بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية والتي عُقدت بالرياض في الفترة من 23، 25/صفر/1429هـ، يبين بعض الضوابط والتوجيهات المهمة في ترجمة السنة إلى اللغات الغربية.
التفاصيل
إيصال السنة إلى الغربيين .. خبرة ميدانية المقدمة المبحث الأول: الإخلاص لله المطلب الأول: أهمية الإخلاص في ترجمة السنة المطلب الثاني: الإيمان بالفكرة التي يراد ترجمتها، والحرص على نقلها كوسيلة دعوية المطلب الثالث: تجنب التوجه المادي التجاري المطلب الرابع: تجنب إتخام المكتبة الغربية بترجمات لا داعي لها المبحث الثاني: الخبرة بالواقع الدعوي المطلب الأول: أهمية الخبرة بالواقع المطلب الثاني: الاعتدال في النظر للواقع المطلب الثالث: المادة الدعوية تتطلب خبرة بالواقع الدعوي المطلب الرابع: معرفة الأولويات والتركيز على المادة التي تكثر الحاجة إليها المطلب الخامس: عدم إعطاء كتب التراث وكتب كبار العلماء أولوية مصطنعة المطلب السادس: مراعاة الأجواء السياسية والاجتماعية المبحث الثالث: أهلية مترجم المادة الشرعية المطلب الأول: الاستقامة الدينية والخُلقية المطلب الثاني: الرسوخ في اللغة العربية المطلب الثالث: الرسوخ في اللغة المترجم إليها المطلب الرابع: معرفة المصطلحات الشرعية المطلب الخامس: الدقة في الترجمة، والتمييز بين الترجمة الحرفية والحرة المبحث الرابع: ضوابط وتوجيهات مهمة المطلب الأول: تصفية المادة المترجمة من الأخبار الضعيفة والآراء المتهافتة المطلب الثاني: الاستفادة من أعمال المستشرقين بحذر المطلب الثالث: حسن العرض والإخراج المطلب الرابع: أمور مكملة تساعد على حسن العرض وزيادة النفع خلاصة البحث إيصال السنة إلى الغربيين .. خبرة ميدانيةإعداد:د. محمد بن مصطفى الجباليمؤلف ومدير "منشورات الكتاب والسنة"محاضر متعاون في جامعة طيبة بالمدينة المنورةالأستاذ المساعد سابقاً بجامعة أيوا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكيةدراسة مقدمة إلى:الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومهاضمن ندوة:ترجمة السنة والسيرة النبوية (الواقع، التطوير، المعوقات)المحور الأول: الأسس العلمية التي تقوم عليها الترجمة، والشروط التي يجب توافرها فيهاالفرع الأول: ترجمة السنة والسيرة، دراسة تأصيليةالمنعقدة في:الرياض، 23-25 صفر 1429هـ (1-3 مارس 2008م)فهرس البحثالمحتويات رقم الصفحةالمقدمة 3المبحث الأول: الإخلاص لله 4المطلب الأول: أهمية الإخلاص في ترجمة السنة. 4المطلب الثاني: الإيمان بالفكرة التي يراد ترجمتها، والحرص على نقلها كوسيلة دعوية. 5المطلب الثالث: تجنب التوجه المادي التجاري.. 5المطلب الرابع: تجنب إتخام المكتبة الغربية بترجمات لا داعي لها 5المبحث الثاني: الخبرة بالواقع الدعوي 6المطلب الأول: أهمية الخبرة بالواقع. 6المطلب الثاني: الاعتدال في النظر للواقع. 6المطلب الثالث: المادة الدعوية تتطلب خبرة بالواقع الدعوي.. 7المطلب الرابع: معرفة الأولويات والتركيز على المادة التي تكثر الحاجة إليها 7المطلب الخامس: عدم إعطاء كتب التراث وكتب كبار العلماء أولوية مصطنعة. 7المطلب السادس: مراعة الأجواء السياسية والثقافية. 8المبحث الثالث: أهلية مترجم المادة الشرعية 8المطلب الأول: الاستقامة الدينية والخُلقية. 8المطلب الثاني: الرسوخ في اللغة العربية. 9المطلب الثالث: الرسوخ في اللغة المترجم إليها 10المطلب الرابع: معرفة المصطلحات الشرعية. 12المطلب الخامس: الدقة في الترجمة، والتمييز بين الترجمة الحرفية والحرة 13المبحث الرابع: ضوابط وتوجيهات مهمة 14المطلب الأول: تصفية المادة المترجمة من الأخبار الضعيفة والآراء المتهافتة. 14المطلب الثاني: الاستفادة من أعمال المستشرقين بحذر. 15المطلب الثالث: حسن العرض والإخراج. 16المطلب الرابع: أمور مكملة تساعد على حسن العرض وزيادة النفع. 16نتائج البحث 17ثبت بالمراجع 17u المقدمةإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(; [1])يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(; [2])يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ; يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(; [3]أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد M، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.وبعد، فإن السنة هي الوحي المكمل للقرآن والحاكم عليه والمبين له. وهذا البيان هو بقول النبي الكريم وفعله وتقريره، وهو من أحوج ما تحتاجه الأمة، قاصيها ودانيها، وعربها وعجمها، لكي تتبصر في دينها وتعلم ما ينفعها في معاشها ومعادها. فكان لزاماً أن تنقل السنة بضبط ودقة وسلامة إلى اللغات الأعجمية لكي ينهل منها الأعاجم، فتقوم بذلك عليهم الحجة، وتقوم لهم الذريعة ليعبدوا الله تعالى على بصيرة وحسن اتباع.