الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ما أكثر الهموم في حياتنا... همّ المال، وهمّ المنصب، وهمّ الجاه، وهمّ الزوجة، وهمّ الأولاد، وهمّ الدراسة،... فإذا كانت هذه هي الهموم التي تسيطر على حياتنا وسببت لنا التعاسة والشقاء والضنك فأين همّ الآخرة؟ الذي يه تزول هموم الدنيا وبه تحل السعادة والطمأنينة والرضا.. ومن أراد أن يعرف الهم الأكبر الذي يشغله فلينظر في أحواله: ما الذي يفكر فيه قبل نومه أو في صلاته؟ ما الذي يفرحه ويحزنه؟ وما الذي يغضبه؟ ما هي أمنياته؟ وبماذا يدعو الله في سجوده؟ وما الذي يراه في منامه وأحلامه؟ ما الأمر الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا في قراراته
الحمدُ لله إليه تصير الأمور، وبيدِه تصريفُ الدّهور، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانه، ووسِع المذنبين عفوُه وغفرانُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، عظُم شأنه وعزّ سلطانه،...
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيًا | والناس حولك يضحكون سرورًا |
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا | في يوم موتك ضاحكًا مسرورًا |
وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، المبعوث للثقلين الجِنّة والنّاس، والمبرَّأ من العيوب والأدناس، صلّى الله وسلّم وبارك عليه عددَ النفوس والأنفاس، وعلى آله المطهَّرين وأصحابه البَرَرة الموحدين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: " اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا اكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا" [حديث حسن غريب، الترمذي ح3502]....
ما أكثر الهموم في حياتنا... همّ المال، وهمّ المنصب، وهمّ الجاه، وهمّ الزوجة، وهمّ الأولاد، وهمّ الدراسة، وهمّ المستقبل المجهول، وهمّ السعادة المفقودة وهم المرض وهمّ العدو وغبر ذلك من الهموم وغيرها... فإذا كانت هذه هي الهموم التي تسيطر على حياتنا وسببت لنا التعاسة والشقاء والضنك فأين همّ الآخرة؟ الذي يه تزول هموم الدنيا وبه تحل السعادة والطمأنينة والرضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل الهموم همًّا واحدًا هم المعاد كفاه الله همّ دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك» [ابن ماجه ح4106].
وفي رواية: «من كان همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرّق الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له»[أحمد ح21080]. وفي رواية: «من جعل الهموم همًا واحدًا هم آخرته كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك» [ابن ماجه ح257].
إن الإسلام دين واقعي فعندما أمرنا بتذكر الآخرة وما فيها لم يغفل واقع الناس وحياتهم ومتطلباتهم وهمومهم في هذه الحياة، فالدنيا لاشك أن فيها هموم ومتاعب، وقد أمرنا بالسعي فيها وتعميرها، وعندما ذمها الإسلام إنما كان الذم تحذيرًا للإنسان أن ينشغل فيها عن الآخرة فينسى طاعة ربه وينسى رسالته في تعمير الأرض ودعوة الناس إلى دين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وهذا ما فهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تركوا الدنيا بل عمروها وسعوا فيها فكان منهم الأغنياء والأمراء والقادة والتجار والعلماء والمزارعين والحرفيين، وكان منهم من تخصص في لغات الآخرين من اليهود والنصارى والبوذيين وغير ذلك... فأسسوا دولة وبنوا حضارة عظيمة ومع ذلك لم تكن الدنيا أكبر همهم بل كانت الآخرة ما شغلتهم المناصب والأموال والقصور والدور عن الآخرة..
هذا عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الذي كان ملكه يمتد في ثلاث قارات من الصين شرقا إلى حدود فرنسا غربا، ومع ذلك كان على وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء والتفكر في الآخرة لما حضرته الوفاة، قال لبنيه وكان مسلمة بن عبد الملك حاضرا: يا بني، إني قد تركت لكم خيرا كثيرا لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقا يا بني، إني قد خيرت بين أمرين، إما أن تستغنوا وأدخل النار، أو تفتقروا وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي، قوموا عصمكم الله... قوموا رزقكم الله... قوموا عني، فإني أرى خلقا ما يزدادون إلا كثرة، ما هم بجن ولا إنس.. وقد كان يرى الملائكة رحمه الله قال مسلمة: فقمنا وتركناه، وتنحينا عنه، وسمعناه يردد قوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص، الآية: 83). فدخلنا عليه فإذا هو قد مات...
واليوم لا يمتلك أحدنا مبلغ من المال أو قطعة أرض أو يعين في منصب أو وظيفة أو يكثر أتباعه وأولاده أو يرى في نفسه صحة وعافية فإذا به يتكبر ويتجبر وينسى آخرته فيظلم ويعتدي ويعصي ربه ليلا ونهارا...
لقد كان هم الآخرة في حياة الصالحين أعظم من كل شيء بل ربما تسابقوا وتنافسوا عليه... هذا سعد بن خزيمة بن الحارث رضي الله تعالى عنه لما أراد أن يخرج إلى غزوة بدر جاءه والده خزيمة بن الحارث قال يا سعد ألست بوالدك، قال: نعم قال: اجلس مع أخواتك في البيت وأخرج أنا، قال: يا أبي لو كان غير الجنة آثرتك.. إن الأنصار يعلمون أنه ما من أهل بيت في المدينة أبر فيها ولد في والده مني فاستهما.. فوقعت القرعة على سعد ليخرج الولد فيقول الوالد: يا سعد آثرني قال: يا أبي لو كان غير الجنة لآثرتك وخرج سعد بن خزيمة بن الحارث إلى غزوة أحد وقُتل بها شهيدا رضي الله تعالى عنه...
وبعد عام ينطلق في أجواء المدينة صوت منادي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يدعو المؤمنين للنفرة إلى أحد فيسارع خيثمة يلبي النداء، فيتلقاه الرسول القائد ببسمة مشفقة ولكأن خيثمة يدرك ما في نفس رسوله القائد من إشفاق على شيخوخته وضعفه فيقول: يا رسول الله: والله لقد كنت حريصًا أن أنفر معك إلى بدر لكن ولدي سعدًا فاز فيها من دوني فرزقه الله الشهادة والجنة، ولقد رأيته البارحة في نومي وهو على أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويلح علي يقول: يا أبتاه الحق بنا ترافقنا في الجنة، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا. وإني يا رسول الله قد أصبحت مشتاقًا إلى مرافقة سعد في الجنة وقد كبرت سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي فخلّ بيني وبين أحد وادع الله لي أن يرزقني الله الشهادة فأدخل الجنة وألحق بولدي سعد...
ويرق قلب الرسول القائد لخيثمة فيدعو له بما أراد وحين احتدمت المعركة كان خيثمة بن الحارث يصول ويجول يثخن بالكافرين الجراح ويثخنون به الجراح حتى تغلبه الجراح فيخر شهيدًا في سبيل الله ويلحق بإذن الله بولده سعد في الجنة يسرح في ثمارها وأنهارها - رضي الله أجمعين....
بل هذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة وقالوا له تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا. فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة: فقالوا له فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه: لقد بعتها لله ولرسوله فهي لفقراء المسلمين الله أكبر...
ماذا لو لم يكن يحمل هم الآخرة لكانت فرصة ليربح أموال طائلة كما يفعل كثير من التجار اليوم الذين لا يرعون في فقير أو محتاج أو مسلم إلا ولا ذمة...
إن الدنيا ليست بدار مقام والناس يرحلون كل يوم إلى الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل" [رواه البخاري في باب الأمل وطوله]...
ومن أراد أن يعرف الهم الأكبر الذي يشغله فلينظر في أحواله: ما الذي يفكر فيه قبل نومه أو في صلاته؟ ما الذي يفرحه ويحزنه؟ وما الذي يغضبه؟ ما هي أمنياته؟ وبماذا يدعو الله في سجوده؟ وما الذي يراه في منامه وأحلامه؟ ما الأمر الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا في قراراته كاختيار الزوجة هل هو المال والجمال أم الدين والخلق؟ ما الذي يهمه في تجارته الربح بأي طريقة ووسيلة أم الربح الحلال؟
هل يحرص على تعليم أولاده قيم الدين وأخلاقه أم إن ذلك لا يدخل في حساباته ولا في اهتماماته؟ وهل يشعر بأن الوظيفة أو المنصب الذي تولاه أمانة يجب أن يؤديها كاملة أو أنه يشعر بأن ذلك يعتبر مغنمًا لا يؤدي حقه؟ هل يندم ويتأثر إذا فاتته طاعة؟ هل يتحرى الحلال في طعامه وشرابه؟
وغير ذلك من الأمور... إن التبصر في ذلك كله يدلك على الهم الأول أو الأكبر في حياتك، فتعرف حينذاك أنك ممن أهمته دنياه أو آخرته قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)[الزمر: 9]... وقال تعالى: (إنَّ الَذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 57- 61]....
