الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | أحمد الحاج |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
الإيمان هو: تصديق بالقلب والجَنَان، وإقرار ونطق باللسان، وعمل بالجوارح والأركان. الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل. الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لذلك أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الأعمال التي يمكن لنا من خلالها أن نحقّق هذا الإيمان، بل أن نقوي ونزيد هذا الإيمان حتى نذوق حلاوته فيخالط قلوبنا، فنشعر...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
ثمّ أما بعد:
عباد الله: جاء في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". متفق عليه.
الإيمان هو: تصديق بالقلب والجَنَان، وإقرار ونطق باللسان، وعمل بالجوارح والأركان. الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل. الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لذلك أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الأعمال التي يمكن لنا من خلالها أن نحقّق هذا الإيمان، بل أن نقوي ونزيد هذا الإيمان حتى نذوق حلاوته فيخالط قلوبنا، فنشعر عند ذاك بحقيقة وحلاوة وطعم هذا الإيمان.
إن الإيمان ليس مجرد زعم ولا ادّعاء، أن يقول الإنسان: أنا مؤمن بالله، وينتهي عند هذا الحد، بل إن الإيمان له حقيقة وله واقع ينبغي على الإنسان أن يعيشه، لذلك ومن خلال هذا الحديث أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بعض أعمال الإيمان التي نحقق الإيمان من خلالها ونقويه ونذوق طعمه وحلاوته: "ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما"، إنه تقديم محبة الله على كل شيء في هذا الكون، إنها المحبة الخالصة لله -تبارك وتعالى-، إن الناس في هذا الباب على قسمين: فريق يحب ذاته ونفسه وأهله وزعيمه وصنمه وطاغوته ومعبوده من دون الله -تبارك وتعالى-، وفريق آخر صدق المحبة فأحب الله -تبارك وتعالى- أكثر من كل شيء، لهذا بيّن الله -تبارك وتعالى- حال الفريقين فقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ) [البقرة: 165]. فمِن صِدْق الإيمان أن تحب الله -تبارك وتعالى-، وأن يزداد هذا الحب لله -تبارك وتعالى-، إن الحب لله هو مواطأة القلب لما يحبه الله ويرضاه، فتحب ما يحبه الله، وتكره ما يكرهه الله. المحبة لله تعني: التعظيم لله -تبارك وتعالى- والخضوع لجلاله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
بعد محبة الله تأتي محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنها محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- التي ينبغي أن تكون أكثر من كل شيء بعد محبة الله -تبارك وتعالى-، لهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين". متفق عليه. وفي رواية: "أحب إليه من ماله وأهله، والناس أجمعين". رواه مسلم. لذلك لما قال عمر -رضي الله عنه-: "يا رسول الله: إنك أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي". فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا، حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال عمر -رضي الله عنه-: "والله إنك أحب إلي من نفسي". فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر". رواه البخاري. الآن اكتمل الإيمان.
محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- تعني ميل القلب إليه -عليه الصلاة والسلام-، تعني توقيره واحترامه، تعني اتباعه والسير على نهجه وعلى خطاه وعلى هديه -عليه الصلاة والسلام-.
إذًا محبة الله ومحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعني بإيجاز واختصار حقيقة قول: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فمعنى لا إله إلا الله: إفراد الله بالعبادة، ومعنى محمد رسول الله: إفراده بالاتباع والاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-.
"أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"، لذلك حذرنا الله -تبارك وتعالى- من تقديم محبة شيء من هذه الدنيا وما فيها على محبة الله ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
فمن قدّم محبة شيء مما ذكر في الآية -وهو شامل لكل ما في هذه الدنيا- قدّمه على محبة الله وعلى محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالوعيد والويل له من الله، فإن الله قال: (فَتَرَبَّصُوا)، أي انتظروا ما يحل بكم من الله.
لذلك ينبغي علينا أن نصدق في محبتنا لله وفي محبتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذه المحبة ليست زعمًا ولا ادّعاءً أيضًا، بل هي حقيقة وواقع ينبغي أن يكون في حالنا وفي واقعنا، لذلك هذه المحبة لها آثار، لها نتائج ينبغي أن تظهر في سلوكنا وفي حياتنا:
أول هذه النتائج: الاتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والقيام بشرع الله -تبارك وتعالى-، إن الله -عز وجل- يقول: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31]. إذًا، ادّعاء محبة الله ينبغي أن يبرهن بالطاعة لأوامر الله والاتباع لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لذلك فإن من يزعم حبّ أحد ينبغي عليه أن يطيعه، لذلك اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- هو دليل على هذه المحبة.
