المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله |
ثم قف مع نفسك وقفة صادقة، أساسها الثقة بما كتب الله، وميزانها الطاعة والاستسلام لأمر الله، ولْيَكُنْ ذلك شأنك مع نفسك وأهلك، وأنت تسمع إلى وصية الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- حين أمَره بالصلاة، وتكفَّلَ له بالرزق: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) ..
أما بعد: فحديثي إليكم اليوم -معاشر المسلمين- عن شعيرة عظمى من شعائر هذا الدين، وركن أساسي من أركان الإسلام، بهذه الشعيرة يحكم على المرء من خلالها بالإسلام أو يوصف بالكفر والنفاق، شعيرة طالما فرط فيها المسلمون، وطالما أوصى بها النبي الكريم، حتى قال -وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة-: "الصلاةَ! وما ملكت أيمانكم! الصلاة! وما ملكت أيمانكم!".
هذه الشعيرة التي يجب أن تستنهض همم المسلمين للقيام بها كما أمر الله، ويجب أن يتآزر المسلمون على حفاظ المجتمع المسلم بأسره على أدائها، يستوي في ذلك الذُّكْران والإناث، والصغار والكبار، ويفترق الرجال على النساء في حضور صلاة الجماعة.
والأمة، إذا لم تستطيع القيام بهذا الواجب، فأنى لها أن تتطلع إلى تحقيق أهدافها، أو تعد نفسها بالنصر على أعدائها، أو التمكين في الأرض؟ فالمرء الذي لا يستطيع أن يتغلب على شهوته، أو يتخلص من محبوبات نفسه من أكل أو شرب أو نوم أو عمل أو ما شاكل ذلك ليقطعه إذا نودي للصلاة، غير جدير بأن يتغلب عليها إذا ما ادلهمت الخطوب، وحزبت الأمور، واحتاجت إلى الرجال الأشداء الأقوياء لا في أجسادهم فحسب، بل في هممهم وعزائمهم، وهذه هي القوة الحقيقية.
أمة الإسلام: يا من أفاء الله عليهم بالنعم، أليس من حق المنعم عليكم أن تشكروه؟ والشكر ليس مجرد كلمات تقال باللسان، بل هو مع ذلك سلوك تصدقه الجوارح، لقد كان أسلافكم فيما مضى في شظف من العيش، وقلة من الدنيا، ومع ذلك كان للصلاة عندهم قدر ومكان؛ أفهكذا يكون الشكر؟ أم هكذا يقابل الإحسان؟.
وعلى الذين يظنون أن الصلاة ربما عاقتهم من الرزق والكسب المباح أن يعلموا أن الصلاة سبب للرزق، وزيادة في الفضل، وقد ورد في القرآن الكريم عدة آيات تعد الذين يقيمون الصلاة بالرزق وزيادة الفضل، يقول تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:36-38].
أرأيتم كيف قرن الله بين من لا تلهيهم التجارة ولا البيع عن ذكر الله وعن الصلاة، وتمام الرزق وزيادة الفضل؟ وحتى لا يرد في النفس تساؤل ومن أين يأتي الرزق لمن هو عاكف أو مقيم في المسجد، قال تعالى في نهاية الآية: (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ثم تأمل -أخي الكريم- هذه الآية الأخرى التي تؤكد هذا المعنى، وتضمن للمقبلين رزقهم، بل توفيهم وتزيدهم، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:29-30].
ثم قف مع نفسك وقفة صادقة، أساسها الثقة بما كتب الله، وميزانها الطاعة والاستسلام لأمر الله، ولْيَكُنْ ذلك شأنك مع نفسك وأهلك، وأنت تسمع إلى وصية الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- حين أمَره بالصلاة، وتكفَّلَ له بالرزق: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].
أخا الإيمان: نحن لا ننتقدك في طلب الرزق، ولا نفترض أنك ملَك كريم لا همّ لك إلاَّ الذكر والصلاة، بل من الطبيعي أن تفكر في أمور العيش لك ولمن تعول، ولقد قال مَن كان قبلك ممن هو أفضل منك كذلك، حتى إذا ما خرج بعض صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد يوم الجمعة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يخطب، لعلمهم بتجارة قدمت، جاءهم التوجيه الإلهي ليلفت نظرهم إلى أن ما عند الله خير وأبقى، وليؤكد لهم أنه تعالى خير الرازقين: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة:11].
وهو توجيه قرآني تأدب به الصحابة والتزموا به فيما بعد، وعقلوه، وحرِيٌّ بك أن تلتزم به، وأن ترعاه وتعقله.
أما الذين يفِرُّون من النفاق والمنافقين، ويرغبون لأنفسهم البعد عن صفاتهم وسماتهم لقبح النفاق، وخسة المنافقين، فعليهم أن يعلموا أن التكاسل عن الصلاة من سمات المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:142].
وإذا كانت في مقابل ذلك تبحث عن الإيمان فالصلاة من صفات المؤمنين: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون) [المؤمنون:1-2].
وفي سورة (البقرة) يصف الله المتقين بقوله: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المؤمنون:3-5].
أخا الإسلام: وإذا ما ضايَقَتْك سيئاتُك يوماً من الدهر، أو آلمك وخْز ضميرك المؤنب لثقل الخطايا، فتذكر أن الصلاة وسيلة لتكفير الخطايا والسيئات، قال الله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
أتدري -أخي في الله- سبب نزول هذه الآية؟ لقد روى البخاري ومسلم في سبب نزول هذه الآية: أن رجلاً من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ امرأة فقبَّلها قبلةً، فأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فأنزلت عليه: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114]، قال الرجل ألي هذه؟ فأجاب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "بل لمن عمل بها من أمتي". ألا ما أعظم عفو الله! وما أجمل هذه الصلاة!.
بل إن الصلاة تمنع صاحبها، ابتداءً، من ارتكاب الفواحش والآثام: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر) [العنكبوت:45]، والواقع يقول إن المحافظين على الصلوات أقل وأسلم من غيرهم، وأقل إلى الخير وأبعد عن الشر، والقرآن الكريم يصدق هذا كله (إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) [القيامة:19-23].
أيها المسلم: أنت محتاج إلى إعانة الله وتوفيقه إياك في كل لحظة، وفي كل عمل، وفي أي زمان أو مكان، أليس كذلك؟
إذا لم يكن عونٌ مِنَ اللهِ للفَتَى | فأوَّلُ ما يجني عليهِ اجْتِهادُهُ |
وإذا كان ذلك كذلك فلا تنس أن في الصلاة عوناً ومساعدة، واستمع إلى خالقك حين يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153].
وقد فقه ذلك خير البرية -عليه الصلاة والسلام-، فكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، واقتفى أثره من بعده صحابته الكرام، فكانت الصلاة ملاذهم عند الشدائد والمحن، ومستراحهم في عتمات الليل والناس هُجَّع، أو في ضحى النهار والناس في هلع، أو عند المصائب والناس شأنهم الجزع.
وقد روي أن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان في مسيرة فنعي إليه ابن له فنزل، فصلى ركعتين، ثم استرجع، وقال: فعلنا كما أمرنا الله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة).
وهكذا كان خيار الأمة من بعدهم وإلى زماننا هذا، وأنت أحياناً تسمع عن عالم من العلماء أو داعية من الدعاة، أو مجاهد من المجاهدين تسمع عن هؤلاء أنهم يقومون بأعمال تعجب لقيامهم بها لكثرتها وثقلها على النفس، لكن عجبك يزول حينما تعلم حرص هؤلاء على الصلاة التي اتخذوها وسيلة لمناجاة ربهم والخلوة بخالقهم وسؤاله الإعانة والتسديد: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) [السجدة:16].
بل فوق ذلك تحس أن نفوسهم راضية أو أن حاجاتهم مقضية، وهم في رضا، والناس إليهم مسرعون، وفي مقابل هؤلاء ربما أبصرت شخصاً لا تكاليف عنده، ولا هموم للأمة تطارده، ولا أعمال عظمى تُطلب منه، ومع ذلك كله تراه مقصراً في الواجبات متهاوناً في الطاعات، يستثقل الخفيف الهين، ويستصعب السهل اللين، وهو في وحشة مع نفسه، والناس منه في جفوة، فإذا ما فتَّشت عن سيرة هذا الصنف وجدت رصيده من الصلاة ضحلاً، ومن العبادة بشكل عام نزراً، (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم) [الحج:18].
فتنبهوا -معاشر المسلمين- لقيمة الصلاة وأهميتها، والبدارَ البدارَ إلى تأديتها كما أمر الله! دون كسل أو تهاون أو تفريط.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة:238-239].
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
إخوة الإسلام: وبعهد الصلاة أخاطبكم بالإسلام، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
فإذا كنت لا ترضى -أخا الإسلام- أن يصفك واصف بغير الإسلام؛ فكيف ترضى لنفسك أن تصلي أحياناً وتدع الصلاة أحياناً أخرى؟ وكأن القضية قضية مزاج! بل كيف يسوغ لك أن تصليها أحياناً في وقتها ثم يشهد الله عليك مرات وكرات أنك أخرتها عن وقتها أو تهاونت في أدائها؟ وربما جمعت بين صلاة والتي تليها دونما عذر يخولك لهذا!.
أخي في الله: أرأيت إن كنت موظفاً أو عاملاً في أي نوع من الأعمال، أتراك ترضى لنفسك أن تذهب يوماً وتدع الذهاب يوماً آخر أو تجتهد في عملك صباحاً، ثم تفرط فيه وقت المساء؟ وحتى لو رضيت لنفسك هذا المسلك -ولا أخالك كذلك- فهل ترى هذا الصنيع مرضياً لمسؤولك، أو حتى للمجتمع من حولك؟.
أخي في الله: تفطن أن الناس ربما غفلوا عنك أحياناً، وربما خفيت عليهم منك بعض هفواتك، لكن خالقك لا تخفى عليه منك خافية، فلا تتخذ من ستره عليك في هذه الحياة فرصة للتمرد والفسوق والعصيان، فليس ذلك من شأن الكرماء، ولا من شيم الأباة العظماء، وكن دائماً وأبداً على حذر، وبئس الرجل أنت إن لم تفق من غفلتك إلا عند سكرات الموت، وعند معاينتك لملك الموت يقبض روحك!.
أخا الإسلام: ليس هناك من البشر من هو معصوم من الخطأ إلا من عصم الله، ولكن هل علمت أن هذه الصلاة شبهت بالنهر الجاري عند بابك فإذا كنت تغتسل منه في اليوم خمس مرات فهل تراه يبقى على جسدك دون؟ ومهما كانت أخطاؤك؛ فإياك إياك أن تتهاون في الصلاة فتهلك! فهي آخر ما تفقد من الدين، والذي فقد الصلاة فقَدَ قبلها أُمور الدين الأخرى، وليس له، إن لم يتب، عند الله من خلاق.
أيها المسلم: وقد تكون من المتصدقين المحسنين، وقد تكون من ذوي الأخلاق الفاضلة والطباع الكريمة، وقد تكون باراً، بوالديك أو محسناً لأقاربك وجيرانك، إلى غير ذلك من أعمال البر التي ترجو أجرها عند الله، لكن؛ هل علمت أن قبول ذلك كله مرهون بالقيام بركن الصلاة؟ يقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله".
فهل تنبهت إلى هذا الأمر ووضعته نصب عينيك؟ وهل يقودك هذا الشعور إلى أن يتحسر فؤادك، وينقطع قلبك، حينما تسمع عن أخ لك مقصر في هذه الصلاة، فيقودك ذلك إلى تقديم النصح له بأسلوب طيب، وعبارة ناصحة جميلة؟.
أيها المسلمون: هناك داء قد استفحل، وظاهرة تحتاج إلى المساعدة في الحل، إنها هجر المساجد، والتهاون بصلاة الجماعة، تلك التي رتب الله عليها من الفضل والأجر ما تعلمون، بل اشترطها كثير من العلماء لصحة الصلاة وقبولها، ولو كان واسعاً أحداً عذر لوسّع النبي الرحيم بأمته -صلى الله عليه وسلم- لذلك الشيخ الكفيف الذي يفصل بينه وبين المسجد واد كثير السباع والهوام، ولكنه قال له في النهاية: "أجب؛ فإني لا أجد لك رخصة".
فكيف بمن أفاء الله عليه ببيوت لا تكاد يفصلها عن المسجد إلا بضعة أمتار، والطرق معبدة، والهوام نافرة، والقوة جيدة، والقوى مكتملة؟ إنني أستثير في هؤلاء الرجال همم الرجال الأوفياء، وأدعوهم إلى مراجعة حساباتهم مع خالقهم، وأذكرهم أن المسلمين لم يدَعُوا صلاة الجماعة وإن كانوا في منازلة الأعداء حيث شرع لهم صلاة الخوف بشكل جماعي؛ فماذا يعني ذلك؟.
أيها المسلمون: لأي شيء عمرت المساجد إذا ساغ لبعض المسلمين أن يفهموا أن بإمكانهم أن يصلوا في بيوتهم؟ أهي للجمعة فحسب؟ أم ترونها شيدت لتكون آثاراً إسلامية يبصرها الناس؟ كلا كلا! فالمساجد مكان للرحمة، وموضع للملائكة، وهي شاهدة للمسلم، أو شاهدة عليه بصدق الإسلام والمحافظة على الصلوات والاستجابة لنداء الرحمن.
إخوة الإيمان: وإياكم والعزلة عن المسلمين! ففي اجتماع المسلمين الخير كل الخير، والذئب إنما يأكل القاصية من الغنم، والشيطان يفرح حينما يدع المسلم الصلاة بالكلية، فإن لم يستطع رضي له بالعزلة عن جماعة المسلمين في البداية، ولا يزال يضعفه حتى ينسيه أو يراه يتكاسل في أدائها.
واستمع إلى هذا التوجيه النبوي الكريم لتعلم قيمة صلاة الجماعة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو ولا تُقَام فِيهِم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة! فإنما يأكل الذئب القاصية".
أخي في الله: لا أراك مستغنياً عن رحمة الله، وراغباً في النار والنفاق، فهل سمعت قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو يُرَغِّب في صلاة الجماعة، ويقول: "مَن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتِبَ له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق".
أخي في الله: الناس يبحثون عن الضمان وإن كان من البشر، أرأيت الضمان من الله؟ أليس أعز وأغلى؟ ثم إن كان ذلك حاصلاً بسبب خروجك لصلاة الجماعة أفلا يدعوك ذلك للخروج؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثة في ضمان الله -عز وجل-: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله -عز وجل-، ورجل خرج غازياً في سبيل الله -تعالى-، ورجل خرج حاجاً".
أيها المسلمون: أناشدكم جميعاً والشدة في القول أو الغلظة في الموعظة فما كان الرفق في شيء إلا زانه، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ومَن جاهَدَ فإنما يجاهد لنفسه، والله هو الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل الله قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.
نفعني الله وإياكم بما نسمع، ورزقنا الإخلاص والتوبة النصوح.
هذا وصلوا….