البحث

عبارات مقترحة:

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

إن الناس قد جمعوا لكم

العربية

المؤلف عبد الله حماد الرسي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. من أعظم نعم الله علينا نعمة الإسلام ونعمة القرآن .
  2. سبب نزول قوله تعالى: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) .
  3. مخططات الأعداء ببث روح الهزيمة في المسلمين .
  4. المسلم يصاب بالحزن لكن لا يصاب باليأس .
  5. نماذج من أبواب الفرج ومواقف النصرة من الله تعالى .
  6. سبل الوقاية من كيد الكافرين .

اقتباس

هذا هو الموقف، أن يزداد المسلم بالخبر عن هذه الحشود إيمانًا، وأن لا يقع في قلبه الرهبة من العدو، وأن لا تتسرب الهزيمة النفسية إلى شعوره وإيمانه، وأن يزداد بذلك ارتباطًا بالله تعالى، وقربًا إليه، وحرصًا على دينه، واتباعًا لسنة نبيه، وتدبرًا للقرآن العظيم، وعملاً بتوجيهات رب العالمين، فلا نجاة إلا في ذلك. كان موقف النبي وأصحابه -حين كاد له الأعداء وحشدوا له القوات- أن...

الخطبة الأولى: 

عباد الله: أمِن نعمةٍ أنعم الله بها علينا أعظم من نعمة الهداية للإسلام؟! أمن منة امتن الله تعالى بها علينا أجلُّ من نعمة القرآن؟! الإسلام حيث يثمر في النفس الطمأنينة والسكينة والأمان والراحة، والقرآن حيث المنهج الواضح والطريق القويم والحجة البالغة، والخبر الصادق عن النفس، وعن سنن الله تعالى في الكون، وعن أعداء الملة والدين، وعن حرب الكفار للحق والهدى.

نعمة القرآن التي لم تقدرها الأمة حق قدرها، ولم تعرف لها مكانتها وأثرها، ولم تجعلها نبراسًا لمسيرتها ولا نورًا لدعوتها، ولا دليلاً تجلِّي به غشاوتها وحيرتها، القرآن كلام من؟! كلام الخالق العظيم الذي يعلم السر وأخفى، والذي يدبر الأمر من قبل ومن بعد: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم:4، 5]. كلام من خلق الإنسان ويعلم ما يصلح له وما يصلحه -سبحانه وتعالى-.

إخوة الإيمان: آية جليلة عظيمة واضحة، فيها التوجيه والبيان، وفيها الرشاد والهدى، آية من كتاب الله تعالى أردت أن أجعل حديث اليوم عنها ومنها وحولها، آية دعا لذكرها واقع، ودفع للتذكير بها ألم، وألزم بضرورة التدبر لما فيها أحداث تحاك للأمة وخطط تدبر للإسلام وحبائل تنصب لأتباع الإسلام، إنها قول الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].

ما خبر هذه الآية؟! هذا الحبيب المصطفى مع أصحابه قد ألمّ بهم ما حدث في غزوة أحد، وأصيب النبي في أصحابه في تلك الغزوة بجروح، وعادت قريش في زهوها، كانت معركة أُحد في يوم السبت لخمسة عشر من شوال، ومن الغد في يوم الأحد خرج الجيش مع رسول الله من أحد إلى حمراء الأسد في طلب أبي سفيان ومن معه من المشركين، وقال: "لا ينطلق معي إلا من شهد القتال". خرج في أعقاب قريش ليطاردها ويمنع ما قد يجدُّ من تكرار عدوانها، وعلمت قريش بخبر مسير رسول الله، فرأى أبو سفيان أن يغنم الأوبة الرابحة ولا يواجه المسلمين، وأن يبعث إليهم من يقذف بالرعب في قلوبهم، ويخبرهم أن قريشًا عادت لاستئصال شأفتهم بعد أن تبين لها خطؤها في تركهم، وأنها قد حشدت الجيوش للقضاء عليهم.

