المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إن الله جلَّ وعلا خلق الخلق لطاعته ومحبته ورضوانه، يرضى لهم توحيدهم وإخلاصهم الدين له، ويكره لهم الكفر والفسوق والعصيان، فضّل أهل الإيمان بالإيمان، وشرفهم بالإسلام، والمسلم مع هذا كله يخاف من الفتن وتقلبات الأمور، يخشى على قلبه من الزيغ بعد الهُدى، ويخشى من الانحراف بعد الاستقامة، فهو دائمًا يسأل الله الثبات والاستقامة ودائمًا يردد اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يعلم أن عدو الله إبليس له بالمرصاد يصده عن دين الله، ويثبطه...
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونستهديه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن الله جلَّ وعلا خلق الخلق لطاعته ومحبته ورضوانه، يرضى لهم توحيدهم وإخلاصهم الدين له، ويكره لهم الكفر والفسوق والعصيان: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7]، فضّل أهل الإيمان بالإيمان، شرفهم بالإسلام.
والمسلم مع هذا كله يخاف من الفتن وتقلبات الأمور، يخشى على قلبه من الزيغ بعد الهُدى، ويخشى من الانحراف بعد الاستقامة، فهو دائما يسأل الله الثبات والاستقامة ودائمًا يردد اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يعلم أن عدو الله إبليس له بالمرصاد يصده عن دين الله، ويثبطه عن الحق المستقيم يجري منه مجرى الدم، قال الله عنه أنه: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 17]، ولكن الله عصم منه عباده المخلصين: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر: 42].
أيها المسلم، فعلينا أن نعرف أسباب التي توصلنا إلى هداية الله، وتخلصنا من مكائد عدو الله.
أخي المسلم: إن الله أعطاك إرادة واختيارًا ومكّنك من سبيل الشر والخير، فاختر لنفسك الطريق المستقيم قال الله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 10]، وقال: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ*وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 28- 29]، فابحث عن أسباب الهداية لعلك أن توفق إلى الخير إن شاء الله، فمن طلب الخير وجده، ومن أقبل على الله جلَّ وعلا بالصدق والإخلاص هداه الله طريقه المستقيم.
أيها المسلم: فمن أسباب الهداية توفيق الله لك لأسبابها فمن أعظمها أن يوفقك للعمل الصالح في أقوالك وأفعالك في مالك وبدنك بأن توفق للخير وتُعان عليه، وقد أخبر الله جلَّ وعلا أن أهل التقوى لهم فوز عظيم قال جلَّ وعلا: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء: 13]، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ"، قالوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ"، وسُئِل صلى الله عليه وسلم: عن خير الناس وشرهم، فقال: "خيركم مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وشركم مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ".
ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للعلم النافع والفقه في دين الله؛ لأن العلم النافع سبب لخشية الله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]، والتفقه في الدين سبب للخير: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ".
ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للدعوة إلى الله ونشر الخير وتبين الهدى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، إذ الدعوة إلى الله منهج الأنبياء والمرسلين: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]، لاسيما إن اهتم الداعي إلى الله بالدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، وإفراد الله له بجميع العبادة، والتعلق بالله حبًّا وخوفًا ورجاء، ليكون كل أعماله على وفق شرع الله جلَّ وعلا.
ومن توفيق الله لك أن يوفقك للتوبة النصوح فإن كلا منا لا يخلو من خطأ من مزلة أقدام ولسان والخطأ منا ممكن وكُلُّنا خطاءون وَخَيْرُ الْخَطَّائينَ التَّوَّابُونَ، فمن نعمة الله على المسلم أن يوفقه للتوبة النصوح كلما زلت به القدم يلجأ إلى التوبة الصادقة يقلع من الذنب ويندم عليه ويعزم أن لا يعود ويسأل الله التوفيق والسداد.
