البحث

عبارات مقترحة:

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

أنفرح ونتمتع أم نخاف ونتضرع؟

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهوس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. وجوب تحمل كل شخص مسؤوليته .
  2. الذنوب سبب كل داء وبلاء .
  3. التضرع إلى الله سبيل النجاة .
  4. الإعراض عن الله سبب للشقاء. .

اقتباس

أَمَّا الدَّاءُ فَإِنَّهُ مَا زَالَ مَوجُودًا,لم يَرتَفِعِ الوَبَاءُ وَلم يَنتَهِ البَلاءُ, وَلم يَختَفِ المَرَضُ وَلم تَذهَبِ الشِّدَّةُ, أَفَلا تَعَلَّمنَا مِن ذَلِكَ أَنَّ ثَمَّةَ سَبَبًا أَو أَسبَابًا قَد نَكُونُ تَرَكنَاهَا وَلم نَبذُلْهَا, أَو مَوَانِعَ قَد نَكُونُ ارتَكَبنَاهَا وَمَا زِلنَا وَاقِعِينَ فِيهَا مُصِرِّينَ عَلَيهَا, في غَفلَةٍ أَو تَغَافُلٍ عَن كَونِهَا هِيَ الَّتي أَضعَفَت أَثَرَ الأَسبَابِ المَبذُولَةِ, أَو حَالَت دُونَ تَحَقُّقِ نَتَائِجِهَا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أَمَّا بَعدُ: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في أَوَّلِ هَذَا الأُسبُوعِ رُفِعَ الحَظْرُ الَّذِي كَانَ مَفرُوضًا عَلَى النَّاسِ؛ حِفَاظًا عَلَى أَجسَادِهِم مِنَ الدَّاءِ, وَحِمَايَةً لَهُم مِنَ الوَبَاءِ, وَتَخفِيفًا مِنَ البَلاءِ, وَكَم هُوَ جَمِيلٌ أَن نَكُونَ جَمِيعًا قَدِ استَفَدنَا مِن تِلكَ المَرحَلَةِ الَّتي أَنهَينَاهَا بِنَتَائِجَ مُبهِجَةٍ, وَتَعَلَّمنَا فِيهَا دُرُوسًا مُختَلِفَةً وَوَجَدنَا فِيهَا فَوَائِدَ مُتَعَدِّدَةً, وَلَمِسنَا لَهَا مَصَالِحَ قَاصِرَةً وَمُتَعَدِّيَةً, بِفَضلِ اللهِ -تَعَالى-, ثم امتِثَالِنَا لأَوَامِرِ وُلاةِ أَمرِنَا, وَأَخْذِنَا بِنَصَائِحِ المَسؤُولِينَ المُجتَهِدِينَ, الَّذِينَ بَذَلَ كُلٌّ مِنهُم مَا في وُسعِهِ تَوعِيَةً وَتَوجِيهًا, وَفَعَلَ مَا يَرَى فِيهِ المَصلَحَةَ مُحَاسَبَةً وَضَبطًا, أَدَاءً لِلأَمَانَةِ وَتَخَلُّصًا مِنَ التَّبِعَةِ.

أَمَّا وَقَد بَذَلَ أُولَئِكَ الكِبَارُ مَا بَذَلُوا, وَتَحَمَّلُوا في سَبِيلِ ذَلِكَ مَا تَحَمَّلُوا؛ فَقَد آنَ لِكُلِّ فَردٍ مِنَّا بَعدَ ذَلِكَ أَن يَتَحَمَّلَ مَسؤُولِيَّةَ نَفسِهِ وَمَن تَحتَ يَدِهِ, وَأَن يَبذُلَ جُهدَهُ في حِفظِ الأَمَانَةِ المُعَلَّقَةِ في رَقَبَتِهِ.