وعسكر المسلمون بحمراء الأسد، ثم جاءهم دسيس أبي سفيان يغريهم بالعودة إلى يثرب نجاة بأنفسهم من كرّة المشركين عليهم، وهم لا يقدرون على ملاقاتهم، بيد أن المسلمين قبلوا التحدِّي، وظلوا في معسكرهم يوقدون النار طيلة ثلاث ليال في انتظار قريش التي ترجَّح لديها أن النجاة بنفسها أولى، فعادت إلى مكة، وعاد المسلمون إلى المدينة ليدخلوها مرة أخرى أرفع رؤوسًا وأعز جانبًا.

هذا موقف ذكر الله تعالى شيئًا من خبره، وذكر ثبات المؤمنين على التثبيط واطمئنانهم إلى جانب الله وثقتهم بوعده، فنزلت الآيات الكريمة: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [آل عمران:169-176].

والمسارعون في الكفر هم أولئك الذين يقدمون التنازلات من دينهم وإيمانهم وثقافتهم ليرضوا الكافرين وليخطبوا ودهم، وما علموا أنهم لن يرضوا عنهم، ينسون قول ربهم: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة:120].

ويتصل الخبر الذي يذكر حالهم ويشخص واقعنا ويعالج ضعفنا في هذا الزمان: (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:176-178].

ثم بين سبحانه حكمة عظيمة للابتلاءات أن يتميّز صاحب الإيمان الصادق من ضعيفه أو معدومه، فقال -جل وعز-: (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:179].

عباد الله: إن واجب المسلم عند الأزمات والمصائب الثبات على دينه، والعمل وفق شرعة خالقه، وإن الحشود التي تنهال على أرض الخليج اليوم، والأمم من الجنود التي تتكالب على خيرات الأمة في هذا العصر، والقوات التي تفوق في أعدادها وإمكاناتها خيال الإنسان؛ تجعل في النفس قناعة أن الأيام القادمة حبلى بالفتن ومليئة بالبلاء، ولا يزداد المؤمن حين يراها إلا تذكرًا لما في كتاب ربه -جل وعز- وما في سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، يتذكر كيد أهل الكتاب للمؤمنين، ويتذكر مكرهم بالمسلمين، ويتذكر إرهابهم لأهل الحق.

هذا هو الموقف، أن يزداد المسلم بالخبر عن هذه الحشود إيمانًا، وأن لا يقع في قلبه الرهبة من العدو، وأن لا تتسرب الهزيمة النفسية إلى شعوره وإيمانه، وأن يزداد بذلك ارتباطًا بالله تعالى، وقربًا إليه، وحرصًا على دينه، واتباعًا لسنة نبيه، وتدبرًا للقرآن العظيم، وعملاً بتوجيهات رب العالمين، فلا نجاة إلا في ذلك.

كان موقف النبي وأصحابه -حين كاد له الأعداء وحشدوا له القوات- أن زادهم ذلك إيمانًا وقالوا: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، وهذا ما ينبغي أن يقع لكل مسلم؛ روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أنه قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل".

عباد الله: يحزن كل مسلم مخلص غيور ويغتم عندما يرى تداعي الأمم الكافرة من كل صوب على القصعة الإسلامية، ويتذكر أيضًا خبر النبي الذي أوجز فيه خبر واقعنا اليوم في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟! قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟! قال: "حب الدنيا وكراهية الموت". أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

يحزن ولكنه لا ييأس، يحزن حين يرى الحشود الكبيرة التي تحيط بأمة الإسلام من كل مكان، ويحزن حين يسمع التصريحات الخطيرة التي يتلفظ بها رؤوس الكفر والإرهاب والطغيان، ويحزن حين يسمع ويقرأ ما يكتبه اليهود والنصارى عن بلاد الإسلام، وخاصة هذه البلاد الخيرة موطن الوحي ومهبط الرسالة، ويحزن كذلك وهو يرى صنوف المذابح التي تنتهك فيها الحرمات والأعراض، ويداس فيها على كرامة أمة غفلت عن وعيها، يحزن لذلك ولكن المؤمن الواثق بربه العالم بدينه الواعي بسننه يرى في الغيوم غيثًا واصبًا، ويسمع في صراخ المخاض صيحات الوليد، ويدرك أنه ما أتى فجر إلا بعدما احلولكت الظلمة.

وهذه سنة الله تعالى، وهذا ما علَّمنا إياه ربنا في كتابه العظيم، ولنقف مع نماذج من أبواب الفرج ومواقف النصرة من الله تعالى ومتى وقعت، نسمعها فلا نتّكئ عليها وإنما نعمل لها وبها.

هذا نبي الله يوسف -عليه السلام- بدأ التمكين له في الأرض عندما كان يباع ويشترى، وحيدًا شريدًا ضعيفًا: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف:20، 21].

وهذا نبي الله لوط -عليه الصلاة والسلام- جاءته النجاة من الله تعالى عندما كان قومه يتأهبون للتخلص منه بسبب طهره: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغَابِرِينَ) [النمل:56، 57].

وهذا نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه بدأ التمكين لهم وهم في أشد حالات الاستضعاف من فرعون؛ يُذبحُ أبناؤهم وتُسْتَحْيَا نساؤهم، وكان فرعون في أعلى حالات الجبروت والإفساد والاستعلاء، وهو يقول: ما علمت لكم من إله غيري: (إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:4-6].

إن أقصى نقطة استضعاف هي أول نقطة تمكين، ولكن بشرط أن تكون الأمة قائمة بشريعة ربها، عاملة بأمره، بعيدة عن نهيه، لا تخشى سواه ولا تخاف غيره أكثر منه، ولنتدبر قوله -جل وعلا-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40، 41].

إخوة الإيمان: لا ننسى قدرة الله تعالى ولا نغفل عن حكمه وقضائه، ولا نخسر ديننا فيما لو اضطرتنا المواقف لخسران دنيانا، نسأل الله السلامة والعافية.

ولنتذكر قدرة الله تعالى، ولنتدبر قوله -جل وعلا-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ * وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) [الزمر:36-40].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...

الخطبة الثانية:

عباد الله: هذا هو الواقع وما نسمعه ونقرأ عنه أكثر مما قيل: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فهل نتنازل عن ديننا أم نقتفي أثر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فنزداد بذلك إيمانًا ويقينًا وثقة بالله -عز وجل-؟!

إننا إن بقينا على عزتنا وإيماننا حفظنا لأنفسنا العزة والكرامة في الدنيا، وحفظنا على أنفسنا النجاة والفوز والسلامة في الآخرة، بحفاظنا على ديننا وحرصنا على طاعة خالقنا -جل وعلا-، وإن تكن الأخرى فنتنازل عن قيمنا -كما ينادي أعداؤنا- وتنازلنا عن مفاهيمنا وأسس ديننا، فهو الذلة والخزي والهلاك في الدنيا، وما في الآخرة أشد وأشق وأنكى، فما يقبل الأعداء منا سوى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة:120].

على كل مسلم أن يتذكر ويذكّر نفسه ومن حوله بهذه الحقائق القرآنية الواضحة الناصعة الجلية، فيجعل الحدث سببًا في قوة الإيمان، وسببًا في وحدة الصف، وسببًا في رفعة الأمة وعزتها.

على كل مسلم أن يخلص لله تعالى الطاعة، وأن يصدق مع الله تعالى في إطلاق سهام الليل التي لا تخطئ أبدًا، وآثارها عند أهل الإيمان مرئية مشاهدة معلومة، فنصدق في الدعاء أن يحفظ الله دينه وأن ينصر أولياءه وأن يخذل أعداءه، وأن يرد كيد اليهود والنصارى وملل الكفر في نحورهم، وأن يجعل تدبيرهم نكاية وخسرانًا وخذلانًا لهم، وما ذلك على الله القادر بعزيز.

على كل مسلم أن يتدبر كتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يقرأ بتمعن وأن يصحب ذلك بالعمل وفق أمر الله ونهيه.