الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
ولهذا فإنَّ مَنْ نام عن الوتر أو نَسِيَه أو فاتَه بسبب مرض ونحوه صلَّى ما كان يصليه ليلًا، صلَّاه في النهار، يسلِّم من كل اثنتينِ، ويجعل الوترَ اثنتينِ بنِيَّة الوتر على الصحيح من قول أهل العلم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النُّورِ: 44]، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، العزيزُ الغفَّارُ، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أفضلُ مَنْ ذَكَرَ وشَكَرَ بالليل والنهار، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وصحبه، الذين فازوا برضا الواحد القهَّار.
أما بعدُ: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -جل وعلا- سِرًّا وجهرا، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[الْبَقَرَةِ: 223].
إخوةَ الإسلامِ: في تعاقُب الأزمان معتَبَر، وفي اختلاف الليل والنهار مدَّكَر، يقول الله -جل وعلا-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الْفُرْقَانِ: 62]، والمراد بقوله: (خِلْفَةً) أي: كونًا وقَدَرًا بأن أحدَهما مخالِف للآخَر، وكُلًّا منهما يخلُف الآخَرَ، هذا بعد هذا، يتعاقبان في الضياء والظلام، والزيادة والنقصان، كما قال جلَّ وعلا: (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)[الْإِسْرَاءِ: 12]، وكما قال جلَّ وعلا: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)[يس: 37].
ويأتي معنى "خِلْفَةً" معنى شرعيًّا، وأنه -سبحانه- جعَل أحدَهما خَلَفًا من الآخَر، في أن ما فات من عمل يُعمَل فيه لله -جل وعلا- أُدرك قضاؤُه في الآخَر، عن شقيق قال: "جاء رجل إلى الفاروق -رضي الله عنه- فقال: فاتَتْني الصلاةُ بالليل؟ أي: صلاةُ الليلِ، فقال: أَدْرِكْ ما فاتَكَ في ليلتِكَ أَدْرِكْهُ في نهارِكَ"، قال صلى الله عليه وسلم: "ما مِنِ امرئٍ تكون له صلاةٌ بالليل أو شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظُّهْر إلا كَتَبَ اللهُ أجرَ صلاته، وكان نومُه عليه صدقةً" (رواه مسلم)؛ ولهذا فإنَّ مَنْ نام عن الوتر أو نَسِيَه أو فاتَه بسبب مرض ونحوه صلَّى ما كان يصليه ليلًا، صلَّاه في النهار، يسلِّم من كل اثنتينِ، ويجعل الوترَ اثنتينِ بنِيَّة الوتر على الصحيح من قول أهل العلم، قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا شغلَه نومٌ أو مرضٌ عن وتره صلَّى من النهار ثِنْتَيْ عشرةَ ركعةَ" (أخرجه مسلم).
عبادَ اللهِ: والمقصود بهذه الآية أن نعلم أن في اختلاف الليل والنهار وفي تغيُّر أوصاف الأزمان، أنَّ في ذلك عبرةً عظيمةً كبيرةً جليلةً، تدعو الموفَّق إلى التفكُّر في قدرة الله العظيمة، ومشيئته التامَّة، وعظمته المتناهية، بما يلزم المسلم بالخضوع لله -جلَّ وعلا-، والتذلُّل له -عزَّ شأنُه-، وبما يفرض عليه الإنابةَ الحقَّةَ والاستجابةَ لشرعه القويم، ولهذا قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الْفُرْقَانِ: 62].
إخوةَ الإيمانِ: وإنَّما يتذكَّر التذكُّرَ النافعَ أهلُ الإيمانِ، فهذا الاعتبارُ يُحدِث لهم خوفًا حقيقيًّا مِنْ خَالِقِهم، وخشيةً شديدةً من عقابه، وحذرًا جادًّا من سخطه، قال جلَّ وعلا: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 6]، وقال عزَّ شأنُه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[يُونُسَ: 67]، نعم إنَّهم هم الذين ينتفعون بآيات الله الكونية، فيتَّعِظون بها ويعتبرون حتى يُثمر لهم ذلك إيمانًا صادقًا، وعملًا خالصًا، قال جلَّ وعلا: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[النَّمْلِ: 86]، فيا أيها المؤمنُ: اتَّخِذْ من اختلاف الأزمان موعظةً وذكرى، وكُنْ في أحوالِكَ كلِّها لله شاكِرًا، وبطاعتِه عامِلًا، ولمعاصيه مُجَانِبًا، قال جلَّ وعلا: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْقَصَصِ: 73]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: تشكرون اللهَ بأنواع العبادات في الليل والنهار".
إخوةَ الإيمانِ: ومِنْ عِبَر ومواعظِ اختلافِ صفاتِ الأزمانِ ما يجده العبادُ في فصل الصيف من شدة الحَرِّ، ولهذا يبتغون فيه السبيلَ إلى الظلِّ الظليل، والهواء البارد العليل، فالواجب على المسلم أن يتذكَّر بهذا الفصل نارَ جهنم وحَرَّها فيعمل لِمَا يجانبه من ذلك، نعوذ بالله من النار وحَرِّها، قال الله -جلَّ وعلا-: (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التَّوْبَةِ: 81]، وفي الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اشتكت النارُ إلى ربِّها، فقالت: أَكَلَ بعضي بعضًا، فأَذِنَ لها بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشتاء، وَنَفَسٍ في الصيف، فهو أشدُّ ما تجدون من الحَرِّ، وأشدُّ ما ترونَ من الزَّمْهَرِير" يعني البرد.