تجدر الإشارة ههنا إلى أن أي مصنِّف لمادة شرعية بلغة غير العربية يحتاج أن يكون في الوقت ذاته مترجماً، لأنه لا يستغني في تصنيفه عن ترجمة عدد كبير من نصوص القرآن والسنة وأقوال السلف والعلماء.كما يجدر بنا أن نشير إلى أن طبيعة هذا البحث تتطلب إيراد أمثلة واقعية في الترجمة، وبعض الأمثلة التي أوردناها تتعلق بنقد كتابات لأصدقاء وإخوة معروفين، وليس القصد من هذا النقد النيل منهم شخصياً أو انتقاصهم، وإنما هو للنصح وبيان الحق والتواصي به، تطلعاً إلى أن ترتقي ترجمة دعاة السنة إلى مكانة مرموقة نسعد بها جميعاً.وقد أذن الله ويسر لهذا الباحث أن قضى سنوات مديدة في بلاد الغرب، فكان من الساعين إلى نشر السنة النبوية بلغة أهلها، وذلك عن طريق ندوات ومحاضرات وكتب ومقالات عديدة، نسأل الله تعالى الإخلاص والقبول. وذاك العمل قد أكسبه خبرة في مجال ترجمة السنة، وهذا البحث يقوم بعرض بعض تلك الخبرة التي توصل إليها، والله الموفق. المبحث الأول: الإخلاص لله المطلب الأول: أهمية الإخلاص في ترجمة السنةإن الترجمة الشرعية هي من التواصي بالحق الذي أمَرَنا به الله G في قوله:)وَٱلْعَصْرِ ; إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ ; إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ (; [4]وهي من النِذارة التي أمر الله G بها في قوله:)وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (; [5]ولذا، فإن هذه الترجمة هي - بلا ريب - عمل تعبدي يستوجب إخلاص النية لله كغيره من العبادات.عن أمير المؤمنينَ عُمرَ بنِ الخطابِ S أن رسولَ الله M قالَ: `إنّما الأعمالُ بالنِّياتِ، وإنَّما لِكُلِّ امرئٍ ما نوى ^[6]وعن أبي أمامةَ S أن رسولَ الله M قالَ: `إنّ الله K لا يقبلُ مِنَ العَمَلِ إلاّ ما كانَ له خالِصاً وابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُه ^[7] وعن أبي هريرةَ S أن رسولَ الله M قالَ: `قال الله K: " أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشركِ، فَمَن عَمِلَ لي عَمَلاً أَشركَ فيهِ غَيري فأنا مِنهُ بريءٌ، وهوَ لِلّذي أَشْرَكَ." ^[8]وعن أبي بن كعبٍ S أن رسولَ الله M قالَ: `بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسّناءِ والرِّفعةِ والتمكينِ في الأرضِ؛ فَمَن عَمِلَ مِنهُمْ عَمَلَ الآخِرةِ للدنيا، لمْ يَكُنْ لهُ في الآخِرةِ مِنْ نصيب. ^[9] المطلب الثاني: الإيمان بالفكرة التي يراد ترجمتها، والحرص على نقلها كوسيلة دعويةعندما يقوم المترجم المسلم بترجمة نص شرعي إلى لغة أعجمية، فيجب أن يضع نصب عينيه إن هذه الترجمة عمل دعوي تعليمي يهدف إلى نقل المادة الشرعية بأمانة ولياقة إلى اللغة الأعجمية، وذلك لتوضيحها وبيانها لأهل تلك اللغة، مما سيعينهم على فهم دين ربهم وإقامة شعائره. ولذا، فيُتوخى فيه ابتداءً أن يكون على قناعة تامة بالمادة التي ينقلها، مما يساعده ويحثه على أن يعرضها عرضاً يصل إلى قلوب السامعين والقارئين. ومن إن أراد أن يقنع غيره بفكرة ما ينبغي أن يكون أكثر اقتناعاً بها أصلاً. وكما قيل: "ما خرج من القلب وقع في القلب." وقيل: "كل إناء بما فيه ينضح." المطلب الثالث: تجنب التوجه المادي التجاريمن المعروف والمسلم به أن المترجم للنصوص الشرعية، كغيره من البشر، يحتاج مقابل وقته وجهده إلى ما يقيم أوده ويغنيه عن الناس. ولكن هذا لا يجوز أبداً أن يكون مبرراً لجعل الربح المادي والتفوق التجاري الهدف الأول والأهم من الترجمة، مما يفسد عندئذ نيته ويحبط عمله.فعلى العامل في الترجمة أن يحرص أشد الحرص على أن يكون عمله خالصاً لله تعالى، وأن يوقن أن التعويض المادي على عمله وجهده هو تحصيل حاصل يأتيه به الله إن شاء ومتى شاء، وهو الرزاق الكريم، كما روى أنسٌ وزيدٌ ابنُ ثابتٍ ﷻ أن رسولَ الله M قالَ: `من كانت الآخرةُ همَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همَّه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شملَه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له. ^[10]وهذا التوجه الصحيح يبعد عن عمل المترجم الدعويِّ الطيبِ الكثيرَ من التبذل والإسفاف الذي نراه في عامة الترجمات، فنرى الكثير من المترجمين والمترجمات يتخذون الترجمة ذريعة للكسب المادي المحض، دون أي التفات إلى المكسب الأجل والأسمى عند الله G، وبعضهم لا يقيم أياً من شعائر الدين، وبعضهم ليس بمسلم أصلاً. المطلب الرابع: تجنب إتخام المكتبة الغربية بترجمات لا داعي لهانستخلص مما سبق أن على المترجمين والناشرين الحرص على تقديم المادة الشرعية التي يغلب على ظنهم نفعها الأكيد للقارئ الأعجمي. وقد سبب الإخلال بهذا الأمر تخمة وتضخماً غير صحي في المكتبة الغربية، بحيث يحتار القارئ العادي فيما يطلبه ويقتنيه لاختلاط الغث بالسمين.