الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
وَمِنْ عَظِيمِ مَزَاياَ رَمَضَانَ أَنَّ اللهَ يُضَاعِفُ الْفُرَصَ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَغَلْقِ أَبْوَابِ النَّارِ وَتَقْيِيدِ الشَّيَاطِينِ الْعُتَاةِ، فَيَقِلُّ تَأْثِيرُهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَيَضْعُفُونَ فِي حَمْلِهِمْ عَلَى الْمَعاصِي؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-مَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ، عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ"، فَهَذَا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- هُوَ دِينُنَا : تَوْحِيدٌ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَإِفْرَادٌ لَهُ بِالْعِبَادَةِ، مَعَ إِثْبَاتِ رُبُوبِيِّتَهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِقَامٌ لِلصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَإِيتَاءٌ لِزَكَاةِ الْمَالِ بِنَفْسٍ طَيِّبَةٍ مُنْشَرِحَةٍ مُنْقَادَةٍ لِأَمْرِ اللهِ, فَمَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، ثُمَّ صَوْمٌ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَدَاءٌ لِفَرِيضَةِ الْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ الذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ.
وَاسْتَمِعُوا لِهَذَا الْحَدِيثِ الْعَجِيبِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ "صَدَقَ"، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ "اللهُ"، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ "اللهُ"، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ "اللهُ"، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا، وَلَيْلَتِنَا، قَالَ "صَدَقَ"، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ "صَدَقَ"، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا، قَالَ "صَدَقَ"، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ "صَدَقَ"، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ".
فَمَا أَيْسَرَ دِينِنَا وَمَا أَجْمَلَهُ وَمَا أَحْسَنَهُ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَنَا فِيهِ وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَيْهِ حَتَّى نَمُوتَ، ونَلْقَى رَبَّنَا وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَمْ يَبْقَ عَلَى رَمْضَانَ شَهْرِ الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلَ، وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ مُتَشَوِّقُونَ لِدُخُولِهِ وَنَشِيطُونَ لِصِيَامِهِ، وَمُسْتَعِدُّونَ لِقِيَامِهِ، وَهَذِهِ بَعْضُ الْفَضَائِلِ لِهَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَلِّغَنَي وَإِيَّاكُمْ إِيَّاهُ وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا.
فَمِنْ فَضَائِلِ الصَّوْمِ: أَنَّهُ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ وَتَنْفِيذٌ لِفَرْضِهِ عَلَيْنَا، وَسَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقْوَى، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وَمنِ فَضَائِلِهِ: أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْبُعْدِ عَنِ النَّارِ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ: أَنَّ لِأَهْلِهِ بَابًا خَاصاً فِي الجَنَّةِ يَدْخُلُونَ مَعَهُ, فعَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ فَضَائِلِهِ : أَنَّ اللهَ اخْتَصَّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). قَالَ الْعُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ-: وَالْحِكْمَةُ مِنْ اخْتِصَاصِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الصَّوْمَ لَهُ: أَنَّ الصَّوْمَ يَظْهَرُ فِيهِ الْإِخْلَاصُ، لِأَنَّ الصَّائِمَ لا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ؛ حَيْثُ إِنَّ الصَّوْمَ تَرْكٌ وَامْتِنَاعٌ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ، وَلِذَلِكَ صَارَ خَالِصًا للهِ فَكَانَ أَجْرُهُ مَخْفِيًّا عِنْدَ اللهِ، وَإِذَا كَانَ الْكَرِيمُ الْغَنِيُّ هُوَ الذِي وَعَدَنَا عَلَى صِيَامِنَا بِالْجَزَاءِ فَمَا ظَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟ لاشَكَّ أَنَّ الْجَزَاءَ فَوْقَ مَا نَتَصَوَّرُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ الفَضَائِلِ: أَنَّ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا بِوُجُوبِهِ وَفَرْضِيِّتِهِ وَطَلَبًا لِلْأَجْرِ، أَنَّ اللهَ يَمْحُو عَنْهُ ذُنُوبَهُ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ عَظِيمِ مَزَاياَ رَمَضَانَ أَنَّ اللهَ يُضَاعِفُ الْفُرَصَ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَغَلْقِ أَبْوَابِ النَّارِ وَتَقْيِيدِ الشَّيَاطِينِ الْعُتَاةِ، فَيَقِلُّ تَأْثِيرُهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَيَضْعُفُونَ فِي حَمْلِهِمْ عَلَى الْمَعاصِي؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَفِي رِوَايَةِ أحَمْدَ وَالنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"(وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: حَدِيثٌ جَيِّدٌ لِشَوَاهِدِهِ).
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ وَأَنْ يُعِيَنَنا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ؛ أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْحَلِيمِ الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: افْرَحُوا بِرَمَضَانَ وَاسْتَبْشِرُوا، فَإِنَّ صَوْمَهُ اسْتِجَابَةٌ لِأَمْرِ اللهِ وَأَمْرُ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِتْيَانٌ بِالرُّكْنِ الرَّابِعِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ إِتْمَامُ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إِمَّا بَذْلُ مَحْبُوبٍ كَالزَّكَاةِ، أَوْ كَفٌّ عَنْ مَحْبُوبٍ كَالصِّيَامِ، أَوْ جِهَادٌ لِلنَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ كَالصَّلَاةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي الصِّيَامِ –أَيْضًا-: بُلُوغُ مَرْتَبَةِ الْإِحْسَانِ، وَهُوَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَفِيهِ حُصُولٌ لِلتَّقْوَى، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).
وَفِي الصِّيَامِ اسْتِكْمَالُ لأَنْوَاعِ الصَّبْرِ: الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ, وَالصَّبْرُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ, وَالصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ، وَفِي الصِّيَامِ تَحْصِيلٌ لِأَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْعِبَادَاتِ تَتْبَعُ الصَّوْمَ، كَالسُّحُورِ وَالْإِفْطَارِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْه)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "السُّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرَعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي الصِّيَامِ مَعْرِفَةُ الْغَنِيِّ حَاجَةَ الْفَقِيرِ فَيُواسِيه، فَكَمْ مِنَ النَّاسِ قَدْ طَوَى الْجُوعُ أَجْسَادَهُمْ وَأَيْبَسَ الْعَطَشُ أَكْبَادَهُمْ، وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللهِ فِي نِعْمَةٍ دَائِمًا.
وَفِي الصَّوْمِ أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ : الْحِمْيَةُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفَضَلَاتِ وَالرُّطُوبَاتِ التِي يَضُرُّ الْبَدَنَ بَقَاؤُهَا، وَمَا أَكْثَرَ مَا يَشْتَكِي النَّاسُ مِنَ السِّمْنَةِ وَالْبَدَانَةِ، وَالصُّوْمُ عِلَاجٌ لِذَلِكَ.
فَاللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ واللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبَيِّنَا مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين!