البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
وعندما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصيب المسلمون أعظم مصاب، حتى إن بعضهم لم يصدق موته، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقف في الناس خطيبًا ويقول: "والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم".
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1] ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب70 :71].
أما بعد: فيقول الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر30 :31]، يبين الله -عز وجل- في هذه الآية الكريمة أن الناس كلهم سوف يموتون بما فيهم خير البشر محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-.
أيها الإخوة في الله: لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حقًّا بعد أن بلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد وأدى الأمانة على أحسن وجه وأكمله، فما هي قصة موته -صلوات الله وسلامه عليه-؟!
هذا ما سنتحدث عنه في هذه الخطبة -إن شاء الله-، سائلين الله -عز وجل- أن يصلي ويسلم على رسوله، وأن يجزيه عنا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته، وأن يحشرنا في زمرته، وينيلنا شفاعته، ويسقينا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدًا.
إخوة الإسلام: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرًا من البشر، أكرمه الله تعالى بالرسالة مع بقائه على بشريته: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].
وكان -صلوات الله وسلامه عليه- يمرض كغيره من البشر، إلا أن مرضه أشد من مرض سائر الناس؛ يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك وعكًا شديدًا، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله: إنك توعك وعكًا شديدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أجل؛ إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أجل، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها". رواه البخاري ومسلم.
وكذلك الموت قد كتبه الله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كتبه على سائر خلقه، قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء:34].
وقال سبحانه: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144].
لقد مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد حجة الوداع بأكثر من شهرين، وكان يقول لعائشة -رضي الله عنها- في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة: ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم". رواه البخاري.
وذلك أنه لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سم، فلما أكل منها مضغة لم يسغها، فسأل من حضره من اليهود: هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟! قالوا: نعم، قال: "ما حملكم على ذلك؟!"، قالوا: إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرك.
ولما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة -رضي الله عنها-، فأذنّ له، وقد شق مرضه على الصحابة وأهمهم، وتمنوا أن يفدوه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم، وكانوا يسألون عنه ويفرحون إذا علموا أنه في صحة وعافية.
ومما يدل على فرحهم بصحته ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يصلي بهم في وجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستر الحجرة، فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضاحكًا، قال: فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خارج للصلاة، فأشار إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده أن أتموا صلاتكم، قال: ثم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأرخى الستر، قال: فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يومه. رواه البخاري ومسلم، وفي رواية البخاري: وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد اختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاء الله على البقاء في هذه الدنيا، تقول عائشة -رضي الله عنه-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو صحيح يقول: "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يحيا أو يخير"، فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: "اللهم في الرفيق الأعلى"، فقلت: إذًا لا يختارنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح.
قالت: فكان آخر كلمة تكلم بها: "اللهم الرفيق الأعلى". رواه البخاري ومسلم.
وتقول عائشة -رضي الله عنها-: كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول: "مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا". قالت: فظننته خيرًا يومئذ. رواه البخاري ومسلم.
كما كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى". رواه البخاري ومسلم.
وقد عانى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شدة سكرات الموت، حتى إنه كان بين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات"، ثم نصب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى". حتى قبض ومالت يده. رواه البخاري.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: لما ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه، فقالت فاطمة -رضي الله عنه-: وا كرب أباه، فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات قالت: "يا أبتاه أجاب ربًا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه"، فلما دفن قالت فاطمة -رضي الله عنها-: "يا أنس أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب؟!". رواه البخاري.
ورغم شدة ما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أنه لم يترك نصح الأمة، فلم يشغله ما هو فيه من كرب وشدة وسكرات عن بيان أمر خشي وقوعه، تقول عائشة -رضي الله عنها-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، قالت عائشة: "لولا ذلك لأبرز قبره، خشي أن يتخذ مسجدًا". رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قالا: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، وهو كذلك يقول: "لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا. رواه البخاري ومسلم.
وعن جندب -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". رواه مسلم.
فصلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم الحريص على أمته حتى وهو في سكرات الموت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة128: 129].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وسنة خاتم المرسلين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد، الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، القائل: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن26 :27].
أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: لم تكن الوصية بعدم اتخاذ القبور مساجد هي الوصية الوحيدة التي أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل لقد أوصى -عليه الصلاة والسلام- بالمحافظة على الصلاة وبالإحسان إلى المملوك، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كانت عامة وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم"، حتى جعل رسول الله يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه. رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كان آخر كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم"، ولفظ المسند كان آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم".
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم"، فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه. رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستندًا إلى صدر عائشة -رضي الله عنها-، وذلك في آخر يوم له من الدنيا، ولهذا تقول عائشة -رضي الله عنها-: "إن من نعم الله عليَّ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟! فأشار برأسه: أن نعم، فتناولته فاشتد عليه وقلت: ألينه لك؟! فأشار برأسه: أن نعم، فلينته فأمره...". رواه البخاري. وفي رواية له: "فاستن بها أحسن ما كان مستنًا ثم ناولنيها فسقطت يده، أو فسقطت من يده، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة".
وعندما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصيب المسلمون أعظم مصاب، حتى إن بعضهم لم يصدق موته، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقف في الناس خطيبًا ويقول: "والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم".
ولم يكن أبو بكر -رضي الله عنه- قريبًا، بل كان في منزله بالسنح، فأقبل من مسكنه على فرس حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مغشي بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي طبت حيًا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها، ثم خرج أبو بكر، وعمر يكلم الناس قائلاً: "والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فقال أبو بكر: أيها الحالف: على رسلك، اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فتكلم أبو بكر، فلما تكلم أقبل الناس إليه وجلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: "أما بعد: ألا من كان منكم يعبد محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر:30]، وقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144].
فنشج الناس يبكون وكأنهم لم يعلموا أن الله تعالى أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس منه، فما يسمع بشر من الناس إلا يتلوها، فكان عمر يقول: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات".
وكان عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا وستين سنة.
فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو ابن ثلاث وستين. رواه البخاري.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.
عباد الله: هذه لمحات عن مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووفاته، وهي لمحات مليئة بالعبر والعظات، تبكي العين لوفاته، ويحزن القلب لفقده، فجزاه الله عن أمة الإسلام والمسلمين خير الجزاء. والله نسأله أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه.
اللهم صلّ وسلم على محمد ما تعاقبت الليالي والأيام، واجمعنا به في جنات النعيم، واسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدًا.