البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

ما أجمل الرفق

العربية

المؤلف معيض محمد آل زرعة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الرفق خير ما وصف به النبي -عليه السلام- .
  2. الأنبياء والرفق .
  3. فضل الرفق واللين .

اقتباس

إن من أجمل ما وصف الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- قوله -سبحانه وتعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)، يعني: رحمك الله تعالى وتفضل عليك بأن أصبحت ليّنًا رفيقًا في تعاملك مع الناس، ثم بيّن الله تعالى الطريق إذا لم يكن لينًا، فقال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، يعني لو كنت فظًّا في تعاملك ولست رفيقًا بل عنيدًا، وليس في ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلّ عن الشبيه والمثيل والند والنظير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله الله رحمةً للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وما تعانق الأخيار وما تصافح الأبرار، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. 

أما بعد:

أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فلا سعادة ولا صلاح ولا نجاح ولا فلاح إلا بالتقوى، كما أوصيكم بحمد الله وشكره على آلائه ونعمائه عليكم، فكم خصكم به من نعمة وأزال عنكم من نقمة: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[محمد:38].

عباد الله: حديثي إليكم هذا اليوم بعنوان "ما أجمل الرفق"، إن من أجمل ما وصف الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- قوله -سبحانه وتعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران:159] ، يعني: رحمك الله تعالى وتفضل عليك بأن أصبحت ليّنًا رفيقًا في تعاملك مع الناس، ثم بيّن الله تعالى الطريق إذا لم يكن لينًا، فقال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159]، يعني لو كنت فظًّا في تعاملك ولست رفيقًا بل عنيدًا، وليس في قلبك رحمة ولا إحسان ولا شفقة ولا عطف ولا حنان على الآخرين، لكانت النتيجة: (لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، يعني لانفض مِن حولك من تدعوهم إلى الإسلام، وانفض من حولك مِنَ المسلمين، وكذلك لانفض من حولك مِن زوجاتك وجيرانك، وإن كنت نبيًّا مرسلاً، وإن كنت نبيًّا مقربًا، وإن كنت خاتم الأنبياء والرسل وسيد المرسلين، إذًا لانفض هؤلاء من حولك إن لم يروا منك ابتسامةً ولطفًا ورحمةً وشفقةً، وتعاملاً لطيفًا مع أخطائهم.

ثم بيّن الله تعالى المنهج الصحيح الذي يجب أن يتعامل به الأنبياء والرسل وأتباعهم، فقال الله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ) وإن أخطؤوا عليك بألفاظهم أو أخطؤوا عليك في تعاملهم أو أساؤوا بك الظن، ثم يقول تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران:159] ، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمثل بهذه الآية في حياته عندما يتعامل مع الناس، وهكذا كان الأنبياء والرسل من قبله، فهذا موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لمّا أرسله الله إلى رجل طاغية متكبّر ادّعى الألوهية: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى[النازعات:24]، ومع ذلك يقول الله لموسى -عليه السلام- وهو يذهب إلى هذا الرجل: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى[طه:43]، فقال موسى: يا رب: هذا طاغية، كيف نتعامل معه؟! فقال الله له: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً[طه:44]، قولا له كلامًا حسنًا وطيبًا ورفيقًا، ولا تقولا له قولاً عنيفًا أو كلامًا قاسيًا، ثم قال تعالى: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[طه:44].

وهذا نبينا إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- محطّم الأصنام، باني البيت الحرام، يُرسله الله -عز وجل- إلى قومٍ يعبدون النجوم والكواكب والأصنام ويتقربون إليها من دون الله، بل كان أبوه آزر ممن يصنع هذه الأصنام ويبيعها، ومع ذلك أتى إبراهيم -عليه السلام- إلى أبيه آزر مخاطبًا إياه بألطف العبارات وأسهلها وأجملها، فقال الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ...) [مريم41 :42] الآيات، فإذا بأبيه يجيبه بعنف فيقول: (أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ[مريم:46]، ومع ذلك يواصل إبراهيم -عليه السلام- كما أوصاه ربه بالرفق والكلام الطيب والرحمة والشفقة فقال تعالى: (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً...) [مريم:47] الآية.