ومن توفيق الله له أن يوفقه لقضاء حاجات الناس، ويجعل حاجات الناس إليه إكرامًا له وتوفيقًا، ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الخلق إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ"، وقال: "خير عمل سرور تدخله على قلب مسلم تفرج همه وتقضي دينه وتطرد الجوع عنه".
ومن توفيق الله له تعلم القرآن وتعليمه، فيكون معلّمًا للقرآن ناشرًا لتعليمه معينًا عليه ممدًا حلقاتهم بما يستطيع: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".
ومن توفيق الله له أن يوفقه أن يكون آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر في نفسه وفي بيته، وعلى أبنائه وبناته، ومن له عليه سلطة وإخوانه المسلمين عموما بالحكمة والبصيرة، فإن الله مدح هذه الأمة بالخيرية التي حقيقتها الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) [آل عمران: 110] (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ) [آل عمران: 104].
ومن توفيق الله له في سبيل الهداية أن يوفقه للبر بأبويه فيجعله بارًّا بأبويه، محسنًا إليهما قائمًا بحقهما، فإن مَن وُفق لبر الوالدين فليعلم أن الله أنعم عليه بنعمة عظيمة وخير كثير، إذ بر الوالدين من واجبات الإسلام الدالة على المروءة، والدالة على الوفاء، والدالة على طيب القلب وحسن المقصد، ولذا أمر الله ببرهما في كتابه العزيز: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23- 24].
ومن توفيق الله لك أن يرزقك التعامل مع زوجتك وأولادك بحسن التعامل، فتعامل الزوجة بالمعروف: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19]، "خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي"، "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"، هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، فالمسلم المهتدي محسن زوجته بارّ بها قائم بحقها، كما عليها أيضًا أن تقوم بحق الزوج والإحسان إليه ومعاملته بالمعروف والإحسان.
ومن توفيق الله للعبد أن يهديه لمكارم الأخلاق ومحاسن العادات فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا"، وأخبر أن حسن الخلق أعظم ما يوضع في الميزان يوم القيامة.
ومن هداية الله للعبد أن يوفقه للاشتغال بما ينفعه والبعد عن أمر لا يعنيه، فالاشتغال بأحوال الناس وأخبار الناس بأمر لا يعود بالنفع ذلك تركه أولى، أو إقحام الإنسان نفسه في أمر لا يعنيه ولا يدري حقيقته، فـ"مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ"، وفي الحديث الصحيح: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
ومن هداية الله للعبد أن يرزقه البحث عن الحق وتحري الحق والتجرد من الهوى والعمل به قال الله جلَّ وعلا: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
ومن هداية الله للعبد أن يرزقه التقوى فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 5- 7].
ومن هداية الله له أن يرزقه قلبًا سليمًا وصدرًا رحبًا خاليًا من الغل والحقد والكبر والعجب قال الله جلَّ وعلا: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89]، وقال عن الصالحين: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9] وقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]؛ بل قلوبهم نقية من هذه الأمور كلها وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، وسُئل عن خير الناس فقال: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَادَقا". قَالُوا يا رسول الله علمنا الصادق فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "التَّقِىُّ النَّقِيُّ الذي لاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ وَلاَ غش".
ومن هداية العبد أن يمنحه حب كتاب الله وحب سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن حب القرآن وحب السنة دليل الإيمان والتقوى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) [الزمر: 23]، ويقول الله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) [آل عمران: 31].
ومن هداية العبد أن يعيذه من فتن الشهوات والشبهات، فإن هناك فتنًا عظيمة، فتن الشبهات والشهوات هذه الفتن تمكنه المواقع والقنوات الفاسدة من قنوات تركز أمرها على محاربة العقيدة وأصول الإسلام والقدح بالذات الإلهية والمقام النبوي الكريم والصحابة والدين وأخلاق الإسلام، وقنوات أخرى ومواقع تكثف جهودها لنشر الفواحش والرذائل والدعوة إليها وتحبيبها للنفوس، نسأل الله السلامة والعافية.
