الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | عايد بن علي القزلان التميمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
عباد الله: الكسل: مرض خفي، وداء مهلك، يعوق نهضة الأمم والشعوب، ويمنع الأفراد من العمل والسعي النافع، والبذل والعطاء. عباد الله: ما أصاب الكسل أمةً إلا أضعفها وأخَّرها ودمَّرها، وما أصاب شعباً إلا ضيَّعه وجهَّله، وأفشَله وأضعفه، وما أصاب فرداً إلا أمرضه وأخزاه وأذله وحقَّره. عباد الله: وللكسل أسباب كثيرة؛ منها:...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الآمر بالعمل، والناهي عن الكسل سبحانه -عز وجل-، قسم الرزق، وقدر الأجل، وله الحمد على ما حصل، ونعوذ به من العجز والكسل، والجبن والبخل والفشل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
أيها المؤمنون: لقد كان جيل الصحابة -رضي الله عنهم- على درجة عالية من الهمة والنشاط، اقتضت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوهم في كثير من المواقف إلى الحد من هذا النشاط الزائد، وإلى العودة إلى مستوى القصد والاعتدال، قائلا لهم: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ".
وحين ضعفت العزائم والهمم، صار البعض من الناس حين يطالب بأداء الفرائض والواجبات، يكون جوابه إما أن يقول: أنا عاجز عن ذلك، أو كسلان.
وأصبحنا بحاجة كبيرة للاستعاذة بالله من العجز والكسل.
وقد علمنا حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من العجز والكسل؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كانَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهمَّ إِني أَعُوذ بك من العَجْز والكَسَل، والجُبْنِ والهَرَمِ والبُخْلِ، وأعوذ بك من عذابِ القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"[أخرجه مسلم].
عباد الله: إنما استُعِيذَ بالله من الكسل؛ لأنه يُبعِد عن الأعمال الصالحة، ولأن الكسل من أسباب الخسارة والوقوع في أسباب المعاصي والسيئات، ولأن الكسل فيه تثاقل عن المصالح الدينية والدنيوية، فيمنع من القيام بالحقوق الواجبة.
عباد الله: العجز هو: ترك العمل مع عدم القدرة على عمله.
والكسل: ترك العمل مع القدرة على عمله؛ لعدم وجود الدافع للعمل، وقلة الرغبة في الخير مع إمكان عمل العبادة أو الطاعة.
عباد الله: وقد ذم الله -تعالى- الكسل والتباطؤ، وجعلهما من صفات المنافقين؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا * وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَنْ لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَـنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) [النساء: 71-73].
وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء: 142- 143].
وقال سبحانه: (قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 53 -54].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"[رواه مسلم].
عباد الله: الكسل: مرض خفي، وداء مهلك، يعوق نهضة الأمم والشعوب، ويمنع الأفراد من العمل والسعي النافع، والبذل والعطاء.
عباد الله: ما أصاب الكسل أمةً إلا أضعفها وأخَّرها ودمَّرها، وما أصاب شعباً إلا ضيَّعه وجهَّله، وأفشَله وأضعفه، وما أصاب فرداً إلا أمرضه وأخزاه وأذله وحقَّره.
عباد الله: وللكسل أسباب كثيرة؛ منها:
النفاق، وارتكاب الذنوب والمعاصي، وترك الصلوات، وخاصة صلاة الفجر، وقلة ذكر الله، وكثرة الطعام والشراب والسهر، وكثرة النوم، وطول الأمل، وصحبة أهل الكسل.
عباد الله: ويُعَالجُ الكسل بالإيمان الحقيقي المؤدي إلى العمل النافع، وقد اقترن العمل بالإيمان في عشرات الآيات: (الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)[البقرة: 25].
ومن علاج الكسل: قراءة أذكار الصباح والمساء، والصلاة على وقتها، والمحافظة على الوضوء، وعدم سماع ومشاهدة المنكرات والمحرمات، والإكثار من الاستغفار، والصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: ومن علاج الكسل: وضع أهداف عالية وغالية، ويمكن تقسيم هذه الأهداف إلى: أهداف قريبة، وأهداف بعيدة؛ فمن الأهداف القريبة مثلاً: حفظ القرآن.
ومن الأهداف البعيدة: إخراج الأمة من حالة التخلف، والتأخر عن الأمم.
ولا ننسى الهدف الأساسي، وهو إقامة العبودية لله، والوصول إلى رضا الله -تعالى-، والفوز بجنته.
عباد الله: ومن علاج الكسل: المحافظة على الصلوات، وخاصة صلاة الفجر؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ"[أخرجه البخاري].
عباد الله: ومن علاج الكسل وأهمها: الدعاء خاصة وقت السحر، والسجود والتضرع لله مغير الأحوال أن يرزقنا حالاً خير من هذا الحال، ولنتذكر هذه الأحاديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ"[أخرجه الترمذي والطبراني وحسنه الألباني].
وقوله صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ -عز وجل- فِيهَا خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ"[أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ"[متفق على صحته].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما كان وما يكون، وما تسرون وما تعلنون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق المأمون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم يبعثون.
أما بعد:
فيا عباد الله: ينبغي لمن يرجو زكاة نفسه :وإصلاحها أن يستعين بالله -عز وجل- دائما ويدعوه، وكان صلى الله عليه وسلم يسأل الله -عز وجل- أن يعيذه من جميع الصفات الذميمة، فكان يقول في أذكار الصباح والمساء: "رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر".
عباد الله: إن ديننا الإسلامي يخاطب أتباعه بقول الله: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
لا يقبل من أتباعه الكسل والخمول، والعجز والفتور، وضعف الهمة.
إن ديننا الإسلامي يحثنا على الهمة العالية، وأن تكون قلوبنا معلقةً بالله، مخلصين له، لكي يحصل لنا الأجر والثواب، والعاقبة الحسنة.
نسأل الله -سبحانه- النشاط والجد في الطاعة، والإعانة على ذلك.