الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فأكثِرْ من الصلاة والسلام على الرسول؛ ليزداد إيمانك، وتسهل لك الأمور، قال ابن القيم: "الصلاة والسلام على النبي أمام الدعاء مفتاحٌ له؛ كما أن مفتاح الصلاة الطهور"..
أيها الإخوة: لقد أرشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة والسلام عليه في مواطن متعددة يتأكد طلبها إما وجوبًا وإما استحبابًا مؤكدًا.
وأول هذه المواطن وأهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه، وقال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "وتجب الصلاة على النبي أيضًا عند كثير من العلماء في الصلاة في التشهد الأخير، فعند كثير من العلماء أنها ركن لا تصح الصلاة إلا به".
فعند بعضهم أنها سنة، وعند بعضهم أنها واجب، والاحتياط أن لا يدعها الإنسان في صلاته، أي: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن مواطن وجوب الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية كما يصلَّى عليه في التشهّد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علَّم أصحابه صفة الصلاة عليه لما سألوه فقال: "قُولُوا: اللّهُم صَلِ عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمدٍ كَمَا صَلّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". رواه النسائي وأحمد.
قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: وإن اقتصر على قوله: "اللهم صلّ على محمد" كفى كما يكفي ذلك في التشهّد.
أيها الأحبة: اعلموا -وفقني الله وإياكم- أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبة عند سماع ذكره، قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: والصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- واجبة في مواضع، منها إذا ذكر اسمه عندك فصَلِّ عليه؛ لأَن النّبِي -صلى الله عليه وسلم- صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "آمِين، آمِين، آمِين!"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِين، آمِين، آمِين؟! قَالَ: "إِن جِبْرِيلَ آتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغَفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قُلْ: آمِين؛ فَقُلْتُ: آمِين، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُبِرّهُمَا فَمَاتَ فَدَخَلَ النّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ؛ قُلْ: آمِين، فَقُلْتُ: آمِين، وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَل عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النّارَ فَأَبَعْدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِين؛ قُلْتُ: آمِين". رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبّانَ فِي صَحِيحيهِمَا. وقال الألباني: صحيح لغيره.
ومعني "رَغِمَ": سقط في الرغامةِ، والرَغَامة هي الأرض الترابية، "رَغِمَ أنفُ امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك"، يعني: إذا سمعت ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقل: اللهم صل وسلم عليه؛ فإن له حقًّا عليك. اهـ.
أيها الإخوة: ومن مواطن الصلاة عليه: الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن؛ لما روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- أَنّهُ سَمِعَ النّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُم صَلّوا عَلَيّ؛ فَإِنّهُ مَنْ صَلّى عَلَي صَلَاةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُم سَلُوا اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الهًِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ؛ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلّتْ لَهُ الشفَاعَةُ".
قال ابن القيم -رحمه الله-: في إجابة المؤذن خمسُ سُننٍ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قد اشتمل حديثُ عبدِ الله بنِ عمرو على ثلاثة منها، والرابعة أن يقول ما رواه مسلم عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالْإِسْلامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ".
والخامسة أن يدعو الله بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسؤاله له الوسيلة، لما في سنن أبي داود والنسائي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَن رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِن الْمُؤَذنِينَ يَفْضُلُونَنَا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ"، صححه الألباني. فهذه خمسٌ وعشرون سُنة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها إلا السابقون. اهـ.
محبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: من مواطن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند دخول المسجد وعند الخروج منه، فعَنْ فَاطِمَةَ -رضي الله عنها- ابْنَةِ النّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلّى عَلَى مُحَمدٍ وَسَلّمَ ثُم قَالَ: "اللّهُم اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ"، وَإِذَا خَرَجَ صَلى عَلَى مُحَمدٍ وَسَلمَ وَقَالَ: "اللّهُم اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ". رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه الألباني.