فالمؤمن الموفق للهداية يجتنب هذه المواقع إلا أن يكون ذا قلم سيال وعلم قوي يكافح الباطل ويجحد هذا الباطل ويناقشه ويبين الأخطاء والأضرار المترتبة على هذه الشبهات والشهوات فإنها فتن عظيمة في هذا العصر، لابد أن يتصدى لها ذوو العلم والفضل والأقلام الطيبة الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة، ليدافعوا عن هذا الدين ويكافح عنه ويرد الباطل بالحق: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [الأنفال: 18].
ومن هداية الله للعبد أن يرزقه الكسب الحلال، وأن تكون مأكله وملابسه وجميع أمواله أموالا طاهرة بعيدًا عن الربا والغش والكذب والتدليس والخيانة، وأكل الأموال بغير حق.
ومن هداية الله له أن يمنحه المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، فإن من مُنح المحافظة على الصلوات الخمس وأدائها في أوقاتها جماعة فإنه قد هدي إلى خير كثير: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 9- 11].
أخي المسلم: هذه أسباب الهداية فخذ بها يوفقك الله، واسأل الله الثبات على الحق والاستقامة عليه، إياك أن تشمت بالعاصي أو تفرح بذنب المذنبين وخطأ المخطئين، كلما أبصرت ذنبا ورأيت ضلال فتذكر قوله: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابتلاهم به، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً"، فشكر الله على هداية لقلبك وتبصيرك بالباطل؛ ولكن عليك أيضا أن تكون لله داعيا ولإخوانك منقذا وساعيا في تخليصهم من ضلالتهم وغواياتهم، ادع إلى الله بالحكمة وبصيرة، إياك والتكبر والتعاظم حتى إن الكبرى رد الحق وعدم قبوله.
إياك أخي المسلم والشماتة بالآخرين..اجعل مكان ذلك دعوة إلى الله، دعوة إلى دين الله، تحذيرًا للمسلم من الاستمرار في إجرامه ومعاصيه، يقول صلى الله عليه وسلم: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، قِالوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: ننَصَرْهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ ننْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ: "تَردعُهُ عنَ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ".
أخي المسلم: كم من منحرف عن منهج الله المستقيم في أقواله وأعماله وتصرفاته، فكن أخي المسلم رفيقًا بهؤلاء معتمدا بالدعوة إلى الله وهداية خلقه على الله، اصبر على ما يصيبك من الأذى، تجرد من الهوى وادع إلى الله بعلم وبصيرة وحكمة، اتصل، ناقش، اكتب، ناقش في أي موقع، اجعل لك موقع خيرٍ ومنطلق خير وإصلاح لترد الباطل وتدعو إلى الله في زمن الناس بأمس الحاجة إلى من ينقذهم من هذه الشُّبَه، ومن هذه الشهوات، ومن هذه الضلالات، قنوات ملأت الفضاء ومواقع تعددت وكل فرح بباطله، وموقف المسلم موقف الحق والعدل دعوة إلى الله وهداية الطريق المستقيم.
أسأل الله أن يأخذ بأيدينا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأن يستعملنا بطاعته، وأن يبث قلوبنا على الحق، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 7]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن الله جلَّ وعلا ذكر في كتابه العزيز أقسام المؤمنين فقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ*وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 8- 10].
أخي المسلم: هؤلاء المهاجرون ثم يليهم الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100]، (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18] أولئك أصحاب محمد خير الأمم بعد الأنبياء، نظر الله في قلوبهم بعد الأنبياء فرأى قلوب أصحابه خير القلوب فاختارهم لنصر دينه وتأييد نبيه رضي الله عنهم وأرضاهم، أثنى السلف على من بعدهم ممن ذكروهم بالخير، واستغفروا لهم، وذكروا فضائلهم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]، سبقونا والله بالإيمان، وسبقونا بالهجرة ما كان في ما مضى مثلهم، ولكن يكون بعدهم مثلهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أهل الهجرة والجهاد والنصرة والتأيد لهذا الدين.
