ومن أسباب مغفرة الذنوب بفضل الله علينا ورحمته: الوضوء الذي نفعله عند كل صلاة، ذلك الوضوء الذي هو شرط لصحة الصلاة فهو أيضا سبب لمغفرة ذنوبنا وخطايانا، توضأ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وضوءاً ثم قال: سمعت سول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، غَفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وكان صلاته وذهابه إلى المسجد نافلة.
ومن أسباب مغفرة الذنوب ذكرنا لربنا عند انقضاء وضؤنا قال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ»، فوضوؤك مكفر لسيئاتك، وذكرك الله بعد الوضوء استشعار منك أنك أديت واجبا ترجو رحمة الراحمين، فعمل يسير وثواب كبير ولله الفضل علينا أولاً وأخرا.
ومن أسباب مغفرة الذنوب صلاة ركعتين بعد الوضوء قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يقْبِل عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» حديث صحيح.
وقال عثمان رضي الله عنه في حديثه لما توضأ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، إلا غُفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، فيا له من فضل، ويا له من ثواب لأن المؤمن يفعل دائما وهو على يقين من هذا الوعد الصادق، يرجو رحمة الراحمين.
ومن أسباب مغفرة الذنوب دعاء الله عند الأذان قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نبيا. غَفِرَ الله لَهُ ذَنْبُهُ».
ومن أسباب مغفرة الذنوب التردد إلى المساجد كل يوم خمس مرات، ففي ذلك سبب لمغفرة ذنوبك وكثرة حسناتك ورفع درجاتك، يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ»، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد،ِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».
ومن أسباب مغفرة الذنوب قولنا وراء الإمام آمين إذا قال: (وَلا الضَّالِّينَ)، نقول بعده آمين في الصلاة الجهرية، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غَفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، ومنها بعد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده أن نقول: ربنا لك الحمد قال صلى الله عليه وسلم: «وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، فإذا وافق تأمينه تأمين من في السماء تأمين من في الأرض، غفر الله له ما تقدم من ذنبه».
ومن أسباب منح الخطايا والسيئات المحافظة على الصلوات الخمس والجمعة يقول صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»، ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرًا جاريا يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ»؟، قَالُوا: لاَ يا رسول الله، قَالَ: «فَكذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا والسيئات»، وفي الجمعة يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغتسل فيأتي الجمعة ويصلي ما كتب له ثم ينصت للخطبة، ثم يصلي مع الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام» وذلك فضل الله علينا.
ومن أسباب المغفرة قيام رمضان يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، «وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
ومن أسباب المغفرة الذكر بعد الصلاة يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَحَمِدَه ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبَّره ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، ثم قَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ إلا محيت ذنوبه ولو كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ».
ومن أسباب مغفرة الذنوب حج بيت الله الحرام يقول صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ»، وقال: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ من ذنوبهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
ومن أسباب مغفرة الذنوب كثرة ذكر الله جلَّ وعلا والثناء عليه «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
ومن أسباب مغفرة الذنوب من رحمة الله الابتلاء العبد في نفسه وماله وولده يقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: «مَا يُصِيبُ العبد مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
ومن أسباب مغفرة الذنوب دعاء والأولاد لآبائهم واستغفارهم لهم وترحمهم عليهم يقول صلى الله عليه وسلم: "إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ (الإنسان) انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ"، والله يقول: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الإسراء: 24].
ومن أسباب مغفرة الذنوب رحمة أرحم الراحمين والفضل ذو الفضل والإحسان فإنَّه أرحم الراحمين جاء في الحديث: «ما يذنب العبد فقال: ربي أذنبت، قال الله: علم عبدي أن له ربا يأخذ بالذنب ويغفر الذنب أشهدكم إني قد غفرت له»، فلنتعرض للأسباب المغفرة فما أكثر خطايانا، وما أعظم أوزارنا، وما أكثر إساءتنا قولا وفعلا، فلا يهلك على الله إلا هالك، فلنتعرض للأسباب مغفرة الذنوب فعسى الله أن يمنَّ بفضله وكرمه وجوده، «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي»، فلله الفضل والمنة لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثناء على نفسه.
نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، وأن تمحوا زلاتنا وخطايانا، وأن توفقنا في مستقبل أعمالنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأن ترحم أمهاتنا وآباءنا وتصلح ذرياتنا، وتجمع قلوبنا على طاعتك، وتعيذنا من مظلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، كلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، كلنا نذنب ونعصي، كلنا نسيء ونقصر، كلنا نقع فيما نقع فيه، وستر الله فوق كل ذلك.
أخي المسلم، إيَّاك أن تنظر إلى خطاياك نظر المستعظم فقط دون أن تفكر أن الله جلَّ وعلا قادر على أن يمحوها، وقادر على أن يزيلها، وقادر أن يعفو عنك، فكلما فكرة في ذنوبك، وتذكرت خطاياك وسيئاتك فقصد رباً كريما وجود كريما جوادا، أرفع يدي الضراعة أن يتوب إليك، ويمنَّ عليك، ويختم عليك بخاتمة خيره، كم في من شبابنا من زلات وغفوات وتقصير وإساءات، والآن وقد بلغ الإنسان ما بلغ، فعليه أن ستعجل ويتوب إلى الله مما مضى من ذنوبه، فإن ربنا يحب منا أن نتوب إليه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]، يفرح بتوبة أحدنا إذا تاب إليه فالفضل فضله والكرم كرمه والجود جوده، العطاء أحب إليه من المنع، والعفو أحب إليه من العقوبة، فإيَّاك أن تقنط من رحمة الله مهما عظمت الذنوب وتكاثرت: «يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ»، تذكر الذنوب على أن تتوب إلى الله منها، وتندم على ما مضى، وترزق بالفضل الله ودعوه الصادق: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53]، يؤت يوم القيامة: «برجل فينشر له تسع وتسعين سجلا كل سجل مد البصر، فيقال له: أتنكر من هذا شيء، فيقول: لا، فيقال له: أظلمتك الكرام الكاتبون، فيقول: لا، فييأس فيقال له: لا ظلم اليوم فيؤتى ببطاقة فيها أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة، قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة».
فيا أخي، ارجُ رحمة ربك ورجوا عفوه وكرمه، وواصل بالأعمال الصالحة، وحاسب نفسك فعسى توبة نصوح في ساعة من الساعات تمحو سيئاتك وخطاياك (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان: 68- 70]، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82]، نسأل الله لنا ولكم التجاوز والإحسان والمغفرة عما مضى وكان برحمته إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على نبيكم محمد صلى الله علي وسلم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللَّهمَّ انصر عبادك الموحدين على من بغى عليهم واعتداء عليهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح وولاة أمرنا وفقهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، وبارك له في عمره وعمله، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبدِالعزيزِ وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنَّك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.