البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

بواعث محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-

العربية

المؤلف ياسر بن محمد بابطين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. أهمية محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  2. محبة الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- .
  3. التلازم بين محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبة الله .
  4. محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان .
  5. محبة الجبال والشجر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتسليمها عليه .
  6. محبة البني -صلى الله عليه وسلم- نور .
  7. رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  8. محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته وشفاعته لها .
  9. كمال خَلق وخُلق النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  10. المرء مع من أحب .
  11. محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- سلوى الغرباء والمحزونين .

اقتباس

مَن مِنا الذي لا تتحرّك نفسه حبّا، ولا يهتز فؤاده شوقا، ولا تدمع عينه أسفا أنه لم يرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أنِسَ بصحبته؟! مَن مِنا الذي لا يفيض قلبه بمشاعر الوفاء لذاك النبي -صلى الله عليه وسلم- العظيم الذي أنقذنا الله به من النار، حين تقرأ سيرته، أو تزور مسجده، أو تسمع أمره ونهيه؟! أيها المؤمنون: إنّ حب النبي -صلى الله عليه وسلم- عمل قلبي من أجلّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه، وعاطفة طيبة تجيش بها نفسه. محبته أن...

 

الخطبة الأولى:

أما بعد:

مَن مِنا الذي لا تتحرّك نفسه حبّا، ولا يهتز فؤاده شوقا، ولا تدمع عينه أسفا أنه لم يرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أنِسَ بصحبته؟!

مَن مِنا الذي لا يفيض قلبه بمشاعر الوفاء لذاك النبي -صلى الله عليه وسلم- العظيم الذي أنقذنا الله به من النار، حين تقرأ سيرته، أو تزور مسجده، أو تسمع أمره ونهيه؟!

أيها المؤمنون: إنّ حب النبي -صلى الله عليه وسلم- عمل قلبي من أجلّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه، وعاطفة طيبة تجيش بها نفسه.

محبته أن يميل قلبك -أيها المؤمن-ـ: إليه ميلاً يتجلى فيه إيثاره على كل محبوب من نفس ووالد وولد والناس أجمعين.

فتعال -أيها المؤمن-:ـ لنحرك في أنفسنا بواعث حبه، فكلما ازددت له حبا ازددت إيمانا وقربا وطاعة لله.

كيف لا نحبه والله -جل في علاه- قد أحبه واصطفاه؟!

أخرج مسلم عن جندب قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك".

كيف لا نحبه وحبه من حب الله -تعالى-؟!

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحبّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي"[رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي].

كيف لا نحبه ولا إيمان لعبدٍ حتي يحبه؟!

إن محبة الرسول أصل عظيم من أصول الإيمان يتوقف على وجودِه وجودُ الإيمان، فلا يدخل المسلم في عداد المؤمنين الناجين حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبّ إليه من الناس أجمعين، بل ومن نفسه التي بين جنبيه، يقول الله -تعالى-: (النبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)[الأحزاب: 6].

ويقول سبحانه: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 24].

قال القاضي عياض: "فكفى بهذا حضّا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها، إذ قرَّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضلّ ولم يهده الله".

أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

وأخرج البخاري عن عبد الله بن هشام قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسكفقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر".

كيف لا نحبه والجبال والشجر تحبه وتسلم عليه؟!

عن علي بن طالب قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة، فخرجنا معه في بعض نواحيها، فمررنا بين الجبال والشجر، فلم نمرّ بشجرة ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم-"[رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي].

وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: "بينا نحن نسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلنا منزلاً، فنام النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاءت شجرة تشقّ الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له ذلك، فقال: "هي شجرة استأذنت ربها -عز وجل- في أن تسلم علي، فأذن لها"[رواه أحمد والطبراني وأبو نعيم والبيهقي ورجال أحمد وأبي نعيم والبيهقي رجال الصحيح].

وعن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي إلى جِذع ويخطب إليه، إذ كان المسجد عريشًا، فقال له رجل من أصحابه: ألا نجعل لك عريشًا تقوم عليه يراك الناس يوم الجمعة وتسمع من خطبتك؟ قال: "نعم"، فصنع له الثلاثة درجات هنّ اللواتي على المنبر، فلما صنع المنبر وضع في موضعه الذي وضعه فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فلما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد المنبر مر عليه، فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدّع وانشق، فرجع إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر".

وفي رواية: "فلما قعد نبيّ الله على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتجّ المسجد حزنًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنزل إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنبر فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سكن، ثم قال: "أما والذي نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامةحزنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدفن"[رواه الإمام الدرامي، وقال الوادعي: "والحديث صحيح على شرط مسلم، وأصله عند البخاري وأحمد وغيرهما"]..

وعن أنس بن مالك قال: "خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعًا وبدا له أحُدٌ، قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه"[متفق عليه].

كيف لا نحبه وهو النور الذي يهدينا الطريق؟!

يقول الحق -تبارك وتعالى-: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 151].

فهو من عرّف الأمةَ الطريقَ الموصل لهم إلى ربهم ورضوانِه ودارِ كرامته، ولم يدع حسنًا إلا أمر به، ولا قبيحًا إلا نهى عنه.

ويقول جل شأنه: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[العنكبوت: 51].

عن أبي سعيد الخدري قال: لما أصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغنائمَ يومَ حنين وقسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن للأنصار منها شيء قليل ولا كثير، وجدَ هذا الحيّ من الأنصار في أنفسهم، حتى قال قائلهم: لقي ـ والله ـ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، فقال: "فيم؟" قال: فيما كان من قَسْمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن لهم من ذلك شيء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟" قال: ما أنا إلا امرؤٌ من قومي، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعلمني".

فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة، حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضلاّلا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم".

قالوا: بلى، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟!" قالوا: وما نقول يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وبماذا نجيبك المَنُّ لله ولرسوله؟ قال: "والله، لو شئتم لقلتم فصَدَقتم وصُدِّقتم، جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك"، فقالوا: المنّ لله ولرسوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوَجَدتم في نفوسكم ـ يا معشر الأنصار ـ في لُعاعة من الدنيا تألفتُ بها قومًا أسلموا ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام؟! أفلا ترضَون أن يذهبَ الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى رحالكم؟! فوالذي نفسي بيده، لو أنّ الناس سلكوا شِعبًا وسلكت الأنصار شِعبًا، لسلكتُ شعبَ الأنصار، ولولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار"، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: "رضينا بالله ربا وبرسوله قسما، ثم انصرف وتفرقوا"[البداية والنهاية (4/258)].

كيف لا نحبه وهو رحمة الله للعالمين؟!

أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن جعفر قال: "ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغلته وأردفني خلفه، فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا فيه ناضِح له، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حنّ وذرفت عيناه، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه وسراته فسكن، فقال: "من ربّ هذا الجمل؟" فجاء شاب من الأنصار، فقال: أنا، فقال: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكاك إليّ وزعم أنك تجيعه وتدئبه"[قال الوادعي: "صحيح على شرط مسلم وقد أخرج بعضه"].

وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ادعُ على المشركين، قال: "إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة".

وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله جل شأنه، وعز سلطانه، له الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

اللهم صلّ على البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله ومن اقتفى أثره إلى يوم النشور.

أيها المؤمنون: كيف لا نحبه وهو يحبنا ويشفق علينا؟!

قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128].

خرج مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)[إبراهيم: 36].

وقال عيسى -عليه السلام-: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[المائدة: 118].

فرفع يديه، وقال: "اللهم أمتي أمتي" وبكى، فقال الله -عز وجل-: يا جبريل اذهب إلى محمد ـ وربك أعلم ـ فسله، فأتاه جبريل -عليه الصلاة والسلام- فسأله، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنّا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك".

وقد أرضاه الله في أمته فشفعه فيهم يوم الفزع الأكبر، وجعلهم ثلثي أهل الجنة، فأمته ثمانون صفّا من مائة وعشرين صفا هم أهل الجنة.

جعلنا الله من أهلها،

فنحن الآخرون في الدنيا، السابقون يوم القيامة ببركة نبينا محمد ودعوته.

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".

لقد أوذي  بأبي هو وأمي ـ وعودي وحوصر وطُرد وحورب وقُتل أصحابه وكُسرتْ رباعيته وكيد له، فما تعجل دعوةً له عند الله مستجابة، بل اختبأها ليفكّ بها عنا غلَّ يوم كان شره مستطيرا.

قال الحليمي -رحمه الله-: "وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ضحى بكبشين، فقال في أولهما: "اللهم عن محمد وآل محمد".

وقال في الآخَر: "اللهم عن محمد ومن لم يضح من أمة محمد".

وعنه أنه قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة".

وامتنع من الخروج في الليلة الثالثة من رمضان لما كثر الناس، وقال: "قد رأيتُ الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت عليكم أن تفرض عليكم".

كيف لا نحبه وهو أكمل الخلق خَلقًا وخُلقًا؟!

أما خِلْقته؛ فعن جابر بن سمرة قال: "رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة إضحيان ـ أي: مقمرة ـ وعليه حُلة حمراء، فجعلتُ أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر"[أخرجه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني].

وعن أبي الطفيل قال: "كان أبيضَ مليحًا مقصّدًا"[أخرجه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني].

وأمّا خُلُقه، فيقول ربه -عز وجل- مثنيًا عليه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].

وعن جرير بن عبد الله قال: "ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي"[رواه الجماعة إلا أبا داود].

وعن أنسٍ قال: "خدمتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال: أُفٍّ قط، وما قال لشيءٍ صنعتُه: لم صنعتَه؟ ولا لشيءٍ تركتُه: لم تركتَه؟".

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خُلُقًا، ولا مسستُ خَزًا ولا حريرًا ولا شيئًا ألين من كفِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممتُ مِسكًا قطُ ولا عطرًا أطيب من عرق النبي -صلى الله عليه وسلم-[أخرجه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني].

كيف لا نحبه والمرء مع من أحب؟!

أخرج البخاري عن أنس أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: متى الساعة يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "وماذا أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت".

قال أنس: "فما فرحنا بشيء فرحَنا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت".

قال أنس: "فأنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم".

قال الحسن البصري: "ابن آدم لا تغتر بقول من يقول: المرء مع من أحب أنه من أحب قوما اتبع آثارهم، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتصبح وتمسي وأنت على منهاجهم، حريصا على أن تكون منهم، فتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصرا في العمل، فإنما ملاك الأمر أن تكون على استقامة".

كيف لا نحبه وهو سلوى الغرباء والمحزونين؟!

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال: "إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب"[رواه ابن ماجة والبيهقي والطبراني، وهو حديث صحيح بطرقه].

وأيّ مصيبةٍ وإن عظمت تعدل مصابنا بفقده ولوعتنا ببعده، وظمأنا إلى نور وجهه؟!

اللهم فاحشرنا في حزبه.

عن أنس بن مالك قال: "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء من المدينة كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أظلم من المدينة كل شيء، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا"[رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه].

وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم".

ألا وصلوا وسلموا.