نعم، أيها المسلمون: إنه الرفق في التعامل مع الناس ومع الجيران ومع الزملاء ومع الآخرين عمومًا، إنه الرحمة والشفقة والرفق، رفق الطبيب المخلص مع المريض الذي لا يريد تناول الدواء والعلاج، فترى الطبيب حريصًا عليه مع أن المصلحة للمريض، ولقد حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الرفق، وكان يربي أصحابه وأزواجه -رضي الله عنهم أجمعين-، بل كان يتمثله -صلى الله عليه وسلم- في نفسه، فقد جاء في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيرًا أدخل عليهم الرفق، وإذا أراد الله بأهل بيتٍ شرًّا نزع منهم الرفق"، ومن هذا نفهم إذا دخل الرفق على أهل بيتك فلا تسأل عن الرحمة والشفقة والتعاون والسعادة بين الرجل وزوجته وأولاده وبناته، وعلى الضد من ذلك إذا نزع الله منهم الرفق رأيت التنافر والشدة والمعاصي والتباعد وارتكاب الذنوب ووجود الشر في هذا البيت وعدم صلاح الأولاد والزوجة. نسأل الله السلامة والعافية.

وقد جاء في الحديث الصحيح أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرّم على النار كل هيّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناس"، ولم يقل: العابد أو الصائم أو القائم، مع فضل ذلك العمل، لذلك ما الفائدة من الصلاة إذا لم تنهك عن الفحشاء والمنكر، وما الفائدة من الصدقة إن لم تزرع في قلبك الرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين، وما الفائدة من الحج إن لم يزرع في قلبك التعاون والأخوة مع المسلمين، وما الفائدة من الصوم إن لم يربِّ فيك الحلم وكتم الغيظ والشفقة بالآخرين، إذًا العبادة لا فائدة منها إذا كانت صورًا فقط.

ولقد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهمية الرفق حتى في التعامل مع الكافرين، فكان -صلى الله عليه وسلم- يومًا جالسًا في بيت أم المؤمنين الطاهرة عائشة -رضي الله عنها- فمرّ نفر من اليهود خارج البيت وهم يعلمون أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في البيت، فرفعوا أصواتهم عند الباب وقالوا: السام عليكم يا محمد، يعني الموت عليكم يا محمد، فقال -صلى الله عليه وسلم- الرفيق الليّن بكل هدوء: "وعليكم"، يعني لا يسلم من الموت أحد، فغضبت عائشة -رضي الله عنها- غضبة المؤمنة غيرةً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: "بل عليكم السام واللعنة"، فقال لها -صلى الله عليه وسلم- "مه يا عائشة؛ إن الله يُبغض الفُحش والتفحش"، قالت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟! قال: "بلى، وقلت لهم وعليكم، فيُستجاب لي فيهم ولا يُستجاب لهم فيّ".

إذًا هكذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يربي زوجاته وأصحابه، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدًا، لا زوجةً ولا خادمًا ولا ولدًا، إلاّ أن يجاهد في سبيل الله"، وهذا رجلٌ قدم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مشتاق إلى لحظةٍ يجلس فيها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليأخذ حديثًا أو وصيةً، فقال هذا الرجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله: أوصني، فإذا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- يتكلم عن أثر العبادة في الحياة، فقال -صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل: "لا تغضب"، فقال الرجل: زدني، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضب"، فقال الرجل: زدني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضب"، وكأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يؤكد على مبدأ الرفق والرحمة والشفقة وترك الغضب؛ لأنه يتنافى مع الرفق، حتى مع البهائم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن شر الرِعاء الحُطمة"، وهو الراعي الذي ليس فيه رحمة ولا شفقة ولا رفق بهذه البهائم، فيدفع بعضها على بعض حتى يحطِم بعضها بعضًا، بل بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرفق بالحيوانات حتى عند الموت فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة... الحديث".

بارك الله لنا ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

  

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

عباد الله: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما وجد الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نزع الرفق من شيءِ إلا شانه"، إذًا بالرفق نكسب الناس والزوجة والإخوان والأخوات، وبالرفق يصلح البيت والأسرة والمجتمع والأمة.

ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله رفيق يُحب الرفق، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من يُحرم الرفق يُحرم الخير".

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...