الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
لقد آنَ لنا أن نُشيعَ ثقافةَ الشُّكرِ والثَّناءِ بيننا، فليقولُ الزَّوجُ لزوجتِه الصَّابرةِ: غفرَ اللهُ لكِ، وليقولَ الأبُّ لأبنائه وبناتِه الصَّالحينَ: باركَ اللهُ فيكم، وليقولَ المديرُ لموظفيه المجتهدينَ: شُكراً، وأنتَ أيها المسئولُ المُجتهدُ: جزاكَ اللهُ خيراً، وأنت يا رجلَ الأمنِ المُحتسبُ: أثابَكَ اللهُ، وأنتَ أيُّها التَّاجرُ الأمينُ: رزقكَ اللهُ، وأنتَ أيُّها العالِمُ الصَّادقُ: زادَك اللهُ، ولنقولَ للمحسنِ: أحسنتَ، وللمُصيبِ: أصبتَ، وللباذلِ: أجدتَ، وللمُبدعِ: أبدعتَ، وللناصحِ: بُوركتَ، ولكلِّ من نفعَ دينَه ووطنَه: رفعَ اللهُ قدرَكَ.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71]..
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
من أسماءِ اللهِ -تعالى- الحسنى الشَّكورُ .. (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].. ومن أسمائه الشَّاكرُ .. (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147].. فهو الذي يشكرُ القليلَ من خالصِ العملِ، ويعفو عن الكثيرِ من الخطايا والزَّللِ، ولا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملاً، بل يضاعفه أضعافاً مضاعفةً بغيرِ عدٍّ ولا حسابٍ، ومن شُكرِه أنه يعينُ العاملَ، ويُوَّفقُ العابدَ ثُمَّ يجزي بالحسنةِ عشرةَ أمثالِها إلى سبعمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وهو الذي أوجبَ ذلكَ على نفسِه كرماً منه وجُوداً.
يقولُ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما في تفسيرِ قولِه تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 34] .. غفرَ لهم الكثيرَ من السَّيئاتِ، وشكرَ لهم اليسيرَ من الحسناتِ .. وصدقَ واللهِ -تعالى- .. فقد جاءَ في الحديثِ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ" .. فبملء خفٍّ مِنْ ماءٍ .. شكرَ وغفرَ مَنْ في السَّماءِ.
ومدحَ اللهُ -تعالى- بعضَ عبادِه بهذا الوصفِ .. فقالَ في نوحٍ -عليه السَّلامِ-: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3] .. وقالَ في إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 120- 121].. فهم شاكرونَ لربِّ العالمينَ ولعبادِه المُحسنينَ.
وهكذا كانَ نبيُّنا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ .. فعن عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها- قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- إذا صلى قامَ حتى تَفطَّرَ رِجلاهَ، قالتْ عائشةُ: يا رسولَ اللهِ أتصنعُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تَقدَّمَ من ذنبِك وما تَأخَّرَ؟!، فقالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "يا عائشةُ! أفلا أكونُ عبدًا شكورًا".
ولكنْ اعلموا أنه لا يكونُ العبدُ شاكراً لربِّه حقَّاً .. حتى يكونَ شاكراً للنَّاسِ صِدقاً .. قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "لَا يَشْكُرِ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ" .. قَالَ الْخَطَّابِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "هَذَا يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ طَبْعِهِ وَعَادَتِهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكُ الشُّكْرِ لِمَعْرُوفِهِمْ، كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ اللَّهِ -تعالى- وَتَرْكُ الشُّكْرِ لَهُ.
وَالْوَجْهِ الْآخَرِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إِحْسَانَ النَّاسِ وَيَكْفُرُ مَعْرُوفَهُمْ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ".
وشُكرُ النَّاسِ على إحسانِهم يكونُ بالثَّناءِ عليهم وبالكلمةِ الطَّيبةِ وبالدعاءِ لهم.
وجاءَ في الحديثِ: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ".
وكانَ هذا ظاهراً في سيرتِه العَطرةِ .. فيُكافئ النَّاسَ على معروفِهم وإحسانِهم .. وشكرَ لأبي بكرٍ -رضيَ اللهُ عنه- بَذلَه في سبيلِ اللهِ -تعالى- .. وأخبرَ أن مكافأتَه عندَ اللهِ -تعالى- يومَ القيامةِ .. فقالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَأْنَاهُ، مَا خَلا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ".
يا أهلَ الإيمانِ ..
ما هو موقفُنا ممن أحسنَ إلينا وقدَّمَ لنا أيَّ نوعٍ من أنواعِ المُساعدةِ .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاء" .. قالَها عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للأنصارِ على ما قدموه في سبيلِ نُصرةِ الإسلامِ .. "وَأَنتُم مَعشَرَ الأَنصَارِ، فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرًا، فَإِنَّكُم أَعِفَّةٌ صُبُرٌ".
وقالَها الصَّحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- لعمرَ بنِ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنه- عندما طعنَه أبو لؤلؤةَ المجوسي .. فعن ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- قالَ: "حضرتُ أبي حينَ أُصيبَ فأثنوا عليه، وقالوا: جزاكَ اللهُ خيراً .. فقالَ: راغبٌ وراهبٌ" .. أيْ: راغبٌ فيما عندَ اللهِ من الثوابِ والرَّحمةِ، وراهبٌ مما عندَه من العقوبةِ.
والعجيبُ أن بعضَ النَّاسِ ليسَ في قاموسِ كلامِه .. "جزاكَ اللهُ خيراً .. شُكراً .. باركَ اللهُ فيكَ .. وغيرَها من كلامِ الشُّكرِ والثَّناء" .. وكأنَ النَّاسَ لا يحتاجونَ إلى مثلِ هذا الكلامِ.
فلا .. وألفُ لا .. فمن هذا الذي لا يفرحُ بالثَّناءِ على ما بذلَ من المعروفِ .. ومن ذا الذي لا يطربُ على عَذبِ الحُروفِ .. بل إن اللهَ -سبحانَه وتعالى- مع غِناه عن عبادِه .. أمرَهم بُشكرِه والثَّناءِ عليه في كتابِه بقولِه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
فَلَوْ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنِ الشُّكْرِ مَاجِدٌ | لِعِزَّةِ مُلْكٍ أَوْ عُلُوِّ مَكَانِ |
اسمع إلى إمامِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ وموقفِه ممن شكرَه .. قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بِشْرٍ بنِ الحارثِ، فَذَكَرُوهُ – يعني ذكروا أحمدَ بنَ حنبلٍ في مجلسِ بشرٍ - فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِشْرٌ، وَقَالَ: لَا يَنْسَى اللَّهُ لِأَحْمَدَ صَنِيعَهُ، ثَبَتَ وَثَبَّتْنَا، وَلَوْلَاهُ لَهَلَكْنَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَجْهُ أَبِي يَتَهَلَّلُ، فَقُلْت: يَا أَبَتِ أَلَيْسَ تَكْرَهُ الْمَدْحَ فِي الْوَجْهِ؟
فَقَالَ: "يَا بُنَيَّ إنَّمَا ذُكِرْتُ وَمَا كَانَ مِنِّي عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَحَمِدَ صَنِيعِي، وَقَدْ قَالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ".
يَهْوَى الثناءَ مُبَرِّزٌ ومُقَصِّرٌ | حُبُّ الثَّناءِ طَبيعةُ الإِنسانِ |
وكما يكونُ الشُّكرُ والثَّناءُ باللِّسانِ .. فيكونُ أيضاً بالمالِ والإحسانِ .. مرَّ سعيدُ بنُ العاصِ -رحمَه اللهُ- بدارِ رجلٍ بالمدينةِ، فاسْتسقى، فسَقَوْه، ثم مرَّ بعد ذلك بالدارِ ومُنادٍ يُنادي عليها فيمَن يَزيدُ، قالَ لمولاه: سلْ لَم تُباعُ هذه؟ فرجَعَ إليه، فقالَ: على صاحبِها دَينٌ، فرجعَ فوجَدَ صاحبَها جالسًا وغريمُه معه، فقالَ: لِمَ تبيعُ دارَك؟، قالَ: لهذا عليَّ أربعةُ آلافِ دينارٍ، فنزلَ وتَحدَّثَ معهما، وبعَثَ غلامَه، فأتاه ببَدرةٍ – كيسٍ فيهِ عشرةُ آلافِ دينارٍ-، فدَفَع إلى الغريمِ أربعةَ آلافٍ، ودفَعَ الباقي إلى صاحبِ الدارِ، ورَكِبَ ومضى.
بل حتى كانوا يُكافئونَ ويشكرونَ حتى من أحسنَ لهم اللِّقاءَ يوماً من الدَّهرِ .. فعن إبراهيمَ بنِ محمدٍ الزُّهري قالَ: خَرَجتْ لأبي جائزتُه، فأمَرني أنْ أَكتبَ خاصَّتَه وأهلَ بيتِه، ففعلتُ، فقالَ لي: تَذكَّر هل بَقِي أحدٌ أَغفَلناه؟، قلتُ: لا، قالَ: بلى، رجلٌ لَقِيني، فسلَّم عليَّ سلامًا جميلاً، صِفته كذا وكذا، اكتُب له عشرةَ دنانيرٍ.
وحيثُ إن شُكرَ النَّاسِ ليسَ خاصّاً بالمسلمينَ .. بل بكلِّ من أسدى لكَ معروفاً ولو كانَ من الكافرينَ .. فيشكرونَ ويُكافئونَ بالعطاءِ والقولِ الكريمِ .. لعلَّ ذلكَ يكونُ سبباً في ترغيبِهم لهذا الدِّينِ العظيمِ .. فعن أبي عيسى قالَ: كانَ إبراهيمُ بنُ أدهمَ إذا صَنع إليه أحدٌ معروفًا، حرَص على أنْ يُكافئه، أو يتفضَّل عليه، قالَ أبو عيسى: فلَقِيَني وأنا على حمارٍ، وأنا أُريد بيتَ المقدسِ، وقد اشترى بأربعةِ دوانيقَ تُفاحًا وسَفرجلاً وخوخًا وفاكهةً، فقالَ: يا أبا عيسى، أُحِبُّ أنْ تَحمِلَ هذا إلى عجوزٍ يَهوديَّةٍ في كوخٍ لها، قالَ: فإنني مرَرتُ وأنا مُمسٍ فبيَّتَتني عندَها، فأُحِبُّ أن أُكافئَها على ذلك.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ على فضلِه وإحسانِه، كفانا وأوانا وأطعمَنا وسقانا، فله الحمدُ والشكرُ على نعمِه التي لا تُحصى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه البشيرُ النذيرُ، والسراجُ المنيرُ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أيُّها الأحبةُ .. كونوا من عبادِ اللهِ القليلَ، الذينَ يشكرونَ اللهَ -تعالى- ويشكرونَ النَّاسَ، كما قالَ سُبحانَه: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]، فكما تشكرُ اللهُ -تعالى- في كلِّ مجلسٍ وعلى كلِّ حالٍ، فاشكرْ والديكَ كما أمركَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ، (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]، واشكرْ كلَّ من يستحقُّ الشُّكرَ.
بل لقد آنَ لنا أن نُشيعَ ثقافةَ الشُّكرِ والثَّناءِ بيننا، فليقولُ الزَّوجُ لزوجتِه الصَّابرةِ: غفرَ اللهُ لكِ، وليقولَ الأبُّ لأبنائه وبناتِه الصَّالحينَ: باركَ اللهُ فيكم، وليقولَ المديرُ لموظفيه المجتهدينَ: شُكراً، وأنتَ أيها المسئولُ المُجتهدُ: جزاكَ اللهُ خيراً، وأنت يا رجلَ الأمنِ المُحتسبُ: أثابَكَ اللهُ، وأنتَ أيُّها التَّاجرُ الأمينُ: رزقكَ اللهُ، وأنتَ أيُّها العالِمُ الصَّادقُ: زادَك اللهُ، ولنقولَ للمحسنِ: أحسنتَ، وللمُصيبِ: أصبتَ، وللباذلِ: أجدتَ، وللمُبدعِ: أبدعتَ، وللناصحِ: بُوركتَ، ولكلِّ من نفعَ دينَه ووطنَه: رفعَ اللهُ قدرَكَ.
اسمعْ إلى أثرِ الشُّكرِ والثَّناءِ .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ .. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ" .. فماذا كانَ أثرُ هذه الكلماتِ .. أصبحَ أبو هريرةَ رَاويةَ الإسلامِ وأكثرهم حديثاً وحفظَ للنَّاسِ ما لم يحفظه غيره.
واعلموا أنَّ ثناءَ النَّاسِ من عاجلِ البُشرى، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟، قَالَ: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ"، وأما أنتَ يا من يعملُ للهِ فإذا لم تسمعْ شيئاً من التَّقديرِ والثَّناءِ، فاجعل شِعاركَ (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 9]، وإياكَ أن تتوقَّفَ وتوكلْ على اللهِ سبحانَه، واعلم أن (مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى: 36].
اللهم أعنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، اللهم اجعلنا لك ذاكرينَ، لك شاكرينَ، لك تائبينَ، إليك منيبينَ أواهينَ، اللهم اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللهم ثبتْ قلوبنَا على دينِك، وخذ بنواصينا إلى الحقِّ يا ربَّ العالمينَ.
اللهم أنزل علينا رحمتَك ومغفرتَك واغفر لجميعِ الحاضرينَ، اللهم لا تفرقْ جمعَنا إلا بذنبٍ مغفورٍ، وعملٍ مبرورٍ، اللهم إنا نسألُك أن توفقَنا لما تحبُ وترضى، اللهم اغفر لموتانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم استر عيوبَنا، واقض ديونَنا، واكبت عدوَّنا، وانصر إخوانَنا.
اللهم إنه نزلَ بأهلِ السُّنَّةِ من البلاءِ ما لا يعلمُه إلا أنت فارفعْ الضرَّ عنهم يا ربَّ العالمين، اللهم اكشف ما نزلَ بالمسلمينَ من ضُرٍّ يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وفِّق وليَ أمرِنا وارزقنا الأمنَ والإيمانَ في بلادِنا هذه وبلادِ المسلمينَ، اللهم اجعلها عامرةً بذكرِك، مُحكمةً لشرعِك، منقادةً لأمرِك.