المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
أكثروا من ذكر الله، بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، ليكن ذكر الله -تعالى- في قلوبكم قياما وقعودا وعلى جنوبكم، كونوا متذكرين دائما لعظمته وجلاله وكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، ففي كل شيء له آية تذكركم به، وتبرهن على وحدانيته وعظمته وقدرته، وتبرز بها آثار رحمته وحكمته. اذكروا الله -تعالى- بـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المذكور بكل لسان المشكور على كل إحسان، خلق الخلق ليعبدوه، وأظهر لهم آياته ليعرفوه ويسر لهم طرق الوصول إليه ليصلوه فهو ذو الفضل العظيم، والخير الواسع العميم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الأحزاب: 41- 42].
كونوا من أولي الألباب: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ)[آل عمران:191].
كونوا: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
وتنفرج الكروب بذكر الله يحصل النصر، ويثبت الله القلب في مواطن الفزع، ولذلك أمر الله –تعالى- بذكره عند مقابلة الأعداء في الحرب، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)[الأنفال: 45].
إن ذكر الإنسان لربه يملأ قلبه سرورا، ويكسو وجهه نورا، ويذكره الله به، يقول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)[البقرة: 152].
ويقول تعالى في الحديث القدسي الذي رواه النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"[البخاري (6970) مسلم (2675) الترمذي (3603) ابن ماجة (3822) أحمد (2/251)].
وقـال النـبي -صلى الله عليه وسلم-: "سبق المفردون" قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرا"[مسلم (2676) أحمد (2/411)].
وقـال صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت"[البخاري (6044) مسلم (779)].
وسئل صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"[البخاري (99) أحمد (2/373)].
وقال صلى الله عليه وسل: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله؛ دخل الجنة"[أبو داود (3116) أحمد (5/233)].
وأمر أن يلقن الميت إياها عند موته، وإن من أكبر ذكر الإنسان لها عند موته أن يكون مكثرا لها في حياته فإن من أكثر من شيء ألفه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها"[أحمد (2/359)].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل"[البخاري (6041) مسلم (2693) الترمذي (3553)].
وقال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك"[البخاري (3119) مسلم (2691) الترمذي (3468) ابن ماجة (3798) أحمد (2/302) مالك (486)].
وقال صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحـان الله العظيم"[البخاري (6043) مسلم (2694) الترمذي (3467) ابن ماجة (3806) أحمد (2/232)].
وقـال صلى الله عليه وسلم: "من قال: "سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، غفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر"[البخاري (6043) الترمذي (3466) ابن ماجة (3812) أحمد (2/232)].
وقال: "لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلى مما طلعت عليه الشمس"[مسلم(2695)].
وقال صلى الله عليه وسلم: "أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة، فتكتب له ألف حسنة"[مسلم (2698) أحمد (1/185)].
فاتقوا الله -عباد الله-: وأكثروا من هذه المكاسب العظيمة من أعمال يسيرة.
أكثروا من ذكر الله، بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، ليكن ذكر الله -تعالى- في قلوبكم قياما وقعودا وعلى جنوبكم، كونوا متذكرين دائما لعظمته وجلاله وكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، ففي كل شيء له آية تذكركم به، وتبرهن على وحدانيته وعظمته وقدرته، وتبرز بها آثار رحمته وحكمته.
اذكروا الله -تعالى- بألسنتكم، بقول: "لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر".
واعلموا: أن كل قول من الخير تريدون به وجه الله، فهو من ذكر الله.
اذكروا الله -تعالى- بجوارحكم بفعل الطاعات، وترك المعاصي، فإن كل فعل أو ترك تقومون به طاعة لله، وتقربا إليه، فهو من ذكر الله.
أكثروا من ذكر الله -تعالى-، ولا تكونوا ممن أغفل الله قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطا.
أكثروا من ذكر الله، قبل أن يحال بينكم وبينه إما بالموت أو بالعجز، أو بحرمانكم منه عقوبة على غفلتكم.
لا يشغلنك -أيها المسلم-: عن ذكر الله مال ولا بنون، فإنما: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف:46].
و(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) كل عمل صالح، وعلى رأسها، قول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
عباد الله: إن ذكر الله -تعالى- غنيمة وربح، وإن الغفلة عن ذكره غرم وخسارة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم".
والترة: النقص والحرمان.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك.
اللهم اجعلنا في أهلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، من الذين اغتنموا أوقاتهم بالباقيات الصالحات، واعصمنا يا مولانا من الغفلة عن ذكرك، ومن التشاغل بما لا يقربنا إليك.
(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران:8].
واغفر لنا وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.