ومن مواطن الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة وليلتها، فيسن فيهما الإكثار من الصلاة عليه، فعن أوس بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أفضلِ أيامِكم يومَ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النّفْخَةُ، وفيه الصعْقَةُ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتَكم مَعْرُوضةٌ علي"، فقالوا: يا رسولَ الله: وكيف تُعرضُ صلاتُنا عليك وقد أرِمْتَ؟! أي: بَلِيتَ، قال: "إن الله حرّم على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ". أخرجه أبو داود والنسائي. وهو صحيح الإسناد.
ومن مواطن الصلاة عليه عند اجتماع القوم قبل تفرقهم، ففي المستدرك على الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما جلس قوم مجلسًا، ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة".
اللهم وفقنا لأفضل الأعمال والأقوال، واجعل ألسنتنا تلهج بذكرك، وتصلي على نبيك آناء الليل والنهار، إنك جواد كريم.
الخطبة الثانية:
أيها الأحبة: ومن مواطن الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- عند الدعاء، فيُصلَّى عليه -صلى الله عليه وسلم- قبل الدعاء وبعد حمد الله -تعالى-، ويدل عليه حديث فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعَ النبي -صلى الله عليه وسلم- رَجُلا يَدْعُو في صلاته، فَلم يُصَلِّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عَجِلَ هَذا".
ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: "إِذَا صَلّى أحَدُكمْ فَليَبْدَأْ بِتَحمِيدِ الله والثّنَاءِ عليه، ثُم ليُصَل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثُم لْيَدعُ بعدُ بِمَا شَاءَ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وزاد: وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يُصَلّي فَمَجَّدَ اللهَ وَحَمِدَهُ وَصَلّى عَلَى النّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ الهِ- -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ". وهو حديث صحيح، قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: فيحمل هذا الحديث على أن المراد بذلك الدعاء في الصلاة، وأنه يسبق بالتحيات ثم بالسلام والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم الدعاء.
وقال شيخنا -رحمه الله- أيضًا: "ولو أن الإنسان جعل كل دعاء يدعو به مقرونًا بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- لكُفي همه، وغفر ذنبه، كما جاء في الحديث".
وقال ابن عطاء: للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات؛ فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه نجح.
فأركانه: حضور القلب، والرقة، والاستكانة، والخشوع، وتعلق القلب بالله، وقطعه الأسباب؛ وأجنحته: الصدق؛ ومواقيته: الأسحار؛ وأسبابه: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولهذا أكثِرْ -يا أخي- من الصلاة والسلام على الرسول؛ ليزداد إيمانك، وتسهل لك الأمور، قال ابن القيم: "الصلاة والسلام على النبي أمام الدعاء مفتاحٌ له؛ كما أن مفتاح الصلاة الطهور". فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
ثم اعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشَرٌ لا يملك لك النفع ولا الضر، فلا تسأله، لا تقل: يا رسول الله: افعل كذا، يا رسول الله: اغفر لي، يا رسول الله: أغثني، يا رسول الله: سهل أمري، كل هذا حرام، وهو شرك أكبر؛ فلا يجوز أن تدعو مع الله أحدًا، الدعاء خاص بالله فقط، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
كذلك لا تجوز التسمية بعبد النبي أو عبد الرسول ولا غيره مما عبد لغير الله، وقد أجمع العلماء على تحريم التسمية بهذه وغيرها، فالتعبيد لا يكون إلا لله أو لأحد أسمائه فقط.
ويجب على من سمِّي بذلك أن يغير اسمه، فعن هانئ بن يزيد -رضي الله عنه- أنه لما وَفَدَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قومه، سمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قومه يسمون رجلاً منهم عبدَ الحجر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما اسمك؟!"، قال: عبدُ الحجر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا، أنت عبد الله". رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
ومما يجب التفطن له عدم القسَم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز أن تقول: والنبي؛ لأن ذلك حلف بغير الله، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تحلفوا إلا بالله". رواه أبو داود وصححه الألباني.
وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد". رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقولوا: والكعبة، ولكن قولوا: ورب الكعبة!". رواه النسائي، وقال الحافظ ابن حجر: سنده صحيح.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حلف بالأمانة فليس منا". رواه أبو داود وصححه الألباني.