وتحت هذا المعنى، ينبغي تجنب ما يلي:أ) الخروج بترجمة كتاب سبقت ترجمته، إلا أن تكون الترجمة الجديدة متميزة بوضوح من حيث قوة الترجمة وحسن العرض وغيرها من الأمور التي تزيد في نفع الكتاب. وعلى سبيل المثال، هناك تكرار في الترجمات الإنكليزية لـ "القصص النبوي لابن كثير"، و"الطب النبوي لابن القيم" وغيرهما، وأكثر تلك الترجمات تتساوى في الضعف اللغوي وعدم تحقيق وتصحيح المادة المترجمة.ب) ترجمة مقال أو فصل من كتاب ثم إخراجه ككتاب مستقل (بعد حشوه بالمقدمات والملحقات)، إلا أن يكون هناك نفع محقق لذاك الفصل بعينه.ج) حرص بعض دور النشر على الإكثار من نشر الكتب الشرعية المترجمة، واضعين نصب أعينهم حداً أدنى (كوتا) يجب إصداره شهرياً أو دورياً، وواضعين بذلك للصحة والدقة والنفع منزلة ثانوية في حسابهم. المبحث الثاني: الخبرة بالواقع الدعوي المطلب الأول: أهمية الخبرة بالواقعلا بد للباحث أن يكون ذا اطلاع على الواقع الذي يجري فيه بحثه، فلا يصلح أن يأخذ بحثاً وُضع لواقع آخر فيطبقه بحذافيره على واقعه، وذلك لأن الظروف والعوامل والمؤثرات تتفاوت من واقع لآخر. فلو انتقل خياط من مناخ بارد إلى مناخ حار لم يناسب أن يخيط الملابس السميكة لأهل موقعه الجديد، وإنما ينبغي أن يطوع خبرته السابقة ليقوم بصنع ما يلائم احتياجاتهم.ولذا، فقد كانت رسالات الرسل R نابعة من صميم أحوال قومهم. فعلى سبيل المثال، لم يخاطب شعيب O قومه بأن نهاهم عن اتيان الرجال كما فعل لوط O، وذلك لعدم استفحال تلك الفاحشة في قومه. المطلب الثاني: الاعتدال في النظر للواقعلا ينبغي للباحث أن يفرط في نظرته للواقع، بحيث يرفض كل ما يأتي من خارج واقعه. فكثير من الأسس والمبادئ المستوردة من واقع آخر يمكن تطويعها لتتلاءم مع الواقع الجديد. بل إن من المبادئ والأسس ما لا يمكن التخلي عنه في أي واقع كان. وفي مثال الخياط أعلاه، فإن الملابس التي يصنعها لا بد أن تستر العورة في كل مناخ.وفي ديننا الحنيف من العقائد والأصول ما لا يجوز التنازل عنه في أي واقع، كما قال ربنا G: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ(; [11]فكانت رسالات الرسل، رغم ما بينها من تفاوت، متحدة متواطئة على الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة كأصل أول فيها جميعاً. المطلب الثالث: المادة الدعوية تتطلب خبرة بالواقع الدعوي يُتوخى فيمن يخرج المادة الدعوية للأعاجم في بلد ما أن يكون على خبرة بواقعهم واحتياجاتهم والمشاكل والعقبات التي تواجههم في واقعهم. وهذا لا يكون إلا فيمن خاض معترك ذلك البلد لفترة طويلة، أو ممن نقلت إليه أحواله بصورة دقيقة أكيدة ممن شهدها. ومن خبر الواقع أمكنه أن يوجه دعوته بحيث تعالج واقع ذلك البلد خاصة: فأما الأصول، فيقوم بعرضها عرضاً يتماشى مع الأساليب المتبعة والنافعة هناك؛ وأما الفروع، فيقوم باختيار المادة المناسبة لأهل ذلك البلد. ولا بد من الإشارة إلى أن الاطلاع على واقع كثير من البلاد قد أصبح سهلاً بسبب الانفتاح الإعلامي الكبير بواسطة التلفاز والشبكة العنكبوتية والصحف والمجلات وغيرها (ولكن، ليس الخبر كالعيان). ولهذا، فإن الواقع الدعوي قد أصبحت فيه عوامل مشتركة بين كثير من البلاد الغربية، مما يساعد على توحيد المادة الدعوية الوجهة إليهم إلى درجة كبيرة، مع الإبقاء على المادة التي تعالج ما تتميز به آحاد البلاد. المطلب الرابع: معرفة الأولويات والتركيز على المادة التي تكثر الحاجة إليهاإن التراث الشرعي المتوفر باللغة العربية هو من الضخامة بحيث يكاد يستحيل ترجمته برمته إلى غيرها من اللغات. فعلى المترجمين عامة، ومترجمي السنة والسيرة خاصة، أن يسعوا إلى ترجمة ما يغلب على الظن نفعه الأفضل والأعمّ لأبناء اللغة الأعجمية، بناء على الخبرة بواقعهم الذي سبق الكلام فيه. وكما قد قيل:العلمُ إنْ طلبتَهُ كثيرُ والعُمرُ عنْ تحصيلِهِ قَصيرُ فَقَدِّمِ الأهمَّ مِنهُ فالأهَمّْوالأصل في المادة العلمية الشرعية أن توجه بلسان القوم المخاطبين، وأن تعالج احتياجاتهم ومشاكلهم الأهم والأكثر ذيوعاً. لذلك، فعلى المترجمين والناشرين للسنة أن يوجهوا جهودهم أولاً إلى ترسيخ أسس العقيدة والأخلاق، وإلى عرض مبسط سهل التناول لكافة العلوم الشرعية، بما في ذلك القرآن وعلومه، والفقه وأصوله، والحديث وأصوله. المطلب الخامس: عدم إعطاء كتب التراث وكتب كبار العلماء أولوية مصطنعةبناءً على ما سبق، فإن انتقاء المادة التي تترجم لا ينبغي أن يعتمد فقط على شهرة المؤلِّف أو المؤلَّف في العربية. فكم من كتب لعلماء مشاهير أنفقت الأموال لترجمتها وإخراجها وطباعتها، ثم أصبحت من جملة ما تزين به الرفوف، ولا يقرأها إلا القلة القليلة، وهي الفئة التي يتوخى فيها – على كل حال – أن تستطيع قراءة تلك الكتب بلغتها العربية الأصلية. فما فائدة ترجمة سفرٍ ضخم كـ "سير أعلام النبلاء"، مثلاً، علماً بأن من يحتاجه لا يقنع إلا بالرجوع إلى الأصل العربي، وعلماً بأن هناك مادة كثيرة جداً هي أولى بالترجمة منه؟ولكم كلَّمَنا بعضُ أهل العلم وعرضوا علينا (بنوع من السذاجةً) ترجمة بعض ما كتبوه بالعربية لظنهم أن ما صلح للناطقين بها لا بد أن يصلح لمن عداهم – وليس الأمر كذلك كما سبق بيانه.فالأصل في ما يكتب للأعاجم أن يصنَّف ابتداءً بلغتهم، ويفصَّل وفق احتياجاتهم، مع جعل كتب التراث وكتب أهل العلم مراجع ومصادر يقتطف ويترجم منها حسب الحاجة. المطلب السادس: مراعاة الأجواء السياسية والاجتماعيةيجب على المترجم والناشر للمادة الشرعية أن يراعي الأجواء السياسية والحساسيات الاجتماعية المنتشرة بين الغربيين، فيتجنب ما أمكن أن يعرض مادته بشكل يثير الحفائظ ويؤدي إلى مقاطعتها، بل ومنعها. ومثال ذلك، يحسن أن يستعمل البدائل التالية (شرط ألا يخل استعمالها بالمعنى المقصود):العبارةالمعنى أو التحفظالبديلمعناهJihad, fighting for Allah’s causeالجهاد (الحرب القدسة)striving for Allah’s causeبذل الجهد للهdisbelievers, nonbelievers, kuffarكفار (قسوة في الدعوة)Arab paganالمشركون العربdisbelievers, nonbelievers, kuffarكفار (قسوة في الدعوة)non-Muslimsغير المسلمينManرجل (تفضيل الرجل على المرأة)humanبَشَرِيّ المبحث الثالث: أهلية مترجم المادة الشرعيةإن الترجمة الصحيحة السليمة للمادة الشرعية لا يمكن أن تؤدى إلا من قبل بطالب علم يتصف بصفات أساسية، أهمها الإخلاص واحتساب الأجر من الله، وقد سبق الكلام فيه آنفاً. ويتبع الإخلاصَ الشروطُ التالية: المطلب الأول: الاستقامة الدينية والخُلقيةإن نقل المادة الدعوية إلى لغة أخرى يستدعي في المترجم الاستقامة في دينه وخُلُقه، وخاصة فيما يلي:أ) صفاء عقيدته وسلامتها من أصناف الشرك، ومن معتقدات أهل الضلال، كالتعطيل والتمثيل والإرجاء والحلول، ومن البدع العقدية، كالصوفية والعصرانية والعلمانية والقرآنية (وهي دعوى الاكتفاء بالقرآن ونبذ السنة). ومن شاب عقيدته انحراف ظهر أثره في قليل أو كثير من ترجماته. ومن طالع ترجمة محمد أسد لمعاني القرآن المعروفة بـ (Message of the Qur’an)، وجدها تستند بقوة إلى تفسير الزمخشري، وهي لذلك –رغم بلاغتها ومتانتها اللغوية- تزخم بالتعطيل لآيات الله ونفي المعجزات وغيرها من الطامات.ب) صفاء منهجه واستقامته على طريقة السلف V وهدي علماء الأمة الأبرار Z، فيكون محباً للسنة خاضعاً لها، مبغضاً للبدعة مجانباً لها، خالياً من أهواء التكفير والخروج والحزبية. وكما هو الشأن في العقيدة، فإن الانحراف المنهجي يظهر بوضوح في العمل المترجم. ومثاله أن أحد مشاهير الدعاة المعاصرين باللغة الإنكليزية أخرج سلسلة من المحاضرات بعنوان: قصص من السنة (Stories from the Sunnah)، واغتنم الفرصة فيها ليبث منهجة الداعي إلى التكفير والتخريب.ج) عندما تتوفر في المترجم الأمور السابقة، يصبح أرجى للصدق والأمانة، وأبعدَ عن الكذب والخيانة، فيكون نزيهاً في نقل العلم، حريصاً على ألا يتقول على الله G أو رسوله N أو الصحابة V أو من دونهم من الناس شيئاً لم يقولوه أو رأياً لم يقصدوه. وهذا الأمر مهم خاصة في موطن الترجمة الذي يقل فيه المراجعون والمدققون والمتعقبون بحيث يمكن ادعاء بعض ما ليس له أساس، دون خوف من رقيب أو ناقد – ولكن ليس إلا لأجل قريب، إذ أن وعد الله بحفظ دينه لمتحقق، لا تحجبه لغة أو إقليم (لقوله G: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ(; [12]). المطلب الثاني: الرسوخ في اللغة العربيةيشترط في المترجم الرسوخ وطول الباع في اللغة العربية وقواعدها وبلاغتها. فكم من مترجم تفوته بعض المعاني المهمة بسبب ضعفه اللغوي. وعلى سبيل المثال، رأينا بعض من المترجمين من أصول غير عربية يترجمون عبارة على معنىً لا أصل له، وذلك لالتباس بين كلمتين لهما أصل مشترك. فمن ذلك أن أمريكي مسلم قام بشرح الأربعين النووية استناداً إلى "جامع العلوم والحكم"، فنراه يكثر الخلط بين الكلمات ذات الأصل المشترك، وهاك بعض الأمثلة:طرف الحديثالكلمة المترجمةكيف ترجمهامعنى ترجمتهالعبارة الملتبس فيهاالصوابعجباً لأمر المؤمنسراءsomething joyfulالأمر المفرحسرورfacilityألا أخبركم بخير أعمالكمأزكاهاmost purifyingأكثرها تطهيراًأشدها تزكيةof greatest rewardاعملوا، فكل ميسرميسرdeeds are made easy for everyoneالأعمال يسيرة على كل الناساليسرeach will be eased (toward his decree)لا يعلمُ ما خَلَفَه بعدَه خلفه، بعدهdoes not know what he left behind after thatلا يعلم ما خلَّف وراءه"خلف" و "بعد"does not know what succeeded him after he left إن عبداً أذنب فقاليغفر الذنب ويأخذ بهforgives sinsيغفر الذنوبيأخذ به (لعله لم يفهمها)forgives or punishes for a sin المطلب الثالث: الرسوخ في اللغة المترجم إليهايشترط في المترجم الضلاعة في اللغة التي يترجم إليها، وإلا لم يتمكن من وضع الفكرة التي يترجمها في قالب يصل إلى أذهان الأعاجم وقلوبهم. ولو أحس أهل لغة أن كتاباً ما غريبٌ عن لغتهم في أسلوبه وتعابيره زهدوا في اقتنائه وقراءته، ولم يحملوه محمل الجِد. لذا نوصي من لم تكن اللغة المترجم إليها لغتهم الأم أن يوكلوا إلى بعض أهل تلك اللغة مراجعة ترجمتهم قبل إخراجها بالصورة النهائية.