الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
يُنزِل الله على عباده مواسِم الخيرات ليتزوّدوا من الطاعات، ولحكمته سبحانه لا تدوم الأيام المُباركات ليتسابقَ المُتسابِقون في لحظاتها، ويُحرَم من فضلها المُقصّرون زمنٌ فاضلٌ حلّ بالمسلمين، في نهاره صيامٌ وبذلٌ وعطاءٌ، وليلِه تهجّدٌ وقرآنٌ ودعاءٌ، كم من مُسيءٍ غُفِر له!! وكم من محرومٍ وُهِب له!! وكم من شقيٍّ كُتِبت له السعادة!! وكم من دعوةٍ استُجيبَت!! وكم من ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِل له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: يُنزِل الله على عباده مواسِم الخيرات ليتزوّدوا من الطاعات، ولحكمته سبحانه لا تدوم الأيام المُباركات ليتسابقَ المُتسابِقون في لحظاتها، ويُحرَم من فضلها المُقصّرون زمنٌ فاضلٌ حلّ بالمسلمين، في نهاره صيامٌ وبذلٌ وعطاءٌ، وليلِه تهجّدٌ وقرآنٌ ودعاءٌ، كم من مُسيءٍ غُفِر له!! وكم من محرومٍ وُهِب له!! وكم من شقيٍّ كُتِبت له السعادة!! وكم من دعوةٍ استُجيبَت!! وكم من عمل صالح كان سبب دخول الجنة!! وكم من أيامُ مُباركة أذِنت بالرحيل وأوشكَت على الزوال!! موسمٌ يُودِّعه المسلمون، كم من حيٍّ لن يعود عليه رمضان وكُتِب في عِداد أهل القبور، فيكون مرهونًا بعمله، قال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر: 38].
والعاقلُ من انتهزَ بقيّةَ لحظات شهره فشغلَها بالطاعات وعظيم القُرُبات، واستبدلَ السيئات بالحسنات، قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: "العبرةُ بكمال النهايات لا بنقص البدايات"، فمن كان في جهره منيبًا، وفي عمله مثيبًا، فليحكم البناء، وليشكُر النعماء، ولا يكون كالتي نقضَت غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا، ومن كان مُسيئًا فليتُب إلى الله ما دام بابُ التوبةِ مفتوحًا، فرمضانُ موسمٌ لتوبة العاصين.
أيها المسلمون: الاستغفارُ ختامُ الأعمال الصالحة، يُختَم به الصلاة والحجُّ وآخر الليل، ومن خير ما يُختَم به شهرُ رمضان كثرة الاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء، فالأعمال بالخواتيم، وإذا أكملَ المُسلِمُ العملَ وأتمّه بقِيَ عليه الخشيةُ من عدم قبوله، أو فسادُه بعد قبوله، قال علي -رضي الله عنه-: "كونوا لقبول العمل أشدّ اهتمامًا منكم بالعمل". قال -عز وجل-: (إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللهُ مِنَ الْمُتّقِينَ) [المائدة: 27].
قال سلمة بن دينار -رحمه الله-: "الخوف على العمل أن لا يُتقبّل أشد من العمل". والمرءُ مأمورٌ بعبادة الرحمن في كل وقتٍ وآن، قال سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
ومن كان يعملُ الصالحات في رمضان فليُداوِم عليها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "أحبّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قل". متفق عليه.
قال النووي -رحمه الله-: "قليلُ العمل الدائم خيرٌ من كثيرٍ مُنقطِع، وإنما كان القليلُ الدائمُ خيرًا من الكثير المُنقطِع لأن بدوام القليل تدوم الطاعةُ والذكرُ والمراقبةُ والنيةُ والإخلاص والإقبال على الخالق، ويُثمِر القليلُ الدائمُ بحيث يزيدُ على الكثير المُنقطِع أضعافًا كثيرة".
ومن كرم الله أن الأعمال الصالحة في رمضان دائمةٌ طوال العام، فيشرع صيام ست من شوال، ومن صامها كان كصيام الدهر، وتلاوةُ القرآن مأمورٌ بها على الدوام، وقيامُ الليل مشروعٌ في كل ليلةٍ تغيبُ شمسُ نهارها، والصدقةُ بابٌ مفتوحٌ، والدعاءُ لا غِنى للمرء عنه في حياته، ومن عمِلَ طاعةً فعلامةُ قبولها أن يصِلها بطاعةٍ أخرى، وعلامةُ ردّها أن يُعقِبَ تلك الطاعةَ بمعصية، وما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحُها، وأحسنُ منها الحسنةُ بعد الحسنة تتلوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقُها وتعفها، فزكوا أنفسكم بفعل طاعته والإخلاص في عبادته وصدق التوبة إلى الله طمعًا في عظيم مغفرته وواسع رحمته وجزيل عطائه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُل شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيّنا محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: شرع الله في ختام الشهر زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرّفَث، وطُعمةً للمساكين، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "فرضَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على العبد والحُرّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين".
ويُستحب إخراجُ الزكاة عن الجنين، ولا بأس بنقل الزكاة إلى بلدٍ آخر، وإخراجُها في المحل الذي أنت فيه أفضل، ويجوزُ إخراجُها قبل العيد بيومٍ أو يومين، ويُستحب إخراجُها حين الذهابِ إلى صلاة العيد.
والعيدُ فرحٌ بتفاؤُل قبول الأعمال الصالحة في شهر البركة، فيُشرع التكبير من ليلته إلى صلاة العيد.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرجُ إلى العيد في أجمل ثيابه، وإذا أراد أن يخرج لصلاة العيد أكل ثلاث تمراتٍ وخرجَ من طريقٍ إلى المُصلى وعاد من طريقٍ آخر، ومن فاتَته صلاةُ العيد فإنه يُصليها على صفتها، سواءٌ في المُصلى أو في غيره جماعةً أو فُرادَى. قال البخاري -رحمه الله-: "إذا فاتَه العيدُ يُصلِّي ركعتين".
والعيدُ سرورٌ واستبشارٌ بإسباغ فضل الله على عباده، فيُكثِرُ العبدُ في يوم العيد من ذكر الله، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن هذه الأيام أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله -عز وجل-". رواه أبو داود.
وليحذرِ المُسلمُ أن يتجاوزَ في العيد ما حده الله له فيهدِمَ ما بناه في رمضان، وليكن على وجهِك في العيد وغيره نورُ الطاعة وسمتُ العبادة.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]. اللهم صلّ وسلم على نبيّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزّ الإسلام والمسلمين، وأذِلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم تقبل منا صيامَنا وقيامَنا، اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من عُتقائِك من النار، اللهم لا تدَع لنا فيه ذنبًا إلا غفرتَه، ولا همًّا إلا فرّجتَه، ولا دَيْنًا إلا قضيتَه، يا ذا الجلال والإكرام،( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عجّل لهم بالنصر والفرج، اللهم احقِن دماءَهم، واستُر عوراتهم، وآمِن روعاتهم، اللهم اجعل لهم من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، اللهم عليك بمن تسلّط عليهم، اللهم سلّط عليهم جندًا من عندك يا قوي يا كبير يا عظيم.