ثم يكمل الأمر بالمحبة للمؤمنين، فمن آثار محبة الله ومحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المحبة للمؤمنين، الرأفة بهم، الرأفة بالمؤمنين، في مقابلها الشدة والغلظة على الكافرين مع الجهاد في سبيل الله -تبارك وتعالى-، لذلك قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، ما صفاتهم يا رب العالمين؟! (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].
إذًا، إنها الرأفة والرحمة على عباد الله المؤمنين في مقابل الشدة والغلظة على أعداء الله الكافرين، من هذا المنطلق جاء الأمر الثاني بعد محبة الله ومحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المحبة للمؤمنين: "أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلاّ لله".
المحبة بين المسلمين، والعلاقة بين المسلمين هي علاقة أخوة كما قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم". متفق عليه. لذلك يعيش المسلمون حالة من الألفة والمحبة حتى يصبحوا كالجسد الواحد كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". متفق عليه.
لذلك، المحبة بين المؤمنين ينبغي أن تكون في الله -تبارك وتعالى- خالصة لوجه الله؛ لأن الذي يجمعنا هو الله، فإذا كانت المحبة لله دامت واتصلت هذه المحبة واستمرت، أما إذا كانت المحبة لغاية من غايات الدنيا -وما أكثر غايات الدنيا التي يجمتع الناس عليها-، فإذا نظرنا إلى محبة الكذب والنفاق الظاهرة في مجتمعنا نجد أنها قائمة على الأسرية والعائلية والعشائرية والقبلية والحزبية والحركية والتنظيمية، على علاقة العمل، على علاقة المصلحة، على علاقة الدنيا، على علاقة التجارة، على علاقة المال، إلا ما رحم الله -تبارك وتعالى-، لذلك هذه المحبة هي محبة كاذبة، هي محبة مزعومة، هي محبة زائلة؛ لأنه إذا زال هذا الأمر من أمور الدنيا زالت المحبة، أما إذا كانت المحبة لله فإن الله حيّ باق لا يزول ولا يموت سبحانه، فتبقى هذه المحبة إذا كانت المحبة لله -تبارك وتعالى-.
العلاقة بين المسلمين في مجتمعاتهم ليست على سبيل الأفراد والأشخاص فحسب بل على مستوى الأمة كلها، هذه العلاقة قائمة على المحبة في الله -تبارك وتعالى-، وهذا ما بيّنه الله حين قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 9-10].
يشكو الناس اليوم من كثرة وانتشار أمراض القلوب، ومن كثرة عمليات فتح القلب وما شابهه من الأمور الدنيوية، ولكن الأعظم الذي نشكو منه ويغفل عنه كثير من الناس هو مرض في القلوب، لو عرضناه على الكشف بالأشعة الإيمانية وبالنور القرآني لوجدنا عجبًا عجابًا، لو كشفنا على قلوبنا لا في مشفى ولا عند طبيب إنما في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف نجد قلوبنا؟! ما هو حال قلوبنا؟! ما هو التشخيص لهذه القلوب؟! سنجد القلوب السوداء المظلمة الحاقدة الحاسدة، الأخ يحقد على أخيه، والأب يحسد ابنه، والمرأة تبغض زوجها، وهكذا العلاقة العامة بين الناس، انتشرت العداوة والبغضاء، ولا يغرنكم ما ترون من النفاق في المحبة وادّعاء هذه المحبة؛ لأن الأمور قد انكشفت وتكشفت الحقائق فيما ظهر لنا من المشاكل التي تعرض علينا من خلال العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، التفكك وما شابه ذلك، كل ذلك ناتج عن مرض هذه القلوب.