ونأخذ مثالاً من أحد دعاة السنة المعرفين الذي ترجم وصنف بالإنكليزية عدداً جيداً من الكتب والكتيبات، وهي كلها على عقيدة طيبة ومنهج قويم، ولكن ضعفها ظاهر بيِّن في الترجمة وفي صياغة الجملة باللغة الإنكليزية. كتب في ترجمته لقصة سلمان الفارسي S:His time was still consumed to his master. He missed two battles with the Pagans of Arabia. The Prophet (PBUH) told him: ‘Write O Salman (i.e., to free yourself from your master).’ Salaman obeyed and wrote for his freedom.وهذا الكلام شديد الضعف، وبعضه يستحيل فهمه على القارئ ، فهو يعني ما يلي:وكان وقته ما زال مستهلكاً إلى سيده، وقد فاته معركتان بجانب المشركين العرب. والرسول (صلعم) أخبره: "اكتب يا سلمان (أي لتحرر نفسك من سيدك)." فأطاع سليمان وكتب لأجل حريته."والأصوب ترجمة هذا النص كما يلي:His time was fully committed to his master, so he missed two battles against the Pagans of Arabia. The Prophet (N) advised him: ‘Request (from your master) an agreement for freedom, O Salman.’ Salaman obeyed this, and secured an agreement for his freedom.وفي ترجمة لرسالة "الإيمان، حقيقته، علاماته، ثمراته" للدكتور عبد الله المطلق، ورد حديثٌ أن رسول الله سأل حارث (أو عوف) بن مالك كيف أصبح، فأجابه أنه أصبح مؤمناً، فقال النبي: "إن لكل حق (أو قول) حقيقة، فما حقيقة ذلك؟" فقال: "أصبحت قد عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، ولكأنما أنظر إلى عرش ربي وقد أبرز للحساب، ولكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة، ولكأني أسمع عواء أهل النار." فقال النبي: "عبد نوّر الله قلبه بالإيمان، إذا عرفت فالزم."[13] وجاءت ترجمة هذا الحديث كالتالي:The apostle of God met Haarithah al-Ansary, May God be Pleased with him, and greeted him saying: “How are you Haarithah?” Harrithah answered: “I have become a true Muslim.” The Prophet, Peace be upon Him, said: “Consider what you say, because every utterance has a reality (or truth, which lies behind it). So, what is the true (state) of your faith?” Al-Haarithah answered: “O, Apostle of Allah! My soul has become averse to this world, so I stay awake by night and thirst by day, as I had been looking at my Lord’s Throne standing out, while the people of paradise visit each other therein, and the people of Hell-Fire cry out to each other therein. The Prophet, Peace be upon Him, said: “You have known (the truth); and thus, a subject whose heart God Has lit up with faith has been bound (by that knowledge).فنرى في هذه الترجمة أخطاء تكاد تزيد على عدد كلماتها، منها ما يلي:الخطأبيانهالتصويبapostleابتداء العلم بحرف مصغرApostleapostleتعني أحد حواريي عيسىProphetGodيغلب عليها معنى التثليثAllahHaarithahمغايرة لاسم الصحابيHaarithMayابتداء الكلمة بحرف مكبرmayPleasedابتداء الكلمة بحرف مكبرpleasedMuslimالنص الأصلي يذكر الإيمانbelievertrueليست في النص الأصلي(true)Harrithahخطأ في تهجئة الكلمةHaarithahPeaceابتداء الكلمة بحرف مكبرpeaceHimتكبير الحرف الأول لغير الجلالةhimConsider what you say,ليست في النصوص الأصلية، ولعلها من إدراج المؤلف-- utterance يفضل استعمال الكلمة الأبسط statement every utterance has a reality (or truth, which lies behind it)فيها تفصيل غير مفيدevery statement (or truth) has a reality So, what is the true (state) of your faith?مغايرة الأصلSo, how do you justify your statement?Al-Haarithahزيادة "ال" تشتت القارئHaarithahawake by nightتحتاج توضيحاً بالنسبة للقيامawake by night (for prayer)thirstتعني ظمأ وليس ظمآنthirstythirst by dayتحتاج توضيحاً بالنسبة للصيامthirsty by day (from fasting), asيجب البدء بجملة مستقلة. It is as thoughI had been lookingخطأ في زمن الفعل والتركيبI viewmy Lord’s Throne standing outضعف عبارة ونقص في المعنىmy Lord’s Throne, brought out for the Judgment , while لا معنى لربطها بالعرش; and as though I seepeople of paradisepeople of Hell-Fireيفضل استعمال كلمة تعني "سكان" على كلمة تعني "أناس"inhabitants of paradiseinhabitants of the Fire, and the people of Hell-Fire cry out to each other thereinعدة نقاط ضعف; and as though I hear the wailing of the inhabitants of the Fire Peace be upon Him كما سبقpeace be upon himYou have known (the truth); and thus, a subject whose heart God Has lit up with faithعدة نقاط ضعف(You are) a servant (of Allah) that Allah illuminated his heart with faith.has been bound (by that knowledge)خطأ في التعبيرSince you know (the truth), adhere (to it). المطلب الرابع: معرفة المصطلحات الشرعيةيشترط في المترجم معرفة المصطلحات الشرعية الصحيحة في اللغة الأعجمية، والتمييز بين ما يمكن ترجمته من المصطلحات وما يفضل بقاؤه على أصله العربي بطريقة النقحرة (transliteration). ومن المهم جداً أن يكون على حذر من استعمال المصطلحات ذات المعاني الدينية الخاصة عند غير المسلمين، فيسبب استعماله لها لبساً عند قرائه. ومثال ذلك أن كلمة (God) تحمل عند عامة الغربيين بعض معنى التثليث (لغلبة النصرانية عندهم)، فيفضل الاستعاضة عنها بكلمة (Allah) بعد تعريفها تعريفاً واضحاً.وهناك من التعابير والمصطلحات ما يتعارض مع القيم والمفاهيم الشرعية، وإن لم يكن له أصل ديني عند غير المسلمين، فيجب أيضاً اجتنابه ولزوم التعابير الشرعية الأصلية. ومثاله أن أكثر المترجمين والمؤلفين بالإنكليزية يعبرون عن "آية" من القرآن بكلمة (verse)، وهي تعني في الأصل "بيتاً من الشِّعر، فتشير ضمناً إلى أن القرآن مركب من الشِّعر، وهذا خطأٌ ومعارض لتصريح الله G بخلافه، فلذا يجب الاستعاضة عنها بلفظة (ayah) بعد تعريفها للقراء.وكمثال لسوء استعمال المصطلحات الشرعية، نستعرض ترجمة من كتاب "معنى لا إله إلا الله" تأليف العلامة صالح الفوزان، وهي من منشورات جامعة الإمام. أول ما يلفت الانتباه خطأ واضح في عنوان الكتاب، حيث كانت ترجمته: (There Is No Divine But Allah)، وكلمة (divine) لا تعني إله، وإنما هي صفة مشتقة من (divinity) التي تعني المقام الإلهي أو القدسية، وخاصة فيما يتعلق بالتثليث. فأصبح معنى العبارة: "ليس هناك (الموصوف مفقود) قدسي إلا الله"، ولعل المترجم أراد (There Is No Divine Being But Allah). وقد تكرر هذا الخطأ كثيراً في طيات الكتاب.وقد ورد في تلك الترجمة مراراً استعمال كلمة (Godhead) لتعبر عن الإلهية، مع أن المعنى المتبادر فوراً لهذه الكلمة هو التثليث، وكان الأحرى استعمال كلمة (Godhood) بعد تعريفها بدقة، أو عبارة (right of worship)، أي "استحقاق العبادة".وإضافة لما سبق، تزخم تلك الترجمة بأخطاء فاحشة، منها ما يلي:الخطأبيانهالتصويبidol other than Allahتكررت مراراً، وتعني: "صنم غير الله"، فيفهم القارئ أن الله صنم! وكان قصد المترجم: "إله غير الله"، فأخطأ السبيل.gods besides Allah we must reject civil laws"يجب علينا أن نرفض القوانين المدنية"، وهذه دعوة واضحة إلى التفلت والتخريبWe should reject man-made laws (if they contradict Allah’s Law)We should also refuse to resort to Positive Law"علينا أيضاً أن نرفض الرجوع إلى القانون الموجب"، والمقصد غير مفهوم!-- If after investigation it is discovered that he opposes Islam, he must be killed."فإن تبين بعد التحقق أنه يعارض الإسلام، فلا بد من قتله"، وهذا بظاهره دعوة للوحشية والإرغام في الدين، فلزم إشفاعه بشرح واف.If a person claims to be Muslim, but is then found (by the Islamic ruler) to be against Islam (i.e., causing harm to Islam and the Muslims), the ruler may issue a command to kill him. المطلب الخامس: الدقة في الترجمة، والتمييز بين الترجمة الحرفية والحرةيشترط في الترجمة أن تكون دقيقة، بحيث لا يفوتها شيء من المعاني الأصلية، ولا تزيد عليها ما ليس منها. وقد أشرنا أعلاه أن هذا من الأمانة في نقل العلم. وهذا يعني أن الأصل في الترجمة أن تكون حرفية ما أمكن.ولكن من يخوض في مجال الترجمة يجد أن التزام الترجمة الحرفية هو أمر شبه مستحيل، لأسباب منها:أ) اختلاف التركيب اللغوي بين العربية واللغة المترجم إليها، بحيث أن الترجمة الحرفية تعطي معنىً ضعيفاً أو تركيباً غير سليم. ومثاله أن الجملة الإسمية لا وجود لها بالإنكليزية، ولو أردنا أن نترجم "الله رؤوف" لم يصح أن نقول: (Allah kind)، بل لا بد من إدخال الفعل على هذه الجملة، فتصبح: (Allah is kind)، ومعناها الحرفي: "الله يكون رؤوفاً".ب) اختلاف الأسلوب البلاغي بين اللغتين، ومثاله أن الله G يستعمل الزمن الماضي في الكلام عن أمور مستقبلة كيوم القيامة، وترجمة ذلك حرفياً قد يشوش القارئ الأعجمي الذي لم يعهد مثل هذا الأسلوب في لغته. وننظر إلى قوله G: )وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ( [14]، فالترجمة الصحيحة لهذه الآية هي كالتالي: (We will advance upon whatever deeds they did and turn them into scattered dust.) ومعناها: "سنقدم إلى ما عملوه من عمل ونجعله هباء منثوراً"ج) كثيراً ما تتضمن الألفاظ العربية معاني شرعية أو حضارية تحتاج الترجمة إلى بيانها لئلاً تفقد بعض المعنى الأصلي. ومثاله أن قوله G: ) وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلاْوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلانْصَـٰرِ( [15] يعني ضمناً أن سبق أولئك السابقين هو في الإسلام والإيمان وليس بمجرد التسلسل الزمني، فيحسن بيان ذلك في الترجمة بأن تلحق عبارة "السابقون" بـ (in faith)، أي: "السابقون في الإيمان".وهذا يضطر المترجم إلى بعض التحرر من النص الأصلي. ولكن عليه أن يضبط هذا التحرر بالعلم والتقوى، فيبذل جهده للمحافظة على ما يعلمه من مقصود النص الأصلي حين يترجمه إلى اللغة الأعجمية. وفيما يلي مثال من ترجمة هذا الباحث للرسالة التبوكية لابن القيم، حيث ترجم عبارة لطلق بن حبيب كالتالي: النص الأصلي:كن مع الحقِّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس. ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطاً.الترجمة:In your relationship with al-Haqq (i.e., the Truth; one of Allah’s names), let there be none of the creation (i.e., let not your attachment to the people come between you and Allah); and in your relationship with the people, let there be no part for yourself (i.e., do not allow selfishness to come between you and the people). A person who does not do this will be in continuous confusion, and his affairs will always be at loss. معنى الترجمة:لا يكونن في علاقتك بالحق (وهو أحد أسماء الله) أحد من الخلق (أي لا تجعل ارتباطك بالناس يؤثر في علاقتك بالله)، ولا يكونن في علاقتك بالناس نصيب لنفسك (أي لا تدع الأنانية تؤثر في علاقتك بالناس). والشخص الذي لا يفعل هذا سيبقى في تخبط مستمر، وستكون أموره دائماً إلى ضياع.ومن الواضح استحالة ترجمة النص الأصلي هنا ترجمة حرفية، وإلا لم يكن للترجمة معنىً أبداً عند القاريء، فلزم التحرر في الترجمة بعض الشيء، كما لزم إضافة عدد من التوضيحات (وهي في أسفل الصفحة في الأصل بسبب طولها). ولعله من الواضع أيضاً أن النص الأصلي قد احتفظ بمعناه وروحه حتى بعد ترجمته مرتين. المبحث الرابع: ضوابط وتوجيهات مهمة المطلب الأول: تصفية المادة المترجمة من الأخبار الضعيفة والآراء المتهافتةإن تصفية السنة والسيرة من الأحاديث والأخبار الضعيفة هو واجب حتمي على علماء السنة ودعاتها والناشرين لها، وهو من النصيحة الواجبة للأمة، وذلك أنَّ النبي M حض عليه وشدد النكير على من يتجاوزه، كما في قوله M: `من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. ^[16]ولعل هذا الواجب أهم وآكد على من يقوم بنقل السنة إلى الأعاجم، وذلك لأسباب، منها:أ) يصعب على عامة الأعاجم تمييز الصحيح من الضعيف، وليس لديهم من المراجع ما يكفي لمثل هذا التمييز. فيلزَم المترجم للسنة أن يجتهد في بيان صحة أو ضعف الآثار الواردة فيما يترجمه.ب) ينبني على الأحاديث والآثار أمور عقدية وفقهية وسلوكية، فإن كانت ضعيفة أدت إلى خلل في تصور وسلوك بعض القراء، وهذا مما يحمل وزره المترجم (إضافة إلى المؤلف الأصلي).ج) إن كثيراً من مثقفي الأعاجم المسلمين أصبحوا لا يقبلون حديثاً إلا إن شفع به الحكم بالصحة من علماء بالحديث معروفين. وهذا لا يستلزم بالضرورة أن تكون لدى المترجم القدرة الذاتية على الحكم على الآثار وبيان صحيحها من سقيمها، وإنما يكفيه في ذلك أن يرجع إلى حكم العلماء المعتبرين في ذاك المضمار، مع بيان حكمهم للقاريء في الحواشي، وهذا يزيد في ثقة القراء بالمادة المترجمة ويقوي ارتباطهم بعلماء السنة.وقد يكون عند المصنِّف الأصلي للمادة المترجمة تهاون أو غفلة في تصفية السنة من بعض الآثار الضعيفة، ولكن هذا لا يعطي المترجم أو الناشر العذر للتهاون أيضاً. ومثاله أنه في ترجمة حديث حارث بن مالك الذي سبقت مناقشته، أشار المترجم في الحاشية إلى ضعفه، وأنه قد قام الحافظ العراقي بتضعيف طرقه. المطلب الثاني: الاستفادة من أعمال المستشرقين بحذرهنالك في بلاد الغرب، وبخاصة ألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا، الكثير من الجامعات والمؤسسات التي تهتم بالدراسات الإسلامية، وعندها مراكز أبحاث وكليات ومكتبات لهذا الغرض، يقوم عليها أكاديميون متخصصون إلى درجة رفيعة. وأولئك – وأكثرهم غير مسلمين – لديهم من الدأب والجدية في العمل ما يُفتقد عند أكثر أبناء المسلمين وباحثيهم. وتقوم تلك المراكز (الاستشراقية) بإخراج العديد من المؤلفات وأوراق البحث التي تتجلى فيها الدقة والضبط. وكثير من تلك المؤلفات تشكل مراجع مهمة للباحثين المسلمين، كالمعجم المفهرس لألفاظ الحديث الذي كان من أهم المراجع للتنقيب عن الأحاديث قبل ظهور الحاسب الآلي.