المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق |
وأشهر الأمم تحريفًا للكتب، واختلاقًا للقصص، وتزويرًا للأخبار بما يوافق الأهواء أمة بني إسرائيل، ولا سيما اليهود منهم؛ فإن لهم باعًا طويلاً في ذلك، وهم الذين أخفوا نصوص نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ووضع قارئهم يده على آية الرجم من التوراة ليخفيها عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال ..
الحمد لله العزيز الحكيم؛ ناصر المستضعفين، وقاصم المتجبرين، وخالق الناس أجمعين: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ) [الزُّخرف:84]، نحمده على ما هدى وكفى، ونشكره على ما منع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ هو الملاذ حيث لا ملاذ، وفيه الرجاء عندما تتقطع الحبال، وهو الناصر حين يعم الخذلان، وهو المستعان على كيد الأعداء: (وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 78]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ جاء بالصدق وأمر به وأثنى على الصادقين، ونهى عن الكذب وذم الكاذبين، وأخبر أن الكذب يهدي إلى الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم، ومن دنياكم لآخرتكم؛ فإنكم تقدمون على الله تعالى بأعمالكم، وتتخلف عنكم أموالكم وأولادكم: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) [الانشقاق:6-15].
أيها الناس: تؤثر الوقائع التاريخية في العقائد والأفكار تأثيرًا كبيرًا، فتؤسس لعقائد باطلة، وتدخل في العقائد الصحيحة ما ليس منها، وتشكك في صحيح المنقول. والتاريخ كتاب مفتوح يدخل فيه من شاء ما شاء، ويحرف فيه ما شاء، وينتقي منه ما شاء، ويشكك فيما شاء، واتجهت همة علماء السلف الصالح إلى حفظ ما هو أهم من التاريخ وحوادثه، والمغازي وأخبارها؛ إذ كرسوا جهودهم وأوقاتهم لحفظ السنن والآثار؛ لأنها أعمدة الدين، وأدلة التعبد، ومصادر الفقه، ويبنى عليها الحلال والحرام؛ فلا دين حق، ولا عبادة على وجه صحيح إلا بنقل صحيح، وقد صح عن الإمام أحمد وهو إمام الأثر والإسناد أن المغازي ليس لها أصول، والمغازي من التاريخ، ومراده أن المنقول فيها مختلط صحيحه بضعيفه بمنكره.
وأشهر الأمم تحريفًا للكتب، واختلاقًا للقصص، وتزويرًا للأخبار بما يوافق الأهواء أمة بني إسرائيل، ولا سيما اليهود منهم؛ فإن لهم باعًا طويلاً في ذلك، وهم الذين أخفوا نصوص نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ووضع قارئهم يده على آية الرجم من التوراة ليخفيها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال الله تعالى فيهم: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء:46]، وفي آية أخرى: (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) [المائدة:41].
ويوم عاشوراء يوم قد ثبت أنه اليوم الذي أغرق الله تعالى فيه فرعون ونجى بني إسرائيل من استعباد الفراعنة، وانتشلهم من الاستضعاف إلى التمكين، فكان اليهود يصومونه شكرًا لله تعالى على ذلك، فسألهم النبي -عليه الصلاة والسلام- عن سبب صيامهم له فقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه الشيخان.
وكان واجبًا على اليهود أن يحفظوا هذه الصنيعة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأن يتبعوه؛ لأنه اتبع موسى -عليه السلام- في صوم يوم الشكر عاشوراء، لكن اليهود لا يتبعون موسى كما لم يتبعوا محمدًا، وحرفوا وقت عاشوراء فلم يجعلوه في ميعاده الذي صام موسى فيه.
وقوم حرفوا الكتب المنزلة، وبدّلوا الشرائع المحكمة، وغيروا أيام الصوم المعتبرة، فأولى أن يحرفوا التاريخ، ويزوروا الواقع. وهو ما فعله اليهود وما زالوا يفعلونه إلى يومنا هذا حين ضخموا حوادث الاضطهاد التي لحقت بهم، وألصقوها بغير أهلها، وعموا عمن اضطهدهم؛ فإن الذين عذبوا اليهود هم النصارى، والذين حموهم من تعذيب النصارى هم المسلمون، لكن اليهود قابلوا إحسان المسلمين فيهم بإساءات متكررة، ونقلوا عداءهم للمسلمين بدل النصارى الذين اضطهدوهم، ونفخوا في حادثة محرقة النازيين لهم ليبتزوا بها الأوروبيين، وزوروا التاريخ والأنساب حين حصروا السامية فيهم، واستخرجوا قانونًا يجرّم من يعاديهم، مع أن العرب يدخلون معهم فيها؛ فإن الجميع من ذرية الخليل -عليه السلام-، والسامية تنتسب في الأصل إلى سام بن نوح، لكن اليهود زوروا التاريخ كما يزورون الواقع المعاصر، وها هم الآن يستبيحون غزة في الأيام التي نجى الله تعالى أجدادهم فيها من بطش الفراعنة واستعبادهم لهم، ويمطرونها بقذائفهم لتقتل الشيوخ والنساء والأطفال، فيكفرون في أيام الشكر، ويأتون أفعال الفراعنة وقد عانى أجدادهم منها!!
ومن أفكار اليهود ومكرهم نشأت الفرق الباطنية، وأرادوا بها الإدخال في الإسلام وتحريفه كما حرفوا النصرانية، لكن بقي الإسلام لم يتبدل، وانقسم أهل القبلة إلى فرق تتفاوت في قربها من الإسلام وبعدها عنه بحسب انحرافها. وكان من أوائل هذا الانقسام في الأمة مفارقة طائفة سوادها الأعظم بحجة التشيع لآل البيت، والذين أعلنوا التشيع لآل البيت هم من خانوهم لما جد الجد، وعقدت ألوية الحرب، فعلوا ذلك بعلي -رضي الله عنه- حتى قال مخاطبًا لهم لما خذلوه: "لَبِئْسَ حُشَّاشُ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! إِنَّكُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ، وَتُتَنَقَّصُ أَطْرَافُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَتَحَاشَوْنَ". وقال أيضًا: "الْمَغْرُورُ وَالله مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بِالسَّهْمِ الأَخْيَبِ، لا أَحْرَارٌ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَلا إِخْوَانٌ ثِقَةٌ عِنْدَ النَّجَاءِ، إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَاذَا مُنِيتُ بِهِ مِنْكُمْ؟!".
ثم خانوا الحسن بعد علي -رضي الله عنهما-، فصالح معاوية وحقن الدماء وقال لشيعته: "يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ: إِنَّهُ سَخِيٌّ بِنَفْسِي عَنْكُمْ ثَلاثٌ: قَتْلُكُمْ أَبِي، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي".
ثم أرسلوا إلى الحسين -رضي الله عنه- ما يقرب من مائة ألف كتاب يبايعونه فيها، ويطلبون مسيره إليهم في العراق، فلما عزم على المسير نصحه ابن عمر وابن عباس وابن الزبير -رضي الله عنهم- أن لا يسير إليهم؛ فإنهم قد خانوا أباه وأخاه من قبل، لكنه -رضي الله عنه- رجح المسير إليهم لما رأى كثرة الكتب التي تحملها الجمال وأصحابها يبايعونه، ورأى أنه إن خان بعضهم لم يخونوا كلهم، فلما وصلهم خانوه، واشتريت ذمم رؤوسهم بالمال، اشتراها فسقة ولاة العراق ممن أرادوا قتله -رضي الله عنه-، فلم يقف معه في هذه المحنة العظيمة إلا عدد قليل ممن غلب الدين دنياهم، فقتلوا جميعًا، وقتل الحسين -رضي الله عنه- ظلمًا وعدوانًا يوم عاشوراء، فعاد الذين خانوه، وباعوا دمه الزكي بالأموال، عادوا يندبون الحسين ويلطمون عليه، ويُدْمون الرؤوس والصدور، ويحمِّلون سواد المسلمين مسؤولية قتله، ويريدون الانتقام من الأمة جمعاء، وهم خونته وقتلته وخونة أبيه وأخيه من قبله -رضي الله عنهم وأرضاهم-، حتى قال مرتضى المطهري -وهو من أئمة الشيعة الإمامية-: "ولا ريب في أن الكوفة كانوا من شيعة علي، وأن الذين قتلوا الحسين هم شيعته". وقال أيضًا: "إن مقتل الحسين على يد المسلمين، بل على يد الشيعة بعد مضي خمسين عامًا فقط على وفاة النبي لأمر محير ولغز عجيب وملفت للغاية". اهـ.
لكن كتبة التاريخ من الإمامية الباطنية اجترؤوا على الإدخال في التاريخ والسير بما يخدم أهدافهم، ويحقق مقاصدهم، وهم الذين اجترؤوا من قبل على الدين الصحيح فردوه، وعلى النقل الصحيح فكذبوه؛ لأنه مخالف لأهوائهم، واصطنعوا روايات كذبوها على آل البيت ليخرجوا دينًا جديدًا.
وكما فعل اليهود بيوم عاشوراء حين حرّفوه عن زمنه، وبدّلوا سنة الكليم موسى -عليه السلام- فيه، فإن الرافضة الإمامية فعلوا بعاشوراء ما هو أشنع من فعل اليهود؛ إذ بدّلوا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في صيامه شكرًا لله على نجاة موسى -عليه السلام-، واحتسابًا للأجر المرتب عليه، وجعلوه مناحة على الحسين، وشرعوا فيه من المراثي والقصائد والترانيم والأناشيد ما يؤججون به صدور أتباعهم من الجهلة والعامة، ويملؤونها بالأحقاد على المسلمين.
فصادروا سنة موسى ومحمد -عليهما السلام-، وأحدثوا بدعًا ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، وهكذا يتم تزوير التاريخ، وإخفاء الحقائق، وتبديل الدين، وتفرقة المسلمين، ولن يصح إلا الصحيح، وسيزول الكذب والتضليل: (بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء:18]، نسأل الله تعالى أن يرزقنا التجرد للحق، والنصح للخلق، وحسن الاتباع، ومجانبة الابتداع، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحرصوا على صوم يوم عاشوراء؛ فإنه يكفر السنة التي قبله كما جاء ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخالفوا اليهود بصيام التاسع معه؛ فإنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".
ومن التوفيق للعبد أن يحرص على مكفرات الذنوب، وأن يلتزم السنة النبوية؛ فإن التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم القربات التي تستجلب بها محبة الله تعالى، وهل جد الناس في العبادات، ومشوا في الظُلَم للطاعات، وفارقوا لذائذ الشهوات إلا وهم يطلبون محبة المولى -جل في علاه-؟! (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].
أيها المسلمون: يمر عاشوراء بالمسلمين هذا العام وقد اجتمع على المؤمنين في الأرض المباركة الأمتان الغضبية والباطنية؛ فاليهود قد استباحوا غزة تدميرًا وتقتيلاً لأهلها، والإمامية الباطنية وقفوا مع إخوانهم النصيرية في قتل كرام الشام، واغتصاب نسائهم، وتعذيب سجنائهم، وسحل شبابهم، وتمزيق أطفالهم.
والأمتان اليهودية والباطنية هما أكثر أمم الأرض طمسًا للحقائق، وممارسة للكذب، وتزويرًا للتاريخ، وتدليسًا للواقع، وحقدًا على البشر كلهم، وخاصة على المسلمين؛ لأن المشروعين اليهودي والباطني يتغذيان من مورد واحد يقوم على العنصرية للعرق والطائفة؛ ولذا لا يأبه اليهود بمن يتهود من غيرهم، ولا يرد الباطنيون مرجعية دينهم في غير جنسهم. وقد جعلوا عامة من ينتحل مذهبهم الباطل حطبًا لحروبهم في سبيل إعادة مملكة فارس، وأمجاد كسرى.
وكلا النحلتين اليهودية والباطنية يدعي أئمتها أنهم مظلومون، ويكتبون التاريخ على وفق ذلك، ويظهرون المسكنة والضعف؛ فإذا تمكنوا أبادوا الناس وعذبوهم، وشفوا غليلهم بصياح ضحاياهم، وأطفؤوا نار قلوبهم بدماء من جعلوهم خصومهم؛ وقد رأينا ذلك في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران، حمى الله تعالى المسلمين من تسلطهم وأحقادهم، ورد كيدهم عليهم، وأبطل مكرهم.
والعالم الغربي إذ يُحكم بالصهاينة النافذين فيه فإنه بدوله الكبرى، ومنظماته الدولية، ومبادراته المتعددة لا يرتجى منه نصرة لضعيف، ولا إنصاف لمظلوم، ولا نجدة مقهور، وغالب قراراته ومبادراته لن تصب إلا في مصلحة الأمتين اليهودية والباطنية؛ فلله أهل غزة، ولله أهل الشام، ولله سنة لبنان والعراق وإيران، فلا منقذ لهم من رحى اليهود والباطنية التي تطحنهم إلا الله تعالى، فاللهم انصرهم نصرًا مؤزرًا، ومكن لهم في الأرض، وأقم بهم حكم الإسلام في الأرض المباركة وفي العراق وإيران، واهزم اليهود والصفويين والنصيريين، وأسقط عروشهم، وأورثها المستضعفين من المؤمنين، يا رب العالمين، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وامنح إخواننا رقابهم، إنك على كل شيء قدير.
اللهم صل على محمد...