وَالحَقُّ -أَيُّهَا الإِخوَةُ- وَمِن خِلالِ مَا رَأَينَاهُ في الوَاقِعِ, أَنَّنَا قَد فَعَلنَا فِيمَا مَضَى كَثِيرًا مِن أَسبَابِ الوِقَايَةِ الخَارِجِيَّةِ, وَحَذِرْنَا أَشَدَّ الحَذَرِ مِنَ الوَبَاءِ وَاتَّقَينَا الدَّاءَ؛ فَلَبِسنَا الأَقنِعَةَ الوَاقِيَةَ, وَزَهِدنَا في المُصَافَحَةِ, وَاكتَفَينَا بِالسَّلامِ اللَّفظِيِّ وَتَرَكنَا المُعَانَقَةَ, وَاعتَزَلَ بَعضُنَا بَعضًا وَتَبَاعَدنَا حَتى في صَلاتِنَا, وَحَرِصنَا عَلَى غَسلِ الأَيدِي وَتَطهِيرِهَا, وَدَاوَمنَا عَلَى تَنظِيفِ كُلِّ مَا حَولَنَا وَتَنقِيَتِهِ, وَمَا زَالَ عَاقِلُنَا إِلى الآنَ حَرِيصًا عَلَى لُزُومِ بَيتِهِ, وَعَدَمِ الخُرُوجِ إِلاَّ لِمَا لا بُدَّ لَهُ مِنهُ.

وَالسُّؤَالُ الَّذِي قَد يَكُونُ آنَ طَرحُهُ بَعدَ كُلِّ هَذَا الحِرصِ الَّذِي كَادَ يَبلُغُ بِبَعضِنَا إِلى حَدِّ الوَسوَسَةِ, وَعَدَمِ الثِّقَةِ في كُلِّ مَا حَولَهُ: هَل زَالَ بِذَلِكَ الوَبَاءُ؟ هَلِ ارتَفَعَ البَلاءُ؟ هَلِ انتَهَتِ الشِّدَّةُ وَامَّحَتِ المِحنَةُ؟؛ لا يُنكِرُ عَاقِلٌ أَنَّهُ قَد كَانَ لِلأَسبَابِ المَبذُولَةِ آثَارٌ طَيِّبَةٌ في تَخفِيفِ المُصَابِ وَالتَّقلِيلِ مِنَ المُصَابِينَ, أَو عَلَى الأَقَلِّ في طَمأَنَةِ النُّفُوسِ؛ لِئَلاَّ يُلحِقَ أَحَدٌ نَفسَهُ لَومًا أَو يُعَاتِبَهَا لَو أُصِيبَ, أَمَّا الدَّاءُ فَإِنَّهُ مَا زَالَ مَوجُودًا,لم يَرتَفِعِ الوَبَاءُ وَلم يَنتَهِ البَلاءُ, وَلم يَختَفِ المَرَضُ وَلم تَذهَبِ الشِّدَّةُ, أَفَلا تَعَلَّمنَا مِن ذَلِكَ أَنَّ ثَمَّةَ سَبَبًا أَو أَسبَابًا قَد نَكُونُ تَرَكنَاهَا وَلم نَبذُلْهَا, أَو مَوَانِعَ قَد نَكُونُ ارتَكَبنَاهَا وَمَا زِلنَا وَاقِعِينَ فِيهَا مُصِرِّينَ عَلَيهَا, في غَفلَةٍ أَو تَغَافُلٍ عَن كَونِهَا هِيَ الَّتي أَضعَفَت أَثَرَ الأَسبَابِ المَبذُولَةِ, أَو حَالَت دُونَ تَحَقُّقِ نَتَائِجِهَا وَأَبطَلَت تَأثِيرَهَا, بَل قَد تَكُونُ جَعَلَتهَا هَبَاءً مَنثُورًا لا قِيمَةَ لَهَا, وَعَنَاءً وَتَعَبًا لا ثَمَرَةَ لَهُ؟!.

لَو تَأَمَّلَ عَاقِلٌ تَنَاوُلَنَا لِمَا نَحنُ فِيهِ مِنَ البَلاءِ فِيمَا مَضَى وَإِلى اليَومَ, لَوَجَدَ أَغلَبَ حَدِيثِنَا لا يَتَجَاوَزُ ذِكرَ الإِحصَاءَاتِ وَأَعدَادِ الحَالاتِ, وَالتَّذكِيرَ بِالإِجرَاءَاتِ وَأَهَمِيَّةِ التَّقَيِّدِ بِالاحتِرَازَاتِ, وَهَلِ الإِصَابَاتُ في صُعُودٍ أَم إِلى نُزُولٍ؟!.