لذلك ينبغي علينا أن نعالج قلوبنا بزرع الإيمان فيها، بزرع المحبة لبعضنا فيها، إننا نحتاج إلى أمر واحد بعد الإيمان بالله هو هذه المحبة؛ لأن الأمة لا تنصر من دون محبة، مقومات النصر كثيرة: منها: وحدة الصف واجتماع الكلمة وعدم التنازع والتفرق والخصام وغير ذلك، ولكن كل هذه الأمور تكون قائمة على أساس واحد هو المحبة، لذلك المصالحات واللقاءات والوحدة وغير ذلك لا يكون ما لم توجد المحبة، إذا لم توجد المحبة الحقيقية في القلوب التي توجه الناس في حياتهم، في تصرفاتهم، في أعمالهم، في لقاءاتهم، في كل أمور حياتهم، لا يمكن أن ينجح أي عمل من الأعمال، لذلك، المنطلق الأساسي ينبغي أن يكون هو المحبة، وأن تكون هذه المحبة خالصة لوجه الله -تبارك وتعالى-؛ لأن هذه المحبة إذا كانت لله وفي الله لها آثار عظيمة في حياة الناس.
فأول آثار هذه المحبة: استحقاق محبة الله -تبارك وتعالى-، فنحن حينما يحب بعضنا بعضًا لله فإنما ننال محبة الله -تبارك وتعالى-، فإذا أحبنا الله -تبارك وتعالى- هل يمكن لنا أن نخسر؟! هل يمكن لنا أن نخيب؟! هل يمكن لنا أن نهزم أو أن نغلب؟! لا والله، ولكن لما فقدت هذه المحبة من بيننا تسلط علينا الناس فسامونا سوء العذاب، ذبحونا وقتلونا وهجّرونا، وأخذوا أموالنا، ودمروا بيوتنا، وفعلوا ما فعلوا بنا في بقاع الأرض كلّها، ولكن إذا كنا مع الله كان الله معنا، فإذا أردنا أن يكون الله معنا فلنكن مع بعضنا بالمحبة، نحب بعضنا فيحبنا الله -تبارك وتعالى-؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قد قال في الحديث القدسي: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ، المتجالسين فيّ، المتزاورين فيّ، المتباذلين فيّ". رواه أحمد.
فالبذل والعطاء والزيارة والمحبة، كل العلاقات ينبغي أن تكون لله -تبارك وتعالى-، وبيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-" أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى، فأنزل الله له على مدرجته وطريقه ملكًا، قال له: إلى أين تعمد؟! إلى أين تذهب؟! قال: إلى أخ لي أزوره في الله. قال: ألك عنده حاجة؟! قال: لا، غير أني أحبه في الله. فقال له الملك: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه". رواه مسلم.
فإذا أردنا أن نحقق محبة الله فينبغي علينا أن نحب الله، وأن يحب بعضنا بعضًا في الله -تبارك وتعالى-.
ومن آثار ونتائج هذه المحبة: استحقاق الظل يوم القيامة، فيكون المتحابون في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، يوم تدنو الشمس فوق رؤوس الخلائق والناس في كرب شديد، عند ذاك يكون هؤلاء المتحابون في ظل الله، ففي الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "ورجلان تحابا في الله: اجتمعا عليه وتفرقا عليه". متفق عليه.
ومن آثار ونتائج المحبة: استحقاق دخول الجنة؛ لأن هذه الجنة لا يدخلها الإنسان إلا بشروط؛ منها ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم". رواه مسلم.
لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، والإيمان لا يتحقق ولا يكتمل إلا بالمحبة بين المسلمين، ومن صور المحبة إفشاء السلام بين الناس، إفشاء السلام بين المسلمين، أما هذا التخاصم وهذا التقاتل والتحارب والتدابر بين الناس، بين المسلمين، فهذا أمر لا يرضي الله ولا يرضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يرضي عباد الله.
لذلك إذا أردنا رحمة الله علينا أن يرحم بعضنا بعضًا، إذا أردنا محبة الله علينا أن يحب بعضنا بعضًا، إذا أردنا أن ننتصر على عدونا فينبغي علينا أن نكون جسدًا واحدًا ونحقق الأخوة الإسلامية فيما بيننا حتى يحقق الله -تبارك وتعالى- لنا هذا النصر.
لذلك علينا أن نراجع أنفسنا ونحاسب أنفسنا، علينا أن نعالج قلوبنا ونطهرها وننظفها من الآفات الخطيرة التي امتلأت بها بعض القلوب، ونكون من الأحبة المتحابين في الله -تبارك وتعالى-، عند ذاك نسعد إن شاء الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.