البحث

عبارات مقترحة:

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حاجة الناس جميعا في كل أحوالهم لربهم .
  2. حاجة الناس إلى تذكّر حاجتهم لربهم .
  3. حقيقة الفقر والغنى .
  4. سؤال النبي ربَّه الهدى والتقى والعفاف والغنى .

اقتباس

إن الناس بحاجةٍ دائمة إلى تذكر نعم الله تعالى، كما أنهم في حاجة متجددة إلى سؤال اللهِ تعالى من فضله؛ لأنهم فقراءُ إليه في كل شيء فقدوه أو وجدوه. الناس بحاجة إلى تذكر هذه الحقيقة لئلا ..

أما بعد: فإن الإنسان فقير إلى الله، محتاجٌ إلى مولاه في كل حال، وفي كل مرحلة من مراحل عمره إلى أن يلقاه. 

محتاج إليه وهو مريض أن يشفيه، محتاج إليه في صحته أن يحفظها له، ويستعملها في طاعته؛ لئلا يكفر بنعمته.

فقير إلى الله إذا قل ما في يده، وعضه الجوع، ونابه الدهر، ومحتاج إلى الله في غناه وإقبال الدنيا عليه أن يحمي ثروته وتجارته، وييسرَ أمره، ويمتعَه بما رزقه.

محتاج إلى الله حال كونه لم ينل شيئاً من حظوظ الدنيا في الجاه فلا أحد يلتفت إليه، إن قال لم يُسمع، وإن شفع لم يشفع، وإن سأل لم يُعط؛ كما أنه محتاج إلى الغني الكريم وقد بُسط له في الجاه، وحظي باحترام الآخرين أن يستر الله عليه عيوبه فلا تظهر للخلق، إذ لو ظهرت لسقط من عيونهم.

فقير إلى الله أن يحفظ له عقله ورأيه، فلو ضعفت نعمة العقل والرأي بضعف الذاكرة أو تزاحم الهموم فلن يظل هو ذلك الشخص المرموق الذي يحترمه الكثيرون.

إن الناس بحاجةٍ دائمة إلى تذكر نعم الله تعالى، كما أنهم في حاجة متجددة إلى سؤال اللهِ تعالى من فضله؛ لأنهم فقراءُ إليه في كل شيء فقدوه أو وجدوه.

الناس بحاجة إلى تذكر هذه الحقيقة لئلا يقتلَهم اليأس والقنوط من رحمة الله حين يفقدون نعمه، أو لئلا يركبهم الغرور حين يرون نعم الله تفتح لهم وتتدفق عليهم وينالون من فضله الكثير.

معشر الأفاضل: وفي الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15] بيَّن الله تعالى أن الناس فقراءٌ إليه في كل شيء، يدل عليه تعريف لفظ الفقراء بـــ أل، وكأنهم -لشدة افتقارهم إليه- هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه، من الناس وغيرهم.

وقد بين الله -سبحانه- في موضع آخر أن العباد ضعاف، قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الروم:54]، وفي الآية معنى أن الناس فقراء، فاجتمع وصفان: الفقر والضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر وأشد حاجة، وهكذا الانسان بالنسبة إلى ربه.

لكن الله تعالى هنا في الآية أثبت فقر الناس إليه وغناه عنهم، أكد أن الغِنى ينفع إذا كان الغَني جواداً مُنعِماً، فإذا كان كذلك وهو -سبحانه- استحق الحمد، فقال -سبحانه-: (واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].

وقال في آية أخرى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267]، وفي آية ثالثة: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [لقمان:26]، وفي آية رابعة: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28]، وفي آية خامسة: (... فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131].

فاحمدوه، واسألوه من فضله، ولوذوا بجنابه، وتبرأوا من حولكم وقوتكم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، مدوا أيديكم إليه، وأنزلوا حاجتكم به، فإنه يحب أن يُسأل، وقادر على الإجابة.

وفرِّغوا قلوبكم من التشوف والتطلع إلى ما في أيدي الناس تصلوا مرتبة الأغنياء، فإن الإنسان مهما توفر لديه من المادة، إذا كان يطمع ويرجو نوال فلان وعطاءه، فهو فقير أو مسكين!.

اللهم بارك...

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أيها المسلمون: فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو فيقول: "اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى".

والهدى هو كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، يسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال مع والديه ومع أهله وأولاده وزملائه، ومع الناس أجمعين، والله تعالى يقول: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [الحج:24].

ويقول سبحانه-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:53]؛ لأن القول إذا حسُن مخرجه، واختار صاحبه ألفاظاً طيبة، وعبارات منتقاة، كان أثره بالغاً، ونتيجته محمودة، وهذا توفيق من الله، ومِنّة ينبغي على العبد أن يسأل الله تعالى ذلك.

يسأل ربه الهدى في العمل سواءً ما يتعلق بأعمال الآخرة التي هي عبادة محضة، أو الأعمال التي تتعلق بمعيشته في هذه الحياة الدنيا.

كم من الناس يحتاج إلى الإصلاح في منزله، أو صيانة في سيارته ونحوها، وقد يبذل مالاً كثيراً، وجهداً مضاعفاً، ووقتاً طويلاً ثم لا يهدى، ولا ييسر لليسرى! بل عنت ومشقة، وتوتر أعصاب وغفلة عن الدعاء وشكر لله تعالى.

وعلى المسلم أن يدعو ربه ويسأله التقوى في تناول أعماله كلها، سواءً منها ما كان عبادة محضة كالصلاة والصوم والحج ونحوها، أن تكون خالصة لله، مجردة من حظوظ النفس، أو ما كان من الأعمال والأقوال التي ليست عبادات في أصل مشروعيتها، لكنها تتحول بالنية الصالحة إلى عبادة يؤجر عليها صاحبها؛ كالنفقة على من تلزمه نفقتهم، ومعاونة المحتاجين، وإكرام الضيف، ونحوها.

أيها المؤمنون: ورد في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- العفاف والغنى، والعفاف والعفة هو التنزه عما لا يباح، والكف عنه.

أن تُعِف نفسك -أيها المسلم- عن أكل الحرام أياً كان، ولو قليلاً، تعف نفسك أن تشرب ما حرم الله ويضر بصحتك ولو كان يسيراً.

تُعِف نفسك فلا تنظر إلى امرأة أجنبية، ولا تتحدث معها إلا لحاجة، وبقدر الحاجة فقط، تُعِف نفسك أن تتطلع إلا ما في أيدي الغير، فإذا تعففت عما في أيدي الغير وزهدت فيه أحبك الناس؛ لأنهم ضمنوا واطمأنوا إلى أنك لا تزاحمهم في شيء من دنياهم.

وقد أتى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ازهد فيما عند الله يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" أخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وصححه الألباني.

وأما الغنى: فهو الغنى بالله وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية، وإذا اغتنت النفس والقلب فهو الغنى الحقيقي، حتى لو قل المال؛ ترى صاحبه مطمئناً، راضيَ النفس، قنوعاً بما أعطاه الله، وإن كان يسعى لاكتساب الرزق فهذا أمر واجب عليه.

أما إذا افتقرت النفس، وافتقر القلب، فلو كان عند الرجل أموال قارون لرأيته يشعر بالحاجة، متخوفا على مستقبله، قلقا ومتوجسا دائماً.

اللهم إنا نسألك غنىً لا يطغينا، اللهم اجعلنا من أغنى خلقك بك، وأفقرهم إليك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، والرضا بعد القضاء...

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، ودمر أعداء الدين، وأضعفهم واكسر شوكتهم. اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم إنا نعيذهم بعزتك وقدرتك من شر ما يجدون ويحاذرون. اللهم ارحم موتاهم واعف عنهم وتجاوز.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

اللهم وفق إمامنا للخير، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى.

اللهم ارحم ضعفاء المسلمين، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم...