البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
مطلوب من المسلمين جميعاً عند امتناع المطر أن يحاسبوا أنفسهم ويتوبوا إلى ربهم، لأن ذلك بسبب ذنوبهم، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
الحمد لله الغني الحميد، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين فبلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) وهو مع غناه عنكم يأمركم بدعائه ليستجيب لكم، وسؤاله ليعطيكم، واستغفاره ليغفر لكم، وأنتم مع فقركم وحاجتكم إليه تعرضون عنه وتعصونه، وأنتم تعلمون أن معصيته تسبب غضبه عليكم وعقوبته لكم، ففي سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: "يا معشر المهاجرين؛ خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا. ولا نقص قومٌ المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا المطر من السماء، ولو لا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم".
فذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث خمسة أنواع من المعاصي كل نوع منها يسبب عقوبة من العقوبات، ومن ذلك منع الزكاة ونقص المكيال يسببان منع المطر وحصول القحط وشدة المؤنة وجور السلطان. وأنتم في هذه الأيام ترون تأخر المطر عن وقته وإجداب المراعي. مما يترتب عليه تضرر العباد والبلاد والبهائم- قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم" وقال مجاهد: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم".
أما منع الزكاة فقد ابتلي كثير من الناس اليوم بتضخم الأموال في أيديهم وصاروا يتساهلون في أخراج الزكاة إما بخلاً بها إذا نظروا إلى كثرتها، وإما تكاسلاً عن إحصائها وصرفها في مصارفها، وأما نقص المكاييل فالبعض من الناس حملهم الطمع والجشع على الغش في المعاملات ونقص المكاييل والموازين وبخس الناس على أنها تامة وعلى شد بلادها وهي منقوصة مبخوسة، وبائعوا الخضار والفواكه والتمور يغشون الناس في الصناديق فيضعون الرديء في الأسفل والجيد في الأعلى ويقولون كله من النوع الجيد، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من فعل مثل هذا وزجره –حينما مر على بائع طعام فأدخل يده صلى الله عليه وسلم فيه فأدرك في أسفله بللاً فقال: "ماذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. يعني: المطر، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا جعلته ظاهراً حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا" فقد اعتبر صلى الله عليه وسلم إخفاء المعيب وإظهار السليم غشاً للمسلمين وتبرأ من فاعله.
وبعض الباعة يغررون بالمشترين الذين لا يعرفون أقيام السلع ويثقون بهم فيرفعون عليهم القيمة ويغبنونهم غبناً فاحشاً، وكل هذه الجرائم وغيرها مما يجري في أسواق المسلمين تسبب العقوبات الخاصة والعامة، ومن ذلك ما تشاهدون من تأخر المطر الذي به حياتكم وحياة بهائمكم وحياة زروعكم وأشجاركم، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا)
أي: أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقاً والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء. وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة، قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم: ليس عام بأكثر من مطراً عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي: ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات، أو ليذكر من منع المطر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه فيقلع عما هو فيه، فالمطر نعمة من الله على عباده قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ).
فهو الذي أنزل المطر بمنّه وفضله ولو شاء لحبسه فتضرر العباد، وهو الذي جعله عذباً فراتاً سائغاً شرابه، ولو شاء جعله ملحاً أجاجاً لا يصلح للشرب.
عباد الله: إن الله أرشدنا عند احتباس المطر إلى أن نستغفره من ذنوبنا التي بسببها حبس المطر؛ قال تعالى حكاية عن هو عليه السلام:(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).
فالإكثار من الاستغفار والتوبة سبب لنزول المطر، وقال تعالى:(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع وأدَرّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وتخللها الأنهار الجارية.
وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته الاستسقاء عند احتباس المطر وذلك بالصلاة والدعاء والتضرع إلى الله تعالى، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه: منها أنه استسقى يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته. ومنها أنه وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى، فصلى بالناس ركعتين وخطب ودعاء، مما يدل على أنه مطلوب من المسلمين جميعاً عند امتناع المطر أن يحاسبوا أنفسهم ويتوبوا إلى ربهم، لأن ذلك بسبب ذنوبهم، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
وقال تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إلى ربكم وخذوا على أيدي سفهائكم بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر(وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
فهو الذي أنزل المطر بمنّه وفضله ولو شاء لحبسه فتضرر العباد، وهو الذي جعله عذباً فراتاً سائغاً شرابه، ولو شاء جعله ملحاً أجاجاً لا يصلح للشرب.