دخل عمر الفاروق رضي الله على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثّر على جنبه الشريف فبكى عمر وقال: يا رسول الله كسرى وقيصر وهم على كفر ينامون على الحرير والديباج وأحلى الفرش وأنت رسول الله وحبيب الله وأول من تفتح لك الجنة وتنام على الحصير.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفي شك أنت بابن الخطاب قال لا يا رسول الله قال: أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» إسناده صحيح....
لقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب هَم الدنيا ممن يبغضهم الله تعالى ووصفهم بأوصاف ينبغي لكل مسلم أن ينأى بنفسه عنها روى البيهقي وصححه الألباني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بالدنيا جاهل بالآخرة» عالم بالسياسة والاقتصاد والإعلام والرياضة والفن والقبائل وأنسابها، بل والجيوش وأسلحتها وربما يعلم بعدد سكان الأرض وأين يتوزعون إلى جانب أنه يحلل الأمور ويدرس التوقعات عالم بدنياه جاهل بآخرته، (والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر والجواظ الجموع المنوع البخيل الشحيح)... قال تعالى (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [البقرة:200-202].
عباد الله: - أين صاحب همّ الدنيا من ذلك الصحابي الذي تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، يوم أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم: «لك بها سبعون ناقة مخطومة في الجنة» فأخذ يهلل ويكبر، كأنه يرى نوقه في الجنة، كأنه يسوق أذواده في الجنة، كأنه يحتلب ويدور حول نوقه في الجنة..
أو من صهيب الرومي لما لحقت به قريش، قالوا: جئت صعلوكًا فقيرًا فآويناك وأغنيناك، أو بعد ما قويت واغتنيت تهاجر بمالك؟ والله لا ندعك، فقال: "وإن تركت لكم المال؟ قالوا: نخلي عنك، فوصف مكان ماله لهم وفر مهاجرًا إلى الله" وما يغني قليل وحفنة ومتاع من الدنيا أمام الهجرة إلى الله ورسوله، فلما وقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ربح البيع أبا يحيى"، وأنزل الله فيه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ ) [البقرة:207].
أو حنظلة بن عامر لما سمع في ليلة عرسه: حيَّ على الجهاد، حيَّ على الجهاد، فينتفض من الفراش ويقوم فيجاهد في سبيل الله، فيُقتل في ليلة العرس، فيراه الصحابة وسط الصحراء القاحلة وجسمه يقطر من الماء، وليس هناك ماء، ولم ينزل مطر، ما باله؟ من أين أتى الماء؟ قال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده! لقد رأيته بين السماء والأرض تغسِّله الملائكة بصحاف من ذهب وفضة، بماء المزن» لقد خرج وهو جنب لما سمع داعي الجهاد لم يتعلل بأنه عروس، بل خرج يريد الله والدار الآخرة فطالما تمنت نفسه أن ينتصر لدينه وعقيدته فكان ما تمنى..
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا غاية رغبتنا.... أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه....
الخطبة الثانية:
عباد الله: ألا فلنحرص على أن يكون هم الآخرة هو الهم الأكبر في حياتنا، فنعمق صلتنا بالله ونتمسك بأحكام الدين، ونضبط سلوكياتنا وأخلاقنا بالشرع، ونقتدي برسول الله في سائر حياتنا....
أما هموم الدنيا فقد دلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وسائل وطرق إذا قام بها المسلم بثقة ويقين بالله فإن الله يذهبها عنه، من ذلك ما روى أبو سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: «يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني» [أبو داود ح1555]...
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدًا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجًا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها» [أحمد ح3704]...
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» [أبو داود ح1518، ابن ماجه ح3819، أحمد ح2234]....
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم -سبع مرات- كفاه الله ما أهمه صادقًا كان بها أو كاذبًا» [أبو داود ح5081]...
ومن ذلك الصلاة وإقامتها والمحافظة عليها عن حذيفة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى» [أبو داود ح1319]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها» [أبو داود ح4985].
عباد الله: ومن ذلك كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك» [رواه الترمذي ح2457، وقال: هذا حديث حسن]....
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسألك أن لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين...
هذا وصلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... والحمد لله رب العالمين.