ومن كتب علماء السنة التي تفرد أولئك المستشرقون بترجمتها للإنكليزية (وإن كان غير كامل): كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية، مع شروحات وتعليقات، وصدر بعنوان (Ibn Taymiya’s Struggle against Popular Religion)، مترجمه اسمه محمد عمر ميمون (لعلها: مأمون)، من جامعة وسكونسن، وراجعه مستشرقان أوروبيان (ليو لايندكر وجاك واردنبرغ)، ورغم أن المترجم يحمل اسماً مسلماً، فإن مراجع الكتاب ومراجعيه وناشريه كلهم غير مسلمين. ولغة الكتاب على درجة عالية من السلاسة والضبط، والترجمة دقيقة وأمينة.فنرى بالنسبة لهذا الكتاب وأمثاله، أنه يمكن الاستفادة منها ، خاصة في تعلم أساليب الترجمة والبحث والعرض، وكذلك في ترجمة مقاطع أو أجزاء محددة، مع الحذر من نقل بعض الفكر الاستشراقي المعادي للإسلام فيها، ومن الهفوات في الترجمة التي تصدر عن غير العرب كما أشرنا آنفاً. المطلب الثالث: حسن العرض والإخراجلا شك أن طريقة عرض سلعة ما لها تأثير كبير على الرغبة فيها وبيعها وانتشارها. وهذا ينطبق بشكل أكيد على الكتب والمجلات وغيرها من المنشورات. فلا يكفي في الكتاب أن يكون لمصنِّفٍ شهير، أو أن يحوي مادة مهمة، لكي يصبح منتشراً مقبولاً بين الناس. بل لا بد من عرضه وإخراجه بشكل لائق حسن جذاب ليشد انتباه الناس.ومن المعلوم أن الغربيين قد ألِفوا حسن الإخراج للكتب، فلا بد أن يعرضوا عن أي كتاب لا يتماشى مع ما ألِفوه. لذا، فإن حسن إخراج الكتب المترجمة هو جزء من الدعوة المطلوبة من المؤلف و المترجم والناشر.ومن الأمور التي تساعد على حسن تلقي الكتاب وتقبله، وعلى زيادة الانتفاع به، ما يلي:أ) استعمال الرسوم البيانية ما أمكن، وكما قد قيل: "صورة تغني عن ألف كلمة".ب) استعمال جداول وملخصات لتركيز المعلومات وتسهيل تذكرها وتدارسها بين المسلمين الأعاجم.ج) وضع قائمة محتويات موسعة، وفهارس تساعد على الرجوع بسرعة إلى مادة الكتاب.د) الاعتناء بجمال الغلاف وجاذبيته، مع تعلقه الفني بمحتوى الكتاب.هـ) الحرص على جودة الورق، ونقاء الطباعة، وحسن التجليد. المطلب الرابع: أمور مكملة تساعد على حسن العرض وزيادة النفع هناك أمور أخرى تزيد في نفع المادة المترجمة، منها ما يلي:أ) الإبقاء على النصوص العربية من القرآن والسنة وما تيسر من أقوال السلف. وهذا يساعد المتقدمين من القراء الأعاجم في تعلم العربية عن طريق المقابلة بين النصوص وبين ترجمتها، كما يساعد المحاضرين والخطباء في تحضير دروسهم وإلقائها.ب) الاجتهاد في تشكيل النصوص تشكيلاً تاماً، وهذا أمر يطلبه القراء الأعاجم بإلحاح، لأنه يساعدهم في تعلم القراءة.ج) كتابة الكلمات المنقحرة بحروف مائلة (italics) ليسهل تمييزها، وإدراجها في فهرس للتعريفات في آخر الكتاب.هذا آخر ما توصلت إليه، وأنا على عجالة من أمري، والله من وراء القصد، وهو ولي الأمر والتدبير، وهو حسبي ونعم الوكيل.المدينة المنورةالسبت، 29 شوال 1428 خلاصة البحث1. ترجمة السنة والسيرة هي عمل تعبدي يتطلب الإخلاص لله تعالى.2. السعي في الترجمة إلى ما يرضي الله، وليس إلى ما ينفع مادياً.3. اختيار المادة المترجمة وتوجيهها يتطلب خبرة بالواقع الدعوي والأجواء السياسية والاجتماعية.4. مراعاة الأولويات في انتقاء المادة المترجمة.5. يشترط في المترجم البارع أمور، منها: الاستقامة، والرسوخ في اللغتين.6. يجب على المترجم اجتناب الأخبار الضعيفة وما ينبني عليها من آراء وأعمال.7. يوصى المترجمون والناشرون بحسن عرض وإخراج المادة المترجمة.[1] آل عمران 102. [2] النساء 1.[3] الأحزاب 70-71.[4] العصر 1-3.[5] التوبة 122.[6] أخرجه الشيخان وغيرهما.[7] أخرجه النسائي، وحسنه الألباني (الترغيب والترهيب 9).[8] أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي، وحسنه الألباني (الترغيب والترهيب 49).[9] أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما، وصححه الألباني (الترغيب والترهيب 28).[10] أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني (الصحيحة 949-950).[11] الأنبياء 25.[12] الحجر 9.[13] وهو في مصنف ابن أبي شيبة، وضعفه الألباني في "الإيمان" رقم 115 بقوله: معضل، فإن عبيداً من الطبقة السادسة التي لم تلق أحداً من الصحابة، وقد روي موصولاً عن الحارث نفسه رواه عبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم وغيرهم بسند ضعيف.[14] الفرقان 23.[15] التوبة 100.[16] هذا حديث متواتر جداً، أخرجه الشيخان وغيرهما عن جمع كبير من الصحابة.