نَعَم -أَيُّهَا الإِخوَةُ- لَقَد صَارَ هَذَا هُوَ الهَمَّ الَّذِي يَشغَلُ أَذهَانَنَا, بَل تَجَاوَزَ بَعضُنَا وَنَسِيَ مَا النَّاسُ فِيهِ مِن ضِيقٍ وَبَلاءٍ, وَدَخَلَ في دَائِرَةِ المَدحِ وَالثَّنَاءِ وَالإِطرَاءِ, مُعتَدًّا بِالقُدُرَاتِ, مُعجَبًا بِقُوَّةِ الإِمكَانَاتِ, مُشِيدًا بِالاستِعدَادَاتِ, مُطَمْئِنًا لِلنَّاسِ بِكَمَالِ الاحتِيَاطَاتِ, جَاعِلاً هَذِهِ المِحنَةَ مَجَالاً لِتَعدَادِ المَآثِرِ وَإِعلانِ المَفَاخِرِ, وَتَعلِيقِ الآمَالِ بِالخَلائِقِ وَإِغفَالِ القُلُوبِ عَنِ اللُّجُوءِ إِلى الخَالِقِ, وَنَسِيَ وَنَسِينَا, وَتَنَاسَى وَتَنَاسَينَا, أَنَّهُ مَا نَزَلَ بَلاءٌ إِلاَّ بِذَنبٍ, وَأَنَّ المَعَاصِيَ هِيَ السُّمُومُ الَّتِي تُحِلُّ بِالنَّاسِ الشُّرُورَ, وَتُوقِعُ بِهِمُ البَلاءَ, وَتَرفَعُ عَنهُمُ العَافِيَةَ, قَالَ -سُبحَانَهُ-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 165].

وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَوجَبَ الوَاجِبَاتِ في الشَّدَائِدِ وَالجَوَائِحِ وَالأَوبِئَةِ, وَأَعظَمَ الأَسبَابِ في زَوَالِ المِحَنِ وَانقِلابِهَا إِلى مِنَحٍ, هُوَ اطِّرَاحُ الثِّقَةِ بِالنُّفُوسِ, وَعَدَمُ الاعتِمَادِ عَلَى الجُهُودِ البَشَرِيَّةِ, وَتَعلِيقُ الحَولِ وَالقُوَّةِ بِاللهِ وَحدَهُ, مَعَ التَّضَرُّعِ إِلَيهِ وَالاعتِرَافِ بِالتَّقصِيرِ بَينَ يَدَيهِ, وَالإِنَابَةِ إِلَيهِ وَصِدقِ التَّوبَةِ وَتَكرَارِ الاستِغفَارِ, فَذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الرَّحمَةِ, قَالَ -تَعَالى-: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النمل: 46].

أَجَل -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّهُ لا يَكشِفُ البَلوَى إِلاَّ اللهُ, وَالأَسبَابُ وَحدَهَا لَن تُغنِيَ شَيئًا وَلَو كَثُرَت وَعَظُمَت, وَيَكفِينَا أَن نَقرَأَ بِقُلُوبِنَا قَولَ رَبِّنَا: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)[آل عمران: 160], أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ, وَلْنَحذَرْ أَن تَقسُوَ قُلُوبُنَا فَنَكُونَ كَمَن قَالُوا: (قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ)[الأعراف: 95], فَإِنَّ اللهَ قَد بَيَّنَ مَصِيرَ أُولَئِكَ إِذْ قَالَ: (فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[الأعراف: 95].

وَلْنَحذَرْ أَن نَكُونَ مِمَّن قَسَت قُلُوبُهُم فَهُم لا يَتَضَرَّعُونَ؛ فَإِنَّ مَصِيرَ أُولَئِكَ إِلى الهَلاكِ وَإِن مُتِّعُوا في دُنيَاهُم في الظَّاهِرِ, قَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 42 - 44].

أَجَل -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ اللهَ لا يُرِيدُ أَن يُعَذِّبَنَا وَلا أَن يُضَيِّقَ عَلَينَا؛ (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ)[النساء: 147], وَسَيَزُولُ البَلاءُ يَومًا مَا, وَسَيَرتَفِعُ الوَبَاءُ وَالدَّاءُ, وَحَتى وَإِن نَحنُ نَسِينَا وَلم نَعُدْ إِلى رَبِّنَا, فَسَيَرتَفِعُ مَا بِنَا, وَلَكِنَّ هَذَا سَيَكُونُ خَطِيرًا عَلَينَا وَلا شَكَّ, قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[الأعراف: 94، 95], إِنَّهَا سُنَّةُ اللهِ, مَن لم يَستَفِدْ مِنَ البَلاءِ وَالشِّدَّةِ, عَرَّضَ نَفسَهُ لِلاستِدرَاجِ بِالرَّخَاءِ وَالنِّعمَةِ, فَالحَذَرَ الحَذَرَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: فَإِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ -تَعَالى- بِعِبَادِهِ أَن يَمنَحَهُمُ الفُرصَةَ بَعدَ الفُرصَةِ, وَيَسُوقَ إِلَيهِمُ التَّنبِيهَ بَعدَ التَّنبِيهِ بِهَذِهِ الابتِلاءَاتِ وَالشَّدَائِدِ, فَإِن هُم تَضَرَّعُوا وَتَابُوا رُحِمُوا, وَإِن هُم نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ وَلم تُوَجِّهْهُمُ الشِّدَّةُ إِلى التَّوَجُّهِ إِلى اللهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيهِ, وَافتَتَنُوا بِالنِّعَمِ وَلم يَشكُرُوهَا؛ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى انتِكَاسِ فِطَرِهِم وَفَسَادِهَا الفَسَادَ الَّذِي لا يُرجَى مَعَهُ صَلاحٌ, وَكَانَت حَيَاتُهُم قَدِ انقَلَبَتِ الانِقلابَ الَّذِي لا تَصلُحُ مَعَهُ لِلبَقَاءِ, فَحَقَّت عَلَيهِم حِينَئِذٍ كَلِمَةُ اللهِ, وَنَزَلَ بِسَاحَتِهِمُ الدَّمَارُ الَّذِي لا تَنجُو مِنهُ دَارٌ.

فَاللَّهُمَّ أَحْيِ قُلُوبَنَا, وَاغفِرْ ذُنُوبَنَا, وَاستُرْ عُيُوبَنَا, نَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِن جَهدِ البَلاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ, وَسُوءِ القَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعدَاءِ, فَعَافِنَا وَاعفُ عَنَّا وَارحَمْنَا وَتُبْ عَلَينَا.

وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ؛ فَاستَغفِرُوهُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَتَيَقَّنُوا أَنَّهُ لا سَبِيلَ إِلى احتِمَالِ البَلاءِ إِلاَّ بِعَظِيمِ الرَّجَاءِ في فَرَجِ اللهِ, وَلا سَبِيلَ إِلى الفَرَجِ إِلاَّ بِالتَّوَجُّهِ إِلى اللهِ, وَلا تَغَلُّبَ عَلَى الضُّرِّ إِلاَّ بِالاستِعَانَةِ بِاللهِ وَحدَهُ, وَالتَّسلِيمِ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنزِلُ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ, وَيَكشِفُ الشِّدَّةَ وَالبَلاءَ, قَالَ -تَعَالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الأنعام: 17].

عِبَادَ اللهِ: لَعَلَّكُم سَمِعتُم أَو قَرَأتُم عَن تَوصِيَةِ الجِهَاتِ المُختَصَّةِ بِاقتِصَارِ حَجِّ هَذَا العَامِ عَلَى أَعدَادٍ مَحدُودَةٍ؛ حِفَاظًا عَلَى الأَروَاحِ وَحِمَايَةً لِلمُسلِمِين مِن هَذَا الوَبَاءِ, وَأَخذًا بِالأَسبَابِ الشَّرعِيَّةِ وَالمَصَالِحِ الكُلِّيَّةِ, الَّتي جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ الإِسلامِيَّةُ, وَهِيَ تَوصِيَةٌ يُحَتِّمُهَا الوَاقِعُ وَتَفرِضُهَا الحَالُ الرَّاهِنَةُ, وَتُملِيهَا مَسؤُولِيَّةُ بِلادِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ, فَنَسأَلُ اللهَ أَن يَحفَظَ بِلادَنَا وَبِلادَ المُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكرُوهٍ, وَأَن يُسبِغَ عَلَينَا جَمِيعًا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً, وَأَن يَكشِفَ الغُمَّةَ عَن هَذِهِ الأُمَّةِ, وَأَن يَحفَظَ عَلَينَا أَمنَنَا وَإِيمَانَنَا وَاستِقرَارَنَا, وَصِحَّتَنَا وَعَافِيَتَنَا, وَأَن يَكفِيَنَا شَرَّ الأَشرَارِ وَكَيدَ الفُجَّارِ وَطَوَارِقَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[ الأحزاب: 56 ].