فالبدارَ البدارَ -عباد الله- لكل عمل صالح يقرِّبكم إلى العزيز الجبَّار، والحذرَ الحذرَ من كل المعاصي والْمُوبِقات، قال جلَّ وعلا: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)[اللَّيْلِ: 14-21]؛ ولهذا فسَلَفُ هذه الأمةِ -لكمالِ خوفهم من الله جل وعلا، وخشيتهم له -سبحانه- تجدُهم يعتبرون باختلاف الأزمان ولهم في ذلك شأن عظيم، فهذا عمر -رضي الله عنه- يوصي ابنَه بخصال الإيمان، ويذكُر منها الصومَ في شدةِ الحَرِّ، وَلَمَّا مَرِضَ أبو الدرداء مرضَ الوفاةِ قال: "اللهمَّ إنَّكَ تعلم أنِّي لم أكن أُحِبُّ البقاءَ في الدنيا لِجَرْيِ الأنهارِ، ولا لغرسِ الأشجارِ، ولكن لظمأِ الهواجرِ ومكابَدةِ الليلِ، ومزاحَمةِ العلماءِ بالرُّكَبِ عند حِلَقِ الذِّكْرِ".
وحُكي عن ابن عمر -رضي الله عنه- وعن غيره من السلف أنهم كانوا إذا شربوا الماءَ الباردَ في الصيف بَكَوْا، وذكروا قولَ الله -جلَّ وعلا- عن الكفار: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 50].
اللهمَّ اجعلنا من المعتَبِرينَ، واجعلنا لطاعتِكَ من الدائمينَ، يا ذا الجلال والإكرام، أقول هذا القولَ وأستغفر اللهَ لي ولكم، ولسائر المسلمينَ من كل ذنب، فاستغفِرُوه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: شهر ذي القعدة من أشهُر الحجِّ، ومن الأشهر الحُرُم التي شرَّفَها اللهُ وعظَّم حرماتِها، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "اختصَّ اللهُ أربعةَ أشهرٍ جعلهُنَّ حُرُمًا، وعظَّم حرماتِهِنَّ، وجعَل الذنبَ فيهن أعظمَ"، وقد نصَّ أهلُ العلم على سُنِّيَّة العمرةِ في شهر ذي القعدة؛ لأنَّ عُمَرَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الأربع كلهن في ذي القعدة، كما ورَد في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لم يعتمر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إلا في ذي القعدة" (رواه ابن ماجه بسند صحيح)، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولكنَّ اللهَ لم يكن لِيختارَ لنبيِّه إلا أفضلَ الأوقاتِ وأَوْلَاها؛ فأَحْيُوا سُنَّةَ حبيبِنا ونبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فإن في ذلك أعظمَ الأجرِ وأكمَلَه وأتَمَّه.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ؛ ألَا وهو الإكثارُ من الصلاة والتسليم على النبي الكريم.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك وأَنْعِمْ على نبينا ورسولنا وحبيبنا وقُرَّة عيوننا نبينا محمدٍ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ وبارَكْتَ على آل إبراهيم في العالمينَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ ارضَ عن الصحابة أجمعينَ، وعن الآل ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك أن تعمر أوقاتنا بطاعتك، اللهمَّ وَفِّقْنا لمرضاتِكَ، اللهمَّ وَفِّقْنا لمرضاتِكَ، اللهم وفقنا لِمَا يُرضيكَ عنَّا في هذه الدنيا وفي الآخرة، يا أرحم الأرحمين، يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعطِ نفوسَنا تقواها، وزَكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ ولِيُّها ومولاها، اللهمَّ اجعلنا ممن طالت أعمارُهم، وحَسُنَتْ أعمالُهم، واستغلُّوا ليلَهم ونهارَهم في طاعة مولاهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم مَنْ أراد المسلمينَ بسوء فَأَشْغِلْهُ في نفسه، اللهم اجعل تدبيرَه في تدميره، اللهم اجعل تدبيرَه في تدميره، اللهم لا تَرْفَعْ له رايةً، اللهم مَنْ أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، اللهم وفَرِّق شملَه، اللهم ومَزِّق صفَّه يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم وَاقْتُلْهُ بسلاحِه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل مكروه وسوء، اللهم احفظها وسائر بلاد المسلمين من عاديات الأعداء، وتربُّص الأشرار وكيد الفُجَّار يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا ووليَّ عهده لِمَا تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّقْهما لِمَا تحبه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمِنْ روعاتِنا، اللهم آمِنْ روعاتِ المسلمينَ، واستر عوراتهم يا ذا الجلال والإكرام، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، اللهم ارحم المسلمين في كل مكان، بجَمْع كلمتِهم وتأمينِ دُورِهم، اللهم احفظ أموالَهم وأعراضَهم وأنفسَهم، اللهم اجْمَعْ كلمتَهم على الحق والتقوى، اللهم اجمع كلمتَهم على الحقِّ والتقوى، اللهم إن بديار المسلمين من الفتن ما لا نشكوه إلَّا إليكَ، اللهم فَأَصْلِحْ أحوالَهم، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام أصلح أحوال المسلمين واجعلهم في خير وعافية وأمن وأمان، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أغن فقيرهم، وارحم ميتهم، واشف مريضهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.