التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
إن للنصيحة آدابا يجب التحلي بها؛ فمنها: أن يكون قصدك بالنصيحة مصلحة أخيك، لا التشفي ولا التشهير: فالنصيحة يجب أن تكون سرا؛ لأن القصد رفع العيب، فمن نصح علانية صعب على المنصوح قبولها؛ لأنها فضحته وشهرت به فالناصح زاد الطين بلة؛ كما قال الشافعي...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله وراقبوه، فذاك أدعى للقيام بحقه، وعظموه سبحانه، فهو أجدر أن نبتعد عن معاصيه.
أيها الناس: لقد عظم الله شأن الأخوة في الله، وأكد عليها، وغرس ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في قلوب أصحابه، فهاهو لما قدم المدينة كان من أوائل أعماله: أن آخى بين المهاجرين والأنصار، ولتأكيد الأخوة بين المسلمين جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حقوقا للأخ على أخيه، مبينا بذلك أن الأخوة لها شأن عظيم في الإسلام؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحَمِد الله فشمِّته، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتبعه".
ولعلنا نركز في خطبتنا هذه على حق النصيحة التي فقدت بين الناس في زمننا هذا أو قلت، أو أسيء استخدامها.
فالنصيحة عبادة جليلة من أعمال العباد، بل جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- الدين كله؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".
عباد الله: النصيحة، هي: إخلاص النية في رفع الأذى عن أخيك، سوء كان في دينه أو دنياه، حتى تكون له كالمرآة؛ أخرج أبوداود في سننه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن مرأة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه".
وقال المناوي في فيض القدير: "فأنت مرآة لأخيك يبصر حاله فيك، وهو مرآة لك تبصر حالك فيه فإن شهدت في أخيك خيرا فهو لك، وإن شهدت غيره فهو عليك، فالمؤمن يبصر بأخيه من نفسه ما لا يراه بدونه".
قال العامري: "معناه: كن لأخيك كالمرآة تريه محاسن أحواله، وتبعثه على الشكر، وتمنعه من الكبر، وتريه قبائح أموره بلين، في خفية تنصحه ولا تفضحه". أ. هـ كلام المناوي -رحمه الله-.
ومن أعظم أنواع النصح: أن ينصح لمن استشاره في أمره، فالمستشار مؤتمن؛ كما إن من حق المسلم على المسلم أن ينصح له إذا غاب، ومعنى ذلك: أنه إذا ذكر في غيبته بالسوء أن ينصره، ويرد عنه، وإذا رأى من يريد أذاه في غيبته، كفه عن ذلك، فإن النصح في الغيب يدل على صدق النصح، فإنه قد يظهر النصح في حضوره تملقا، ويغشه في غيبه.
وقال الحسن: "إنك لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حتى تأمره بما تعجز عنه".
وقال ابن علية في قول أبي بكر المزني: "ما فاق أبو بكر -رضي الله عنه- أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء كان في قلبه، قال: الذي كان في قلبه الحب لله -عز وجل-، والنصيحة في خلقه".
وقال الفضيل بن عياض: "ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة".
وسئل ابن المبارك: "أي الأعمال أفضل؟ قال: النصح لله".
وقال معمر: "كان يقال: أنصح الناس لك من خاف الله فيك".
وكان السلف: "إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرا، حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه".
وقال الفضيل: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير".
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: "كان من كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئا يأمره في رفق، فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره".
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ليس على المسلم نصحُ الذمي، وعليه نصح المسلم" وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والنصح لكل مسلم"، "وأن ينصح لجماعة المسلمين وعامتهم".
فما ظنكم -عباد الله- بالمجتمع إذا سادت فيه هذه المعاني العظيمة؟!
لا شك أنه سيكون مجتمعًا مرحومًا، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
اللهم اجعلنا هداة...
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
معاشر المؤمنين: إن للنصيحة آدابا يجب التحلي بها؛ فمنها:
أن يكون قصدك بالنصيحة مصلحة أخيك، لا التشفي ولا التشهير: فالنصيحة يجب أن تكون سرا؛ لأن القصد رفع العيب، فمن نصح علانية صعب على المنصوح قبولها؛ لأنها فضحته وشهرت به فالناصح زاد الطين بلة؛ كما قال الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادي | وجنبني النصيحة في الجماعة |
فإن النصح بين النــــاس نوع | من التوبيخ لا أرضى استماعه |
وإن خالفتني وعصيت قولي | فلا تجزع إذا لم تعط طاعة |
ومن آداب النصيحة: أن تنصح بعلم، فمن نصح بغير علم فالغالب على نصحه أن يكون إنكارا للصواب، فإن رأيت من أخيك شيئا تنكره، وليس عندك فيه علم فليكن إنكارك له باستفسار، فقد يكون الصواب معه.
ومن آداب النصح: أن تختار الوقت المناسب للنصح حتى يقبل النصيحة، فلا يصح النصح عندما يكون المنصوح غاضبا، ولا وهو مشغولا، ونحو ذلك.
ومن آداب النصيحة: أنك إذا نصحت أخاك مرة، وفهم عنك قصدك، فلا تكرر النصح إن لم يستجب لك، فقد أديت ما عليك.
ومن آداب النصيحة: أن تكون بلطف، وأدب ورفق، فإن هذا مما يزين النصيحة، وأدعى لقبولها، أخرج مسلم في صحيحه، قال عليه الصلاة والسلام: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه".
فانظر إلى من نَصَح بشدة وغلظة كم من باب للخير قد أغلق؟! وكم من الصدور قد أوغر؟!
ومن آداب النصيحة: أن يعمل الناصح بما ينصح به، فإنه أجدر لقبول نصحه.
ومن آدابها: أن يهيأ الناصح نفسه للصبر على الأذى عند النصح؛ لأنه قد يتعرض للسب والتهكم من المنصوح، فلا يثنيه ذلك من النصح.
فعلى الناصح أن يجعل همه كيف يوصل الخير إلى عباد الله، فيعملوا به، ويناله من الأجر مثلُ أجورهم، لا أن يجعل النصيحة كأنها صخرة على كاهله، يريد أن يلقيها عنه.
ومن آداب المنصوح: أن يتقبل النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر، أو ضيق، أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه.
وقد اشتهر عند الجميع قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "رحم الله أمرأ أهدى إلي عيوبي".
فكان رحمه الله يحسن الظن بالناصح، ويعتبر نصحه كالهدية، وذا من رجحان عقله -رحمه الله-.
ومنها: عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة، والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)[البقرة: 206].
ومنها: أخذ النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب.
ومنها: شكر الناصح: فيجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه؛ فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق...
اللهم وفقنا لهداك...