أيها الأخوة: إن من المصائب والبلايا أن يهتم البعض من الناس بالسيرة الخلفاء الراشدين بأسلوب مآله التجريح والنقد والقدح فيهم مهما بطلوا ذلك، إن هناك طائفتين أخذت على عاتقها في قنواتها تجريح أصحاب رسول الله وسبهم وعيبهم ونقدهم هؤلاء عرفوا بالمجوس، وأخرى من بعض المؤمنين أرادوا أن يأخذوا سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتحليل السياسي والتحليل الاجتماعي، لماذا؟ ليجعلوا هذه الشخصية مجالاً لنقد الناقدين وتكلم المتكلمين واستهزاء المستهزئين يضعون هذه الشخصية الفذة التي ملأت دواوين الإسلام بفضائله وأعماله وسيرته، فلماذا؟ لا ننشرها ونترجمها ونسمعها الناس، أما أن نجعلها عملاً سينمائيًّا يتحدث عنها كل ساقط وساقطة وليقل عنه ما يقل، وليكون محكًّا للتجريح والنقد وإخراجه المخرج أن هذا الصحابي الخليفة الراشد أعرابي جلف في ملبسه وهيئته!!!
شخصية إسلامية أجمع المسلمون على إمامته وخلافته وأن خلافته خليفة راشدة، وأنه إمام هدى، وأنه مع صاحبه الصديق هم من خير الخلق يقول صلى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ"، فما بالنا نعدل عن سيرتهم من كتب الإسلام ونجعلها في السينما ليكون مجالاً للنقد والاستهزاء والسخرية، فلنتق الله في أنفسنا ولنرفع في هذه الشخصية الفذة عن هذا المجال السينمائي، وأن نعرف قدرهم وفضلهم ومكانتهم، وأن هذه الفكرة خاطئة، وأي أشخاص تمنوها فهم مخطئون ضالون؛ لأنهم لو أرادوا الحق لترجموها ونشروها، أما أن نضعها في هذا الفيلم لكي يقول من يقول، وينقد من ينقد، ويسخر من يسخر ويهمز من يهمز؛ لكي نرضي أعدائنا بالطعن في شخصيات إسلامنا وانتقاد تلك الشخصية الفذة الإسلامية التي سطر التاريخ بها، فلنتق الله في أنفسنا ولنجنب أصحاب نبينا هذا التجريح وهذا الهمز وهذا اللمز، وأن نظهر سيرتهم كما كتبها علماء الأمة نشرًا وتأييدًا وترجمةً.
أما هذه الأفلام والمسلسلات فإنها في الغالب لا تدعوا خيرا ولا تقصد خيرا، ومهما قال من عدها ممن يدعون التنوير الفكري مهما قالوا وفضلوا، فهم على خطأ فيما سلكوا هذه سيرتهم ملأت كتب السنة ودواوين الإسلام وتواريخ الإسلام فلنقرأها ولنترجمها ولننشرها ولنجتنب هذه الطرق الملتوية التي مآلها إلى تجريح أولئك والطعن في سيرتهم والقدح في فضائلهم.
نسأل الله السلامة والثبات والعافية، وليحذر المسلم من أن ينفق ماله في الباطل، وليحذر أن يكون في دائرة ضلال من حيث لا يشعر، فليتق الله المسلمون وملاك محطات الفضائية ليتقوا الله في أنفسهم وليعلموا أن ما يقدمون عليه خطأٌ وخطرٌ وجريمة، نسأل الله الثبات والاستقامة.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنِّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على محمد صلى الله عليه وسلم امتثالا لأمر ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفاءه الراشدين الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقههم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وبارك له فيه عمره وعمله، وألبسه ثوب الصحة والسلامة والعافية، اللَّهمَّ وفق ولي عهده سلمان بن عبدِالعزيزِ لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه الرعاية على مسئوليته إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.